09-07-2015, 07:27 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 359,472
|
|
لا يخلو بلد من عالم مغمور
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
وبعد :
فمن سنتين وأنا أشتكي لخلاني وأقراني ومن أتواصل معهم في الشبكة قلّة أو إنعدام المشايخ في تونس لاسيما أننا تعودنا بنمطٍ قوي وسريع بداية الثورة فكنا نتخيّر من الشناقطة ما تشتهيه أنفسنا
ثم بعد ترحيلهم وعودة التضييق عاد كل واحد حبيس همومه في مكتبته بين الأشرطة والكتب والتلخيص مع الخير الذي فيه إلا أن لذّة تلكم المجالس لم تفارق خيالي ولم يطردها شوق قلبي الذي يحنّ إليها كلما سمعت سلسلةً في فن من الفنون وفرغت منها وختم المدرس المجلس بالثناء على الحاضرين وربما وزّع عليهم الجوائز ازداد همي وغمي ليس طمعًا في الجوائز أو التكثر من المشايخ لكنه اليتم الذي يشعر به طالب العلم إذا لم يلازم شيخًا يقرأ عليه
ثم بعد فترةٍ كنت أقرأ في بعض كتب عنوان الأريب في من سكن البلاد التونسية من عالم وأديب ( في مجلدين) سنخ بخلَدي أنه لا يعدم الخير في أمّة محمد صلى الله عليه وسلم أنه لا بد لي أن أبدأ في رحلة البحث عن من أقرأ عليه.
وكنت أستغل عملي الذي لا يتجاوز ساعتين في اليوم لاسيما أنني أتنقل بين المساجد فقصدت يومًا مدينة مساكن من ولاية سوسة في الساحل التونسي بلاد الإمام يحي بن عمر رحمه الله
فكان يومًا ممطرًا احتويت بقبة المسجد وكان البلل قد دخل قميصي من كل جانب
سمعت أحد الإخوة يتحدث عن شيخ رحل إلى السودان مكث فيها نحو ثلاثين سنة في طلب العلم وكان كلامهما يتردد في أذني طيلة الصلاة فلما خرجنا كلمته وطلبت منه رقم الشيخ فقال لي أن الشيخ مسافر بغير رجعة للمملكة السعودية الأسبوع القادم واعتذر لي الأخ على ما رأى من مظهر الحزن الذي بدى على وجهي وقد انقلب من حال إلى آخر .
فعدت أدراجي وكنت مفعمًا بالأمل المخلوط بالأسف ولكن قدر الله نافذ
بعد أيام سمعت بشيخ يثني عليه أهل تلك البلد ثناءً عظيمًا على ما رأوا من أخلاقه ودينه وورعه وإعانته للمحتاج قرأت له ترجمةً أدخلت عليّ السرور فالشيخ يدرّس الفقه واللغة والفرائض والتفسير والقراءات فعزمت على لقائه وفعلاً كان ذلك من الغد فقد ساقني الله عز وجل إليه
أخذت معي كتابين كتبت على أول صفحاتهما كلمات التقدير والمحبة لعلي أستعطفه بها
فالأول اللمعة في خصائص الجمعة للسيوطي
والثاني عدّة اللافظ لابن مالك
صليت المغرب في المسجد الذي هو إمامه فجلست أمامه وإذ به ذو سمت وخلق عظيم كلمته واشتكيت له قلة من أقرأ عليه فاشتكى إليّ قلّة الوقت عنده وأخرج من جيبه دفترًا صغيرًا وقال لي انظر يا بني فتأملته وعجبت لأمر هذا الرجل الذي يبلغ الثمانية والستين من كثرة مواعيده ودروسه وبذله وقال لي أنه لا ينام أكثر من ثلاث ساعات
مرّت دقائق معدودات فاِلتفت إليّ وقال متى تريد أن تقرأ أجبته بغير لجلجة ولا لعثمة : في كل وقت شيخنا
فقال لي ائت يوم الإثنين نقرأ في الغرة شرح الدرة للأخضري مرت بيني وبينه مجالس أعدها أفضل أيام حياتي على ما رأيته من خلقه وسمته وعلمه وسعة اطلاعه وحبه لطلبة العلم وفي يوم اتصل أمامي بأحد المشايخ من نفس البلد وهو يعرفه ويثق في علمه وأثنى عليه بما يليق بمقامي وأخبره بأن يضمني لخواصه وشيخنا الثاني له أربعة دروس في الأسبوع بعد صلاة الصبح
يُقرأ عليه في الكافية في النحو والشافية في الصرف والسلم في المنطق ونخبة الفكر في المصطلح لم أكد أصدق بعدما كنت أبحث عن درس واحد في الأسبوع صار عندي خمسة و{ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}
ثم شيخنا الأخر دلني على من يحمل القراءات العشر فصرت أقرأ عليه أيضًا
فسبحان الذي يسخر الخير لمن يريده ويسعى إليه
أردت أن أقص على إخواني هذه القصة كي يعتبروا ويبحثوا عن هؤلاء المغمورين فلا يزال الخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله أرض ومن عليها .
والحمد لله رب العالمين
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|