01-18-2016, 09:19 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 356,632
|
|
نحن وأيام الاختبارات
نحن وأيام الاختبارات
عبد الله بن علي الغامدي
الخطبة الأولى
الحمد لله وضع بالجهل أقواماً، وأعز ورفع بالعلم آخرين؛ فمن تعلمه لله زاده به خشية، وكان طلبه له عبادة، ومدراسته تسبيحاً، وبحثه في مسائله جهاداً، وتعليمه صدقة، وبذله لأهله قربة .. إنه العلم الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة، والدليل على الدين والشرعة.. (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(المجادلة: من الآية11).
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: ((سلوا الله علماً نافعاً، وتعوّذوا بالله من علم لا ينفع)) حسنه الألباني في صحيح ابن ماجة، وفي رواية: ((فضل العلم أحب إليّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع)) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين.
أمة الإسلام:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله - عز في علاه -: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة: من الآية282)..(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(طـه: من الآية114).
أخو العلـم حـيّ خالـد بعـد موتـه *** وأوصالـة تحـت التـراب رميـم
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى *** يُظن من الأحياء وهو عديم
أخا الدين والعقيدة:
وأُعلنت حالة الطوارئ مؤذنة بتوقف الزيارات، وانقطاع التنزه والرحلات، وانعطاف الأسر على أبنائها تهيؤاً للامتحانات؛ حذراً من جهد عام أن يبور، تحسباً لثمرة ألا تزهر، عندها لا يسعد البيت بإجازة تُقبل، ولا بمناسبات تحصل؛ لأن من أبنائها من أخفق.
من أجل ذلك يأتي حديث اليوم مركزاً في نقاط عجلى ما بين وصايا ومحاذير، ومن الله وحده يستمد العون والتسديد، ويُرجى كل أمر رشيد.
أخي الطالب: المحور الأول "توجيهات ونصائح": ارع سمعك للإمام ابن القيم حيث يقول "للعلم ست مراتب: حسن السؤال، والإنصات، والفهم، والحفظ، والتعليم، وآخرها وهي ثمرتها العمل به، ومراعاة حدوده".
احرص وفقك الله..
على أن تكون مذاكراتك بعيداً عن مصادر الضوضاء والإزعاج، غير مستمع لإذاعة أو شريط، أو مشاهد لبرامج، أو قريباً من هاتف، وليحرص الوالدان خلال هذه الفترة البعد بأجواء الأسرة عن المشاحنات العارضة، وصخب المشكلات الحادثة؛ حتى لا يُصاب الأبناء حال مذاكرتهم بشرود الذهن، وضعف التحصيل، وسطحية الفهم.
أما أجود أوقات المذاكرة فهو الذي يعقب فترة الراحة كبعد الفجر، وبعد العصر.
والحذر الحذر من تطاول السهر، والأدهى من ذلك والأمر تناول العديد من الطلاب بشكل مفرط للمنبهات من شاي وقهوة، وقد يصل الحال ببعضهم أخذهم للحبوب المنشطة وغيرها!! وهذا كله له مردوده العكسي والمرضي، كما لا بد من أخذ فترة استجمام لمدة عشر دقائق، أو ربع ساعة بعد كل ساعة أو ساعتين من المذاكرة.
أكثر أخي الجاد المثابر.. من حل المسائل لأنها ترسخ القاعدة، واحفظ بصوت مرتفع قليلاً؛ فإنه أثبت لحفظك؛ وكن هادئ البال، غير منفعل ولا هيّاج، ولا تسرف في مأكل أو مشرب؛ فإن ذلك من مدعاة لتغطية العقل، وعسر الفهم، وغلبة الكسل، والفتور، وتبلد الذهن.
إلا إنه لا يخفى على مثل ذلك أن من معوقات التحصيل المثمر، والمذاكرة الجيدة؛ النسيان، والسرحان، والملل، وعدم الرغبة، فلا تكن قراءتك سريعة، ومراجعتك خاطفة، ولا يشغلك تفكير في مشكلات عائلية أو اجتماعية، ولا تكن أسير وساوس احتمالات النجاح أو الإخفاق، وابن في نفسك الثقة ولا تيأس، واستعن قبل ذلك بمولاك ولا تعجز، مع تذللك بين يديه بالدعاء، وتعليق الرجاء فيه سبحانه.
واعلم - رعاك الله وسددك - أن المعاصي من أسباب نسيان العلم وتفلته.
كرر النص، وجزِّء المطلوب حفظاً، وركّز المراجعة، وتجنب الإرهاق، وانأ بنفسك عن مذاكرة المجموعات الثنائية، أو الثلاثية في الحدائق والمنتزهات، وبادر من الآن وكأن امتحاناتك غداً تنل نجاحاً وتوفيقاً - بإذن الله تعالى -، قبل أن يضيع عليك وقتك، ويتفارط عقدك.
خذ هذه النصيحة اجمع عليها يدك، وأمسك بزمامها:
بادر من الآن - يوم أن لم يبق عن الامتحانات إلا أسبوعاً واحداً - بتحديد خمسة أو ستة مناهج دراسية: عسير عليك فهمها، وصعبة عليك استيعابها، ومتدنية فيها درجاتك، واجعل لكل منها يوماً لا تذاكر فيه سواه، ولا تراجع إلا إياه، تحل مسألةً .. تسأل عن غامضه، تناقش في مشكله.
عندها تأتي أيام الامتحانات وقد سهل عليك مراجعته، وخف على عاتقك حمله.
سُئل ابن عباس - رضي الله عنهما - حبر الأمة وترجمانها: أنّى أصبت هذا العلم؟ قال: "بلسان سؤول، وقلب عقول".
أما ساعة الصفر، ولحظة الحرج ليلة الامتحان وفجره؛ فذاكر دون إرهاق، وراجع دون إفراط؛ فإن المنبت لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى؛ حتى لا ينكد الذهن، وتتعطل القوى، وتتداخل المعلومات، وتختلط المفهومات، ولا يكن الامتحان بعبعاً مخيفاً، وشبحاً مزعجاً، إنما هو عملية تقويمية يُعرف بها مدى تحصيل الطالب واستيعابه.
أما محور الحديث الثاني:
"فالغش" مظاهره، صوره، أسبابه، آثاره، علاجه.
ظاهرة سلوكية ذات انحرافات خطره، وآثار مدمرة؛ فهي لا تمثل على أي صعيد كانت، أو معاملة وُجدت: في بيع وشراء، أو امتحان أو شهادة بالباطل، أو تطبيب أو مقاولة، أو مناقصة؛ إلا صورة من صور المخادعة والاحتيال، والتزوير والكذب، وسوء الأمانة، والتلون والخيانة، وسرقة الأموال، والكسب الحرام، والظلم والإجحاف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(الأنفال:27)، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((من غشنا فليس منا، والمكر والخديعة في النار)).
وإن من سَبر غور الواقع، وأبصر جوانب حياة الناس؛ فسيرى مصداق هذا الحدث لا محالة إلا من رحم الله؛ فها هي الملبوسات والمطعومات، والآلات والأدوات، والأجهزة والسيارات؛ ناطقة شاهدة، وإن شئت فعرج بهذا الحديث على ذمم ومروءات، وأخلاق ومعاملات، ولا حول ولا قوة إلا بالله (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ)(الأنعام:120).
ومن أعظم صور الغش وأمقتها:
غش الراعي لرعيته، والوالد لأسرته، والقائد لجنده، والمدير لموظفيه، والكفيل لعماله، وكذلك العكس قال - عليه الصلاة والسلام -: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية؛ يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته؛ إلا حرم الله عليه الجنة)).
ألا إن من أشنع صور الغش: ما كان في ردهات العلم، ومؤسسات التعليم، فهو من أنكئها جرحاً، وأفتكها ضرراً وسواءً، على صعيد الامتحانات الشفهية، أو التحريرية، أو حال التصحيح، ورصد الدرجات، أو كان على مستوى الرسائل الجامعية، وسرقة المعلومات، وإخراجها كتباً ومؤلفات؛ ليُحمد من هذا شأنه بما لا كدّ له فيه ولا نصب.
أخي الأمين الوفيّ:
إن الغش في الامتحانات لمن المآسي التربوية، والكوارث التعليمية؛ فبه تضعف للتعليم مسيرته، وتتعرقل نهضته، وتختل موازينه وعدالته، ومن خلاله يجد الطالب المقصر بغيته، ويحقق مطلبه، وإن لم يجد من يأخذ على براشيمه ويده، فالغاش - والعياذ بالله - دنيئة نفسه، لئيم طبعه، عاجز متواكل، لا همة له ترقيه، ولا عزيمة تعليه، دائماً يختصر الطريق، ويقفز من على الجدران، ويتسلل من خلف النوافذ، عالة على غيره كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وليعلم من هذا شأنه أن الله - سبحانه - (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)(غافر:19).
ألا إن الغاش غاش لأمته ومجتمعه يوم أن حظي بشهادة زوراً وبهتاناً .. إذ كيف يطيب له من ورائها مالاً يكتسبه، أو وظيفة يتقلدها، أو إدارةً يؤمن عليها.
وهل تُرزؤا الأمة في شيءٍ رزيتها في أنصاف متعلمين، وأطباء، ومهندسين، ومدرسين، وموظفين!!
تذكر أخي الغاش، أو المعين على الغش، أو المتساهل فيه، والمتواطئ عليه: أن العبد سيقف بين يدي الله غداً وحيداً فريداً؛ فما حيلة في ذاك الموقف، وما جواب؟
يقول - عليه الصلاة والسلام -: ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)) صححه الألباني في صحيح الترغيب.
ومن ظن أن ذلك رحمةً بالطالب، ومساعدةً له، أو أنه يجوز في مواد كالانجليزي وغيره؛ فقد أساء الفهم، وأخطأ المسار، وجانب الصواب.
أخي الطالب ألهمني الله وإياك السداد والرشد:
1) الله.. الله أن تكون من رواد المساجد أيام الامتحانات، حتى إذا ما انقضت هجرت وأهملت.
صلى المصلي لأمـر كـان يقصـده فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما 2) لا تتلف المقررات الدراسية، وترمي بها في الشوارع والطرقات .. تطؤها الأقدام، ويقذف بها مع النفايات؛ وفيها من ذكر الله ما تعلمه!! فاتق الله وارع حرمة العلم، وجُد بها على من يستفيد منها، أو ردها للمدرسة عند أخذ النتيجة.
3) واحذر أخي الحريص على دينه وخلقه من صحبةٍ وجلساءٍ هذه مواسم صيدهم، ونثر شباكهم؛ يوقعون فيها شباباً وصغاراً في حبائلهم وسهراتهم، وأسفارهم ورحلاتهم، حيث هناك الفواحش والمنكرات، والبطالة والمخدرات، والدخان والشيشة، والمعاكسات، ولربما تعليم النهب والسرقات، والخطف والموبقات، ناهيك عن أفلام تشاهد، وقنوات وصور ومجلات!! ولذا في هذه الأيام وما يتبعها من إجازات هي من أشد ما يؤرق أجهزة الأمن، ومراكز الهيئات، وذات العلاقة من الإدارات؛ لذا كان لزاماً على أولياء الأمور أن يتقوا الله في فلذات أكبادهم، لا يتركوهم للضياع فريسة.
ترك الشباب أساس كل الداء .. على الآباء أن يعرفوا متى بدء اختبارات أبنائهم وانتهائها، وهل هناك دراسة أم لا؟ وخصوصاً هذه الأيام المشتهرة بالتسيب والغياب .. ولنحذر أبناءنا من تأخرٍ عن الدار، أو ذهابٍ مع أشرار، ولا تكن ثقتنا عمياء؛ فشباب هذا الزمان العاطل لا يرحمون.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل الشباب قديماً وحديثاً في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل عزمة سرّ قوتها، وفي كل نصر حاملي رايتها، قادة مسيرة، وبناة حضارة، ومحط أنظار، ومعقد آمال، والصلاة والسلام على من عني بالشباب؛ فكان له من اهتمامه، وبذله، وعطائه؛ أوفر الحظ والنصيب، صلى الله عليه وعلى رسل الله وأنبيائه جميعاً، ورضي الله على من اتبع أثرهم، واقتفى هديهم إلى يوم الدين.
عباد الله:
إن من طوام هذا الزمان ومصائبه، وما يراه الجميع من صحبة وممازحة، وركوب وسهر، وسفر ولعب صغار أحداث أسنان مع كبار من الشباب!! فأين من هؤلاء الفتية الأغرار آباء وأمهات؟! قد فك لهم القيد، وأُرخي لهم العنان؛ حتى إذا ما أمنوا واطمأنوا خرجوا فلا حسيب! وسهروا فلا رقيب! فهل لو عقل أولياء الأمور ما يجري هناك بعيداً عن الأنظار في الخلوات والفلوات هل كانوا يهملون هذا الإهمال، ويفرّطون هذا التفريط؟
منعطف آخر:
تشتد أزمته، ويبلغ ذروته في مثل أيام الامتحانات من مضايقات محتملة للطالبات، فهل يدرك أولياء الأمور عظم الخطب، وضخامة المسئولية؛ فيقوموا بإيصال بناتهن، وحجزهن عن أذية عابث، ومعاكسة آثم، ومراوغة عاطل؟
إنها أيام الامتحانات التي لا تحمل في طياتها مجرد الهم والقلق؛ الذي يصاحبها في شأن مذاكرة الأبناء، بل حتى ما يتبعها من حوادث ومفاجآت، ومنعطفات ومنحدرات.
رسالة أخوية:
أخي ولي الأمر .. القائم على بيته، الراعي لأبنائه .. لو كان قطيع لأحدنا من الغنم لما طاب له رقاد، ولما أوى إلى مهاد؛ حتى يؤويها إلى مراحها وسياجها، فكيف بالأبناء بنين وبنات أليسوا بالرعاية أولى.. وبالاهتمام أحرى، بل لا تصح في مثل هذا الموطن المقارنة.
إن التربية لا تعني التسمين والتدجين، ولا اللباس الحسن، والمركب الوطيئ، والمطعم الوفير، ولكنها بجوار ذلك بل وفي مقدمه تعني رعاية خلق، وإصلاح أدب، وتقويم معوج، وحيطة وحذر، والله بعد ذلك خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|