شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى التفسير
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: احمد نعينع المصحف المرتل مقسم اجزاء جودة رهيبة (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: ابراهيم الاخضر المصحف المعلم ترديد الاطفال مقسم اجزاء بجودة 32 ك (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: ابراهيم الاخضر مصحف مقسم اجزاء (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: ابراهيم الاخضر المصحف المعلم التكرار 3 مرات مقسم اجزاء بجودة 32 ك (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: ابراهيم الاخضر المصحف المعلم المزدوج ترديد الاطفال مقسم اجزاء بجودة 32 ك (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف ابراهيم الاخضر معلم مزدوج ترديد الاطفال (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: ابراهيم الأخضر مرقق الصوت المصحف الالكتروني العندليبي مقسم اجزاء (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: ابراهيم الاخضر مرقق الصوت مصحف معلم تكرار 3 مرات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: توفيق الصايغ المصحف المعلم ترديد الاطفال مقسم اجزاء بجودة 96 ك (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: توفيق الصايغ الصائغ مصحف معلم ترديد الاطفال مقسم اجزاء جودة رهيبة (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 10-29-2014, 11:32 PM
ملتقى اهل التفسير ملتقى اهل التفسير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,232
افتراضي قواعد الترجيح عند المفسرين

بسم1
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
فلما كان كتاب الله هو أعلى الكتاب وأرفعها اهتم به علما الإسلام أيما اهتمام وألفوا في تفسيره الكتب العديدة والمتنوعة، وبطبيعة الحال اختلفت وجهات نظرهم في تفسيرهم لكلام الله تعالى، ولأننا بحاجة لمعرفة المعنى الأصوب والأجدر بالإتباع والأخذ نشأ علم يتعلق بمعرفة الراجح من المرجوح من هذه الأقوال وهو المسمى بقواعد التفسير والذي ينبثق منه علم آخر وهو قواعد الترجيح بين المفسرين، والذي يحتوي على جملة قواعد متنوعة يستطيع المفسر من خلالها تمييز القول الصحيح من المزيف.
وقواعد الترجيح عند المفسرين:"هي ضوابط وأمور أغلبية يتوصل بها إلى معرفة الراجح من الأقوال المختلفة في تفسير كتاب الله تعالى، فموضوع القواعد الترجيحية إذن هو أقوال المفسرين المختلفة في تفسير كتاب الله تعالى، وغايتها معرفة أصح الأقوال وأولاها بالقبول في تفسير كتاب الله، ومن ثم العمل بها اعتقادا إن كانت من آيات الأحكام العملية وسلوكا وأدبا إن كانت من الأخلاق والآداب، وكذلك تنقية كتب التفسير مما قد علق ببعضها من أقوال شاذة أو ضعيفة، أو مدسوسة فيها لمذهب عقدي ونحو ذلك.
وفي هذه الورقات ذكر لهذه القواعد مع شرحها والتمثيل لها.








الفصل الأول
قواعد الترجيح المتعلقة بالنص القرآني:
مدخل
قاعدة
لا تصح دعوى النسخ في آية من كتاب الله إلا إذا صح التصريح بنسخها أو انتفى حكمها من كل وجه.
النسخ في اللغة: الإزالة، وفي الاصطلاح: رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه.
فإذا تنازع المفسرون في آية بين مدعي النسخ ومانع منه فالأصح المنع إلا في الحالات التالية:
1- ثبوت التصريح بنسخها إما بنص الشارع على النسخ أو بالإجماع.
2- انتفاء الحكم من كل وجه، وفي هذا القيد إخراج لما يلي:
أ- لمفهوم النسخ عند السلف لإدخالهم فيه تخصيص العام وتقييد المطلق وتبيين المجمل وإيضاح المبهم والاستثناء ونحو ذلك، فإن حكم الآية لم ينتف من كل وجه بل من بعض الوجوه دون بعض.
ب- لقول الحنفية بأن الزيادة على النص نسخ، لأن الزيادة على النص ليس فيها نفي للحكم من كل وجه.
ت- لما أمكن فيه الجمع مما ادعى عليه النسخ لظهور تعارض بين النصوص.
هذا وقد قرر هذه القاعدة واستعملها: الطبري في تفسيره، والنحاس في الناسخ والمنسوخ، والقرطبي والشوكاني ونص عليها علماء الأصول.
التطبيق:
1- اختلف العلماء في تفسير قوله تعالى: ) فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا( على أقوال:
- فقال بعضهم هي منسوخة بقوله تعالى: )فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ( وقوله تعالى: )فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم( أي لا يجوز المنّ على الأسير أو الفداء به وإنما يقتل، وهذا مروي عن ابن عباس وبه قال قالت الحنفية.
- وقال جماعة هي ناسخة لقوله تعالى: )فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ( فلا يجوز قتل الأسير بل يمن عليه أو يفادى به.
- وقال ابن عمر وغيره: بل الآية محكمة، وكذا آية القتل، أي له المن أو الفداء أو القتل أو الاسترقاق على ما يراه الإمام من الأصلح للإسلام والمسلمين، وهذا القول هو الذي ترجحه القاعدة.
2- ذهب بعض أهل العلم إلى أن جميع الآيات الآمرة بالمعاملة الحسنة مع أهل الكتاب والإقساط لهم بأنها منسوخة بآية السيف، والصحيح عدم النسخ لعدم التعارض.

المبحث الأول
قواعد الترجيح المتعلقة بالقراءات ورسم المصحف
القاعدة الأولى
القراءة الثابتة لا ترد وهي كآية مستقلة
إذا ثبتت قراءة ما فلا يجوز لأحد أن يطعن فيها أو يردها، لأنها قرآن وهي بمثابة الآية المستقلة التي تدل على معنى أو حكم آخر.
ويشترط في ثبوت القراءة ثلاثة شروط:
1- صحة السند: أي أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثلة حتى تنتهي وتكون مع ذلك مما عرف واشتهر عند أئمة الشأن الضابطين له غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذ به بعضهم.
فإذا تواترت القراءة فلا يحتاج إلى الشرطين الأخيرين ويغني التواتر عنهما.
2- موافقة أحد المصاحف ولو احتمالا، والمراد بالمصاحف التي وجهها عثمان إلى الأمصار واشترط موافقة بعضها لأجل ما كان ثابتا في بعض المصاحف دون بعض، وقولهم: (احتمالا) لأن الموافقة قد تكون محتملة تقديرا.
3- موافقة العربية ولو بوجه سواء كان الوجه فصيحا أم أفصح مجمعا عليه أم مختلفا فيه، ولا حجة في هذا الشرط لمن أنكر بعض القراءات لأجل مخالفة قاعدة في العربية كما يفعل بعض النحاة، لأن أئمة القراء لا تعمل في شيء من القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية إذا ثبتت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها.
التطبيق:
اختلف القراء والمفسرون في قراءة وتفسير لفظ (والأرحام) من قوله تعالى: )واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام( فقرأها حمزة بالجر، وبقية السبعة بالنصب.
والمعنى على قراءة الجر أنه يتساءل بها كما يقول الرجل: "أسألك بالله وبالرحم" وبهذا فسرها الحسن وغيره.
وعلى قراءة النصب يكون المعنى بإضمار فعل تقديره: واتقوا الأرحام أن تقطعوها وبهذا فسرها ابن عباس.
وقد رد البصريون قراءة الجر زاعمين امتناع العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار، فالأفصح من وجهة نظرهم أن تكون القراءة: "وبالأرحام" عطفا على: "به" .
وقد ضعف هذه القراءة الطبري والزمخشري وغيرهما!!
لكن هذا القول مردود لأن القراءة سنة متبعة وإذا ثبتت لم يجز لأحد أن يردها، فقول البصريين ومن وافقهم خطأ قبيح سببه الجهل بعلم القراءات وتواترها، كما أن القرىن هو المصدر الأول للغة لا العكس.
القاعدة الثانية
اتحاد معنى القراءتين أولى من اختلافه
إذا اختلف المفسرون على أقوال بناء على اختلاف القراءات الواردة في الآية.
فإذا وجد قول يجمع معنى القراءات على معنى واحد وأمكن القول بمقتضاها جميعا فهو أولى الأقوال بتفسير الآية.
التطبيق:
قال تعالى: ) وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم( قرأ الكوفيون وابن عامر بفتح الياء وإسكان الخاء من غير ألف، وقرأ الباقون بضم الياء وبألف بعد الخاء وكسر الدال.
قال مكي: "وحمل القراءتين على معنى واحد أحسن وهو أن "خادع" و "خدع" بمعنى واحد من فاعل واحد.

القاعدة الثالثة
معنى القراءة المتواترة أولى بالصواب من معنى الشاذة
القراءة الشاذة هي كل قراءة اختل فيها شرط من شروط القراءة الصحيحة فإذا خالفت القراءة الشاذة القراءة المتواترة في مدلولها ووقع الخلاف بين العلماء في تفسير الآية بناء على اختلاف معنى القراءتين ولم يمكن حمل القراءة الشاذة على معنى القراءة المتواترة بحيث يتحد معنى القراءتين فأولى الأقوال بالصواب في تفسير الآية تفسيرها وحملها على مدلول القراءة المتواترة لأن الشاذ لا يقوى على منازعة الثابت المجمع عليه وقد ذكر هذه القاعدة واستعملها في الترجيح بين المفسرين الإمام الطبري وابن عطية والحافظ ابن حجر وغيرهم.
التطبيق:
1- قال تعالى: ) وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ( أي الذين عندهم علم الكتب التي نزلت قبل القرآن كالتوراة والإنجيل.
لكن جاء في قراءة شاذة (ومِن عِندِه علم الكتاب) أي من عند الله علم الكتاب،قال ابن جرير: "والتأويل الذي على المعنى الذي عليه قراء الأمصار أولى بالصواب مما خالفه إذ كانت القراءة بما هم عليه مجمعون أولى بالصواب.
2- قال تعالى: ) فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا( وقرأ ابن عباس وعلي وغيرهم: (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما) ودلالتها أن الطواف بين الصفا والمروة سنة لا يجب بتركه شيء وهذا قول ابن مسعود ورواية عن أحمد لكن هذه القراءة تخالف القراءة المتواترة وما خال فالمتواتر المجمع عليه إن لم يمكن الجمع بينهما فهو باطل.

القاعدة الرابعة
التفسير والإعراب الموافق لرسم المصحف أولى من المخالف له
إذا تنازع المفسرون على قولين في الإعراب أو التفسير وكان أحدهما موافقا لرسم المصحف ولا يقتضي مخالفة له، وآخر يقتضي مخالفته فأولى الأقوال ما وافق رسم المصحف الذي أجمع عليه الصحابة أعلم الناس بتفسير القرآن ولغته.
ويشهد لهذه القاعدة أن متابعة الرسم في القراءة أمر لازم وهو من شروط القراءة الصحيحة وقد قام الإجماع على لزوم رسم المصحف في الوقف إبدالا وإثباتا وحذفا ووصلا وقطعا.
ويدل للقاعدة أيضا منع العلماء من تغير خطه ووجوب التزامه.
وقد اعتمد هذه القاعدة أبو عبيد والطبري والزجاج والقرطبي والسيوطي وغيرهم.
التطبيق:
1- قال تعالى: )وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ( قال جمهور المفسرين معناه: وإذا كالوا لهم أو زنوا لهم يخسرون، وتكون "هم" في موضع نصب ويكون الوقف عليها. وذهب بعض المفسرين إلى أنها كلمتان ويقف على "كالوا" و "وزنوا" ثم يبتدئ بـ "هم يخسرون" فجعل هم في موضع رفع.
وهذه القاعدة ترجح القول الأول لأن "كالوا" و "وزنوا" لم ترسم فيهما الألف الفاصلة لواو الجماعة في جميع المصاحف فدل ذلك على أن الفعلين لم يكتفيا بأنفسهما وأن الضمير "هم" في موضع نصب مفعول به.
2- اختلف العلماء في "لا" الناهية أي ينهى الله تعالى نبيه أن ينسى القرآن الذي أقرأه إياه والمعنى: لا تغفل عن قراءته وتكراره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته.
وأولى القولين بالصواب قول الجمهور لموافقته رسم المصحف في إثبات الألف في "تنسى" فدل عدم حذفها على أنها ليست ناهية لحذفت الألف علامة للجزم.


المبحث الثاني
قواعد الترجيح المتعلقة بالسياق القرآني
القاعدة الأولى
إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده أولى من الخروج به عنهما إلا بدليل
إذا تنازع المفسرون في تفسير آية أو جملة من كتاب الله فمنهم من يحملها على معنى لا يخرجها من سياق الآيات، ومنهم من يحملها على معنى يخرجها من معاني الآيات قبلها وبعدها ويجعلها معترضة في السياق فحمل الآية على التفسير الذي يجعلها داخلة في معاني ما قبلها وما بعدها أولى وأحسن، لأنه أوفق للنظم وأليق بالسياق ما لم يرد دليل يمنع من هذا التفسير أو يصحح غيره.
وقد اعتمد هذه القاعدة الطبري وابن عطية وغيرهما.
التطبيق:
1- اختلف المفسرون في المعني بقوله تعالى: )إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ(
على أقوال:
أ- رجل من اليهود ثم اختلفوا في اسمه.
ب- جماعة من اليهود سألوا مثل آيات موسى.
ت- خبر من الله عن مشركي قريش.
والقول الأخير هو الأوفق بالسياق وهو الذي رجحه الطبري بهذه القاعدة وذلك أنه في سياق الخبر عنهم أولا فأن يكون ذلك أيضا خبرا عنهم أشبه من أن يكون خبرا عن اليهود ولما يجر لهم ذكر يكون هذا متصلا به.
2- اختلف المفسرون في المعني بالنعمة في قوله تعالى: )يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها(
على أقوال:
أ- النبي عرفوا نبوته ثم جحدوها وكذبوه.
ب- ما عدد الله ذكره في هذه السورة من النعم وأن الله هو المنعم بذلك عليهم ولكنهم ينكرون ذلك فيزعمون أنهم ورثوه عن آبائهم.
ت- إقرارهم بأن الله هو الرازق ثم ينكرون ويقولون إنما هو بشفاعة آلهتنا.
وأولى الأقوال القول الأول، لأن هذه الآية بين آيتين كلتاهما خبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وعما بعث به فأولى ما بينهما أن يكون في معنى ما قبله وما بعده إذ لا يوجد معنى يد على انصرافه عما قبله وعما بعده فالذي قبل هذه الآية )فإن تَولّوا فَإنّمَا عَليكَ البَلاغُ المُبِين(
والذي بعده )وَيومَ نَبعَثُ مِن كُلِّ أُمَّة شَهِيدا( وهو رسولها.

القاعدة الثانية
لا يُعدل عن ظاهر القرآن إلا بدليل
الأصل في نصوص القرآن –وكذا السنة- أن تحمل على ظواهرها وتفسر على حسب ما يقتضيه ظاهر اللفظ ولا يجوز أن يعدل بألفاظ الوحي عن ظاهرها إلا بدليل واضح يجب الرجوع إليه ولأنه لا يعرف مراد المتكلم إلا بالألفاظ الدالة عليه والأصل في كلامه وألفاظه أن يكون دالا على ما في نفسه من المعاني وليس لنا طريق لمعرفة مراده غير كلامه وألفاظه والمراد بالظاهر هو ما يتبادر إلى الذهن تمن المعاني وأنه ليس لها معنى باطن يخالف ظاهرها وهو يختلف بحسب السياق وما يضاف غليه من الكلام فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في سياق وآخر في سياق آخر.
وتركيب الكلام يفيد معنى على وجه ومعنى آخر على وجه.
والمراد بالدليل الذي يجب الرجوع إليه إي الدليل الذي يجوز صرف الظاهر له وهو غما أن يكون عقليا ظاهرا أو سمعيا ظاهرا
مثال العقلي الظاهر قوله تعالى: )وأتيت من كل شيء( فإن كل أحد يعلم بعقله أن المراد أوتيت من جنس ما يؤتاه مثلها، وسيأتي التمثيل للسمعي الظاهر.
ويدل لهذه القاعدة ما يلي:
أ- خبر الله تعالى في كتابه أن هذا القرآن عربي لا عوج فيه وأنه فصل آياته )كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا( وهذا يعني ضرورة أن تكون معانيه جارية على ظاهر دلالة ألفاظه العربية وإلا كان منافيا لتفصيله وكمال عربيته.
ب- قال تعالى: )تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا( ولا يتم البلاغ والإنذار وقيام الحجة إذا كانت ظاهر ألفاظ القرآن غير مقصودة.
ت- إجماع الأمة على أنه يجب العمل بالظاهر حتى يرد دليل شرعي صارف عنه وأن صرفه عنه بغير دليل باطل.
وقد اعتمد هذه القاعدة عامة علماء الأمة كالشافعي في الرسالة والطبري وابن عطية والرازي وغيرهم.
التطبيق:
من التفاسير التي تعمل فيها هذه القاعدة تفاسير الباطنية وأهل الإشارة والمتكلمون وأهل التأويل وأقوال بعض المفسرين.
1- من تفسير الإثني عشرية في قوله تعالى: )رب المشرقين ورب المغربين( بأن المشرقين رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلي، والمغربين الحسن والحسين.
2- فسر بعض أهل الإشارة قوله تعالى: )اذبحوا بقرة( بأنها النفس، و)اذهب على فرعون( بأنه القلب.
3- قال تعالى: )تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم( قال الحسن إن كل شيء فيه روح يسبح وما لا روح فيه فلا يسبح، وهذا مخالف لظاهر الآية المثبت للتسبيح حقيقة لكل المخلوقات.
صور خرجت عن هذه القاعدة:
يجوز باتفاق المسلمين أن تفسر إحدى الآيتين بظاهر الأخرى ويصرف الكلام عن ظاهره وهو من تفسير القرآن بالقرآن لا بالرأي والمحظور صرف القرآن بغير دلالة من الله ورسوله وهذه أمثلة دلت آيات قرآنية وأحاديث نبوية على أن الظاهر المتبادر منها حسب الوضع اللغوي غير مراد وهذا هو ما استثنيناه من القاعدة بـقولنا: "إلا بدليل".
1- قال تعالى: )الطلاق مرتان( ظاهره أن الطلاق محصور في مرتين لكنه تعالى بين أن المراد بالمحصور في المرتين خصوص الطلاق الذي تملك بعده الرجعة لقوله تعالى: ) فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره(.
2- قال تعالى: )وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين( ظاهر قوله تعالى: )وأحل لكم ما وراء ذلكم( أنه أحل ما سوى من ذكر في الآيتين السابقتين، ويدخل تحت عموم الحلية جواز نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها والجمع بينهما ولكن النبي صلى الله عليه و سلم بين أن الظاهر من هذه الآية غير مراد فقال: "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها".

القاعدة الثالثة
تحمل معاني القرآن على أسلوبه ومعهود استعماله
أولى أقوال المفسرين بالصواب هو القول الذي يوافق استعمال القرآن في غير موضع النزاع سواء أكان ذلك في الألفاظ المفردة أم في التراكيب.
وسواء كان ذلك الاستعمال أغلبيا بأن كان لموضع النزاع نظائر وقع فيها النزاع ولكن الكثرة الكاثرة من الاستعمال هي مما اتفق على معناه أو مطردا بأن يكون استعمالها في جميع مواردها في القرآن متفقا عليه غير موضع الخلاف بأن يقول مفسر قولا في آية جميع نظائرها في القرآن على خلاف هذا القول أو عادة في أسلوب القرآن.
التطبيق:
قال تعالى: )وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب( قال البعض إن الآية تدل على أن الجبال الآن في الدنيا يحسبها رائيها ساكنة وهي تمر مر السحاب وذلك دليل على دوران الأرض، وهذا القول مردود عليه بهذه القاعدة لأن جميع الآيات التي فيها حركة الجبال كلها يوم القيامة كقوله تعالى: )وتسير الجبال سيرا( )وسيرت الجبال فكانت سرابا( )وإذا الجبال سيرت( كما أن هذه الآية جاءت في سياق الحديث عن أحوال الآخرة.



الفصل الثاني
قواعد الترجيح المتعلقة بالسنة والآثار والقرائن
المبحث الأول
قواعد الترجيح المتعلقة بالسنة النبوية
القاعدة الأولى
إذا ثبت الحديث وكان نصا في الآية فلا يصار إلى غيره
في تفسير بعض الآيات نجد تفسيرا للنبي صلى الله عليه و سلم ومع ورود هذا التفسير عنه إلا أننا نجد أحيانا كثيرة أقوالا أخرى في تفسير الآية فإذا وجد ذلك وثبت الحديث وورد مورد التفسير والبيان للآية فيجب المصير إليه، وحمل الآية عليه، فالنبي صلى الله عليه و سلم أعلم الناس بتفسير وبيان كلام الله وهذا من مهام رسالته )وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (.
التطبيق:
قال تعالى:) الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ( اختلف أهل التفسير في المراد بـالظلم على قولين:
أ- الشرك وعمدتهم حديث ابن مسعود قال لما نزلت هذه الآية شق ذلك على الناس فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا يظلم نفسه؟ قال صلى الله عليه و سلم: إنه ليس الذي تظنون ألم تسمعوا قول العبد الصالح: )إن الشرط لظلم عظيم( إنما هو الشرك.
ب- فعل ما نهى الله عنه أو ترك ما أمر الله بفعله.
والصحيح الأول لصحة الحديث فيه.

القاعدة الثانية
إذا ثبت الحديث وكان في معنى أحد الأقوال فهو مرجح له على ما خالفه
إذا تعددت أقوال المفسرين فالقول الذي يؤيده خبر عن النبي صلى الله عليه و سلم هو المقدم على غيره وذلك لأن ورود معنى هذا القول في قول النبي صلى الله عليه و سلم يدل على صحته وترجيح غيره مخالفة لحديث النبي صلى الله عليه و سلم.
والفرق بين هذه القاعدة وسابقتها أن الحديث الوارد في هذه القاعدة لم يرد مورد التفسير لألفاظ الآية بل كان وروده لأي سبب آخر في أي باب من أبواب العلم لكن معناه يوافق معنى أحد الأقوال المقولة في الآية.
أما الحديث في القاعدة السابقة فهو وارد مورد التفسير والبيان لألفاظ الآية.

التطبيق:
قال تعالى: )َيَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ( اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية على قولين:
أ- يوم يكشف عن شدة وكرب وذلك يوم القيامة.
ب- يوم يكشف الرحمن عن ساقه يوم القيامة، وهذا القول روي عن ابن مسعود بإسناد صحيح، وهذه الآية ليست نصا في الصفة، لأنها نكرة في سياق الإثبات ولم تضف إلى الله تعالى.
وأولى القولين الثاني لحديث أبي سعيد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا" متفق عليه.
فهذا الحديث ذكر الكشف عن الساق والسجود له، سبحانه وهي كذلك مذكورة في الآية فهذا مما يؤيد القول الثاني.
أما القول الأول فليس في معناه خبر من الرسول صلى الله عليه و سلم ذكر فيه الشدة والكرب مقرونا بالسجود.
قال الشوكاني: "وقد أغنانا الله سبحانه في تفسير هذه الآية بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عرفت وذلك لا يستلزم تجسيما ولا تشبيها فليس كمثله شيء
دعوا كل قول عند قول محمد ... فما آمن في دينه كمخاطر".


القاعدة الثالثة
كل تفسير خالف القرآن أو السنة أو الإجماع فهو رد

نعني بمخالفة القرآن والسنة مخالفة قطعي الثبوت والدلالة وظني الثبوت قطعي الدلالة إذا اقترن بوصف يقويه ويصححه.
أما إذا كانت مخالفة الآية أو الحديث في دلالة ظنية فالأمر يختلف وهو موضع اجتهاد والقرائن هي التي هي التي ترجح أحد الأقوال.
ويدل لهذه القاعدة قوله تعالى: )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ( وقوله تعالى: )َفإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(.
وسبيل معرفة وجه مخالفة القول للقرآن والسنة والإجماع تنبيه العلماء المجتهدين على ذلك، لأنهم العارفون بالموافقة والمخالفة، وأما لغير المجتهد فعليه بقول الجمهور.


القاعدة الرابعة
لا تحمل الآيات على تفصيلات لغيبيات لا دليل عليها
لا سبيل إلى معرفة الأمور المغيبة كبدء الخلق وأخبار الأمم الماضية وما لم يقع كالملاحم والبعث إلا بنص من قرآن أو سنة، فلا يصح تفسيره باجتهادات لا دليل عليها أو بأخبار إسرائيلية إلا إذا سيقت هذه الأخبار من باب التحديث عن بني إسرائيل لحديث: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" لا من باب التفسير لكلام الله.
أما إذا ثبت تفصيل أو تفسير أو تعيين مبهم من قبل الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه و سلم كتعيينه صلى الله عليه و سلم اسم صاحب موسى بأنه الخضر فمثل هذا يجب الجزم به.
وألحق بالحديث المرفوع قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه ولا تعلق له ببيان لغة وشرح غريب له حكم الرفع وقيده جماعة من الأئمة بألا يكون ذلك الصحابي ممن عرف بالنظر في الإسرائيليات.
التطبيق:
1- قال تعالى: ) وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ( اختلف المفسرون في عدد الذين آمنوا مع نوح فحملهم معه في الفلك على أقوال: ثمانية، سبعة، عشرة سوى نسائهم،ثمانون. وكل هذه الأقوال لا دليل عليها من كتاب أو سنة بل هي مما أخذ من بني إسرائيل فالصواب ألا تحمل الآية على أي منها فهو مما أبهمه الله عنا ولم تقم حجة ببيانه.
2- فسر مجاهد المقام المحمود في قوله تعالى: )عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً( بأن الله سبحانه يجلس رسوله صلى الله عليه و سلم معه على عرشه، وهذا أمر غيبي من أحوال الآخرة ولم يقم عليه دليل من القرآن أو السنة ولم ينقل بسند صحيح عن الصحابة، فهو مردود بهذه القاعدة وقد صح التفسير النبوي للآية بخلافه فثبت في السنة أن المقام المحمود هو الشفاعة.







المبحث الثاني
قواعد الترجيح المتعلقة بالآثار
القاعدة الأولى
سبب النزول الصحيح الصريح مرجح لما وافقه
من أهم فوائد معرفة أسباب النزول أنها تعين على فهم الآية على وجه صحيح فإذا تنازع العلماء في تفسير آية من كتاب الله وتعددت أقوالهم فيها فأولى الأقوال بتفسير الآية ما وافق سبب النزول الصحيح الصريح في السببية، فلا تعويل على سبب نزول ضعيف الرواية ولا على سبب نزول غير صريح في السببية فلا يعتبر مرجحا.
والصريح مثل أن يقول الراوي: سبب نزول هذه الآية كذا وكذا، أو أن يأتي بالفاء التعقيبية مثل: حدث كذا فنزل كذا، ومثال غير الصريح أن يقول الراوي: نزلت هذه الآية في كذا، فقد يراد به أن المذكور داخل تحت معنى الآية.
التطبيق:
اختلف المفسرون في تفسير قوله تعالى: )وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا( على أقوال:
1- المنازل المعروفة والإتيان هو المجيء إليها ودخولها.
2- المراد بالبيوت النساء، أي أمرنا بإتيانهن من القبل لا من الدبر.
3- أنها مثل يفيد أمر الناس أن يأتوا الأمور من وجوهها.
وأصح هذه الأقوال الأول، لما صح في سبب نزول هذه الآية من حديث البراء بن عازب قال: "كانت الأنصار إذا حجوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها فجاء رجل من الأنصار فدخل من بابه فقيل له ذلك فنزلت هذه الآية" متفق عليه.

القاعدة الثانية
تاريخ نزول الآية الثابت مرجح
القول الذي يوافق تاريخ نزول الآية هو الراجح، ولا بد من ثبوت تاريخ النزول إما باتفاق العلماء عليه كاتفاقهم على السور المكية أو بصحة الرواية.
وقد ذكر هذه القاعدة ورجح بها: ابن جرير، وابن عطية، والقرطبي وغيرهم.
التطبيق:
1- فسر بعضهم الإثم في قوله تعالى: )قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ( بأنها الخمر واحتج بقول الشاعر: "شربت الإثم حتى طار عقلي". قال ابن عطية: "وهذا قول مردود لأن هذه السورة مكية، ولم تُعن الشريعة بتحريم الخمر إلا بالمدينة بعد أحد، وبيت الشعر يقال إنه مصنوع".
2- ادعى بعض الإثني عشرية أن سورة "الإنسان" نزلت في حق علي وفاطمة والحسن والحسين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن سورة هل أتى مكية باتفاق العلماء وعلي إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد الهجرة ولم يدخل بها إلا بعد غزوة بدر وولد له الحسن في السنة الثالثة من الهجرة والحسين في السنة الرابعة.
3- قال تعالى: )قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى( فسرها الإثنا عشرية بأنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين، وهذه القاعدة ترد هذا القول لأن عليا لم يتزوج فاطمة إلا في المحرم من السنة الثانية، وولد الحسن في الثالثة والحسين في الرابعة، وهذه السورة مكية فكيف تكون نزلت فيهم.
ثم إن "القربي" معرفة باللام فلا بد أن يكون معروفا عند المخاطبين الذين أُمر أن يقول لهم: "قل لا أسألكم...".
والحق تفسير الآية بما فسرها به حبر الأمة عبد الله بن عباس كما رواه عنه البخاري أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة، وصحح هذا القول ابن جرير وابن كثير وابن حجر والشوكاني وغيرهم.

القاعدة الثالثة
فهم السلف حجة على من بعدهم
السلف هم الصحابة الكرام وأعيان التابعين وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة دون من رمي ببدعة كالرفض والقدر والإرجاء وغيرها.
وهذه القاعدة ترد تفاسير أهل الأهواء والبدع الذين خالفوا تفاسير الصحابة وتابعيهم فحملوا القرآن على معان اعتقدوها وليس لهم فيها سلف من الصحابة والتابعين وأئمة الدين.
وقد نص على هذه القاعدة في الترجيح ابن جزيء الكلبي في مقدمة تفسيره والشاطبي في الموافقات وغيرهم.
التطبيق:
فسر البعض الاستواء في قوله تعالى: )ثم استوى على العرش( بالاستيلاء وهذا تفسير مخالف للنص القرآني ذاته إضافة لمخالفته لتفسير السلف من حمل آيات الصفات على ظاهرها مع نفي التشبيه والتمثيل
والتكييف.
وهذا ما أثبته الطبري والبغوي وابن كثير والقاسمي وغيرهم.


القاعدة الرابعة
تفسير جمهور السلف مقدم على كل تفسير شاذ
إذا انفرد مفسر في تفسير آية بقول خالف فيه عامة المفسرين ولم يكن لقول هذا دلالة واضحة قوية فهو قول شاذ، وقول الجماعة أولى بالصواب.
وتحديد الشذوذ يختلف باختلاف الناظر فيه، فإن كان مجتهدا فإنه يحدد مفهوم الشذوذ عنده بمخالفة دليل ثابت إما قطعي كالمتواتر أو ظني كأخبار الآحاد.
أما إذا لم يكن مجتهدا فعليه بقول الجمهور "لأن ما كان معدودا في الأقوال غلطا وزللا قليل جدا في الشريعة وغالب الأمر أن أصحابها منفردون بها قلما يساعدهم عليها مجتهد آخر، فإذا انفرد صاحب قول عن عامة الأمة فليكن اعتقادك أن الحق مع السواد الأعظم من المجتهدين لا من المقلدين".
وقد رجح بهذه القاعدة ابن جرير وابن عطية والرازي والقرطبي وغيرهم.
التطبيق:
قال تعالى: )وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ( ذهب عامة المفسرين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن المسخ في هذه الآية كان مسخا حقيقيا معنويا وصوريا مسخت قلوبهم وصورهم.
وذهب مجاهد إلى أن المسخ كان معنويا لا صوريا أي مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة، وأنه مثل ضربه الله لهم مثل ما ضرب مَثَل الحمار يحمل أسفارا.
وهذا القول غريب مخالف لما عليه عامة المفسرين وللظاهر من السياق ودلالات الألفاظ.


المبحث الثالث
قواعد الترجيح المتعلقة بالقرائن
القاعدة الأولى
قرائن السياق مرجحة
إذا تنزع العلماء في تفسير آية وكان في السياق قرينة إما لفظة أو جملة أو غيرها تؤيد أحد الأقوال المقولة في الآية فالقول الذي تؤيده القرينة أولى الأقوال بتفسير الآية.
فإن تنازعت قرينتان كل قرينة تؤيد قولا رجح أرجح القرينتين وأقواهما.
والقرينة هي: ما يوضح المراد لا بالوضع بل تؤخذ من لاحق الكلام الدال على خصوص المقصود أو سابقة.
وقد ذكر هذه القاعدة وصرح بمضمونها ابن جرير الطبري، والبغوي، وابن عطية، والرازي والقرطبي وأبو حيان وغيرهم.
التطبيق:
1- قال تعالى: )وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ( اختلف المفسرون في الذي أخفاه النبي صلى الله عليه و سلم في نفسه على قولين:
أ- وقوع زينب في قلبه ومحبته لها وهي في عصمة زيد وكان حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو، ومستندهم رواية موضوعة مضمونها أن النبي صلى الله عليه و سلم أتى زيدا ذات يوم لحاجة فأبصر زينب فوقعت في قلبه وأعجبه حسنها، فقال: سبحان الله، مقلب القلوب وانصرف.
ب- الذي أخفاه النبي صلى الله عليه و سلم هو زواجه من زينب بعد أن يطلقها زيد فعاتبه الله جل جلاله على قوله لزيد: "أمسك عليك زوجك" بعد أن أعلمه الله أنها ستكون زوجه، وأنه ما فعل ذلك إلا خشية أن يقول الناس تزوج امرأة ابنه.
وهذه القاعدة تصحح هذا القول لأن في الآية قرينة تدل على صحته وهي أن الله عاتب النبي صلى الله عليه و سلم لإخفائه في نفسه ما الله مبديه، والذي أبداه الله هو زواجه من زينب ولم يبد حب النبي صلى الله عليه و سلم وشغفه بزينب وذلك قوله بعدها: )فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا(.
2- قال تعالى: )وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً( قال الحسن: كان الرجلان من بني إسرائيل ولم يكن ابني آدم لصلبه، لأن القرابين إنما كانت في بني إسرائيل، وقال الجمهور: إنهما كانا لآدم من صلبه، وهو ظاهر التلاوة ويؤيد هذا القول قرينة في السياق وذلك أن الله تعالى قال: )فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ( فإنها تدل على أن هذه الحادثة حدثت قبل أن يعلم الناس دفن الموتى وذلك في عهد ابني آدم لصلبه.
فهذان قولان لهما قرينتان متنازعتان وبالنظر فيهما نجد أن القرينة التي استدل بها الحسن قرينة ضعيفة إذ العلم بأن القرابين كانت في بني إسرائيل لا يدل على أنها لم تعرف من قبل، هذا إذا كانت على المعنى العرفي وهو اسم للنسيكة التي هي الذبيحة أما على المعنى العام فلا حجة ولا قرينة لقول الحسن فيها، لأن القربان عام في كل ما يتقرب به إلى الله وهذا هو الذي يظهر من سياق الآية.
أما قرينة الجمهور فقوية دالة على أن هذه الحادثة حدثت في العهد الأول إذ لم يعرف دفن الموتى وهم أول أبناء آدم وجدوا على الأرض فعد العلم بالدفن عندهما مقطوع به أما في بني إسرائيل فالدفن كان معروفا عندهم قطعا.

القاعدة الثانية
ما تأيد بقرآن مقدم على ما عدم ذلك
إذا تأيد أحد الأقوال بآية أو آيات أخرى أو قراءة متواترة في نفس الآية فهو أولى بحمل الآية عليه لأن تأييد القرآن له يدل على صحته واستقامته فإن تأيد كل قول بما سبق خرج الترجيح بينهما عن هذه القاعدة ويطلب من قواعد أخرى.
ويدخل تحت هذه القاعدة ما إذا كانت الآيات ترد أحد الأقوال وتقضي ببطلان مقتضاه وذلك لأنه إذا رد أحد الأقوال أو ضعف ترجح القول الآخر، أو انحصر الراجح في بقية الأقوال.
وهذه القاعدة تدخل تحت أول نوع من أنواع التفسير وهو تفسير القرآن بالقرآن وقد أجمع العلماء على أنه أشرف أنواع التفسير إذ لا أحد أعلم بمعنى كلام الله منه سبحانه.
وينقسم تفسير القرآن بالقرآن إلى قسمين:
أ- توفيقي لا اجتهاد فيه ولا نظر وهو: أن يكون في الكلام لبس وخفاء فيأتي بما يزيله ويفسره إما بعده مباشرة أو في موضع آخر وارد مورد البيان له مثل تفسير أولياء الله في قوله تعالى: )أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ( بقوله: )الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ(.
ومثال ما فسر في موضع آخر قوله تعالى: )وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ( وذلك في قوله تعالى: )َعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ(.
ب- اجتهادي، وهو المعتمد على النظر وقوة الاستنباط وذلك بان يحمل معنى آية على آية أخرى تكون مبينة وشارحة للآية الأولى وهذا النوع فيه المقبول ومنه المردود كأي اجتهاد في تفسير آية، ولا اعتبار في قبوله بكونه فُسِّرت آية بأخرى، فكثيرا ما تجعل الآية أو لفظ منها نظيرا لما ليس مثل، وقد يكون حمل الآية على الأخرى اجتهادا مجردا خالا من الهوى والبدعة لكنه خلاف الراجح لوجود معارض أقوى منه، واعتضاد غيره بوجه من وجوه الترجيح.
إذا علم هذا فالمعتبر هو صحة النظر وقوة الاستنباط والتجرد من كل هوى وبدعة فإذا توفر هذا وسلم من المعارض الأقوى منه فهو مرجح للقول الموافق.
التطبيق:
1- قال تعالى: ) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي( اختلف المفسرون في قوله تعالى: ) هَـذَا رَبِّي( هل هو مقام:
- نظر وأن إبراهيم كان مسترشدا طالبا للتوحيد حتى وفقه الله وآتاه رشده.
- مناظرة لقومه ليبين لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الأصنام.
والقول الثاني هو الحق والذي يدل عليه القرآن فمجادلة إبراهيم لأبيه وقومه هي التي جاءت في القرآن ولم يرد في القرآن أنه كان مشركا في زمن ما بل نفى الله تعالى عن إبراهيم الشرك فقال: )إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ( وقال تعالى: )قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ( ونفي الكون الماضي يستغرق جميع الزمن الماضي.
2- قال تعالى: )قالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ( اختلف المفسرون هنا على أقوال:
- قال ابن مسعود هي كقوله تعالى: )كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ( فالإماتة الأولى كونهم في بطون أمهاتهم، والثانية صيرورتهم إلى قبورهم، والإحياءة الأولى في دار الدنيا والثانية: البعث من القبور للحساب.
- قال السدي: أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم فخوطبوا ثم أميتوا ثم أحيوا يوم القيامة.
- قال ابن زيد: خلقهم من ظهر آدم حين أخذ عليهم الميثاق فلما أخذ عليهم الميثاق أماتهم ثم خلقهم في الأرحام ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة.
وأصح الأقوال الأول لموافقته لكتاب الله تعالى.

القاعدة الثالثة
القول الذي يعظم مقام النبوة أولى من غيره
يرد في تفسير بعض الآيات التي تتحدث عن قصص الأنبياء أو أعمالهم أو خطاب الله تعالى لهم خلاف بين المفسرين وهذا الخلاف لا تخرج أقواله عن أربع صور:
1- أن يرد قول يفهم منه وصف نبي بأنه ترك أو فعل أمراً خلاف الأولى به، كالذي ورد في تفسير قوله تعالى: )فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ( بأنه عقر الخيل وضرب أعناقها.
2- أن يُذكر قول يفهم منه وصف النبي بما لا يليق بمقام النبوة، وقد يصح توجيه هذا القول إلى معنى آخر ليس فيه ذلك، ولكن هذا التوجيه ليس الظاهر والمتبادر على الذهن من القول.
3- أن يُذكر قول على أنه وجه في تفسير الآية لكنه متضمن للطعن في عصمة النبوة، كأن يصف بعض الأنبياء بأوصاف يتنزه عن مثلها كل مؤمن فضلا عن نبي أو يطعن في رسالته أو تبليغه لها أو يلفق له قصصا وحوادث تطعن في نبوته كنسبتهم إلى الخنا والفحش أو الخديعة والمكر.
4- ليس فيها مما ذكر شيء وهي متفقة مع عصمة النبوة وعظم مكانة الرسالة، فالأقوال المبنية على هذه الصورة هي المعتمدة والراجحة على الأقوال التي تندرج تحت الصور الثلاث السابقة.
والأدلة على عصمة الرسل كثيرة: نقلية وعقلية، منها:
1- قوله تعالى: )لا ينال عهدي الظالمين( فهذا العهد إن كان هو النبوة وجب ألا ينالها أحد من الظالمين، وإن كان هو الإمامة فكذلك، لأن كل نبي لا بد أن يكون إماما يؤتم به وكل فاسد ظالم لنفسه فوجب ألا تحصل النبوة لأحد من الفاسقين.
2- قال تعالى: )وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ( وحكم الغلول كحكم سائر الذنوب.
وقد اعتمد هذه القاعدة ورجح بها الإمام الطبري وابن العربي وابن عطية والرازي وغيرهم.
التطبيق:
قال تعالى: )وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ( يذكر بعض المفسرين قصة الشيطان الذي أخذ خاتم سليمان وجلس على كرسي سليمان وطرده عن ملكه وتسلط على نسائه في الحيض واستمر على ذلك حتى وجد سليمان الخاتم في بطن سمكة...الخ، وهذه قطعة باطلة لطعنها في عصمة النبوة.



الفصل الثالث
قواعد الترجيح المتعلقة بلغة العرب
المبحث الأول
قواعد الترجيح المتعلقة باستعمال العرب للألفاظ والمباني
القاعدة الأولى
كل تفسير ليس مأخوذا من دلالة ألفاظ الآية وسياقها فهو رد
كل تفسير خرج بمعاني كتاب الله تعالى عما تدل عليه ألفاظه وسياقه ولم يدل اللفظ على هذا المعنى بأي نوع من أنواع الدلالة مطابقة أو تضمنا والتزاما أو مفهوما موافقا أو مفهوما مخالفا فهو مردود، لأنه إذا كان بهذه الصفة كان ضربا من التخرص والتلاعب لا تقره لغة ولا يرضاه دين ولا عقل وليس من تفسير كلام الله في شيء.
فالألفاظ يكون التخاطب والإفصاح عن المراد وهي قوالب المعاني فإلغاء دلالاتها إبطال للغة التخاطب وفائدته.
ودلالة اللفظ هي: ما ينصرف إليه هذا اللفظ في الذهن من معنى مدرك أو محسوس ويدل لهذه القاعدة جملة أدلة منها:
1- أن الله هدد وتوعد الذين يلحدون في آياته فقال: )إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ( والإلحاد في آيات الله: أن يوضع الكلام على غير موضعه، قاله ابن عباس.
2- ذم الله تعالى اليهود ووصفهم بأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه أي يحملوه على غير مراده، قال تعالى: )مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ(.
3- خبر الله تعالى عن كتابه بأنه عربي فقال: )إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً(.
التطبيق:
1- فسر بعض الشيعة قوله تعالى: )َا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ( بأنها الغسل عند نقاء كل إمام.
2- فسر بعض الإثني عشرية قوله تعالى: )والتين والزيتون( برسول الله وعلي و )طور سنين( بالحسن والحسين و)البلد الأمين( بالأئمة.
3- قال تعالى: )وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ( فسرها بعضهم فقال: الجار ذي القربى هو القلب والجار الجنب هو الطبيعة والصاحب بالجنب هو العقل المقتدي بالشريعة، وابن السبيل هو الجوارح المعطية لله.
فهذه التفاسير خرافات بلا شك إذ ما العلاقة بين المسجد والإمام حتى يحمل عليه وكذلك يقال في البقية إن هذا يضرب اللغة في العمق ويلغي النص تبعا لذلك، ويستطيع أي صاحب هوى أن يحرف القرآن كما يشتهي.


القاعدة الثانية
ليس كل ما ثبت في اللغة صح حمل القرآن عليه
هذه القاعدة تضبط التفسير اللغوي وتقيده بقبول السياق له، وأنه لا ينظر في التفسير اللغوي إلى ثبوته في اللغة فحسب بل لا بد مع ذلك من مراعاة السياق القرآني ولذلك خطئ قول من أهمل السياق القرآني وأسباب النزول والقرائن التي حفت بالخطاب حال التنزيل واعتمد على مجرد اللغة فحسب، لأن في ذلك إهمالا لغرض المتكلم به -سبحانه- من كلامه، ولكل كلمة معنى في سياق قد لا يحصل في سياق آخر.
وقد ذكر مضمون هذه القاعدة الزركشي في البرهان وراعاها ابن كثير في اختياراته وصنيع المفسرين يدل عليها.
التطبيق:
- فسر أبو عبيدة معمر بن المثنى الكلمة في قوله تعالى: )مصدقا بكلمة من الله( بكتاب من الله من قول العرب: "أنشدني فلان كلمة فلان" أي: قصيدة فلان وإن طالت.
والصواب أنه عيسى عليه السلام.


القاعدة الثالثة
يحمل كلام الله على المعروف من كلام العرب دون الشاذ والضعيف والمنكر
يجب أن يفسر القرآن ويحمل على أحسن المحامل وأفصح الوجوه، فلا يحمل على معنى ركيك ولا لفظ ضعيف، وإنما يحمل على المعروف من كلام العرب من الأوجه المطردة دون الشاذة والضعيفة ويحمل على الأكثر استعمالا دون القليل والنادر، ويحمل على المعاني والعادات والعرف الذي نزل به القرآن والسنة دون ما حدث واستجد بعد التنزيل، وذلك لأن القرآن أفصح الكلام، ونزل على أفصح اللغات وأشهرها فلا يعدل به عن ذلك كله وله فيها وجه صحيح.
والمراد بالمعروف من كلام العرب أي المستعمل في كلامهم سواء كان ذلك الاستعمال مطردا وهو الذي لا يتخلف البتة ولا تعرف العرب غيره، أو غالبا وهو: أن يكون أكثر الاستعمال عليه لكنه يتخلف أحيانا قليلة.
ومدار الفصاحة على كثرة الاستعمال، فإن تعارض القياس القوي وكثرة الاستعمال فكثرة الاستعمال هي المقدمة.
والشاذ في اللغة هو: ما كان وجوده قليلا لكن لا يجيء على القياس، والشذوذ يلحق القياس والاستعمال.
والضعيف ما انحط عن درجة الفصيح ويكون في ثبوته كلام.
والمنكر أضعف من الضعيف وأقل استعمالا بحيث أنكره بعض أئمة اللغة ولم يعرفه والنادر أقل منه.
ويدخل تحت هذه القاعدة دخولا أو ليا ما لم تستعمله العرب البتة ولم يرد في لسانها وقت نزول القرآن كالاصطلاحات والمعاني المستجدة والحادثة بعد عصر التزيل.
لأن الله تعالى خاطب العرب باللغة والعادة والعرف التي كانت موجودة وقت نزول القرآن لا بما حدث بعد ذلك ومن فسر القرآن بتلك المعاني الحادثة فقد زعم أن الله خاطب العرب بما لم يعرفوا من لغتهم.
وقد نص على مضمون هذه القاعدة الإمام الطبري وابن عطية وابن تيمية وغيرهم.
التطبيق:
1- فسر بعضهم قوله تعالى: )إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ(بأنه الرسول صلى الله عليه و سلم يؤمن به من أثبت الله في قلبه التوحيد من الناس، وهذا مما لا تعرفه العرب من لغتها.
2- فسر بعضهم الطير الأبابيل بأنها الذباب أو البعوض، وفسر الحجارة بالجراثيم التي تنقل الأمراض الفتاكة وهذا مما لا تعرفه العرب من لسانها وقت نزول القرآن بالإخبار عن هذه الحادثة.


القاعدة الرابعة
الأصل في النص الحقيقة
الأصل في الكلام أن يحمل على الحقيقة، ولا يجوز العدول به عنها وله فيها محمل صحيح، فإذا تنازع المفسرون فكان منهم من يحمل اللفظ على الحقيقة ومنهم من يدعي المجاز فالحمل على الحقيقة هو الصواب، ومن ادعى صرف شيء من ألفاظ النصوص عن حقيقته إلى مجازه لم يتم له ذلك إلا بعد أربع مقدمات:
1- بيان امتناع غرادة الحقيقة وصحة ذلك.
2- بيان صلاحية اللفظ لذلك المعنى الذي عينه وإلا كان مفتريا على اللغة.
3- الجواب عن الدليل الموجب لإرادة الحقيقة.
4- أن تكون القرينة تصلح لنقلها عن حقيقتها على مجازها.
هذا وقد اختلف العلماء في وقوع المجاز في اللغة والقرآن على أقوال:
1- منع وجود المجاز في اللغة ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
2- منع وجوده في القرآن والسنة.
3- منع وجوده في القرآن فقط.
4- إثبات وجوده في القرآن والسنة واللغة.
ويدل لهذه القاعدة قوله تعالى: )ولقد يسرنا القرآن للذكر( وهذا التيسير يتضمن تيسير ألفاظه للحفظ، ومعانيه للفهم، وأوامره ونواهيه للامتثال، والانصراف في تفسيره وفهم معانيه عن الحقيقة التي تدل عليها ألفاظه إلى أنواع الاستعارات وضروب المجازات مناف لهذا التيسير الذي أخبر الله به عن كتابه.
وقد نص على هذه القاعدة ابن عبد البر في التمهيد وابن العربي وذكرها أصحاب القواعد الفقهية كالسيوطي.
التطبيق:
- قال تعالى: )وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى( وقد سبق.


القاعدة الخامسة
الحقيقة الشرعية مقدمة على الحقيقة اللغوية
تنقسم الحقيقة على:
أ- لغوية: وهي استعمال اللفظ في موضعه الأصلي كالأسد للحيوان المفترس.
ب- شرعية وهي: ما وضعها الشارع كالصلاة للعبادة المعروفة.
ت- عرفية: وهي ما وضعها فئة ونحوها كالدابة لذوات الأربع.
فإذا دار الكلام بين مسمى شرعي وآخر لغوي ولا دليل يعين أحدهما حمل على الشرعي، لأنه عرفه ويجب أن يحمل كلام كل أحد على عرفه الخاص به.
فإن قام دليل على تعيين أحدهما فلا ترجيح بهذه القاعدة كقوله تعالى:)وَصَلّ علَيهِم( فالصلاة في اللغة الدعاء وفي الشرع العبادة المعروفة لكن معناها هنا الدعاء أي المعنى اللغوي لقيام الدليل على ذلك فعن عبد الله بن أب أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا أتى بصدقة قوم صلى عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: "اللهم صل على آل أبي أوفى" متفق عليه.
وقد قرر هذه القاعدة جلة من الأئمة منهم الماوردي والرازي والزركشي وغيرهم.
وقد نازع ي هذه القاعدة الإمام أبي حنيفة وبعض الأصوليين فذهبوا إلى تقديم الحقيقة اللغوية على الشرعية، وحجتهم أن المعنى الشرعي مجاز فيحمل الكلام على الحقيقة اللغوية إلى أن يدل دليل على المجاز، ويجاب عن هذا بأنه اللفظ لما نقل من العرف اللغوي إلى عرف الشرع تُرك المعنى اللغوي وصار حقيقة شرعية، فهو بالنسبة على الشرع حقيقة وإلى اللغة مجاز.
التطبيق:
قال تعالى: )وَوَيلٌ لِلمُشرِكِين () الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ( اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى: ) لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ( على قولين:
- لا يعطون الله الطاعة التي تطهرهم وتزكي أبدانهم ولا يوحدونه.
- لا يقرون بزكاة أموالهم التي فرضها الله فيها ولا يعطونها أهلها.
والقول الثاني هو الراجح، لأن الأول فسر الزكاة بالمعنى اللغوي بخلاف الثاني الذي فسرها بالمعنى الشرعي والحقيقة الشرعية مقدمة في تفسير كلام الشارع.


القاعدة السادسة
الحقيقة العرفية مقدمة على اللغوية.
إذا لم يكن حمل اللفظ على الحقيقة الشريعة لدليل صارف عنها أو لكونه لا معنى شرعيا له، ثم كان هذا اللفظ دائرا بين الحقيقة العرفية والحقيقة اللغوية ولا دليل يوجب حمل اللفظ على إحداهما فالحمل على العرفية أرجح.
ويشترط في العرف الذي يقدم على اللغة شروط هي:
1- أن يكون قائما في زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم أو موجودا قبله، لأنا نريد أن نعرف مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه و سلم في خطابهما، ولا يمكن معرفة مرادهما بالكلام إلا من عرف كان قائما موجودا عند ورود الخطاب فنعلم أنه قصد بإطلاق الكلام ما يقتضيه ذلك العرف، فأما عرف حدث بعده فلا يجوز أن يتعرف منه مراد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، لأنه لم يكن موجودا في زمانه.
2- أن يكون العرف مطردا أو غالبا فإن كان مضطربا فلا يقدم ويرجع إلى اللغة.
3- ألا يوجد للفظ محمل شرعي أو وجد دليل صارف عن إرادته وهذا من اقتضاء تقديم الحقيقة الشرعية على اللغوية والعرفية.
ومعتمد هذه القاعدة أن المعنى العرفي أظهر في الخطاب من المعنى اللغوي، لأنه هو المتبادر إلى الفهم وما وضع الكلام إلا للإفهام فلذلك يقدم المعنى العرفي.
وقد قرر هذه القاعدة الماوردي والزركشي وغيرهم.
التطبيق:
قال تعالى: ) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ( وذكر )وَفِي سَبِيلِ اللّهِ( وفي المراد به أقوال:
1- الغزاة في سبيل الله.
2- جميع القرب.
3- الحجيج.
والقول الأول هو الأولى بالصواب، لأن إطلاق هذا اللفظ على الغزو والجهاد هو الشائع في الاستعمال عند نزول القرآن فكان عرفا، قال ابن الجوزي: "إذا أطلق ذكر "سبيل الله" فالمراد به الجهاد" وقال ابن دقيق العيد نحوه.


القاعدة السابعة
القول بالاستقلال مقدم على القول بالإضمار
إذا اختلف المفسرون في تفسير آية فمنهم من يرى افتقار بكلام على التقدي ومنهم من يرى استقلالا الكلام وعدم احتياجه إلى ذلك التقدير والمعنى مستقيم بدونه فحمل الآية على الاستقلال مقدم لأجل موافقة الأصل، لأن الإضمار والتقدير خلاف الأصل فيجب التقليل من مخالفة الأصل.
وهذه القاعدة من القواعد التي اعتمدها المفسرون والأصوليون.
التطبيق:
قال تعالى: ) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً( ذهب بعضهم إلى تفسيرها بقولهم: جاء أمر ربك أو جاء قضاؤه، والصواب عدم التقدير، وليس في ألفاظ الآية ولا سياقها ولا في دلالة شرعية تدل على إضمار شيء فيها، والسبب في هذا التقدير هو دعواهم بأن العقل يحيل اتصاف الباري سبحانه بهذه الصفة، وهذا باطل لما قلناه من أن الأصل عدم التقدير ولأن إقحام العقل في ميدان لا يعلم كنهه خطأ واضح، والصفات من الغيب التي أمرنا بالإيمان به فمبناه على التسليم وإثبات ما أثبته الله لنفسه دون تشبيه أو تكييف وبهذا فسر الآية بان جرير فقال: "وإذا جاء ربك يا محمد وأملاكه صفوفا صفا بعد صف" وغيره.
قيام الدليل على الإضمار:
إذا قام الدليل على الإضمار في الآية فالقواعد التالية ترجح بين الأقوال في تقدير ذلك المضمر:
قاعدة (1): تقدير ما ظهر في القرآن أولى في بابه من كل تقدير.
إذا دل دليل المعتبر على الحذف في آية وظهر هذا المحذوف في آية أخرى، فتقدير ذلك المحذوف بما ظهر في موضع آخر أولى من كل تقدير، وأوفق للصواب وهو من قبيل تفسير القرآن بالقرآن.
وقد ذكر هذه القاعدة بلفظها العز بن عبد السلام واعتمدها عامة المفسرون.
التطبيق: قال تعالى: ) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ( في هذه الآية قرينة على الإضمار وهي رفع: )ثلاثة( بعد القول ولا رافع لها مذكور فدل على وجود مضمر: فقال الفراء: التقدير "هم ثلاثة" وقال الزجاج: آلهتنا ثلاثة، وقال أبو علي الفارسي: "هو ثالث ثلاثة" وهذا أولى التقديرات لأجل موافقة قوله تعالى: )لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ(.
قاعدة (2): التقدير الموافق لغرض الآية وأدلة الشرع مقدم على غيره.
إذا قام دليل على وجود إضمار في آية ولم يظهر ذلك المضمر في آية أخرى فأولى التقديرات بالصحة ما كان منها موافقا لغرض الآية المسوقة له وأدلة الشرع العامة، ولم يكن مخالفا لها.
ومن أمثلة هذه القاعدة تقدير خبر "لا" المضمر في جملة: "لا إله إلا إلا الله" أو في آية نحو: )لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الرَّحمَنِ الرَّحِيم( فقدره بعضهم ب "موجود" فيكون المعنى: لا معبود موجود إلا الله، وقدره غيرهم بـ "حق أو بحق" فيكون المعنى: لا معبود بحق إلا الله، وهذا التقدير هو الصواب لموافقته للغرض من هذه الجملة وهو إثبات الوحدانية في الإلهية له وحده ونفيها عمن سواه.
قاعدة (3):قلة الحذف أولى من كثرته.
إذا دل الدليل على الإضمار في آية ولم يظهر ذلك المضمر في آية أخرى واحتاج المفسر أو المعرب على تقدير ذلك المضمر فأولى التقديرات ما قل فيه التقدير دون ما كثر وذلك لتقليل مخالفة الأصل بكثرة الحذف والتقدير.
التطبيق: قال تعالى: )وأشربوا في قلوبهم العجل( قال أبو حيان: هو على حذف مضافين أي حب عبادة العجل وقال الجمهور: بل على حذف مضاف واحد والتقدير: حب العجل، وهذا هو الأولى تقليلا للمحذوف".


القاعدة الثامنة
القول بالترتيب مقدم على القول بالتقديم والتأخير
إذا اختلف المفسرون في تفسير آية من كتاب الله وكان خلافهم دائرا بين مدع للتقديم والتأخير في الآية ومبق لها على ترتيبها فأولى القولين بالصواب قول من قال بالترتيب لأنه الأصل في الكلام، ولا ينتقل عن الأصل إلا بدليل واضح وقرينة بينة لا سيما إذا استقام المعنى بدونه، فإذا احتمل الأمر وعُدم الدليل والقرينة فالقول الحق أن يبقى الكلام على ترتيبه.
وقد نص على هذه القاعدة الطبري والرازي وابن تيمية وغيرهم.
التطبيق:
قال تعالى: )وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا( ذهب بعض العلماء إلى أن في الآية تقديما وتأخيرا تقديره: والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ثم يعودون لما قالوا إنا لا نفعله فيفعلونه فعلى هذا القول لا يكون العود شرطا في وجوب الكفارة.
وذهب الجمهور إلى أن الآية على ترتيبها وليس فيها تقديم ولا تأخير على خلاف بينهم في تفسير العود، وهذا القول هو ما تقرره هذه القاعدة لأن الأصل وظاهر النظم هو الترتيب ولا يوجد في الكلام دليل صريح أو قرينة واضحة تدل على صحة دعوى التقديم والتأخير.


القاعدة التاسعة
لا تحمل الآية على القلب ولها بدونه وجه صحيح
إذا اختلف المفسرون بين حمل الآية على القلب –وسيأتي بيانه- أو عدمه فحمل الآية على عدم القلب هو الصحيح متى صح ذلك، لأنه هو الموافق لظاهر الآية، ولا يعدل عن الظاهر إلا بدليل.
وقد عرف البلاغيون القلب بأنه: جعل أحد أجزاء الكلام مكان الآخر، والآخر مكانه على وجه يثبت حكم كل منهما للآخر.
والقلب أنواع منها قلب الإسناد كقلب الفاعل مفعولا والمفعول فاعلا نحو قوله تعالى: )وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ( وقلب العطف بأن يجعل المعطوف عليه معطوفا والمعطوف معطوفا عليه وجعلوا منه قوله تعالى: )ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى(.
وقد اختلف العلماء في كونه القلب من أساليب البلاغة ومن ثم في جواز حمل القرلآن عليه فأنكره بعضهم مطلقا وجعله من الضروريات التي يسلكها الشعراء لمراعاة القافية والوزن والقرآن منزه عنه، وقبله آخرون مطلقا، واشترطه له آخرون عدم اللبس، وفصل بعضهم فقال: إن تضمن اعتبارا لطيفا قُبل وإلا رد.
وقد قرر هذه القاعدة وعمل بمضمونها ابن عطية والرازي والقرطبي وغيرهم.
التطبيق:
قال تعالى: )خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ( ذهب الزجاج وغيره إلى أن في الآية قلبا والمعنى: خُلق العجل من الإنسان، والعرب تفعل هذا إذا كان الشيء من سبب الشيء بدؤوا بالسبب.
وذهب عامة المفسرين إلى أن الآية على ترتيبها فقال بعضهم خلق الإنسان عجولا، وقال آخرون: خلق الإنسان في تعجيل في خلق الله إياه وقيل غير ذلك.
والقول بالترتيب هو الصحيح إذ لا موجب للقول بالقلب ولا دليل عليه مع مخالفته لظاهر الآية.


القاعدة العاشرة
التأسيس أولى من التأكيد
التأسيس لغة من الأساس، وهو أصل البناء وفي الاصطلاح: إفادة معنى آخر لم يكن حاصلا قبلا.
والتأكيد هو: تقوية مدلول ما ذكر بلفظ آخر وهو إما معنوي كقولك: "جاء القوم كلهم أجمعون" أو لفظي وهو: إعادة اللفظ الأول بعينه وهو المراد في هذه القاعدة، فإذا احتمل اللفظ أو الجملة أو الجملة من كتاب الله تعالى أن يكون مؤكدا للفظ -أو جملة- سابق.
أو يكون مفيدا لمعنى جديد لم يسبق في الكلام فحمله على الإفادة أولى من حمله على الإعادة، لأن إفادة معنى جديد أولى من إلغاء هذا المعنى بجعله مؤكدا لما تقرر في كلام سابق، فالتأكيد خلاف الأصل، لأن الأصل في وضع الكلام إنما هو إفهام السامع ما ليس عنده، فإن تعذر حمله على فائدة جديدة حمل حينئذ على التأكيد.
ويدخل تحت التأكيد المراد هنا تأكيد معنى سابق، ولو لم يكن في ذلك تكرارا لأي لفظ من ألفاظ الجملة السابقة.
وقد ذكر هذه القاعدة ورجح بها: الطبري وابن العربي وابن القيم وغيرهم.
التطبيق:
قال تعالى: )أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ(.
اختلف العلماء في عائد الضمير المحذوف الذي هو فاعل "علم":
- فقال بعضهم: إنه راجع إلى قوله: )أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ( وعلى هذا يكون المعنى: كل من المصلين والمسبحين قد علم الله صلاته وتسبيحه.
- وقال آخرون: بل هو راجع إلى قوله )كل( فعلى هذا يكون المعنى: كل من المصلين والمسبحين قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه.
والثاني هو الصحيح حتى يكون قوله تعالى: )والله عليم بما يفعلون( تأسيسا لمعنى جديد وهو إحاطة علم تعالى بكل ما يفعلون، أما على القول الأول فإن هذه الجملة -)والله عليم بما يفعلون(- مؤكدة لمعنى جملة )قد علم صلاته وتسبيح( والتأسيس أولى من التأكيد.


القاعدة الحادية عشرة
التباين أولى من الترادف
عند اختلاف المفسرين في تفسير ألفاظ قرآنية بين قائل بالترادف وقائل بالتباين بين معانيها فأرجح القولين حملها على التباين، لأنه الأصل وهو أكثر اللغة لإفادته معنى جديدا.
والفرق بين المترادف والمؤكد أن المترادفين يفيد أن فائدة واحدة من غير تفاوت أصلا، وأما المؤكد أن المترادفين يفيد أن فائدة واحدة من غير تفاوت أصلا، وأما المؤكد فلا يفيد عين فائدة المؤكد بل يفيد تقويته.

التطبيق:
- قال تعالى: )وتعاونوا على البر والتقوى( ليعن بعضكم أيها المؤمنون بعضا )على البر( وهو العمل بما أمر الله بالعمل به )والتقوى( هو اتقاء ما أمر الله باتقائه واجتنابه من معاصيه.
- قال تعالى: )لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا( قال ابن عباس: سنة وسبيلا.


القاعدة الحادية عشرة
التباين أولى من الترادف
عند اختلاف المفسرين في تفسير ألفاظ قرآنية بين قائل بالترادف وقائل بالتباين بين معانيها فأرجح القولين حملها على التباين، لأنه الأصل وهو أكثر اللغة لإفادته معنى جديدا.
والفرق بين المترادف والمؤكد أن المترادفين يفيد أن فائدة واحدة من غير تفاوت أصلا، وأما المؤكد أن المترادفين يفيد أن فائدة واحدة من غير تفاوت أصلا، وأما المؤكد فلا يفيد عين فائدة المؤكد بل يفيد تقويته.
التطبيق:
- قال تعالى: )وتعاونوا على البر والتقوى( ليعن بعضكم أيها المؤمنون بعضا )على البر( وهو العمل بما أمر الله بالعمل به )والتقوى( هو اتقاء ما أمر الله باتقائه واجتنابه من معاصيه.
- قال تعالى: )لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا( قال ابن عباس: سنة وسبيلا.


القاعدة الثانية عشرة
التأصيل أولى من الزيادة
إذا اختلف المفسرون في تفسير لفظة فجعلها بعضهم زائدة وأصل المعنى تام بدونها وأنها للتعدية والتأكيد وجعلها آخرون أصلية لا يتم المعنى إلا به فالأولى حملها على التأصيل، لأنه الأصل ولا يعدل عنه إلا بدليل.
وقد قرر هذه القاعدة الإمام الطبري وابن العربي والرازي وابن تيمية وغيرهم وهي قاعدة مشهورة عند الأصوليين.
التطبيق:
قال تعالى: )وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ( .
اختلف العلماء في "إن" في هذه الآية على أقوال:
1- شرطية، وجزاء الشرط محذوف تقديره: إن مكناكم فيه طغيتم.
2- زائدة بعد ما الموصولة حملا لـ"ما" الموصولة على "ما" النافية، لأن النافية تزاد بعدها "إن" ويكون المعنى: مكناهم في مثل ما مكناكم فيه.
3- أصلية في الكلام بمعنى النفي أي: ولقد مكناهم في الذي لم نملكم فيه من القوة في الأجساد وكثرة في الأموال والأولاد، وهذا القول هو الأولى بالصواب، لأن التأصيل أولى من الزيادة.


القاعدة الثالثة عشرة
الإفراد أولى من الإشراك
إذا ورد لفظ في كتاب الله واحتمل الاشتراك –وهو أن يدل لفظ على معنيين فأكثر على السواء- والإفراد فيحمل على إفراده، لأنه الأصل في اللغات والأكثر في الاستعمال والتخاطب.
وقد قرر هذه القاعدة علماء الأصول وغيرهم.
التطبيق:
قال تعالى: ) وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء(ذهب إلى أن لفظ "النكاح" مشترك بين العقد والوطء حقيقة فيهما.
وذهب آخرون إلى أنه حقيقة في الجماع مجاز في العقد وقيل العكس والذي ترجحه القاعدة أنه ليس مشتركا بينهما بل يحمل على أحدهما إما الوطء وإما العقد فهذا أرجح من كونه مشتركا، لأن الاشتراك خلاف الأصل.


القاعدة الرابعة عشرة
تصريف الكلمة واشتقاقها مرجِح
إذا اختلف المفسرون وأيد تصريف الكلمة أو أصل اشتقاقها أحد الأقوال فهو الأولى بالصواب، لأن التصريف والاشتقاق يعيدان الألفاظ إلى أصولها فتتضح الألفاظ والمعاني المتفرعة عنها.
وقد يدل تصريف الكلمة على ضعف أحد الأقوال لأجل مخالفته له.
وقد استعمل الطبري هذه القاعدة ورجح بها وكذلك فعل ابن عطية وابن تيمية وغيرهم.
التطبيق:
1- قال تعالى: )إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً( اختلف المفسرون في المراد بـ"الأوابين" على أقوال:
أ- المسبحون
ب- المطيعون المحسنون
ت- بين المغرب والعشاء
ث- الذين يصلون الضحى.
ج- الراجع من ذنبه والتائب منه.
والقول الأخير هو الصحيح، لأن اشتقاق كلمة أواب يدل عليه، يقال: آب يؤوب أوبا إذا رجع.
2- قال تعالى: )يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ( جاء في معنى الإمام أقوال:
أ- نبيهم ومن كان يقتدى بهم في الدنيا ويؤتم به.
ب- يدعوهم بكتب أعمالهم التي عملوها في الدنيا.
ت- كتابهم الذي أنزل على نبيهم.
ث- إمام جمع "أُم" وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاته دون آبائهم.
والقاعدة ترد القول الأخير، لأن "أم" لا تجمع على إمام، وإنما على أمهات.
والمعنى الثاني هو الأقرب لقوله تعالى: )وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ(.


القاعدة الخامسة عشرة
العموم أولى من التخصيص
يجب أن تحمل نصوص الوحي العامة على عمومها، لأن التشريع جاء عاما ما لم يرد نص بالتخصيص.
فإذا حمل بعض المفسرين آية أو كلمة على العموم وآخرون على الخصوص فالصواب حملها على العموم.
وحتى أمكن حمل الآية على معنى كلي عام شامل يجمع تفسيرات جزئية جاءت في تفسيرها من قبيل التفسير بالمثال أو الجزء أو بالثمرة أو بنحو ذلك ولا معرض له، وتشهد الأدلة بصحته، فهو أولى بتفسير الآية حملا لها على عموم ألفاظها ولا داعي لتخصيصها بواحد من المعاني الجزئية إلا أن يكون السياق يقتضي تخصيصها حتما أو يقوم الدليل على ذلك.
التطبيق:
قال تعالى: )وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ(.
اختلف العلماء في حكم هذه الآية على قولين:
أ- عامة في المطلقات والمتوفى عنهن وأزواجهن، فعدتهن وضع الحمل وهذا قول الجمهور.
ب- خاصة بالمطلقات وأما المتوفى عنها فإن عدتها أبعد الأجلين وهذا مروي عن ابن عباس.
والقاعدة ترجح القول الأول أخذا بعموم ألفاظ الآية ولا دليل يوجب التخصيص.


القاعدة السادسة عشرة
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
إذا صح للآية سبب نزول وجاءت ألفاظها أعم من سبب نزولها ومستقلا بنفسه إن كان جواب سؤال –أي يصح الابتداء به ويكون تاما مفيدا للعموم- واختلف العلماء فيها، فمنهم من جعلها قاصرة على سبب نزولها لا تتعداه إلى ما سواه وآخرون حملوها على عموم ألفاظها شاملة لأفراد السبب ولأفراد غيره مما شابهه فالقول الحق هو قول من حملها على عموم ألفاظها ولم يقصرها على سبب نزولها.
هذا ما لم يدل دليل على التخصيص وما لم تكن هناك قرينة تعميم، فإن كانت فالقول بالتعميم ظاهر كل الظهور بل ينبغي أن يكون في التعميم خلاف.
وقد نص على هذه القاعدة أكثر علماء الأصول.
التطبيق:
قال تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ( اختلف العلماء في المحصنات اللاتي هذا حكمهن على أقوال:
أ- إن ذلك لعائشة خاصة.
ب- لأزواج النبي خاصة.
ت- للمهاجرات، كانت المرأة المؤمنة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفها المشركون من أهل مكة وقالوا: إنما خرجت لتفجر.
ث- عامة لأزواج النبي صلى الله عليه و سلم ولغيرهن ممن كان بالصفة التي وصف الله في هذه الآية وهذا القول هو الأصح بناء على هذه القاعدة.


القاعدة السابعة عشرة
الإطلاق أولى من التقييد
إذا ورد نص من نصوص الوحي مطلقا غير مقيد بقيد أو شرط فلا يجوز تقييده بل يجب العمل بالنص وتفسيره على إطلاقه وإبهامه إلا إذا قام الدليل على التقييد ومن خالف ذلك بحمل النصوص المطلقة على غير إطلاقها فقوله مردود وفعله تحكم في تفسير النصوص بلا دليل فلا يقبل منه ذلك.
كما أن النص إذا ورد مقيدا فلا بد أن يفسر ويعمل به بمقتضى قيده ومن أوله بما يؤدي على بطلان قيده فلا يقبل منه ذلك.
التطبيق:
قال تعالى: )ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر(.
اختلف العلماء في قوله تعالى: )فعدة من أيام أخر( هل يلزم في هذه الأيام التتابع أو لا؟
على قولين، والصواب عدم التقييد بالتتابع لإطلاق الآية.

المبحث الثاني
قواعد الترجيح المتعلقة بمرجع الضمير
القاعدة الأولى
لا يحمل الضمير على الشأن إذا أمكن غيره
إذا تنازع العلماء في ضمير ما فقائل يقول: هو ضمير الشأن والقصة وآخر يقول ليس هو ضمير الشأن فإذا كان لقول الآخر وجه صحيح في العربية وفي السياق فهو أولى بحمل الآية عليه ولا يقال بضمير الشأن إلا إذا لم يكن له محمل صحيح غيره لمخالفته للقياس من وجوه مختلفة كما سيأتي وضمير الشأن هو ضمير يأتي على صورة الغائب المفرد مبهما ثم يفسر ويقصد بذلك تعظيم الأمر والشأن وهو مخالف للقياس من وجوه:
1- أنه لا يقصد به شيء بعينه
2- لا يستعمل إلا في التفخيم.
3- لا يرجع إلى مذكور
لا تعني هذه القاعدة أنه لا يأتي ضمير الشأن ولا يترجح في القرآن البتة بل يتعين ضمير الشأن في مواضع متعددة من القرآن كقوله تعالى: )إنه لا يفلح الظالمون( فالهاء ضمير شأن ليس إلا.
التطبيق:
قال تعالى: )َهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ( اختلف العلماء في الضمير "هو":
- فقال الجمهور هو ضمير عائد على ما عادت عليه الضمائر قبله وهو "الله".
- وقال أبو علي الفارسي: "هو" ضمير شأن و "الله" مبتدا خبره ما بعده.
وقول الجمهور أولى بالصواب بناء على هذه القاعدة.


القاعدة الثانية
إعادة الضمير إلى مذكور أولى من إعادته على مقدر

إذا احتمل السياق إعادة الضمير إلى مذكور أو إعادته إلى مقدر واختلف العلماء على الاحتمالين فإعادة الضمير إلى المذكور أولى، لأن الإعادة إلى المقدر مع إمكان الإعادة إلى المذكور فيه إخراج للآية عن نظمها دون موجب هذا في حالة احتمال الضمير للأمرين واختلاف العلماء على القولين أما إذا لم يقع خلاف فلا يدخل تحت هذه القاعدة.
وقد ذكر هذه القاعدة الطبري وابن العربي وابن تيمية وغيرهم.

التطبيق:
قال تعالى: )أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ(.
اختلف المفسرون في عائد الضمير "منه":
- فقالت طائفة: عائد على الله تعالى السابق ذكره.
- وقالت طائفة: عائد على محمد صلى الله عليه و سلم.
والقول الأول هو الأولى، لأن مفسر الضمير فيه مذكور على عكس القول الثاني، فإنه لم يسبق للنبي صلى الله عليه و سلم ذكر في السياق.
اسم الإشارة:
يلحق بالضمير في هذه القاعدة اسم الإشارة فالقول الذي يجعل المشار إليه مذكورا أولى من القول الذي يجعله مقدرا.
ومن أمثلة هذه القاعدة قوله تعالى: )هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ(.
في المشار إليه بـ"هذا" أقوال:
1- ما تقدم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده بتسخير الريح والشياطينز
2- في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: هذا عطاؤنا بغير حساب فامنن أو أمسك.
3- إشارة إلى مضمر غير مذكور وهو ملا حكي أن سليمان كان في ظهره ماء مائة رجل، وكان له ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية، فقال تعالى: )هذا عطاؤنا( أي قوة النكاح )فامنن( بجماع من تشاء من نسائك )أو أمسك( عن جماع من تشاء من نسائك.
والقول الأول هو الأولى، لأنه يجعل المشار إليه مذكورا على عكس القول الثالث.
أما القول الثاني فهو خلاف الأصل دون موجب.


القاعدة الثالثة
إعادة الضمير على المحدث عنه أولى من إعادته إلى غيره
المحدث عنه هو المسند إليه وهو:
1- الفاعل.
2- نائب الفاعل
3- المبتدأ
4- أسماء النواسخ.
5- المفعول الأول لظن وأخواتها.
6- المفعول الثاني لأرى وأخواتها.
فإذا جاء ضمير في سياق قرآني وتعددت الاحتمالات في مرجعه فرجوعه إلى المحدث عنه في السياق أولى من رجوعه إلى غيره، لأنه هو المقصود بالكلام وإليه يتجه الخطاب.
وقد رجح بهذه القاعدة الطبري وأبو حيان والسيوطي وغيرهم.
التطبيق:
قال تعالى: )إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى{38} أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي{39}( اختلف المفسرون في عائد الضمير في )فاقذفيه( و )فليلقه( على قولين:
1- هما عائدان إلى التابوت.
2- إلى موسى في داخل التابوت.
والقاعدة ترجح القول الثاني، لأن سياق الآيات عن موسى والضمائر راجعة إليه من أول الآيات إلى موضع الخلاف وكذلك بعده راجعة إليه فهو المقصود بالخطاب أولا وآخرا.


القاعدة الرابعة:
توحيد مرجع الضمائر في الساق الواحد أولى من تفريقها.
إذا جاءت ضمائر متعددة في سياق واحد واحتملت في مرجعها أقوالا متعددة فتوحيد مرجعها وإعادتها إلى شيء واحد أولى لانسجام النظم واتساق السياق، هذا ما دام الأمر محتملا ولا حجة توجب تفريقها وتأبي توحيدها.
فإن وردت آيات لم يختلف أهل التفسير في تفريق ضمائرها أو قامت حجة ظاهرة على تفريقها فهي غير داخلة في هذه القاعدة.
وقد قرر هذه القاعدة الطبري وابن عطية وأبو حيان.
التطبيق:
قال تعالى: )إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ{6} وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ{7} وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ{8}(.
اختلف العلماء في عائد الضمير في قوله تعالى: )إنه على ذلك( على قولين:
1- على الإنسان.
2- عائد على رب الإنسان المذكور في قوله )لربه(.
وهذه القاعدة ترجح القول الأول، حتى تتسق الضمائر فقبل هذا الضمير وبعده ضمائر كلها عائدة على الإنسان اتفاقا فكذلك هذا الضمير.
تنبيه:
أمثلة هذه القاعدة وأمثلة القاعدة السابقة فيها تشابه وتداخل كبير، وقليل منها ما يختلف فيه المرجع بالنسبة على القاعدتين وإلا فالغالب اتحاد أمثلتها، فتوحيد الضمائر يعود على المحدث عنه غالبا، وقد تتفق هاتان القاعدتان مع قاعدة غعادة الضمير إلى أقرب مذكور الآتية، فيكون الضمير عائدا إلى أقرب مذكور وهو المحدث عنه، والضمائر جميعا في السياق عائدة إليه.


القاعدة الخامسة
الأصل إعادة الضمير إلى أقرب مذكور ما لم يرد دليل بخلافه
إذا وقع الخلاف في عائد الضمير فالراجح هو القول الذي يعيد الضمير إلى أقرب مذكور، فإعادته إلى القريب أولى من إعادته إلى البعيد.
هذا إذا لم ينازع هذه القاعدة قواعد أخرى فإن نازعها غيرها نظر بين القواعد المتنازعة بالضوابط السابقة أول الكتاب.
فإذا دل دليل على إرادة البعيد فيعود الضمير غليه، ومن هذه الأدلة:
1- القرينة في السياق: فإذا وردت قرينة في سياق الآية تدل على إرادة البعيد دون القريب عمل عليها.
2- سياق الجمل المذكورة قبل الضمير المختلف فيه وبعده، فإذا كان سياق الجمل قبل وبعد الضمير عن شيء واحد واحتمل الضمير رجوعه إليه وكان بعيدا ورجوعه إلى القريب فرجوعه إلى البعيد في هذه الحالة أرجح.
التطبيق:
قال تعالى: )فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً( للعلماء في المنادي لمريم قولان: -الملك جبريل- عيسى عليه السلام، وهذا القول هو ما ترجحه هذه القاعدة، لأن عيسى هو أقرب المذكورين إلى الضمير في "فناداها" وذلك في قوله: )فحملته فانتبذت به مكانا قصيا( وما بعدها وإعادة الضمير إلى أقرب مذكور أولى.
اسم الإشارة:
ويلحق بهذه القاعدة اسم الإشارة الموضوع للقريب، فإعادته إلى القريب أولى من إعادته إلى البعيد لموافقته أصل الاستعمال، وحفاظا على نظم الآية.
وكمثال على هذه القاعدة يقول تعالى: )إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى( اختلف العلماء في المشار إليه بـ "هذا" في الآية على أقوال:
1- الآيات في سبح اسم ربك الأعلى.
2- على الذي قصه الله في هذه السورة.
3- إلى كتب الله كلها.
وقيل غير ذلك.
قال ابن جرير: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : إن قوله: )قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى( : لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم خليل الرحمن وصحف موسى بن عمران.
وإنما قلت : ذلك أولى بالصحة من غيره لأن هذا إشارة إلى حاضر فلأن يكون إشارة إلى ما قرب منها أولى من أن يكون إشارة إلى غيره".



المبحث الثالث
قواعد الترجيح المتعلقة بالإعراب
القاعدة الأولى
يجب حمل كتاب الله على الأوجه الإعرابية اللائقة بالسياق والموافقة لأدلة الشرع
هذه القاعدة توجب حمل آيات التنزيل على الأوجه الإعرابية اللائقة بسياق الآية ومعناها والموافقة لأدلة الشرع دون الأوجه الجافية عنها وإن كان لها وجه صحيح في العربية فليس كل ما صح القول به في تركيب عربي صح حمل آيات التنزيل عليه فللقرآن عرف خاص يجب أن يحمل عليه، لأن الإعراب يبين المعنى، والمعنى هو المقصود بالنص القرآني دون الإعراب وقواعده.
وقد ذكر هذه القاعدة واستعملها عامة المفسرين كالطبري وابن عطية وأبي حيان وغيرهم.
التطبيق:
قال تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(.
اختلف المعربون في الموقع الإعرابي لقوله تعالى: )ومن اتبعك( على خمسة أقوال:
1- معطوفة على الكاف المجرورة في "حسبك".
2- "من" في محل نصب عطفا على محل الكاف في قوله: "حسبك" لأنها بمعنى كافيك، أي الله يكفيك ويكفي من اتبعك من المؤمنين.
3- "من" في موضع نصب بفعل محذوف دل عليه الكلام تقديره: ويكفي من اتبعك من المؤمنين.
4- "من" في موضع رفع بالابتداء أي: ومن اتبعك من المؤمنين فحسبهم الله فيكون من عطف الجمل.
هذه الأوجه متفقة مع القاعدة ومتمشية مع الصحيح في معنى الآية، ولا تعارض أدلة شرعية، وإن وجد تقديم لبعضها على بعض من جهة الصناعة كالذي يقال في القول الأول بأنه من العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار وهو وإن كان جائزا في أصح القولين لكنه قليل وإعادة الجار أحسن وأفصح.
5- "من" في محل رفع عطفا على اسم الله تعالى، ومعناه: حسبك الله وأتباعك ومن المؤمنين.
وهذا القول ضعيف بل باطل، لأن الحسب هو الكافي، ولا يصح صرف هذا لغير الله تعالى كالرغبة والرهبة وسائر أنواع العبادات.
وقد دل القرآن في آيات كثيرة على أن الحسب والكفاية لله وحده لا شريك له فيهما كقوله تعالى: )فإن حسبك الله(.

القاعدة الثانية
يجب حمل كتاب الله على الأوجه الإعرابية القوية والمشهورة دون الضعيفة والشاذة والغريبة
هذه القاعدة متفرعة عن قاعدة: "يجب حمل كلام الله على المعروف من كلام العرب دون الشاذ والضعيف والمنكر" فهذه القاعدة مختصة بالإعراب واستعمالهم للعوامل ووجوه ذلك قوة وضعفا، وتلك القاعدة في كل ما هو وارد عنهم في الألفاظ المفردة والتراكيب والأساليب.
التطبيق:
قال تعالى: )كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ(.
اختلف المعربون والمفسرون اختلافا كبيرا في متعلق الكاف في "كما" حتى أوصل بعضهم الأقوال إلى عشرين قولا، من هذه الأقوال قول أبي عبيد بان مجازها مجاز القسم كقولك: والذي أخرجك ربك، لأن "ما" في موضع "الذي" فجعل الكاف حرف قسم بمنى الواو، وهذا القول غريب جدا في العربية وفي معنى الآية، وقد رد الأئمة هذا الوجه وأنكروه

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 06:48 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات