|
08-01-2015, 10:37 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 359,472
|
|
الإعلام بما تضمنه حديث آل بسر من الأحكام
بسم الله الرحمن الرحيم
(( الإعلام بما تضمنه حديث آل بسر من الأحكام ))
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]،
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
[النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70، 71]
أما بعد :
فمن المسلَّم به عند المسلمين جميعًا أن الحديث الصحيح حجة بنفسه ، ولا تجوز مخالفته بأي حال من الأحوال , ولا يضرب له الأمثال , فالواجب على المسلم
الانقياد والتسليم له,والتصديق به , وعليه أن ينكر أشد الإنكار على من يسلك غير هذا السبيل , قال الله تعالى :
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ .. } [النساء: 80] وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
[النساء: 65] وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]
وقال: { .. وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا .. } [الحشر: 7]
وقال :{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } النور(63)
قال ابن القيم في ((إعلام الموقعين)) : " ولم يكن الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقدم على الحديث الصحيح : عملاً ، و لا رأيا ، و لا قياساً ،
و لا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعاً ، و يقدمونه على الحديث الصحيح ، و قد كذّب أحمد من
ادعى هذاالإجماع ، ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت ".
وقال كما في مختصر ((الصواعق المرسلة)):" ,إن أهل السنة إذا صحت لهم السنة عن رسول الله لم يتوقفوا عن العمل بها ، من غير نظر
إلى من وافقها أو خالفها ، و قد نص الشافعي على ذلك في كثير من كتبه ، و عاب على من يقول لا أعمل بالحديث حتى أعرف من قال به
ذهب إليه ، بل الواجب على من بلغته السنة الصحيحة أن يقبلها و أن يعاملها بما كان يعاملها الصحابة حين يسمعونها من رسول الله فينزل
نفسه منزلة من سمعها منه صلى الله عليه و سلم".
وقال شارح الطحاوية: "فالواجب كمال التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم ، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن نعارضه
بخيال باطل نسميه معقولاً، أو نحمله شبهة أو شكاً، أو نقدم عليه آراء الرجال، وزبالة أذهانهم، فنوحده صلى الله عليه وسلم بالتحكيم والتسليم
والانقياد والإذعان كما نوحد المرْسِل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل".
وعن ابن أبي ذئب أنه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحديث فقال له رجل: يا أبا الحارث أتأخذ بهذا ؟ فضرب صدره وصاح عليه صياحاً كثيراً
ونال منه وقال: أحدِّثُك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: تأخذ به؟ نعم آخذ به وذلك فرضٌ عليَّ، وعلى من سمعه، إن الله تبارك وتعالى اختار محمداً
من الناس فهداهم به، وعلى يديه واختار لهم ما اختار له على لسانه، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخرين لا مخرج لمسلم من ذلك. قال:وما
سكت حتى تمنى أن يسكت)).
وعن ابن خزيمة قال: قلت لأحمد بن نصر ـ المقرئ النيسابوري ـ وحدث بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أتأخذ به ؟ فقال: أترى على وسطي زناراً؟
لا تقل بخبر النبي صلى الله عليه وسلم أتأخذ به؟ وقل أصحيح هو ذا؟ فإذا صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قلتُ به شئتُ أم أبيتُ))((ذم الكلام)) (175/2).
ومن المسائل الفقهية التي اختلف فيها النَّاس قديماً وحديثاً , وتباينت فيها الأراء مسألة صيام يوم السبت في غير الفريضة ، فمن المستنكر
لها جملة وتفصيلا وعادّاً القول بها من شذوذ الأقوال ويَزعم أن هذا لم يقل به أحد من السلف , ويُطالب بسلف للقائل , ومايدري هذا المسكين أن
هذا هو قول سيد السلف وإمامهم صلى الله عليه وآله وسلم , والسعيد مَنْ إتبّع الدليل , وأعرض عن أراء الرجال , وعمل بالحديث ولو مع ظن الاتفاق
على خلافه أو عدم العلم بمن عمل به , قال الإمام الشافعي : " يقبل الخبر في الوقت الذي يثبت فيه ، و إن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر
الذي قبلوا ، إن حديث رسول الله يثبت بنفسه ، لا بعمل غيره بعده "
وقال النووي في((شرح صحيح مسلم))- باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعاً لرمضان -:" قال مالك في الموطأ : ما رأيت أحداً من أهل العلم
يصومها-يعني الستة من شوال - ، قالوا : فيكره لئلا يظن وجوبه ، و دليل الشافعي و موافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح ، و إذا ثبتت السنة
لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها ".
وأصل الخلاف ومداره , رواية ودراية حول حديث آل بسر رضي الله عنهم مرفوعا:
((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم , فإنْ لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه)) وقد جعلت هذه المسألة على فصلين :
الأول : تخريج الحديث والحكم عليه من حيث القبول والرد على قواعد أهل هذا الفن .
والثاني : ماتضمنه هذا الحديث الشريف من أحكام .
فلنشرع بالمقصود ونسأل الله التوفيق والسداد فهو المأمول وحده .
الفصل الأول
(( تخريج حديث آل بسر رضي الله عنهم والحكم عليه من حيث القبول والرد على قواعد أهل هذا الفن ))
(( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة , أو عود شجرة فليمضغه )).
صحيح - أخرجه أبوداود (2421) والترمذي (744), ومن طريقه البغوي في ((شرح السنة))(1806), وابن ماجه (1726), والنسائي في ((الكبرى))
( 2775),(2776),(2777), وأحمد (6/368) ,وابن بشكوال في ((الغوامض والمبهمات ))(2/797), وعلّقه الدارقطني في ((العلل))(311/15) ,
والطبراني في الكبير 24/ (818), (819), (820) ,(821) ,وفي((مسند الشاميين ))(1/245), وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني
(3411) ,والحاكم (435/1),وأبونعيم في ((معرفة الصحابة))(6/3380), والدارمي (1749) ، وابن خزيمة (2163) ، والطحاوي في
((شرح المعاني ))(80/2) ,والطبراني في الكبير (24/325) –ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (35/218)- وابن منده في الصحابة
(كما في الإصابة 13/23) وأبونعيم في ((معرفة الصحابة ))(6/3380) ,والبيهقي (302/4), وفي فضائل الأوقات (307) ,وتمام الرازي في
((فوائده))(199/1-الروض البسام),والضياء المقدسي في ((المنتقى من مسموعاته بمرو))(109/1): عن جمع من الرواة عن ثور بن يزيد
عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر السلمي عن أخته الصماء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: فذكره .
وقال الترمذى:
" حديث حسن , ومعنى كراهيته فى هذا أن يخص الرجل يوم السبت بصيام , لأن اليهود تعظم يوم السبت ".
وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخارى "وأقره الذهبى , وهو كما قالا .
وصححه ابن السكن كما فى " تلخيص الحبير " (2/216) .
وصححه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والضياء المقدسي وابن قدامة والنووي وابن الملقن والعراقي .
وتابع خالدَ بنَ معدان ,ابنُ عبدَالله بنَ بسر :
أخرجه النسائي في ((الكبرى))(2773), وابن خزيمة (2164)لكن سقط منه (( ابن ))!: من طريق مُعَاوِيَة بْنِ صَالِح، عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسرٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّتِهِ الصَّمَّاءِ اخت بسر انها كانت تقول :
(( نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ السَّبْتِ، وَيَقُولُ: ((ِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا عُودًا أَخْضَرَ فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ )).
لكن عدّها الإمام ابنُ خزيمة مخالفة لرواية ثور , فقال :
" خالف معاوية بن صالح ثور بن يزيد في هذا الاسناد فقال ثور عن اخته يريد اخت عبدالله بن بسر , قال معاوية :عن عمته الصماء اخت بسر عمة
ابيه عبدالله بن بسر لا اخت ابيه عبد الله بن بسر ".
قال الألباني في ((الإرواء))(121/4):" ولكنى لم أعرف ابن عبد الله بن بسر هذا , وقد تبادر إلى ذهنى أن قول عبد الله بن بسر ( كذا وقد سقط منه ابن )
" عن عمته " يعنى عمته هو , وليس عمة أبيه ,وإن كان يحتمل العكس , فإن كان كما تبادر إليّ فهو شاهد لا بأس به , وإن كان الآخر لم يضر لضعفه.
قلت : لكن في نفس الرواية أنها أخت بسر , فالمقصود أنها عمة عبدالله بن بسر , والصماء صحابية بلا شك لكن اختلف في قرابتها من عبدالله بن بسر ,
هل هي أخته , أم عمته , أم خالته , وهو اختلاف لايضر أصل الحديث وسيأتي بيان ذلك .
وتابع ثوراً لقمانُ بن عامر :
أخرجه أحمد 6/368: من طريق إسماعيل بن عياش، عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن لقمان، عن خالد، عن عبد الله بن بسر، عن أخته الصماء.
قلت : وهو المحفوظ عن ثور , وقد اختُلف عليه فيه على ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : عيسى بن يونس، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبدالله بن بسر مرفوعا .
أخرجه بن ماجه (1726),والنسائي في الكبرى (2774), وعبد بن حميد (508- المنتخب) ,والضياء في ((المختارة))(64/9),
وعلّقه الدارقطني في ((العلل))( 311/15),وابن شاهين في ((الناسخ والمنسوخ))(398) , وأبونعيم في الحلية (5/218).
وتابعه عتبةَ بن السكن :
أخرجه تمام الرازي في ((فوائده))(200/2-الروض البسام).
قلت : عتبة بن السكن : متروك كما قال الدارقطني في ((سننه)) , وانظر ((الميزان))(28/3), و((اللسان))(368/5), ولم يعتد أبونعيم بهذه
المتابعة فقال :
" غريب من حديث خالد، تفرد به عيسى عن ثور ".
وعيسى بن يونس : ثقة , لكنه روايته عن ثور مخالفة لرواية الجماعة , وعلى كل حال إن هذا الوجه لا يضرّ الحديث لأن عبدالله بن بسر صحابي ,
وسيأتي التصريح بسماعه هذا الخبر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
الوجه الثاني : بَقِيَّة، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَوْرٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسرٍ، عَنْ عَمَّتِهِ الصَّمَّاءِ
أخرجه النسائي في ((الكبرى))(2778).
قلت: بقية ضعيف وقد خالف جمهور الرواة عن ثور في جعلها عمة عبد الله بن بسر , ومن إضطرابه به أنه قال :: حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا لُقْمَانُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ جَشِيبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ .
أخرجه النسائي في ((الكبرى))(2779).
وأخرج النسائي أيضا في ((الكبرى )) (2782):عن سَعِيد بْن عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسرٍ، عَنْ خَالَتِهِ الصَّمَّاءِ.
وخالف بقيةَ , إسماعيلُ بن عياش :
أخرجه أحمد 6/368 : من طريقه عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن لقمان، عن خالد، عن عبد الله بن بسر، عن أخته الصماء.
قال الحافظ في ((التقريب)): "إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي بالنون أبو عتبة الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم".
قلت : وهذا من روايته عن أهل بلده فهي طريق جيدة.
لكن أخرجه الطبراني في ((الشاميين))(1591) من طريق ضمرة بن ربيعة، عن إسماعيل بن عيَّاش، عن الزُّبيدي، عن لقمان بن عامر، عن عبد الله بن بُسر،
عن أخته الصماء، قالت:
نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصوم أحدكم يوم السبت.
فأسقط من إسناده خالدَ بنَ مَعْدان بين لقمان بن عامر وعبد الله بن بُسْر.
قلت : ومهما يكن فإن هذا الوجه لا يؤثّر في الحديث لأن بقية لاتعتد بمخالفته , فلايُعارض به الصحيح مما تقدم.
الوجه الثالث : أبو بكر عبد الله بن يزيد المقرئ قال: سمعت ثور بن يزيد قال: حدثني خالد بن معدان عن عبد الله بن بُسْر عن أمّه .
أخرجه تمام الرازي في ((الفوائد))(198/2-الروض البسام).
قلت : خالف جمهورَ الرواة عن ثور: أبو بكر عبد الله بن يزيد المقرئ , وقال عنه أبو حاتم: شيخ، ونقل عن دحيم أنه وصفه بالصدق والستر، فمثله
لا تحتمل روايته عند المخالفة.
الوجه الرابع : العلاء عن داود بن عبيد الله، عن خالد بن معدان، عن عبد الله بن بسر، عن أخته الصماء، عن عائشة .
أخرجه النسائي في ((الكبرى))(2784).
قلت : داود بن عبيدالله : لايعرف .
قال الذهبي في ((الميزان))( 12/2) :
"داود بن عبيد الله عن خالد بن معدان في النهى عن صوم السبت : لا يعرف , تفرد بالحديث عنه العلاء، وكأنه ابن الحارث ".
قلت : وعبدالله بن بسر صحابي , وكذا أخته الصماء , وقد نقل أبوعمر ابن عبدالبر في ((الإستيعاب)) ,والحافظ في ((الإصابة))(748/7):
عن أبي زرعة الدمشقي أنه قال: قال لي دحيم: " أهل بيت أربعة صحبوا النبي صلى الله عليه و سلم بسر وابناه عبد الله وعطية وأختهما الصماء ".
قلت : الصماء صحابية لكن اختلف في قرابتها من عبدالله بن بسر , قال الحافظ في ((الإصابة)) : " " الصماء بنت بسر المازنية لها ولأبويها
وأخيها عبد الله بن بسر صحبة روت عن النبي صلى الله عليه و سلم في النهي عن صوم يوم السبت وقيل هي عمة عبد الله وقيل خالته فأخرج بن منده
من طريق الوليد بن مسلم وغيره عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء وأخرجه بعلو عن أبي عاصم عن ثور من
طريق معاوية بن صالح عن أبي عبد الله بن بسر عن أبيه عن عمته الصماء ومن طريق فضيل بن فضالة عن عبدالله بن بسر عن خالته الصماء
أخرج حديثها أصحاب السنن من طريق ثور وأكثر النسائي من تخريج طرقه وبيان اختلاف رواته ورجح دحيم الأول قال أبو زرعة الدمشقي قال لي دحيم
أهل بيت أربعة صحبوا النبي صلى الله عليه و سلم بسر وابناه عبد الله وعطية وأختهما الصماء "
وفي التهذيب (382/12) : " الصماء بنت بسر المازنية من مازن قيس، واسمها نهيمة , ويقال: بهمية، وهي أخت عبد الله بن بسر، وقيل: عمته، وقيل: خالته ...".
قلت : فالإختلاف في مدى قربتها من عبدالله بن بسر لا يضرّ الحديث ,وقد ثبتت صحبة عبدالله بن بسر , وجاء هذا الحديث من طريقين صحيحين عنه أنه سمعه من النبي
صلى الله عليه وآله وسلم :
أخرجه النسائي في ((الكبرى))(2772), والدولابي في ((الكنى والأسماء))(1795),وابن حبان (3615) , والضياء في ((المختارة))(58/9):
من طريق مُبَشِّر بْن إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: تَرَوْنَ يَدِي هَذِهِ؟ قَدْ بَايَعَتْ بِهَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
(( لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فَرِيضَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ شَجَرَةٍ فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهَا )).
وتُوبع مبشر:
أخرجه أحمد (17690- الرسالة) , والضياء في ((المختارة))(59/9) : من طريق علي بن عياش عن حسان بن نوح به .
وتابع حسانا : يحي بنُ حسان :
أخرجه أحمد (17686 - الرسالة), ومن طريقه الضياء في ((المختارة))(104/9):عن إِبْرَاهِيم بْنُ إِسْحَاق الطَّالَقَانِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ بُسْرٍ الْمَازِنِيَّ، يَقُولُ:
" تَرَوْنَ يَدِي هَذِهِ؟ فَأَنَا بَايَعْتُ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ ))".
وجاء هذا الحديث من رواية عبدالله بن بسر عن أبيه :
أخرجه النسائي في ((الكبرى))(2781) , والطبراني في (مسند الشاميين))(1875):من طريق أبي تَقِيٍّ عَبْد الْحَمِيد بْن إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ،
عَنِ الزُّبَيْدِيِّ , مُفَضَّلُ ( كذا عند الطبراني , وعند النسائي الفضل )بْنُ فَضَالَةَ، أَنَّ خَالِدَ بْنَ مَعْدَانَ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ بُسْرَ
يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ السَّبْتِ وَقَالَ: ((إِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا يَمْضَغُ لَحَا شَجَرَةٍ فَلَا يَصُومُ يَوْمَئِذٍ ))
قَالَ ابْنُ بُسْرٍ: فَإِنْ شَكَكْتُمْ فَاسْأَلُوا أُخْتِي فَمَشَى إِلَيْهَا خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، فَسَأَلَهَا عَمَّا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ، فَحَدَّثْتُهُ بِذَلِكَ ".
وقال النسائي : "أَبُو تَقِيٍّ هَذَا ضَعِيفٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا أَخْرَجْتُهُ لِعِلَّةِ الِاخْتِلَافِ".
قال المزي في ترجمته من ((تهذيب الكمال)): " قال المزى : قال عبد الرحمن بن أبى حاتم : سألت محمد بن عوف عنه ، فقال : كان شيخا ضريرا ،
لا يحفظ ، و كنا نكتب من نسخة عند إسحاق زبريق لابن سالم ، فنحمله إليه و نلقنه ، فكان لا يحفظ الإسناد . و يحفظ بعض المتن ، فيحدثنا ،
وإنما حملنا على الكتاب عنه شهوة الحديث . و كان محمد بن عوف إذا حدث عنه ، قال : وجدت فى كتاب عبد الله بن سالم و حدثنى أبو تقى به .
و قال أبو حاتم : كان فى بعض قرى حمص ، فلم أخرج إليه ، و كان ذكر أنه سمع كتب عبد الله بن سالم ، عن الزبيدى ، إلا أنه ذهبت كتبه ، فقال :
لا أحفظها ، فأرادوا أن يعرضوا عليه ، فقال : لا أحفظها . فلم يزاولوا به حتى لان ، ثم قدمت حمص بعد ذلك ، بأكثر من ثلاثين سنة ،
فإذا قوم يروون عنه هذا الكتاب .
و قالوا : عرض عليه كتاب ابن زبريق و لقنوه ، فحدثهم به ، و ليس هذا بشىء ، رجل لا يحفظ ، و ليس عنده كتب .
و قال النسائى : ليس بشىء .
و قال فى موضع آخر : ليس بثقة .
و ذكره ابن حبان فى كتاب " الثقات " .
روى له النسائى حديثا واحدا متابعة ".
وقال الحافظ : " صدوق إلا أنه ذهبت كتبه فساء حفظه ".
قلت : ولم يتفرد به أبو تقي , فقد تابعه عمرو بن الحارث لكن الطريق إليه غير صالحة للإعتبار :
أخرجه الطبراني (1191) , وفي ((مسند الشاميين))(1875): من طريق إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن زِبْرِيق الْحِمْصِيّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ،ثنا الْفُضَيْلُ بْنُ فَضَالَةَ، أَنَّ خَالِدَ بْنَ مَعْدَانَ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ بُسْرٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ أَبَاهُ بُسْرًا، يَقُولُ:
إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ السَّبْتِ )) ، فَقَالَ: ((إِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا أَنْ يَمْضَغَ لَحَى شَجَرَةٍ، فَلَا يَصُمْ يَوْمَئِذٍ ))
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بُسْرٍ: إِنْ شَكَكْتُمْ فَسَلُوا أُخْتِي، قَالَ: فَمَشَى إِلَيْهَا خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، فَسَأَلَهَا عَمَّا ذَكَرَ عَبْدُ اللهِ فَحَدَّثَتْهُ بِذَلِكَ .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جدًا لأجل إسحاق بن إبراهيم بن زبريق .
قال الذهبي في ((ديوان الضعفاء))(26/1)" كذبه محمد بن عوف، وقال أبو داود: ليس بشيء".
وله شاهد بإسناد جيد من حديث أبي أمامة :
أخرجه الروياني في ((مسنده))(307/2): نَا سَلَمَةُ، نَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، نَا حَسَّانُ بْنُ نُوحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِي الْفَرِيضَةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا لِحَاءَ شَجَرَةٍ فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ )).
وتابع حسانا : عبدُالله بن دينار:
أخرجه الطبراني (7722) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ،
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ
قَالَ: (( لَا تَصُمِ السَّبْتَ إِلَّا فَرِيضَةً، وَلَوْ لَمْ تَجِدْ إِلَّا لَحَا شَجَرٍ فَأَفْطِرْ عَلَيْهِ )) .
قال الهيثمي في ((المجمع))(198/3) :
" رواه الطبراني في ((الكبير)) من طريق إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وهو ضعيف فيهم ".
قال المعلمي في ((التنكيل)) رقم (52): "إسماعيل ثقة في نفسه، لكن عن غير الشاميين تخليط لكثير، فحدّه إذا روى عن غير الشاميين
أن يصلح في المتابعات والشواهد".
وقال في "الأنوار الكاشفة" (ص 301): "صدوق".
قلت : وروايته هذه عن عبدالله بن دينار البهراني الشامي الحمصي .
قال المزي في ((تهذيب الكمال)): " قال المفضل بْن غسان الغلابي ، عَنْ يَحْيَى بْن معين : شامي ضعيف .
وقال إِبْرَاهِيم بْن يعقوب الجوزجاني : يتأني فِي حَدِيثه .
وقال أَبُو حاتم : شيخ لَيْسَ بالقوي فِي الحَدِيث .
وقال الحاكم أَبُو عَبْد اللَّهِ ، عَنْ أَبِي عَلِي الْحَافِظ : هُوَ عندي ثقة .
وقال الدارقطني : لا يعتبر بِهِ .
وذكره ابْن حبان فِي كتاب الثقات ,رَوَى لَهُ ابْن ماجه حَدِيثا ".
قال الألباني في ((الإرواء))(960)-عن الإسناد الأول الذي عن أبي أمامة-: "وهذا سند صحيح , رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير حسان بن
نوح وثقه العجلى وابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات وقال الحافظ فى (( التقريب )) : " ثقة ".
قلت - القائل الألباني - فإما أن يقال: إن حسانا له إسنادان فى هذا الحديث أحدهما عن عبد الله بن بسر , والآخر عن أبى أمامة ,
فكان يحدث تارة بهذا , وتارة بهذا ,فسمعه منه مبشر بن إسماعيل وعلى بن عياش منه بالسند الأول , وسمعه أبو المغيرة ـ واسمه
عبد القدوس بن الحجاج الخولانى ـ منه بالسند الآخر , وكل ثقة حافظ لما حدث به.
وإما أن يقال: خالف أبو المغيرة الثقتين , فروايته شاذة , وهذا أمر صعب لا يطمئن له القلب , لما فيه من تخطئه الثقة بدون حجة قوية.
فإن قيل: فقد تبين من رواية يحيى بن حسان وحسان بن نوح أن عبد الله بن بسر قد سمع الحديث منه صلى الله عليه وسلم , وهذا معناه تصحيح للوجه
الثانى أيضا من وجوه الاضطراب المتقدمة , وقد رجحت الوجه الأول عليها فيما سبق , وحكمت عليها بالشذوذ , فكيف التوفيق بين هذا التصحيح
وذاك الترجيح ؟
والجواب: إن حكمنا على بقية الوجوه بالشذوذ إنما كان باعتبار تلك الطرق المختلفة على ثور بن يزيد , فهو بهذا الاعتبار لا يزال قائما.
ولكننا لما وجدنا الطريقين الآخرين عن عبد الله بن بسر يوافقان الطريق المرجوحة بذاك الاعتبار , وهما مما لا مدخل لهما فى ذلك الاختلاف ,
عرفنا منهما صحة الوجه الثانى من الطرق المختلفة.
بعبارة أخرى أقول: إن الاضطراب المذكور وترجيح أحد وجوهه إنما هو باعتبار طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن ابن بسر , لا باعتبار
الطريقين المشار إليهما بل ولا باعتبار طريق لقمان بن عامر عن خالد بن معدان , فإنها خالية من الاضطراب أيضا , وهى عن عبد الله بن بسر
عن أخته الصماء , وهى من المرجحات للوجه الأول , وبعد ثبوت الطريقين المذكورين , يتبين أن الوجه الثانى ثابت أيضا عن ابن بسر عن
النبى صلى الله عليه وسلم بإسقاط أخته من الوسط. والتوفيق بينهما حينئذ مما لابد منه وهو سهل إن شاء الله تعالى , وذلك بأن يقال:
إن عبد الله بن بسر رضى الله عنه سمع الحديث أولا من أخته الصماء , ثم سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم مباشرة , فرواه خالد بن معدان عنه
على الوجه الأول , ورواه يحيى وحسان عنه على الوجه الآخر , وكل حافظ ثقة ضابط لما روى.
ومما سبق يتبين لمن تتبع تحقيقنا هذا-يعني رحمه الله تعالى ما حققه في ((الإرواء))- أن للحديث عن عبد الله بن بسر ثلاثة طرق صحيحة ,
لا يشك من وقف عليها على هذا التحرير الذى أوردنا أن الحديث ثابت صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فمن الإسراف فى حقه ,
والطعن بدون حق فى رواته ما رووا بالإسناد الصحيح عن الزهرى أنه سئل عنه ؟ فقال:
" ذاك حديث حمصى " !
وعلق عليه الطحاوى بقوله: " فلم يعده الزهرى حديثاً يقال به , وضعفه " !
وأبعد منه عن الصواب , وأغرق فى الإسراف ما نقلوه عن الإمام مالك أنه قال: " هذا كذب " !
وعزاه الحافظ فى " التلخيص " (200) لقول أبى داود فى " السنن " عن مالك.
ولم أره فى " السنن " فلعله فى بعض النسخ أو الروايات منه. وقال ابن الملقن فى " خلاصة البدر المنير " بعد أن ذكر
قول مالك هذا (103/1):
" قال النووى لا يقبل هذا منه , وقد صححه الأئمة ".
وقال في ((صحيح أبي داود))(2094)- متعقبا قول الزهري ذاك حديث حمصي-: "هذا نقد غريب لحديث الثقة الصحيح من مثل الإمام ابن شهاب
الزهري! ويكفي في ردِّهِ عليه:
أن جماعة من الأئمة قد صححوه من بعده...ولكن بمثله-أي قول الزهري- لا يردُّ حديث الثقة الصحيح؛فإن مداره على ثور بن يزيد عن خالد بن معدان
عن عبد الله بن بسر، وكل واحد منهم حمصي؛ فـ (ابن بُسْرٍ) صحابي معروف؛ أفيُرَدّ حديثه لمجرد كونه حمصياً؟!ومثله يقال في خالد وثور؛ فإنهما ثقتان
مشهوران. أفيرد حديثهما لكونهما حمصيين؟!
تالله! إنه لنقد محْدَثٌ! فمتى كان الحديث يرد بالنظر إلى بلد الراوي؟! ورحم الله الإمام الشافعي حين قال للإمام أحمد:
" أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث الصحيح؛ فأعلموني به
"أيَ شيء يكون: كوفياً، أو بصرياً، أو شامياً، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً "(صفة الصلاة ص 32- الطبعة التاسعة) .
وشرح صاحب "عون المعبود" قول ابن شهاب المذكور بقوله (2/297) :
" يريد تضعيفه؛ لأن فيه راويان حمصيان (كذا الأصل !) ، أحدهما: ثور بن يزيد. وثانيهما: خالد بن معدان، تكلم فيهما بعض، ووثقهما بعض "!
قلت -الألباني-: وهذا تعليل مردود؛ فإن ابن معدان لم يتكلم فيه أحد إلا بالتوثيق، وحسبك فيه احتجاج الأئمة الستة وغيرهم به، وقول
الحافظ ابن حجر في"التقريب "فيه: "ثقة عابد".
وأما ثور بن يزيد؛ فهو متفق على توثيقه أيضاً والاحتجاج بحديثه، ولم يتكلم فيه أحد بتضعيف؛ وإنما تكلم فيه بعضهم لقوله بالقدر، ولذلك
قال الحافظ في"مقدمة الفتح " (2/120) :
" اتفقوا على تثبته في الحديث، مع قوله بالقدر... ". ونحوه قوله في " التقريب ": " ثقة ثبت، إلا أنه يرى القدر ".
ولا يخفى على العارفين بعلم المصطلح: أن مثل هذا الرأي لا يعتبر جرحاً يُرَدّ به حديث الرجل؛ لأن العبرة في الرواية إنما هو الصدق
والضبط، وليس السلامة من البدعة؛ على تفصيل معروف. ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله:
" لو تركنا الرواية عن القدرية؛ لتركنا أكثر أهل البصرة ".
قال شيخ الإسلام في " الفتاوى " (7/386) :
" وذلك لأن مسألة خلق أفعال العباد وإرادة الكائنات مسألة مشكلة، وكما أن القدرية من المعتزلة وغيرهم أخطأُوا فيها، فقد أخطأ فيها كثير
ممن رد عليهم أو أكثرهم؛
فإنهم سلكوا في الرد عليهم مسلك جهم بن صفوان وأتباعه، فنفوا حكمة الله في خلقه وأمره، ونفوا رحمته بعباده، ونفوا ما جعله من
الأسباب خلقاً وأمراً... ".
ولذلك فلا يجوز رَدُّ حديث ثور هذا لأنه يرى القدر، لا سيما وقد قيل إنه رجع عنه؛ فكيف وقد تابعه لقمان بن عامر، كما ذكرت في
"الإرواء"، وهو صدوق لم يتكلم فيه أحد إلا أنه حمصي أيضاً؟ ا".
...يتبع الفصل الثاني , وفيه فقه الحديث :
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|
|
|