يحظى موضوع الضغوط النفسية باهتمام كبير من الباحثين لما له من تأثيرات سلبية على صحة الإنسان وحياته ، ويستخدم مصطلح الضغوط في علم النفس للدلالة على الموقف الذي يكون الفرد فيه واقعاً تحت إجهاد انفعالي أو جسمي ، فإذا استمر هذا الضغط وشعر الفرد بعدم التقبل والنفور قد يؤدي إلي اضطرابات مختلفة ، سواء كانت جسمية ، أو سلوكية ، أو انفعالية .
وهناك عدد من المصطلحات التي يرد ذكرها مع الضغوط وترتبط معها وهي محدثات الضغوط أو ما تدعي بالعوامل الضاغطة " Stressors " سواء كانت هذه العوامل داخلية أم خارجية ، التي تؤدي بالفرد إلي أن يعاني من آثارها عليه سواء من الناحية العقلية أو الجسمية أو من ناحية أفعاله وتصرفاته .
يعود الاهتمام الطبي بموضوع الضغوط آلي زمن هيبوقراط ( BC.377-460 ) ومن بعده من الذين اهتموا به أدركوا أهميته بوصفه عاملاً مؤثراً على صحة الإنسان وعقله . إلا أن أول من درسه بطريقة علمية منظمة هو العالم النفسي والتر كانون Walter Cannon في ( 1920 ) عندما ربطه بتجاربه المختبرية في أحداث استجابة " القتال أو الهروب Fight- or-Flight Response " عند مواجهة الضغوط .
ويعود الفضل في تطور دراسات الضغوط وأبحاثها وآثارها السلبية على جسم الإنسان إلي عالم الغدد – الطبيب الكندي " Hans Selye " ، الذي أدت نتائج أبحاثه إلي إدخال موضوع الضغوط في علم النفس والطب بوصفه بنداً أساسيا ، وواضح انه نتيجة لتعرضنا لمواقف تثير فينا ضغطاً وتحدياً مستمر فإن تغيرات كثيرة تحدث داخل أجسامنا لغرض مجابهته والتغلب عليه ، لذا فالضغط عند سيلاي هو( نتيجة) وليس ( سببا ) ، كما يعده مفهوما فسيولوجياً له جذور في عمليات بايولوجية مختلفة وكثيرة داخل الكائن .
وترافق الضغوط استجابة بايولوجية عصبية تبدأ من الهايبوثلاموس في أسفل الدماغ ، الذي يكون مسؤولاً عن تحديد نوع الموقف الذي يكون فيه الفرد . فإذا ما حدد الموقف على أنه ضاغط ينشط عمل الغدة النخامية والجهاز العصبي السمبثاوي لإفراز الهرمونات التي تساعد الفرد على مواجهته ، إضافة آلي تغيرات جسمية مهمة أخرى كزيادة كمية السكر في الدم ( من خلال التأثير على البنكرياس ) ، وزيادة إفراز الحوامض المعدية ، وارتفاع ضغط الدم وغيرها ، مما يؤدي في النهاية آلي احتمالية الإصابة بأحد الأمراض الجسمية كالقرحة ، أو القلب ، أو السكر وغيرها .
إن الشئ الواجب الإشارة إليه في هذا المجال ، أن العوامل الضاغطة لا تقتصر على جوانب سلبية فقط ، بل أن هناك دراسات عديدة قد درست أيضاً جوانب إيجابية من الحياة بوصفها تشكل ضغطاً كدراسة ( Rahe & Holmes,1965 ) ، إضافة آلي أن هناك باحثين مثل ( Stone & Neal,1983 ) قد وضعوا قائمة تحتوي على أحداث كثيرة إيجابية أو سارة تمثل ضغوطاً يتعرض لها الأفراد في حياتهم
وهكذا فأن للضغط جانبين أولهما سلبي ويدعي بالغم أو الكرب " Distress " والثاني إيجابي سار يحدث بفعل أحداث حياتية جيدة أو إيجابية ، كولادة طفل جديد ، أو الزواج ، أو زيادة مسؤولية العمل أو الحصول على ربح مادي وغيرها ، وهي ما يطلق عليها بالضغوط الإيجابية أو الجيدة " eustress " وكما عبر عنها سيلاي أنها - أي الضغوط – تعطي نكهة للحياة " The spice of life " ولا يستطيع الإنسان أن يحيا بدونها ، فحياتنا مليئة بالأحداث التي تثير فينا ضغوطاً سلبية وإيجابية .
وأشار " Selye " أيضاً آلي آثار الضغوط قد تكون أحياناً إيجابية بوصفها قوة دافعة تحسن نوعية الحياة ، آلي أن يصل الضغط آلي الحد الأمثل له ، وبعدها يحدث نتائج سلبية على الفرد ، ويكون ذا آثار ضارة أو مؤذية . وتختلف قدرة الأفراد في تحملهم درجة الضغط اعتماداً على قوة الفرد الجسمية وعوامل وراثية وسلوكية تحدد طريقة تعامله مع الضغوط
ويستدل على وجود الضغط ، كما يتبين من البحوث النفسية ، من خلال ظهور الحالات الانفعالية كالقلق أو الخوف أو الاكتئاب ، أو من خلال المؤشرات الفسيولوجية التي تحدث داخل الكائن الحي مثل ارتفاع ضغط الدم ، أو زيادة معدل ضربات القلب
من هذا نستنتج أن الضغط رد فعل نفسي وجسمي فسلجي ، فهو لا يقتصر على جانب واحد بل يشمل الفرد كله نفسا وجسما ، وأن المنبه الذي يثير الضغوط يصبح ضاغطاً بفعل قدرة الفرد على التفسير المعرفي وكيفية إدراكه للضغط
وعلى الرغم من تعدد وجهات نظر الباحثين في موضوع الضغوط ، وكثرة التفسيرات التي تناولته ، إلا أننا نستطيع أن نجمل وجهات النظر هذه في ثلاثة نماذج نظرية هي :-
* نموذج الضغط كمثير The Stimulus Model
إن وجهة النظر هذه تحدد الصفات العامة التي تشترك فيها الأحداث وتجعل منها عوامل ضاغطة على الأفراد . فعندما تتجاوز شدة المثيرات قابلية الفرد على التكيف الفعال معها تكون عامل ضغط عليه وتمثل له عبئاً " Over Load " وهنا تظهر علامات الضغوط الجسمية ( كارتفاع ضغط الدم , وزيادة إفراز الحوامض ) ، أو النفسية ( كالقلق والاكتئاب ) ويحدث العبء الزائد أيضاً أذاما أجهد الفرد نفسه في العمل أو التحصيل
وعندما يكون الفرد في موقف صراع " Confict " بين أثنين من الدوافع المتعارضة سيكون الموقف ضاغطاً عليه ، وعلى الفرد أن يرضى واحداً من هذه الدوافع ويحبط الآخر . كما أن نوع الصراع الذي يكون فيه الفرد يعد أمراً مهما، سواء كان صراع إقدام – إقدام ( نوعان من الدوافع المرغوبة على الفرد أن يختار منها واحداً ، أو صراع تجنب – تجنب ( نوعان من الدوافع كلاهما غير مرغوب وعلى الفرد أن يختار واحداً منهما ) ، أو صراع إقدام – تجنب ( Millwr,1951 pp.82-1 ) . حتى عندما يكون هناك دافع واحد فأن الصراع قد يحدث بين الطرائق المختلفة للوصول آلي تحقيق الهدف ، فالطالب الذي يكون قادراً على تعليم جيد في عدد من الكليات ، يعد اختياره كلية معينه موقف صراع .
والصفة المشتركة الأخرى للعوامل الضاغطة تتمثل في الأحداث التي لا يتمكن الفرد من السيطرة عليها " Uncontrollability " ، وهذه الأحداث تشعر الفرد بالعجز " Helplessness " . وبينت الدراسات مثل دراسة ( Weiss,1972 ) ، ودراسة ( Brady,1958 ) أن الضغط الذي ينتج من مثير لا يستطيع الفرد السيطرة عليه يؤدي آلي إصابته بالقرحة .
* نموذج الضغط كإستجابة : Stress-Response Model
ترى وجهة النظر التي يمثلها " Selye " أن بالإمكان فهم الضغوط من خلال نموذج الاستجابة الجسمية والنفسية لمختلف الأحداث الحياتية التي نتعرض لها التي يطلق عليها " العوامل الضاغطة Stressors " وتعد نظرية " Selye " في الضغوط الأساس لهذا النموذج التي استطاع من خلالها تفسير علاقة الضغط بالمرض عن طريق مجموعة الاستجابات الجسمية المختلفة التي تحدث بسبب عدد من العوامل الضاغطة المختلفة التي أيطلق عليها " تناذر التكيف العام ( GAS ) : General Adaptation Syndroms " .
ويشير " Selye " في تفسيره آلي أن للجسم قدرة محددة على مواجهة وتحمل الضغوط ومقاومتها ، وإذا ما استمرت وكانت من الشدة والقوة بحيث تفوق قدرة الفرد على التحمل يحدث الاستنزاف ويصاب الفرد بالأمراض وقد يموت نتيجة لذلك . ويمكن إيجاز العمليات التي تحصل داخل الجسم في حالة التعرض للضغوط في مراحل ثلاث هي :
أ - مرحلة الإنـــــــــــــذار Alarm Stage
ب- مرحلة المقاومة Resistance Stage
ج- الاستنــــــــــــــــــزاف Exhaustion
والشيء المهم هنا هو أن هذه الأعراض تحدث كلما تعرض الفرد لعوامل ضاغطة سواء كانت سلبية ( غير مرغوبة ) أم إيجابية ( مرغوبة ) فالأحداث المؤلمة والصدمات تستدعي استجابة الإنذار وكذلك الآمر بالنسبة للأحداث السارة غير المتوقعة .
* نموذج التفاعل بين الفرد والبيئة : Lnteraction Model
يحاول هذا النموذج الجمع بين النموذجين السابقين في تفسير الضغط من خلال التفاعل بين الفرد – البيئة . وقد فسر " Mason " الضغط على وفق هذا المنظور بفقدان الانسجام بين ما يحصل داخل الفرد من عمليات بايولوجية منظمة طبيعياً وبين متطلبات البيئة وأن الفرد يسعى دائماً آلي الحفاظ على متطلبات هذا التنظيم الطبيعي في العمليات البايولوجية وعندما يدرك الفرد أن هناك عوامل تغير من هذا التنظيم – سواء كانت هذه العوامل داخلية أم خارجية – فأنه يكون في موقف ضغط .
وعلى وفق هذا النموذج فأن أي حدث ، لكي يشكل عامل ضغط على الفرد ، لابد أن يتوفر فيه شرطان :-
1) عندما يدرك الفرد أن هناك تهديداً لحاجاته المهمة أو دوافعه .
2) عندما لا يتمكن مــــــــــــن التكيف لهذه العوامل الضاغطة .
إن وجهة النظر هذه تؤكد أن طبيعة العلاقة بين التنبيهات البيئية ( المتمثلة بأحداث الحياة الضاغطة ) وردود فعل الفرد ( الجسمية ، الانفعالية ، والمعرفية ) هما العناصر الحيوية في فهم الضغوط وتفسيرها . فإذا ما أدرك الفرد أن الحدث الواقع في البيئة يشكل تهديداً لحاجاته الشخصية المهمة أو دوافعه فأنه يمثل له عامل ضغط . وعليه فأن الفرد يختار استجابة لهذا المثير – العامل الضاغط – تكون على شكل سلوك قد يكون خاطئاً كإدمان الكحول أو الانسحاب أو الآكل بشراهة أو التدخين مؤدياً آلي إصابته بالأمراض الخطيرة كالقرحة أو أمراض القلب ، أو يكون السلوك صحيحاً يتمكن من خلاله الفرد أن يتجاوز الموقف الضاغط
ويتضمن هذا قدرة الفرد على التكيف " Coping Ability " لمثل هذه الأحداث أو المواقف والتكيف هو الطرائق أو الوسائل التي يستخدمها الفرد للسيطرة على المواقف الضاغطة ، ويتضمن مدى واسعاً من المهارات للتصرف في البيئة ، وكذلك للسيطرة على الاضطرابات الانفعالية والأدراكية ، وردود الفعل الجسمية . لذا وعلى وفق هذا المنظور فأن كمية الضغط التي يشعر بها الإنسان تعتمد على الموازنة بين متطلبات العوامل الضاغطة والمهارات اللازمة للتكيف معها
فالضغط ، إذن حسب هذا النموذج هو أية قوة أو متغير يشكل عبئاً على الجسم ( سواء كان هذا المتغير داخلياً فسلجياً أم اجتماعياً نفسياً ) والاستجابة له . وأن ردود الفعل لهذا الضغط تعتمد على كيفية إدراك الفرد أو تقييمه لمدى الأذى أو التهديد الذي يواجهه .
ونظرا ً لما تسببه الضغوط النفسية من آثار سلبية على حياة الفرد فإننا رأينا ضرورة تسليط الضوء عليها من حيث المفهوم والاسباب و الانواع و الآثار المترتبة عليها ، و استعراض دراسات أولت اهتمام بهذه المشكلة التي باتت تهدد العالم بأسره.
stress* hgsjvds H, hgqy' hgktsd ,sgfdhji
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك