07-14-2015, 05:43 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 356,127
|
|
(0148)الجهاد غي سبيل الله-المبحث الثالث: وحدة صفوف المسلمين
وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: الواقع يشهد بأن الجهاد يوحد صفوف المسلمين
الفرع الثاني: أمثلة لتوحيد الجهاد الصفوف
الفرع الثالث: تنبيه السلف على توحيد الجهاد الصفوف
الفرع الأول: الواقع يشهد بأن الجهاد يوحد صفوف المسلمين
إن الذي يتأمل الآيات الآتية يلمس منها أن الأمة المجاهدة لا بد أن تكون موحدة الصفوف، وأن صفوفها إذا صدعت لا تكون أهلاً للجهاد. قال تعالى : {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال:1]. فقد حسم الله الأمر في هذه الآية الكريمة عندما اختلف الصحابة رضيَ الله عنهم في غنائم بدر، فجعل حكمها إلى الله والرسول ولم يعطهم فرصة للأخذ والرد فيها. ووجههم سبحانه إلى ما يجب أن يحرصوا عليه، وهو تقوى الله وإصلاح ذات البين التي لا جهاد بدونها.
وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]. نهاهم عن التنازع الذي يترتب عليه الفشل والخسارة وذهاب الهيبة من قلوب الأعداء، فلا جهاد مع الفرقة والتنازع إلا كانت نتيجته الفشل. وقال سبحانه: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]. امتن الله على رسوله بنصره له الذي أيده به من عنده وبالمؤمنين الذين جاهدوا معه بعد أن وحد الله صفوفهم، ولو لم يكونوا موحدي الصفوف لما نصره الله بهم، لأن مآل الفرقة والتنازع الفشل كما مضى.
والذي يستعرض تاريخ المسلمين يرى بوضوح أنهم كانوا في غاية من الإخاء والتآلف والاتحاد في الأوقات التي كانوا فيها يقارعون الأعداء، يفرغون من غزوة فيدخلون في أخرى، وينتهون من سرية فيبدأون بغيرها.. وما كان الخلاف يجد إليهم سبيلاً في غالب أحوالهم.
وعندما قدم الرسول صَلى الله عليه وسلم المدينة آخى -الإخاء الخاص، مع وجود الإخاء العام-بين المهاجرين والأنصار وربطهم ربطاً محكما بذلك الذي أثمر المحبة والإيثار، ولكنه لم يتركهم يخلدون إلى الأرض ويقعدون لحرث الأرض وزراعتها مع حاجتهم إلى ذلك..
وإنما بثهم في أنحاء الجزيرة العربية على صفة غزوات شارك فيها بنفسه، أو سرايا أمر عليها بعض أصحابه، فبلغت غزواته صَلى الله عليه وسلم بعد هجرته سبعاً وعشرين غزوة - أي بمعدل أكثر من غزوتين في السنة الواحدة - وبلغت سراياه ثمانياً وثلاثين - أي بمعدل قريب من عشر سرايا في كل سنة.. [راجع السيرة النبوية لابن هشام (2/608-609)].
وكان الإعداد للغزوة الواحدة وزمن حصارها يستغرق قريباً من شهرين كغزوة الخندق. وكذلك بعض السرايا تأخذ وقتاً طويلاً. فما كان الصحابة رضيَ الله عنهم يفكرون -غالبا- إلا في الغزو والجهاد والإعداد لهما مادياً ومعنوياً حتى مات الرسول صَلى الله عليه وسلم والراية الجهادية معقودة لأسامة بن زيد لغزو الروم.
وعندما توفي صَلى الله عليه وسلم وقع النزاع بين الصحابة في أمر الخلافة الذي حسم ببيعة أبي بكر رضيَ الله عنه، ولو بقي الصحابة رضيَ الله عنهم قابعين في المدينة، قاعدين عن الجهاد في سبيل الله لدب الخلاف بينهم في أمر ما من الأمور.. ولكن الصديق رضيَ الله عنه وجه جهودهم وطاقاتهم إلى أعدائهم، بدلاً من صدعها صفوفهم، فأصر على إنفاذ جيش أسامة، ثم على عقد الألوية لمحاربة المرتدين..وكانت النتيجة - مع بقاء وحدة صفوفهم - أن أخمد نيران فتنة الردة وأخضع كل قبائل العرب للإسلام.
وبعد أن انتهت حروب الردة وجه رضيَ الله عنه المجاهدين من أمرائه وغيرهم من الصحابة أو ممن خضعوا للإسلام بعد ارتدادهم، وجههم إلى العراق وفارس والشام.. وتبعه على ذلك عمر بن الخطاب رضيَ الله عنه واتسعت رقعة الإسلام شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً.
ثم جاء عثمان رضيَ الله عنه وقد بسط الإسلام جرانه على الأرض، فأكمل ما بقي من الفتوحات في أول عهده.. ثم بدأ التنافس على المناصب وجمع المال وأخذ الإيمان يضعف واندس من يغيظهم قوة الإسلام واجتماع كلمة أهله في صفوف المسلمين وانتشرت الوشاية والتحريض على النزاع ونمقت لذلك مسوغات.. وتجمع العصاة والفسقة والمخدوعون ضد عثمان رضيَ الله عنه، فثاروا عليه وقتلوه، فكانت كارثة انتهاء الخلافة الراشدة وابتداء الملك العضوض.
وسجل التاريخ بعد ذلك اتساع الخلاف بين المسلمين، لأنهم رجعوا إلى أنفسهم بضرب بعضهم رقاب بعض، وما كانت آثاره ظاهرة التدمير لقرب العهد النبوي والخلافة الراشدة.. ولكنه أخذ في الاتساع حتى انفرط آخر عقد للمسلمين بسقوط آخر خلفاء الأتراك السلطان عبد الحميد. وكان المسلمون خلال عصورهم تلك تتقارب كلمتهم إذا ارتفعت راية الجهاد، وتنشق صفوفهم إذا سقطت تلك الراية.
وإذا نظر المرء إلى الجماعات الإسلامية المنتشرة في الأرض يرى أن الجماعة التي يكون أعضاءها أكثر عملاً وتربية واشتغالاً بالدعوة إلى الله تكون صفوفها أكثر تراصاً واتحادا من غيرها.. بل إن بعض الجماعة التي انصدعت صفوفها إذا اضطرت لحمل السلاح ضد عدوها تتوحد كلمتها وتنسى خلافاتها ومطامعها الشخصية.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|