عذاب القبر ونعيمه
وسؤال الملكين
ينالان كل من مات
علي محمد سلمان العبيدي
عذاب القبر ونعيمه، وسؤال الملَكين، ينالان كلَّ من مات، ولو لم يدفن؛ فهو اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 100]، وسُمِّي عذابَ القبر باعتبار الغالب؛ فالمصلوب والمحرق والغريق وأكيل السباع والطيور له مِن عذاب البرزخ ونعيمِه قِسطُه الذي تقتضيه أعمالُه، وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب وكيفياتُهما.
فقد ظن بعض الأوائل أنه إذا حرق جسده بالنار، وصار رمادًا، وذري بعضه في البحر وبعضه في البَرِّ في يوم شديد الريح: أنه ينجو من ذلك، فأوصى بَنِيه أن يفعلوا به ذلك، فأمَر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر البَرَّ فجمع ما فيه، ثم قال: قُمْ! فإذا هو قائم بين يدي الله، فسأله: ما حملك على ما فعلتَ؟ فقال: خشيتُك يا رب وأنت أعلم، فرحمه الله، فلم يفُتْ عذابُ البرزخ ونعيمه لهذه الأجزاء التي صارت في هذه الحال.
حتى لو عُلِّق الميت على رؤوس الأشجار في مهابِّ الرياح، لأصاب جسدَه من عذاب البرزخ حظُّه ونصيبه، ولو دُفِن الرجل الصالح في أتون من النار، لأصاب جسدَه من نعيم البرزخ ورَوْحه نصيبُه وحظُّه، فيجعل الله النار على هذا بردًا وسلامًا، والهواء على ذلك نارًا أو سَمومًا.
فعناصرُ العالم وموادُّه منقادة لربها وفاطرها وخالقها، يصرِّفها كيف يشاء، ولا يستعصي منها شيءٌ أراده، بل هي طوعُ أمره ومشيئته، منقادةٌ لقدرته، فغير ممتنع أن تُرَدَّ الرُّوح إلى المصلوب والغريق والمحرق ونحن لا نشعر بها؛ لأن ذلك الردَّ نوعٌ آخر غير المعهود؛ فهذا المغمى عليه والمسكور والمبهوت أحياءٌ، وأرواحهم معهم، ولا تشعر بحياتهم، ومن تفرَّقت أجزاؤه لا يمتنع على مَن هو على كل شيء قدير أن يجعَلَ للروح اتصالاً بتلك الأجزاء على تباعُدِ ما بينها وقُرْبِه، ويكون في تلك الأجزاء شعورٌ بنوعٍ من الألم واللذة.
وإذا كان الله تعالى قد جعل في الجمادات شعورًا وإدراكًا تسبِّح ربها به، وتسقط الحجارة من خشيتِه، وتسجد له الجبال والشجر، وتسبِّحه الحصى والمياه والنبات؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الإسراء: 44] - فإذا كانت هذه الأجسامُ فيها الإحساس والشعور، فالأجسامُ التي كانت فيها الأرواح والحياة أَولى بذلك.
وقد أشهَد الله سبحانه عبادَه في هذه الدار إعادةَ حياة كاملة إلى بدنٍ قد فارَقَتْه الرُّوح، فتكلم ومشى، وأكَل وشرِب، وتزوَّج ووُلِد له:
قال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ﴾ [البقرة: 243].
وقال سبحانه: ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [البقرة: 259].
وكقَبِيل بني إسرائيلَ الذين قالوا لموسى: ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ [البقرة: 55]، فأماتهم اللهُ ثم بعَثهم من بعدِ موتهم.
وكأصحاب الكهف.
وكقصةِ إبراهيمَ في الطيور الأربعة.
فإذا أعاد الحياةَ التامة إلى هذه الأجساد بعدما بردت بالموت، فكيف يمتنعُ على قدرته الباهرةِ أن يعيدَ إليها بعد موتها حياةً ما غير مستقرة يقضي بها أمرَه فيها، ويستنطِقُها بها، ويُعذِّبها أو يُنعِّمها بأعمالها؟! وهل إنكار ذلك إلا مجرد تكذيب وعناد وجحود؟!
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك