سيلفيت لارزول
وأوائل الترجمات الفرنسية للقرآن الكريم
محمد سعيد الملاح
ومضت أمامي كلمتان "Traduire l’intaduisible"، فلم أتجاوزهما، مثل كل من يبحث عن شيء ما، فهو لا يحتاج سوى إلى لمحة، كانت "سيلفيت لارزول Sylvette Larzul " تتحدث عن ترجمة القرآن فاختصرت الموضوع بكلمتين: "ترجمة ما لا يُترجَم"، وهكذا أخيرًا، ظهر من يفهم العربية، ويفهم القرآن الكريم، فانكببت على بحثها المسمى: "ترجمة ما لا يُترجَم"، أوائل الترجمات الفرنسية للقرآن الكريم بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، فلما تأمَّلتُه وقارنت ما فيه بما كتَبَه غيرها من الباحثين، رحت أبحث عن الكاتبة، فلم أجد لها ذكرًا في مواقع الإنترنت العربية، وشعرت بأن من واجبي أن أعرف القراء العرب بها.
إنها الكاتبة الفرنسية المعاصرة: "سيلفيت لارزول"، وهي حاصلة على الإجازة في الأدب العربي، ثم على الدكتوراه من جامعة باريس الثالثة (جامعة السوربون الجديدة)، حيث تعمل أستاذةً للأدب العربي فيها، كما تعمل باحثة في "مركز التاريخ الاجتماعي للإسلام في البحر الأبيض المتوسط"، وهو معهد للدراسات العليا في العلوم الاجتماعية، وتدور أبحاثُها حول تلقي أو استقبال الغرب للأدب العربي، وللإسلام، وحول تاريخ الاستشراق.
ويؤلمني انكماش النقد العربي، إلى حد الغياب من ثقافتنا العربية المعاصرة، بحيث يشعر غير ذي اختصاصٍ - مثلي - بضرورة ملحةٍ لتعريف القارئ بكُتَّابٍ أجانب يتناولون قضايا مهمة تخص الثقافة العربية ونظرة الغرب إليها، وإن إمكانياتي المتواضعة لن توفر للقارئ العربي ليتعرف على "سليفيت لارزول" سوى عنوانين: كتبها، وأبحاثها، ثم عرض مفصل لبحثها عن "أوائل الترجمات الفرنسية للقرآن الكريم".
من كتب سيلفيت لارزول:
1- "الترجمات الفرنسية لألف ليلة وليلة"، دراسةٌ مقارنةٌ لترجمات غالان وتريبوتيان وماردوس، 1996.
2- "ألف ليلة وليلة"، من التقاليد العربية إلى الترجمات الفرنسية.
3- "الليالي العربية من منظور متعدد القوميات"، بالاشتراك مع أولريش مالزورف، وجوزيف سادان، وأبي بكر شريبي 2007.
4- "اعتبارات أخرى حول ألف ليلة وليلة لغالان"، دراسة الأقاصيص التي رواها حنا 2005.
من أبحاث سيلفيت لارزول:
1- "ألف تناسخ وتناسخ" (ألف آفاتار وآفاتار) من بغداد إلى هوليود.
2- "اختراع المستشرقين"، ملف في مراجعات ألف ليلة وليلة.
3- من غالان إلى مادروس، أو الكلاسيكية في أجواء نهاية القرن.
4- "أنطوان غالان" (1646- 1715) عالم اللغات الأجنبية.
5- "أنطوان غالان"، معجم السير الأدبية: الكتاب المستشرقون.
6- "تلقي العرب لألف ليلة وليلة بين القرن الثامن عشر والقرن العشرين، بين الهوان والعرفان، في "ما بعد الاستشراق"، الشرق الذي خلقه الشرق".
7 - "اختلاف نظرة العرب لألف ليلة وليلة".
8- "القواعد اللغوية وصناعة المعاجم في اللغة العربية الجزائرية في القرن التاسع عشر".
9- "ملخصات غزو الجزائر من السياسة إلى المملكة العربية".
10- "الترجمات الفرنسية الأولى للقرآن الكريم بين القرن السابع عشر والقرن التاسع عشر".
11- "أصل اثنين من الأعمال التربوية العربية: حكم لقمان، وألف ليلة وليلة 2009".
12- "قصة هزلية من ألف ليلة وليلة، تاريخ أبي الحسن، أو النائم يستيقظ".
13- "مناهج الإسلام"، بالاشتراك مع هيلين بايل، بيير لوري، وجيل لادقاني.
14- "ملخصات عن المدارس العربية الفرنسية في الجزائر الاستعمارية" (1850-1870) مونبيليه 2009.
عرض لبحث: "ترجمة ما لا يُترجَم"
أوائل الترجمات الفرنسية للقرآن الكريم بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر"[1]:
تقول سيلفيت لارزول في ملخص البحث: "انفصلت ترجمة القرآن عن الجدل الديني في فرنسا منذ بداية القرن السابع عشر، ولم تظهر ترجمة يعتمد عليها باللغة الفرنسية حتى منتصف القرن التاسع عشر، وقد اختفت الترجمة النوعية لأنطوان غالان في بداية القرن الثامن عشر دون أن تنشر، وبقيت الترجمتان الأوليتان الناقصتان: ترجمة دو رييه الرائدة عام 1647، وترجمة سافاري الأدبية عام 1783، ويضع هذا البحث الترجمات الفرنسية - والتي تمثل كل منها تقدمًا بالنسبة لسابقتها - في فضائها الأوربي، كما يتتبع اعتمادها على الترجمات المعاصرة الشهيرة، الترجمة اللاتينية لمراتشي 1698، والترجمة الإنجليزية لجورج سيل 1734".
عند تأمل هذا الملخص نجد أن الباحثة مهتمة بموضوع ترجمة القرآن في أوربا، ومتتبعة لها بكل اللغات الأوربية منذ بدايتها وحتى نهاية القرن التاسع عشر، وعلى اطلاع بمضمونها، وهي تثني على الترجمات الفرنسية - رغم ما تذكره من عيوبها - باعتبارها تمثل خطوات إلى الأمام في طريق الوصول إلى ترجمة يعتمد عليها للقرآن الكريم، كما رصدت اعتماد الترجمات المتلاحقة بعضها على بعض.
وفي استعراضها المفصل للترجمات الفرنسية الأربعة الأولى، فإنها تسير على النهج ذاته؛ إذ تقارن الترجمة التي تدرسها بسابقاتها، وتذكر فضلها، وما جاءت به نحو ترجمة أفضل للقرآن، كما تنكب على نص الترجمة وتظهر ما به من عيوب، وتولي عناية خاصة بالحواشي أو الملاحظات الجانبية، والتي تكمل الترجمة وتوضح معانيَها، أو تعلق على مضمونها، كما تعتني بالمقالات أو المذكرات المصاحبة للترجمة، والتي تنصب في العادة على التعريف بعقيدة الإسلام، وعلى حياة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بشكل خاص، حيث إن هذه النصوص المصاحبة لترجمات القرآن هي التي صاغت نظرة الأوربيين للإسلام، وهذا الموضوع بالذات هو أحد الاهتمامات الدائمة للباحثة.
في مقدمة البحث قالت سيليفيت لارزول: "لا يمكن نظريًّا ترجمة القرآن الكريم؛ حيث إنه يعتبر في الإسلام كلام الله، وبالتالي فلا يمكن تقليده (بترجمته)، ومع ذلك فقد ألفت تفاسير أدبية للقرآن الكريم في وقت مبكر جدًّا باللغتين الفارسية والتركية؛ وذلك لكي تشرح للمسلمين غير الناطقين بالعربية معاني النص المقدس"، ثم يمَّمت نظرها شطر أوربا، وتحدثت عن الترجمة الأوربية الأولى التي أمر بها "بطرس المبجل" في القرن الثاني عشر، وقالت بأن هذه الترجمة صُنعت لأجل معرفة دين العدو ودحضه، وبأنها قد اعتبرت منذ وقت طويل ترجمة منحرفة، لمترجمين يسارعون لتحريف النص الأصلي، وأُدينتْ لأسلوبها في التلخيص وإهمال النص الأصلي، وأكدت بأنه عبر هذه الترجمة وحدها فقط تعرَّفَ الغرب على الإسلام حتى منتصف القرن السابع عشر، إذ طبعت عام 1543 وترجمت للإيطالية والألمانية والهولندية.
الترجمة الفرنسية الأولى: أصدر "آندريه دو رييهAndre Sieur du Ryer " عام 1647م أول ترجمة فرنسية لمعاني القرآن الكريم باللغة الفرنسية، وعنونها باسم: "قرآن محمد L’alcoran De Mohamet"، وكانت كل الترجمات تقريبًا قبل ذلك باللغة اللاتينية، ولم يكن دو رييه لاهوتيًّا؛ ولذلك توجه بترجمته هذه لجمهور القراء الفرنسيين، وكان أول المترجمين الذين كانت لهم معرفة مباشرة ومطولة بالشرق المسلم، حيث كان موظفًا دبلوماسيًّا في القسطنطينية وقنصلاً لفرنسا في الإسكندرية، وقد عكف طويلاً في إقطاعيته على إعداد هذه الترجمة.
وكذلك مدحته سلفيت لارزول بقولها: "يبدو أن العمل الذي تحقق في منتصف القرن السابع عشر مِن قِبَلِ دو رييه قد أدخل ترجمة القرآن في الغرب في حقبةٍ جديدة، وفي نفس الوقت الذي قدم فيه للقارئ ترجمة متكاملة وأصيلة، فقد حطم تقليد النقض والدحض الموروث من العصور الوسطى، ولم يرفق ترجمته بمقدمة وحواشٍ ومقالات في محاربة الإسلام، وكانت ترجمة دو رييه أول ترجمة مخصصة لترجمة نص القرآن الكريم بشكل محدد، وقد يبدو هذا الكلام غريبًا، ولا يمكن فهمه إلا بالنظر للترجمات السابقة، والتي كانت كبيرة الحجم ومخصصة للرد على الإسلام، ولكن في الجو الديني السياسي السائد في ذلك العصر، فإن تلك المطبوعة كان لا يمكن أن تخلو من إدانة المؤلف للإسلام؛ ولذلك كتب مقدمةً من بضعة صفحات تتضمن هجومًا على الإسلام ورموزه ودفاعًا عن المسيحية".
وقد لقيت هذه الترجمة المعنونة: "قرآن محمد" انتشارًا واسعًا، وقد أعيد طبعها مرارًا عديدة اعتبارًا من عام 1649، وحتى عام 1775م في هولندا كما في فرنسا، كما ترجمت للإنجليزية Alexander Ross 1649، وللهولندية (Glasmacker 1658)، وللألمانية (Lange 1688)، وذلك عن الترجمة الهولندية، وللروسية مرتين؛ مرة بواسطة Postinkov عام 1716، ومرة بواسطة Veryovkin عام 1790.
الترجمة الفرنسية الثانية: أتم أنطوان غالان Antoine Galland في عام 1710 ترجمة فرنسية للقرآن الكريم، وقد اختفت هذه الترجمة عند تقديمها للمكتبة الملكية ولم تنشر أبدًا، ولكن مراسلات غالان ومذكراته تقدم معلومات كافية حول هذا الموضوع لتقييم أعمال هذا المستشرق، تشكلت في بلاد الشرق، حيث قضى أنطوان غالان ما يقرب من خمسة عشر عامًا في بلاد الشرق ما بين عامي 1670 و 1688 سكرتيرًا في السفارة الفرنسية في إسطنبول وكجامع تحفٍ، وهناك أتقن التركية والعربية والفارسية وتشبع بثقافة الشرق، وفي نهاية حياته عكف على ترجمة القرآن بطلب من رئيس الدير "جان بول بينيون()L’abbe Jean Paul Bibgnon" (يوميات 20 يوليو/ تموز 1709)، وكان لديه تصور واضح تمامًا عن هذا العمل الذي أنجزه وفق طريقة دقيقة.
حيث كتب: "كنت مقتنعًا منذ زمن طويل أننا لا نستطيع فهم القرآن جيدًا، بالمعنى الذي فهمه به المسلمون، ما لم نتوصل لنسخٍ (أو نحوز على ترجمات) جيدة للقرآن باللغة الفارسية أو التركية، وقد حظيت بواحدة بكل من اللغتين" (رسالة منه إلى جيسبر كوبه Gisbert Cuper مؤرخة في 31 أكتوبر/1710).
ولا شك أن غالان قد استفاد استفادة هائلة من ترجمات المسلمين للقرآن الكريم بالفارسية والتركية، سواء في الترجمة الحرفية، أو في المعاني التي تقرأ بين السطور، كما استفاد من ترجمة مراتشي اللاتينية، والتي تعتبر خطوةً رئيسية في الوصول إلى المعرفة من النص القرآني من قبل الغرب، وبفضلِ عملِ سلفه المحنك، فقد استطاع غالان أن ينجز ترجمته خلال ستة عشر شهرًا فقط.
في نهاية المطاف، لا يبدو أن هناك شكًّا في أن نص ترجمة القرآن الكريم الذي أنجزه أنطوان غالان كان متفوقًا للغاية على ما فعله أندريه دو رييه، وأنه لم يكن أقل مما فعله لودوفيكو مراتشي.
ويبقى السؤال مطروحًا: لماذا لم يطبع وينشر عملٌ كانت قيمته واضحةً جليةً؟ ولا تقع المسؤولية مطلقًا على أنطوان غالان الذي حرَص على أن يوصي الأب بينيون بترجمته للقرآن، وبمدوناته وبأبحاثه، حيث ذهبت أصول كتاباته للمكتبة الملكية، وليس هناك من سبب لنظن بأن هذه الترجمة قد ضيعها الأب بينيون، وهو الشريك الذي عرف قيمة العمل وكان حريصًا على نشره، وهل علينا أن نفترض أن الظروف السياسية والدينية الفرنسية في حوالي عام 1720 لم تكن مواتيةً لنشر عمل اعتبر متعاطفًا جدًّا مع المسلمين في وقت كان فيه المسلمون يكسبون أرضًا جديدة كل يوم[2].
يتبع
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك