التيمم، والحيض، وإزالة النجاسة
د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ،
أما بعدُ:
فحَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوع بعنوان: «التيمم، والحيض، وإزالة النجاسة».
وحتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا، فسوف ينتظم حديثنا مع حضراتكم حول ستة محاور:
المحور الأول:متى يجوز التيمم؟
المحور الثاني:كيفية التيمم.
المحور الثالث:متى يبطل التيمم؟
المحور الرابع:ما يحرم على المرأة الحائض.
المحور الخامس:خصال الفطرة.
المحور السادس:أحكام إزالة النجاسة.
واللهَ أسألُ أن يجعلنا مِمَّنْ يستمعونَ القولَ، فَيتبعونَ أَحسنَهُ، أُولئك الذينَ هداهمُ اللهُ، وأولئك هم أُولو الألبابِ.
المحور الأول: متى يجوز التيمم؟
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن اللهَ عز وجل شرع لنا التيمم عند فقد الماء بدلا من الوضوء، أو الغُسلِ.
ويجوز التيمم لمن خاف عَلَى نَفْسِهِ بِاسْتِعْمَالِ المَاءِ لِمَرَضٍ، أَوْ قُرْحٍ، أو عَطَشٍ.
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 43].
وَرَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورٌ، وَإِنْ لَمْ تَجِدِ الماءَ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَ الماءَ، فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ»[1].
ويجوز التيمم لمن خاف عَلَى نَفْسِهِ استعمال الماء؛ لِشِدَّةِ البَرْدِ.
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟».
فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الاِغْتِسَالِ، وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللهَ يَقُولُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا[2].
ولا بد أن يكونَ التيمم بترابٍ طَاهِرٍ لَهُ غُبَارٌ.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6].
وَرَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «جُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»[3].
المحور الثاني: كيفية التيمم.
إذا أردتَ أن تتيمم فافعل ما يلي:
1-قل: بسم الله.
2- ثم اضرب بباطن كفيك على التراب ضربةً واحدةً.
3- ثم انفض عن كفيك التراب بنفخهما.
4- ثم امسح يديك ظاهرهما وباطنهما.
5-ثم امسح وجهك كله.
والدليل على هذا ما رواه البخاري ومُسْلِمٌ عَنْ عَمَّارٍ رضي الله عنه قَالَ: أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الماءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا، فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ»([4]).
المحور الثالث: متى يبطل التيمم؟
يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِثلاثة أشياء:
الأول: مُبْطِلَاتُ الوُضُوءِ، كَخُرُوجِ بولٍ أو غائطٍ أو مذي، وَبزَوَالِ عَقْلٍ، وَمَسِّ فَرْجٍ، وجماعٍ.
الثاني: وُجُودُ المَاءِ، ولو كان يباعُ بثمنٍ يقدر عليه.
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورٌ، وَإِنْ لَمْ تَجِدِ الماءَ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَ الماءَ، فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ»[5].
الثَّالثُ:زَوَالُ المُبِيحِ الذي كانَ سببًا في التيمم.
كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ فَعُوفِيَ، أَوْ لِبَرْدٍ فَزَالَ[6].
المحور الرابع: ما يحرم على المرأة الحائض:
من الأحكام التي ينبغي لنا أن نُعلِّمها نساءنا أحكام الحيض، فإِذَا حَاضَتِ المَرْأَةُ حَرُمَ عَلَيْهَا ستَّةُ أَشْيَاءَ:
الأول: يحرم على زوجها أن يجامعها.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].
ويجوز الاسْتِمْتَاعُ بالزوجةِ وهي حائضِ فِي غَيْرِ الفَرْجِ.
رَوَى مُسْلِمٌ عنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ»[7].
وَرَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا، فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا»[8].
وإذَا جامعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ الحَائِضَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ إِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الدَّمِ، وَبِنِصْفِ دِيَنَارٍ إِنْ كَانَ فِي آخِرِ الدَّمِ.
والدينار من الذهب يساوي أربعَ جراماتٍ وربع ذهب عِيار أربعة وعشرين.
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ: «يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ»[9].
ورَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلمقَالَ: «إِذَا كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَدِينَارٌ، وَإِذَا كَانَ دَمًا أَصْفَرَ، فَنِصْفُ دِينَارٍ»[10].
الثاني: يحرم على الزوج أن يطلق زوجته الحائض المدخول بها.
فإذا طلقَ الرجلُ زوجته الحائضَ أَثِمَ، وَوَقَعَ طَلَاقُهُ عندَ الأئمة الأربعة[11].
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ»[12].
الثالث: الصلاة.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِفَاطِمَةَ ابْنَةِ أَبِي حُبَيْشٍ: «فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ، فَدَعِي الصَّلاةَ[13].
ورَوَى البُخَارِيُّ عنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟»[14].
وأجمعَ أَهْلُ العلمِ عَلَى أَنَّ الحَائِضَ لَا صَلَاةَ عَلَيْهَا فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا، وَلَيْسَ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ بَعْدَ أَنْ تَطْهُ[15]
وإذا حاضتِ المرأةُ بعد دخول وقتِ الصلاة، ولم تصلي، فعليها أن تقضيها بعد أن تطهُرَ.
يتبع
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك