12-28-2022, 06:26 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 356,632
|
|
تعريف مختصر بكتاب مسند الإمام زيد بن علي
تعريف مختصر بكتاب مسند الإمام زيد بن علي
د. عبدالله بن الحسن بن صالح العلوي
زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رحمه الله، وُلد في المدينة سنة 80 للهجرة، وتُوفِّيَ مظلومًا شهيدًا بإذن الله سنة 122 للهجرة، والزيدية ينتسبون إليه، ويزعمون أنهم يتبعونه.
قال ابن حبان في كتابه (مشاهير علماء الأمصار، ص: 104): "زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، كانت الشيعة تنتحله، وكان من أفاضل أهل البيت وعُبَّادهم، قُتِل بالكوفة سنة ثنتين وعشرين ومائة"؛ [انتهى باختصار].
وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء 5/ 389، 391): "كان ذا علمٍ وجلالة وصلاح، هفا، وخرج، فاستُشهِد... خرج متأولًا، وقُتِل شهيدًا".
وقال الذهبي أيضًا في (تاريخ الإسلام، 3/ 415): "كان زيد بن علي أحد العلماء الصلحاء، بدت منه هفوة فاستُشهِد، فكانت سببًا لرفع درجته في آخرته".
والزيدية ينسبون إلى الإمام زيد رحمه الله كتابًا يسمونه مسند الإمام زيد بن علي، فهل حقًّا هذا الكتاب من تأليف الإمام زيد؟ وهل حقًّا الروايات التي فيه رواها زيد عن أبيه عن جده الحسين عن علي رضي الله عنه؟
هذا الكتاب (مسند الإمام زيد) تفرَّد بروايته عن زيد أبو خالد الواسطي أحد المشهورين بالكذب، وكل من يقرأ الكتاب بعلمٍ وإنصاف يتبين له كذبه على زيد بلا إشكال، فكذِب عمرو بن خالد الواسطي واضح كالشمس، وتأمل هذه الرواية السخيفة التي افتراها الواسطي في كتاب مسند الإمام زيد في كتاب النكاح باب فضل النكاح (ص: 209) رقم (421): قال أبو خالد الواسطي: حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((إذا نظر العبد إلى وجه زوجه، ونظرت إليه، نظر الله إليهما نظر رحمة، فإذا أخذ بكفها وأخذت بكفه، تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما، فإذا تغشَّاها حفَّت بهما الملائكة من الأرض إلى عنان السماء، وكانت كل لذة وكل شهوة حسنات كأمثال الجبال، فإذا حملت كان لها أجر المصلي الصائم القائم المجاهد في سبيل الله، فإذا وضعت لم تعلم نفس ما أُخفِيَ لهم من قرة أعين))، هذا نص الحديث المكذوب الذي لا يشك أي طالب علمٍ منصفٍ أنه كلام مفترًى، فوالله إنه لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يَرْوِه عنه علي بن أبي طالب، ولم يروه عن علي ابنه الحسين، ولا رواه عن الحسين ابنه علي زين العابدين، ولا رواه عن زين العابدين زيد، ولا رواه عن زيد غير راوٍ واحد كذَّاب؛ هو أبو خالد الواسطي!
وهذه بعض أقوال علماء الحديث في هذا المتفرد بهذا الكتاب، منقولة من كتاب (تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي 21/ 605):
قال أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل: "أبو خالد الواسطي كذَّاب، يروي عن زيد بن علي عن آبائه أحاديث موضوعة، يكذب".
وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: "متروك الحديث، ليس بشيء".
وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: "كذَّاب غير ثقة، ولا مأمون".
وقال هاشم بن مرثد الطبراني عن يحيى بن معين: "كذاب، ليس بشيء".
وقال إسحاق بن راهويه وأبو زرعة: "كان يضع الحديث".
وقال أبو حاتم: "متروك الحديث، ذاهب الحديث، لا يشتغل به".
وقال أبو عبيد الأجري: "سألت أبا داود عن عمرو بن خالد، فقال: هذا كذاب".
وقال في موضع آخر: "سألت أبا داود عن عمرو بن خالد، فقال: ليس بشيء".
وقال النسائي: "ليس بثقة، ولا يُكتب حديثه".
فالمحدثون كانوا حريصين أشد الحرص على كتابة الأحاديث النبوية، وقد رَوَوا عن علي بن أبي طالب أكثر مما رَوَوا عن أبي بكر وعمر وعثمان مجتمعين، كما يعلم ذلك من اطلع على مسند الإمام أحمد بن حنبل؛ فعددُ أحاديث الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم 561 حديثًا، وعدد أحاديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه 819 حديثًا، وليس فيها حديث واحد مما افتراه أبو خالد الواسطي على زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب، وقد اطلع المحدثون على هذه الروايات التي تفرد بها أبو خالد الواسطي فعلموا كذبه؛ لأنه روى ما لم يَرْوِه غيره.
قال الألباني في كتابه (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 13/ 116): "اعلم أن مسند زيد بن علي حاله كحال مسند الربيع بن حبيب مرجع الإباضية أو أسوأ؛ فإنه من رواية عمرو بن خالد أبي خالد الواسطي عن الإمام زيد، والواسطي اتفق أئمتنا على أنه كذاب وضَّاع"؛ [انتهى باختصار وتصرف يسير].
والزيدية يصرون على أن مسند الإمام زيد صحيح النسبة إليه، ويدَّعون أنه أول كتاب حديثي أُلِّف في الإسلام، مع أن تأليف المسانيد وكتب الحديث المصنفة لم يكن معروفًا في عهد زيد المتوفى سنة 122 للهجرة، وقد طبعه الزيدية باسم مسند الإمام زيد، أو باسم المجموع الحديثي والفقهي للإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام.
وهذا المسند المكذوب على الإمام زيد فيه 687 رواية، بعضها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضها عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد تفرد برواية هذه الروايات عن زيد: أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، وقد روى في هذا الكتاب كثيرًا من الأحاديث الصحيحة المشهورة، لكن جعل كل أسانيدها هكذا: "حدثني زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم"، وهي أحاديث معروفة في كتب الحديث بأسانيد متنوعة عن عدة من الصحابة، وبعضها أحاديث ضعيفة أو موضوعة، لكن هذا الكذاب الواسطي روى تلك الأحاديث بإسناد واحد عن زيد بن علي.
ومما يدل على كذب الواسطي الذي ادَّعى أن تلك الأحاديث رواها زيد عن أبيه أنَّ محمدًا الباقر أخا زيد لم يَرْوِ شيئًا منها عن أبيه علي بن الحسين، ومحمد الباقر أكبر من زيد بأربع وعشرين سنة؛ فإنه وُلد سنة 56 هـ ومات سنة 118 هـ.
وقد كان لعلي بن الحسين خمسة أبناء؛ وهم: محمد وزيد وعمر وحسين وعبدالله، ولم يَرْوِ أحد منهم تلك الأحاديث الموجودة في مسند زيد بن علي، كما افترى ذلك الواسطي عن زيد بن علي.
ومعلوم عند المحدثين أن علي بن الحسين الملقب زين العابدين لم يكن مكثرًا من رواية الحديث، مع معرفتهم بجلالته وأمانته وفضله، فلو كانت عنده تلك الأحاديث الكثيرة، لرواها عنه أهل الحديث الذين أخذوا عنه العلم؛ كمحمد بن شهاب الزهري المدني، وعمرو بن دينار المكي، وطاوس اليماني، وهشام بن عروة بن الزبير المدني، وأبي حازم المدني، والقاضي يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وغيرهم، قال الزهري: "ما رأيت قرشيًّا أفضل من علي بن الحسين، وما رأيت أحدًا كان أفقه منه"، وروى سفيان بن عيينة عن الزهري أنه قال: "ما كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين، وما رأيت أحدًا كان أفقه منه، ولكنه كان قليل الحديث"، وروى معمر عن الزهري أنه قال: "لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن الحسين"، وقال قاضي المدينة يحيى بن سعيد الأنصاري: "كان علي بن الحسين أفضل هاشميٍّ"، وقال زيد بن أسلم: "ما رأيت فيهم مثل علي بن الحسين قط"، وقال الإمام مالك بن أنس: "لم يكن في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل علي بن الحسين"، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: "أصح الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب"؛ [ينظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي (20/ 386)].
ومع عدم صحة نسبة الكتاب إلى زيد بن علي، إلا أن فيه بعض الروايات التي خالفها الزيدية؛ ومن ذلك:
في مسند الإمام زيد بن علي في كتاب الصلاة باب استفتاح الصلاة (ص: 85)، رقم الحديث (56) ما لفظه: (حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه كان إذا استفتح الصلاة قال: الله أكبر، وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرت وأنا من المسلمين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يبتدئ ويقرأ).
وأول من ابتدع القول بأن الاستفتاح قبل التكبير هو القاسم الرَّسِّي كما في كتاب الجامع الكافي في فقه الزيدية للشريف العلوي (1/ 157).
وفي مسند الإمام زيد بن علي (ص: 103) رقم الحديث (111): (عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام أنه كان يقول في دعاء القنوت: آمين).
وأنكر القاسم الرسي مشروعية قول آمين، وزعم أن كلمة آمين ليست من كلام العرب كما في الجامع الكافي في فقه الزيدية (1/ 167).
وفي مسند الإمام زيد بن علي في كتاب الصيام باب الإفطار (ص: 145) حديث رقم (234): (عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال: ثلاث من أخلاق الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع الأكف على الأكف تحت السرة).
وخالف الزيديةُ الهادويةُ هذا الحديث المروي عن علي رضي الله عنه، وأخذوا بما قاله القاسم الرسي من وجوب تأخير الإفطار حتى تشتبك النجوم، وتابعه حفيده الهادي، وتابعهما الزيدية الهادوية، وتركوا السنة النبوية وما عليه علي بن أبي طالب وعلماء أهل البيت رضي الله عنهم.
ويوجد كتاب آخر ينسبه الزيدية إلى زيد بن علي، وهو تفسير غريب القرآن، تفرد بروايته أيضًا أبو خالد الواسطي الذي تفرد برواية مسند زيد بن علي، وفي كتاب غريب القرآن المنسوب إلى زيد أقوال غريبة، وأخطاء في العقيدة شنيعة، موافقة لعقائد الشيعة والمعتزلة؛ مثل نفي رؤية المؤمنين لله سبحانه يوم القيامة، وتفسير العرش بالعز والسلطان إنكارًا لكون الله تعالى مستويًا على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته؛ ومثل تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [المائدة: 67]: (هذه لعلي بن أبي طالب خاصة)، ومثل تفسير قوله تعالى: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 56] بأن جنب الله هو علي بن أبي طالب وولاة أهل بيته، وحاشا زيدٍ أن يقول هذا الكلام، لكن راوي الكتاب كذاب؛ [يُنظر: تفسير غريب القرآن المجيد المنسوب لزيد بن علي (ص: 88، 113، 131، 150، 218، 287)].
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|