شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى الفقه
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: مصحف حسام محمد الاجاوي 18 سورة برابط واحد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عبد الرحمن الشوربجي سورتان الفاتحة و الغاشية (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف محمد نجيب سورة نوح برواية ورش (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف محمد نجيب 7 سور برواية حفص برابط واحد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحسين سيد عبد العاطي 14 سورة برابط واحد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف زكرياء زيني المغربي سورة الفاتحة برواية ورش (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عبد الرؤوف الجزائري سورة سبأ برواية حفص (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف بدر احمد المغربي 4 سور رواية حفص عن عاصم (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف فهد بن علي قحل 7 سورة برابط واحد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف يوسف الدغوش 10 سور برواية حفص برابط واحد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 12-17-2014, 03:49 AM
منتدى اهل الحديث منتدى اهل الحديث غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 5,969
افتراضي (045)الجهاد في سبيل الله-أثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تزكية النفس


الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاعدة من أهم قواعد الإسلام التي لا قوام لأمته إلا بها، وهو عنوان فلاح المسلمين وفوزهم، ومنطلق أهليتهم لقيادة البشرية، فإذا حققوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أنفسهم، كانوا أهلاً لتحقيقه في سواهم من أمم الكفر والضلال، وإلا كانوا أهلاً لغضب الله وسخطه ولعنته، ومن كان مُعَرَّضاً لسخط الله وعظيم عقابه، كيف يكون جديراً بالكون في صف المجاهدين في سبيل الله.

فالمؤمنون لا ينجيهم من الخسران أن يقوم كل واحد منهم بما كلفه الله إياه، دون أن يتواصى مع غيره من إخوانه المؤمنين بالحق والصبر. قال تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين أمنوا، وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر].

وكيف يقف الصف المخلخل الذي يبتعد أفراده عن الله، بترك طاعته والولوغ في مستنقع معاصيه، ولا يوجد فيه من يغضب لله، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ كيف يقف هؤلاء في هذا الصف في وجه عدوهم مجاهدين في سبيل ربهم، ولم تتوافر فيهم صفات عباد الله المؤمنين الذين قال تعالى عنهم: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} [التوبة: 71].

وهم الذين قصر الله الفلاح عليهم، كما قال: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون} [آل عمران: 104]. وأوضح سبحانه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان به، هي موجبات قيادة هذه الأمة لغيرها من الأمم، قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس؛ تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله..} [آل عمران: 110]. يظهر من هذا أن النصر على الأعداء، لا يكون إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن الخيرية المذكورة لا تتم بدون موجباتها المذكورة بعدها.

وقد لعن الله بني إسرائيل الذين لم يتناهوا فيما بينهم عن المنكر، وإذا عملت هذه الأمة مثل عمل بني إسرائيل فحكمها حكم بني إسرائيل. قال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة: 78 ـ79]

ومما يدل على ذلك ما أورده ابن كثير في تفسير الآية، قال: "وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا شريح ـ وساق سنده إلى أن قال ـ: عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (لما وقعت بنوا إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم، فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم) قال يزيد وأحسبه قال: (في أسواقهم وآكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم). {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} وكان رسول الله صَلى الله عليه وسلممتكئاً فجلس، فقال: (لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً) [تفسير القرآن العظيم (2/82 ـ 83) ورقم الحديث في المسند (3713) وهو في سنن الترمذي، برقم (3047) وقال فيه: "هذا حديث حسن غريب"] .

والأمة التي يستشري فيها الشر والفساد، مثل السفينة التي ألقي بها في بحر لجي لتمخر عبابه، وهي مخرقة تقذف أمواج البحر بمياهه بداخلها من تلك الخروق، فهل يقدر ربانها على قيادتها إلى شاطئ الأمان، وهل يستحق أهلها الذي ألقوها في ذلك البحر اللجي وهم يعلمون ما بها من خروق، أن ينالوا النجاة؟ كيف الأمر لو كانت سليمة قادرة على مصارعة الأمواج، فأرادت فئة من ركابها أن تخرقها وهي تمخر عباب البحر وسكت عنهم بقية الركاب؟

والجواب في الحديث الصحيح الذي رواه النعمان بن بشير: عن النبي صَلى الله عليه وسلمقال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) [صحيح البخاري رقم الحديث 2493، فتح الباري (5/132)]. قال الحافظ بن حجر: "وفيه استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" [الفتح (5/296)]. فأثر القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفوز والقيادة للبشرية وأثر تركه الهلاك والخسران والذل.

المحافظة على نوافل الطاعات:

ما سبق من الكلام يتعلق بالمحافظة على الفرائض، وأثر ذلك في تربيته النفس وتزكيتها وتطهيرها، وقد ضربت لذلك ستة أمثلة هي: الصلوات الخمس، وصيام رمضان والزكاة، والحج وصلة الرحم، ـ وهذه الخمسة من فروض العين ـ ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو من فروض الكفاية. وآن الأوان لذكر المحافظة على نوافل الطاعات، وأثرها في تزكية النفس وتطهيرها، وتأهيل صاحبها للبذل والتضحية بالنفس والمال والولد والجاه والمنصب، في سبيل الله تعالى.

والكلام في النوافل من وجهين:

الوجه الأول: النوافل العامة، وكونها مطلوبة المحافظة عليها، وأثرها كذلك في التزكية والتطهير. الوجه الثاني: ذكر بعض النوافل بعينها وبيان أثرها.

الوجه الأول: الحث على المحافظة على النوافل عموماً، وبيان أثرها في تزكية النفس وتطهيرها.

حث الله سبحانه وتعالى في كتابه عباده المؤمنين على فعل الخير، والعمل الصالح والتنافس في ذلك، ورغب في ذلك كله بوعده مَن عمله بالثواب الجزيل. قال تعالى: {و أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله، إن الله بما تعملون بصير} [البقرة: 110].

فقوله تعالى: {وما تقدموا لأنفسكم من خير} الآية شامل لكل عمل صالح يقدمه العبد طاعة لله، واجباً كان أم تطوعاً. قال ابن جرير رحمه الله: "فإنه يعني جل ثناؤه بذلك ومهما تعملوا من عمل صالح في أيام حياتكم، فتقدموه قبل وفاتكم، ذخراً لأنفسكم في معادكم، تجدوا ثوابه عند ربكم يوم القيامة فيجازيكم به. والخير هو العمل الصالح الذي يرضاه الله" [جامع البيان عن تأويل القرآن (1/491)].

وقال تعالى: {ولكل وجهة هو موليها، فاستبقوا الخيرات..} [البقرة: 148]. وهو –كذلك- أمرٌ بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة والتنافس فيها، كما قال ابن جرير: "فبادروا بالأعمال الصالحة شكراً لربكم، وتزودوا في دنياكم لأخراكم" [جامع البيان عن تأويل آي القرآن (2/29)].

وقال تعالى: {ليسوا سواء، من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويسارعون في الخيرات، وأولئك من الصالحين، وما يفعلوا من خير فلن يكفروه، والله عليم بالمتقين} [آل عمران: 113ـ 115]. والشاهد من هذه الآيات ـ هنا ـ قوله: {ويسارعون في الخيرات} وقوله: {وما يفعلوا من خير} فإن الخيرات والخير المذكورين فيها شاملان لكل عمل صالح يتسابق فيه عباد الله الصالحون. قال ابن جرير: "{ويسارعون في الخيرات} يقول تعالى: ويبتدرون فعل الخيرات، خشية أن يفوتهم ذلك قبل معاجلتهم مناياهم - إلى أن قال في قوله تعالى -: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه}: وما تفعل هذه الأمة من خير وتعمل من عمل لله فيه رضا، فلن يكفرهم الله ذلك، يعني بذلك فلن يبطل الله ثواب عملهم ذلك، ولا يدعهم بغير جزاء منه لهم عليه، ولكنه يجزل لهم الثواب عليه ويسني لهم الكرامة والجزاء" [جامع البيان عن تأويل آي القرآن (4/56ـ57)].

وقال تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل: 97]. وفي هذه الآية وعد من الله تعالى لعبده المؤمن الذي يعمل الصالحات ـ وهي شاملة لكل عمل يرضي الله تعالى ـ بأن يحييه حياة طيبة، وهي حياة العز والاطمئنان والطاعة والرضا والخير والنصر على الأعداء، وغير ذلك من الحياة الموصوفة بأنها طيبة.

قال سيد قطب رحمه الله: "وأن العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيبة في هذه الأرض، لا يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال، فقد تكون به وقد لا يكون معها، وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة، في حدود الكفاية فيها، الاتصال بالله والثقة به، والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه. وفيها الصحة والهدوء والرضا والبركة، وسكن البيوت ومودات القلوب، وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير وآثاره في الحياة، وليس المال إلا عنصراً واحداً يكفي منه القليل حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى وأبقى عند الله، وأن الحياة الطيبة في الدنيا لا تنقص من الأجر الحسن في الآخرة" [في ظلال القرآن (14/2193)].

يظهر من هذه الآية الكريمة أن ثمار العمل الصالح، ومنه التطوع، تعود إلى صاحبها بالحياة الطيبة، في الدنيا والآخرة، ومن أعظم ما تكون به الحياة طيبة بالنسبة للمؤمن أن ترتفع راية الإسلام ويعز أهله، وتهوي راية الكفر ويذل أهله، ولا يكون ذلك إلا لعباد الله الصالحين المحافظين على الأعمال الصالحة، كما أن من أفضل الأجر عند الله أجر الشهيد في سبيل الله، الذي يتمنى أن يعود إلى الدنيا ليقتل مرات لما رآه من الثواب الذي اختصه الله به، وقد مضى.

ولقد جعل الله تعالى التقرب إليه بالنوافل سبباً في حبه لعبده المتقرب إليه، الحب الذي يصل معه العبد إلى درجة التوفيق والتسديد لقلبه وجوارحه، ولا يسعى إلا إلى طاعة الله، ولا يتحرك إلا فيما يرضيه عز وجل. كما قال صَلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: {وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه} [البخاري 6502 فتح الباري (11/340)].

وإن الذي يحافظ على نوافل الطاعات، لا بد أن يكون قد حافظ على الفرائض من باب أولى، لما يعلم من العقاب على تركها، بخلاف النوافل فإنها يثاب عليها ولا يعاقب عليها. وقد مضى في نفس الحديث الآنف الذكر قوله تعالى: {وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه}.

لذلك كانت نوافل الطاعات بمنزلة الحائط الذي يبنى خارج الدار، لسترها وصد اللصوص المقتحمين عنها، والفرائض بمنزلة الدار، والذي بنى الحائط من أجل الدار لا يفرط في الدار وصيانتها وإحكام بنائها.

و الذي يحافظ على النوافل، يصد عن نفسه الشيطان من أن يوسوس له بترك الفرائض أو النقص منها، لأنه إذا كان ملازماً للنافلة –التي لا عقاب عليه - لأجل ثوابها، لا بد أن يلازم الفرائض ملازمة أشد، لما يخافه من العقاب على تركها أو نقصها. ولكنه مع ذلك الحرص وتلك الملازمة بشر، قد تحصل له غفلة فيفوته إتمام بعض الفرائض، فإذا فاته شيء من ذلك، فإن ربه سبحانه يتفضل فيجبر له ذلك النقص بما قدمه في حياته من تطوع.

قال ابن حجر رحمه الله: "وأيضاً فإن من جملة ما شرعت له النوافل جبر الفرائض كما صح في الحديث الذي أخرجه مسلم: {انظروا هل لعبدي من تطوع فتكمل به فريضته} الحديث بمعناه، فتبين أن المراد من التقرب بالنوافل أن تقع ممن أدى الفرائض لا من أخل بها" [فتح الباري (11/343)].

ونص الحديث الذي أشار إليه الحافظ رحمه الله، وهو من حديث أبي هريرة: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، وإن انتقص من فريضة قال الرب: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقصت من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك) [أبو داود (1/540) والترمذي رقم الحديث 411، تحفة الأحوذي (2/462) صحيح الجامع الصغير للألباني (2/184) هذا ولم يهتد الكاتب إلى الحديث في صحيح مسلم الذي عزاه إليه الحافظ رحمه الله].

والإكثار من الأعمال الصالحة ـ النافلة ـ مطلوب، ولكنه يجمل بمن أراد دوام القرب من ربه أن يداوم على طاعته، ولا ينبغي أن يأتي بعمل صالح يرضي به الله تعالى ثم ينقطع عنه، لا سيما إذا كان من النوافل المؤكدة والمرغب فيها. لذلك أمر الرسول صَلى الله عليه وسلم أمته أن يعملوا ما هو في وسعهم حتى يداوموا عليه، ولا يملوا فينقطعوا عن ذلك، وهذا الانقطاع يحرم المؤمن من الاتصال الدائم بالله.

ففي صحيح مسلم عن عائشة رَضي الله عنها أنها قالت: "كان لرسول الله صَلى الله عليه وسلم حصير وكان يحجره من الليل ـ أي يتخذه حجرة ـ فيصلي فيه، فجعل الناس يصلون بصلاته، ويبسطه بالنهار، فثابوا ذات ليلة فقال: (يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل) (وكان آل محمد إذا عملوا عملاً أثبتوه) [صحيح مسلم (1/540)].

قال النووي رحمه الله: "وفيه الحث على المداومة على العمل، وأن قليله الدائم خير من كثير ينقطع، وإنما كان القليل الدائم خيراً من الكثير المنقطع، لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص، والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، ويثمر القليل الدائم، بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة" [شرح النووي على مسلم (6/71)].

هذه بعض ثمار المحافظة على نوافل الطاعات عموما، وتزكيتها للنفوس: دوام الطاعة، والذكر، والمراقبة، والنية والإخلاص، والإقبال على الخالق، وزيادة الأجور ومضاعفتها، والذي يجاهد نفسه على ذلك جديرٌ أن يجاهد في سبيل الله.

الوجه الثاني: ذكر بعض النوافل بأعيانها وبيان أثرها في تزكية النفس وتطهيرها:

طرق الخير التي يثاب المسلم على فعلها لا تحصى كثيرة. وقد عني بها علماء المسلمين في كتبهم مستدلين عليها من الكتاب والسنة. وقد سبق الكلام على حث الكتاب والسنة على فعل الخير عموماً، وقد ذكر الإمام النووي رحمه الله في أول باب: "بيان كثرة طرق الخير" في كتابه رياض الصالحين هذه الآيات: {وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} [البقرة: 215]، {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} [البقرة: 197]. {من عمل صالحاً فلنفسه} [الجاثية: 15]. ثم ذكر أحاديث شاملة لكثير من أفراد الطاعات [رياض الصالحين ص68].

وهي تعتبر أمثلة، وإلا فإن النصوص في ذلك لا تحصى كما سبق، وبمراجعة أبواب رياض الصالحين وحده، يظهر للقارئ تلك الكثرة، فكيف وهو قد اختصرت فيه نصوص قليلة من القرآن الكريم، وكذلك أحاديث من كتب قليلة من كتب الحديث. لذلك لا يحتمل هذا البحث التنصيص على كثير من طرق الخير التي تزكي المسلم وتصله بربه، فيكون بذلك أهلاً للانخراط في سلك المجاهدين في سبيله، ولكن لا بد من التنصيص على بعض تلك الطاعات، وحكم غير ما لم يذكر حكم ما ذكر، وإن تفاوتت الطاعات في الثواب بحسب الوقت والحاجة وما أشبه ذلك.

قراءة القرآن بتدبر وسماعه كذلك:

تلاوة القرآن الكريم مأمور بها عبادة الله، إذ هو أفضل كلام يتعبد به في الصلاة وغيرها، لأنه كلام الله سبحانه وتعالى. قال تعالى: {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين} [النمل: 91ـ92].

وتلاوته شاملة لقراءته مطلقاً، وإن كان السياق هنا يدل على قراءته على الناس لتبليغهم وإنذارهم. [انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/378)]. وإذا كانت تلاوة القرآن وسيلة للدعوة إلى الله، فإن كونها وسيلة لتزكية نفس القارئ من باب أولى. [انظر في ظلال القرآن (20/2670)].

ولقد بين رسول الله صَلى الله عليه وسلم منزلة قارئ القرآن الحاذق في حفظه وقراءته، كما بين الثواب الذي يجزله الله لقارئه الذي يشق عليه. كما في حديث عائشة رضِي الله عنها قالت: "قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه ـ أي في تلاوته لضعف حفظه أو قراءته ـ وهو عليه شاق له أجران). [البخاري: رقم 4937 فتح الباري (8/691) ومسلم (1/459)]. وفي رواية "والذي يقرأ وهو يشتد عليه أجران".

ويكفي قارئ القرآن فضلاً، استماع الله لصوته الحسن بكلامه تعالى، كما في حديث أبي هريرة رضِي الله عنه أنه كان يقول: قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (لم يأذن الله لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن) (يريد يجهر به) [البخاري رقم 5023، فتح الباري (9/68) ومسلم، برقم (792)].

وتأمل الفرق البعيد بين قارئ القرآن (لا سيما العامل به) وغيره في هذا المثال النبوي الذي تضمنه حديث أبي موسى الأشعري رضِي الله عنه قال: قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مر) [البخاري رقم 5427، فتح الباري (9/555) ومسلم (1/549)].
وعن عبد الله ابن مسعود رضِي الله عنه قال: (تعلموا هذا القرآن فإنكم تؤجرون بتلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول: بألم، ولكن بألف، ولام، وميم، بكل حرف عشر حسنات…) [الدارمي (2/308) قال المحشي: الحديث هنا موقوف على عبد الله بن مسعود، وقد روى نحوه الترمذي مرفوعاً، وقال: حسن صحيح غريب، وهو قطعة من حديث طويل، رواه الحاكم عن إبراهيم البري عن أبي الأحوص عنه مرفوعاً، وقال: تفرد به صالح بن عمر عنه، وهو صحيح. الحديث في المستدرك (1/755) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"].

ولقد أدرك أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم ذلك الفضل العظيم لقراءة كتاب الله، فبالغ بعضهم في قراءته ليستكثر من الحسنات، وكان يقرأه كله في ليلة واحدة، فأنكر ذلك رسول الله صَلى الله عليه وسلمعليه، لما فيه من تفويت بعض حقوق نفسه وحقوق أهله، وما ينبني عليه من أثر العجز عنه والاستمرار عليه، وسبق أن أحب العمل أدومه وإن قلَّ، فأمره رسول الله صَلى الله عليه وسلمأن يقرأه في شهر فقال: إنه يطيق أكثر من ذلك، فأمره أن يقرأه في سبع ونهاه عن أن يزيد عليها.

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهـما، قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (اقرأ القرآن في شهر) قلت: إني أجد قوة… حتى قال: (اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك) [البخاري رقم 5054، فتح الباري (9/95) ومسلم (3/814)]. وفي رواية (قال: وكيف تختم؟ قلت: كل ليلة) الحديث [البخاري (9/94)].

ولا بد للقارئ أن يتدبر كلام الله ويتفهم مراميه، ليحقق الحكمة من إنزاله، كما قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته، وليتذكر أولوا الألباب} [سورة ص: 29]. و بتدبر المؤمن كتاب الله ينجو من مشابهة أولئك المنافقين، الذين أنكر الله عليهم عدم تدبرهم الذي كان من أثره تغييرهم أوامر الله ورسوله، التي تعلمونها منه صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} [النساء: 82]. وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها} [محمد: 24]. وقال تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} [الأعراف: 204].

وبمداومة أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلمعلى قراءة القرآن وتدبره والإنصات له وتطبيقه، وصلوا إلى تلك القمة العالية في التربية والتزكية. قال محمد رشيد رضا،رحمه الله: "فتربيته الصحابة التي غيرت كل ما كان بأنفسهم من مفاسد الجاهلية، وزكتها تلك التزكية التي أشرنا إليها آنفاً وأحدثت أعظم ثورة روحية اجتماعية في التاريخ، إنما كانت بكثرة تلاوة القرآن في الصلاة وتدبره في غير الصلاة [وفي الصلاة أولى] وربما كان أحدهم يقوم الليل بآية واحدة يكررها متدبراً لها، وكانوا يقرؤونه في كل حال حتى مستلقين ومضطجعين. كما وصفهم الله بقوله: {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} [آل عمران:191]. وأعظم ذكر الله، تلاوة كتابه المشتمل على ذكر أسمائه الحسنى وصفاته المقدسة، وأحكامه وحكمه وسننه في خلقه، وأفعاله في تدبير ملكه كما تقدم" [الوحي المحمدي ص163].

عرض الإنسان نفسه على القرآن.

وعندما يقرأ المؤمن القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى لهداية البشرية في هذه الحياة إلى صراطه المستقيم،كما قال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} [الإسراء: 19]، عندما يقرأ المؤمن هذا القرآن، وهو يذكر صفات المؤمنين ويمدحها ويثني عليها ويدعو للاتصاف بها، وكذلك يذكر صفات أعداء الله من الكافرين والمنافقين ويذمها ويحذر منها، فإنه بذلك يعلم أهو من عباد الله المؤمنين؟ أهو سائر في طريقهم، أم يزوغ عنه هنا وهناك؟ وبذلك يستطيع أن يُقَوِّمَ نفسَه في إيمانه وسلوكه ومعاملاته، وفي كل شأن من شؤون حياته، على منهج هذا القرآن.

قال شيخنا العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "وهذه الآية {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} الكريمة أجمل الله جلّ وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال، لأتينا على جميع القرآن العظيم لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة". [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (3/409)].

وقد أشارت إلى هذا المعنى، عائشة رضِي الله عنها عندما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت للسائل: ألست تقرأ القرآن؟ قال: قلت: بلى، قالت: "فإن خلق نبي الله صَلى الله عليه وسلمكان القرآن" [صحيح مسلم (1/513) وأورد ذلك بن كثير في تفسير قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} في أحاديث متعددة].

وقال ابن كثير رحمه الله: "ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام، صار امتثال القرآن أمراً ونهياً، سجية له وخلقاً تطبعه وترك طبعه الجبلي، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خلق جميل" [تفسير القرآن العظيم (4/402)].

وفي القرآن الكريم ما يقوي الإيمان، ويدعو إلى البذل، ويبين صفات المجاهدين التي يجب أن يتحلى بها من يريد أن يقوم بالجهاد في سبيل الله، وكلما أكثر الإنسان من قراءة القرآن بتدبر، ازداد علماً وعملاً، وحصلت له التزكية التي نزل القرآن الكريم من أجلها، وبعث الرسول صَلى الله عليه وسلمللقيام بها. كما قال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليه آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} [الجمعة: 2].

وهذا ما دعا عبد الله بن مسعود رضِي الله عنه أن يقول: "إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا..} فأصغ لها سمعك، فإنه خير تؤمر به أو شر تصرف عنه" [سنن سعيد بن منصور برقم (50) وزاد المعاد لابن القيم (1/113)]. وبهذا يعلم أثر قراءة القرآن بتدبر، في مجاهدة النفس، وتزكيتها وتطهيرها، وإعدادها لجهاد أعدائها.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 05:17 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات