12-22-2022, 03:09 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 356,632
|
|
باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة)
باب: (إعطاء من سأل بفحش وغلظة)
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللّهِ وعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللّهِ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ، فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ، وفي رواية لمسلم: ثُمَّ جَبَذَهُ إِلَيْهِ جَبْذَةً، رَجَعَ نَبِيُّ اللّهِ فِي نَحْرِ الأَعْرَابِيِّ، وفي رواية له أخرى: فَجَاذَبَهُ حَتَّى انْشَقَّ الْبُرْدُ، وَحَتَّى بَقِيتْ حَاشِيَتُهُ فِي عُنُقِ رَسُولِ اللّهِ.
شرح ألفاظ الحديث:
((رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ)): (نَجْرَانِيٌّ): بفتح النون وسكون الجيم نسبةً إلى نجران بلد معروف بين الحجاز واليمن، وفي رواية أخرى بدل (رداء) (برد)، وكلاهما بمعنى واحد.
((غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ)): الحاشية هي طرف الثوب مما يلي طرته.
((فَجَبَذَهُ)): جبذ بفتح الجيم بعدها ذال، وفي رواية (فجذب) بتقديم الذال على الباء، ومنه قوله في الرواية الأخرى.
(فجاذبه)، وكلاهما بمعنى واحد فجبذه؛ أي: سحَبه إليه.
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:الحديث فيه بيان ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يتحلى به من حلم وصبر على الأذى في النفس والمال، والتجاوز على جفاء الأعراب، كل ذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - عَظُم خلقه؛ قال تعالى عنه:﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم:4].
ولأن خلقَه القرآن، فأراد - صلى الله عليه وسلم – أن يتألَّف الأعرابي على الإسلام، وهكذا ينبغي على الدعاة إلى الخير وطلاب العلم أن يكونوا أَولى الناس بهذا الخلق العظيم، فيصبروا على جفاء الناس ودعوتهم، من أجل أن يوصلوا الإسلام وتعاليمه بأقوالهم وأفعالهم، فيحتسبوا أذيتهم لينالوا الأجر.
والمتأمل في هذا الحديث يجد عدة أمور في موقف الأعرابي مع النبي - صلى الله عليه وسلم – كل أمر يدل على جفاء الأعرابي مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع أنه جاء ليطلب ما عند النبي - صلى الله عليه وسلم – فتأمل هذه الأمور:
أ- ((فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ))، فهو لم يناديه أو يستأذنه أو يتلطف، مع أنه طالب وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
ب- ((جَبْذَةً شَدِيدَةً)) ومن شدة الجبذة رجع جسد النبي - صلى الله عليه وسلم – إلى جهة نحر الأعرابي كما في الرواية الأخرى.
ج- ((انْشَقَّ الْبُرْدُ))، وهذا من شدة الجبذة حتى ظهرت حاشية الرداء التي من الداخل، وبقِيت في عنق النبي صلى الله عليه وسلم.
د- ((نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللّهِ، وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ))، فها هو الجسد يلحق بالرداء في التأثر، وكل هذا من شدة الجبذة.
هـ- ((ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ)): فلم يقل يا رسول الله، أويا نبي الله، وإنما ناداه باسمه مجردًا.
و- ((مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللّهِ الَّذِي عِنْدَكَ))؛ أي: إنه ليس لك فيه فضل وحق، وإنما هو مال الله تعالى فإن أعطيتني، أعطيتني منه لا فضل لك عليَّ.
وماذا كانت النتيجة بعد هذه اللفتات السابقة: ثلاث خطوات: ((فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ، فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ))، فما أعظمه من خُلق يتجلى فيه أعظم الحلم البشري والصبر على الأذى، وكم يحتاج الدعاة اليوم وطلبة العلم إلى مقاربة هذا التصرف الخلق العظيم في مواقف أدنى من هذا الموقف وبكثير، ومع شديد الأسف تجد منهم من لا يصبر على موقف يسير أو على خطأ عفوي، وربما منعه الخير بسبب خطئه اليسير أو عاقَبه على ذلك.
الفائدة الثانية: في قول الأعرابي: ((يَا مُحَمَّدُ)) دلالةٌ على أن نداء صاحب الفضل باسمه ليس فيه تنقُّص له، ولا شك أن من كمال وأدب الخطاب أن يناديه بما هو معروف فيه بالمشيخة والعلم، ولكن المقصود أن صاحب الفضل ينبغي ألا يضيق ذرعًا فيما لو حصل له مثل هذا النداء، وليتذكر أن أشرف البشرية - صلَّى الله عليه وسلَّم - نودي باسمه مجردًا.
الفائدة الثالثة: الحديث فيه دلالة على أنه ينبغي للداعية إلى الخير والمسؤول عن العلم - أن يعطي السائل جواب سؤاله ولو أساء الأدب، فإن هذا من كمال الصبر على الأذى، ولا يجعل ذلك ذريعة لمنعه من الخير وحرمانه منه، بل عليه أن يحتسب أذيته له ويُحسن إليه، فإن هذا أكمل في التعامل والصبر على الأذى، والله أعلم.
مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الزكاة)
__________________
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|