أهمية التفكير الراقي
وكيفية قراءة القصص
محمد فريد فرج فراج
مليارات المليارات أو ترليونات الترليونات من التفاحات وسائر أنواع الفواكه المختلفة، وغيرها من الأمطار، وسائر المخلوقات المتنوعة تسقط على عدد من الرؤوس، لا يحصيها إلا محصي أنفاس العباد سبحانه وتعالى.
تفاحة واحدة فقط من بين هذا العدد الذي لا يحصيه إلا محصي أنفاس العباد سبحانه وتعالى، شاء الله عز وجل بقضائه وقدره المحْكَمَيْنِ أن تسقط فوق رأس إنسان واحدٍ فقط، هو الذي فَكَّرَ، وسأل نفسه هذا السؤال:
عندما انفصلت هذه التفاحة عن الشجرة، لماذا سقطت لأسفل ولم ترتفع لأعلى؟!
ومن هنا بدأ يكتشف قانونًا غَيَّرَ خط سير البشرية جمعاء، وهو قانون: "الجاذبية الأرضية".
"الجاذبية الأرضية" لم يخترعها، ولم يصنعها، ولم يُجهِد نفسه في تركيبها.
كل ما هنالك أنه اكتشفها.
كيف اكتشفها؟
إنه فكر، فقط فكر، التفكير والسؤال فقط هو ما قاده إلى الاكتشاف.
التفكير فقط بلا مال، ولا معامل ومجهود، ولا وقت، ولا شيء سوى التفكير، والتفكير وحده هو ما قاده إلى هذا الاكتشاف المذهل الهائل.
أرأيت أهمية التفكير؟!
والتفكير المقصود ليس هو التفكير المجرد أو المطلق، وإلا فالحيوانات تفكر أيضًا.
ومن درس عالم الحيوانات يجد عجبًا عجابًا في تفكير الحيوانات في كيفية الدفاع عن نفسها من الأخطار، وكيفية اصطياد فرائسها، والحصول على طعامها، ولولا خوف الاستطراد لذكرنا ما يذهل العقول، ويبهر الألباب.
فقد هدى الله سبحانه وتعالى كل مخلوق إلى كيفية التعايش في هذه الدنيا.
والتفكير في المأكل والمشرب وسائر المطالب الحياتية بهذه الصورة هو تفكير بالرتبة الحيوانية، لا يوصل لأكثر مما توصل إليه الحيوان.
نيوتن عندما سقطت عليه التفاحة، لم يفكر في لذة طعمها، وشذا ريحها، واحمرار ظاهرها، ونصاعة بياض قلبها، وصلابة جوهرها.
نيوتن عندما سقطت عليه التفاحة، لم يفكر في كيفية جمع أكبر عدد ممكن من التفاحات، ولكنه فكر في السبب والعلة والمبدأ والكيفية التي قادت التفاحة إلى رأسه.
وهذا هو الرقي في التفكير، الذي يسمو بصاحبه لرتبة التفكير البشري، أعني: التفكير في السبب والعلة والمبدأ والكيفية.
الطبيب في مستشفاه وعيادته، والمعلم في مدرسته ودروسه، والمهندس في شركته، ومكتبه الخاص، والحِرْفي في ورشته، والبائع في متجره، والفلاَّح في حقله، كل هؤلاء، وغيرهم من الخلق، يفكرون في ماذا؟
ماذا يريدون من وراء الكد والكدح والتعب والنصب طول اليوم من الاستيقاظ إلى النوم؟
هل يريدون أكثر من ملء البطون، وكسوة الأبدان، وكنز الأموال؟
فهل التفكير في ملء البطون، وكسوة الأبدان، وكنز الأموال، وغيرها من المطالب الحياتية يناسب سمو الرتبة الإنسانية؟
بالطبع كلا، مهما اختلفت قيمة الطعام والكساء، وإن بلغت قيمتها ما بلغت.
فالحيوانات تختلف في أنواع غذائها؛ فقد يكون غذاؤها على: (الحيوانات، أو التبن، أو الحشائش، أو الرحيق، أو الدود، أو السحالي، أو التراب، أو السمك، أو غير ذلك...).
ولكن في النهاية كلهم حيوانات، فلا فرق بين حيوان يفكر في أكل الخرفان، وثانٍ يفكر في أكل الديدان، وثالث يفكر في أكل العيدان.
فكلهم في النهاية حيوانات.
وكذلك تختلف الحيوانات في غطاء الجسد؛ فقد يكون من الجِلد، أو الشَّعر، أو الصوف، أو الوبر، أو الريش، أو غير ذلك.
وفي النهاية فكلهم حيوانات، لا فرق بين ما غطى الله سبحانه وتعالى جسده بالشعر، وما غطى الله عز وجل جسده بالصوف.
وهناك بعض الحيوانات ترتفع قيمة غطاء جسدها جدًّا، حتى أخذوه للأميرات والملكات؛ كفَرْوِ الثعلب، وجلد الثعبان.
ومع ارتفاع قيمة هذا الغطاء ارتفاعًا عظيمًا لم ينفعهم ارتفاع القيمة في رفعهم عن رتبة الحيوانية.
بل استخسره فيهم البشر وأخذوه لأنفسهم، ورأوا أنهم أولى من هذه الحيوانات بهذه الأغطية الفاخرة، التي لا تناسب دناءة الرتبة الحيوانية.
وكانت هذه الأغطية الفاخرة سببًا في مطاردة البشر لهم وقتلهم؛ للاستفادة منهم بهذه الأغطية الفاخرة، التي كانت سببًا في فقد حياتهم.
فالحيوان حيوان، سواءٌ ارتدى شعرًا، أم وبرًا، أم صوفًا، أم فروًا.
فالحيوان حيوان، سواءٌ فكر في أن يأكل خروفًا، أو دودة، أو حشيشًا.
فالحيوان حيوان، سواءٌ فكر في أن يأكل خروفًا واحدًا كل عام، أو مزرعة خرفان كل ساعة.
وسيبقى الحيوان حيوانًا ما دام تفكيره منحصرًا في ملء بطنه، وإطفاء حرارة شهوته السُّفلية، لا يتعداه إلا للتفكير في عدد المأكول ونوعه.
فإذا ملأ بطنه، وأطفأ حرارة شهوته السفلية، لم يعُدْ يجد ما يستحق التفكير بعد ذلك.
فلا شيء في هذه الدنيا يستحق التفكير عند الحيوان إلا فيما يملأ بطنه، ويطفئ به حرارة شهوته السفلية.
فالحيوان ليس حيوانًا لأنه لا يفكر ألبتة.
لا... فالحيوان يفكر بالفعل، ولكن تفكيره - كما قلنا - منحصرٌ في البطن وسائر المطالب الحياتية التي لا يناسب التفكيرُ فيها رتبةَ المكانة الآدمية، والمنزلة البشرية.
يتبع
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك