الأهداف الغائبة
صالح بن محمد الطامي
على طاولة المفاوضات السلمية، وفي مجلس زعيم الدولة الوثنية أبي طالب، رفض النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كل الإغراءات والتهديدات التي تحول دونه ودون تحقيق الأهداف السامية التي جاءت بها الرسالة الربانية، حتى إذا كاد أن ينفض المجلس أعلن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صُراحةً تمسكه وعزمه على تحقيق تلك الأهداف، فقال: ((والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك ذلك الأمر حتى يُظهره الله أو أهلك فيه ما تركته...)).
إن الأهداف التي سعى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في تحقيقها ولاقى في سبيل ذلك أنواع الأذى تكمن في إخراج النفس البشرية من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، فكان يقول: (يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا).
ومن تحجّر العقل الجاهلي إلى سعةِ الإسلام وعدلِه وسماحتِه وإعطاء كل ذي حق حقه، كقوله: (يسروا ولا تعسروا، وبشّروا ولا تنفروا).
ومن تعطيل القدرات الجسدية والذهنية إلى ما ينفع الإنسان في دينه ودنياه كقوله: ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)).
وغير ذلك كثير.
لقد غرس النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في نفوس الصحابة - رضي الله عنهم - معاني هذه الأهداف، حتى أصبح الواحد منهم يسير في هذه الحياة وهو يسمو إلى تحقيق أهدافٍ سامية قد رسمها لنفسه، فتربى على ذلك الصغيرُ وهرم عليها الكبير، فحققت الأمةُ الرفعة والعزة في مدة قصيرة لا تستطيعها الأمم في هذا الزمن دون بذل للأموال الطائلة! وهاك قطافٌ من همم القوم في تحقيق الأهداف النبيلة:
القِطف الأول: في صورة غريبة، وربما أنها كانت حديث ود وسمر، اجتمع أربعة من الأصدقاء من أبناء الصحابة بفناء الكعبة وهم: عبدُ الله بن عمر، وعروةُ بن الزبير وأخوه مصعب، وعبدُ الملك بن مروان، فقال مصعب بن الزبير: تَمنّوا! فقالوا: ابدأ أنت! فقال مصعب: ولاية العراق والزواج بسكينة ابنة الحسين وعائشة ابنة طلحة بن عبيد الله، وتمنى عبد الملك بن مروان الخلافة على المسلمين، وتمنى عروة بن الزبير أن يُحمل عنه العلم، فلم تمض الأيام، حتى نال كل واحد منهم أمنيته وحقق هدفه الذي كان يسعى في تحقيقه، وتمنى عبدُ الله بن عمر الجنة -رضي الله عنهم-.
القِطف الثاني: يقول عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: لما توفي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قلت لفتى من الأنصار: هلمّ فلنسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم اليوم كثير؟ فقال الفتى الأنصاري: عجباً لك يا ابن عباس أترى الناس يفتقرون إليك وفيهم من أصحاب رسول الله من ترى؟ يقول بن عباس: فتركتُه وبدأت اسألُ أصحابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم تمض الأيام حتى توفي أكثر الصحابة وحقق ابنُ عباس أهدافه العلمية التي كان يطمح في تحقيقها فأصبح هو العالم بين الناس يعلمهم أمر دينهم.
القِطف الثالث: كان عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- من تجار الصحابة، وكان بارعاً في صناعتها عالماً بفنونها وأساليبها، وكان يهدف من خلال تجارته إلى العيش الشريف والوقوف بجانب الدعوة الإسلامية بدعمه المادي، قال عن نفسه متعجباً من رزق الله ومبيناً: كيف تحققت له الأهداف التي كان يطمح في تحقيقها: (ولقد رأيتني لو رفعت حجراً لوجدتُ تحته فضة وذهبا).
ولذلك لما استشعر كبار الصحابة -رضي الله عنهم- أهمية رسم الهدف في حياة المسلم عملوا لذلك، بل كانوا يكرهون أن يكون الرجل ليست له همة ولا هدف في حياته، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "إني لأكره أن أرى الرجل فارغاً لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته".
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة".
أيها المبارك: هذا قطاف من أخبار القوم وأهدافِهم وطموحاتِهم، فماذا عن حالنا وحال الكثير من شباب الأمة في هذا الزمن؟ ما هي الأهداف؟ وما هي الطموحات؟ وما هي الخطط المستقبلية؟ وما هي الإنجازات؟
أطلق نظرةً سريعةً على واقع بعضنا فتياتٍ وفتيانا كباراً وصغارا ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير!
خططٌ استراتيجية وأموال طائلة في سبيل الرقي والتقدم بشبابنا وفتياتنا! ومع ذلك تجد في واقع حياتهم عدمُ وضوح في الأهداف الحياتية والمستقبلية! ضبابيةٌ في الإنتاجية العامة! اهتمامٌ بالكماليات! متابعةٌ غير منضبطة للوسائل الإعلامية، إيثار للبطالة واتكالٌ على الغير في تحقيق العيش الشريف! محاكاةٌ للواقع والمجتمع وإن كانت النتائج سلباً أكثر من إيجابا! وغيرها كثير، لسان حال بعضهم يقول: دعني أعيش لحظتي الراهنة! وأحقق سعادتي وإن كنتُ عالةً على أمتي!.
أيها المبارك: إن النهوض بشباب الأمة الإسلامية قائم على إعدادهم في كافة الجوانب الحياتية على ضوء الكتاب والسنة، وهذا يستلزم إعادة النظر في تطوير الجوانب التربوية الأسرية، والمنهجية التعليمية، والقدوات الاجتماعية، والشؤون العسكرية، والوسائل التكنولوجية وكيفية الاستفادة منها، قال - تعالى -: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة...).
قال السعدي -رحمه الله-: أي كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية... أ. هـ.
فإذا اختل النظام في تفعيل هذه الجوانب الحياتية لم تتحقق الأهداف، ولم تستفد الأمة من الخطط الاستراتيجية إلا ذهاب الأموال حساً دون معنى يشاهد.
والله -تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك