تحقيق تخريج مسألة
(من ولي لنا عملاً فلم يكن له زوجة فليتزوج)
محمد بن تركي بن سليمان التركي
قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سألت أبي عن حديث رواه ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن عبدالرحمن بن جبير، أنه كان في مجلس فيه المستورد، وعمرو بن غيلان بن سلمة، فسمع المستورد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ولي لنا عملاً فلم يكن له زوجة فليتزوج، أو خادماً فليتخذ خادماً، أو مسكناً فليتخذ مسكناً، أو دابة فليتخذ دابة، فمن أصاب شيئاً سوى ذلك فهو غال أو سارق".
وقال[1] ابن لهيعة: أخبرني ابن هبيرة السبئي[2]، عن عبدالرحمن بن جبير، بمثله. غير أنه قال: " غال وسارق "[3].
قال ابن وهب: " يوسع عليه في رزقه، حتى يتخذ امرأة، وخادماً، ومسكناً ودابة، ولا يأخذ أموال الناس ".
قال أبي: هذا خطأ؛ إنما هو على ما رواه الليث، عن الحارث بن يزيد، عن رجل، عن المستورد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقلت لأبي، للمستورد صحبة؟. قال: نعم.
رجال الإسناد:
• ابن وهب: عبدالله، ثقة ثبت، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 509.
• ابن لهيعة: عبدالله، ضعيف، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 506.
• الحارث بن يزيد الحضرمي، أبو عبد الكريم المصري (ت 130)
ثقة ثبت، متفق على توثيقه.
انظر تهذيب الكمال 5/ 306، التهذيب 2/ 163، التقريب (1057).
• عبدالرحمن بن جبير المصري، المؤذن، العامري (ت 97 تقريباً).
ثقة، متفق على توثيقه.
تهذيب الكمال 17/ 28، التهذيب 6/ 154، التقريب (3828).
• المستورد بن شداد بن عمرو القرشي، صحابي جليل، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبيه وشهد فتح مصر، وروى عنه أهلها، توفي بالأسكندرية سنة خمس وأربعين.
الاستيعاب 10/ 247، أسد الغابة 4/ 353، الإصابة 9/ 180.
• عمرو بن غيلان بن سلمة الثقفي.
قال ابن حجر: مختلف في صحبته، له حديث[4].
أسد الغابة 4/ 125، تهذيب الكمال 22/ 186، الإصابة 7/ 133، التقريب (5093).
• ابن هبيرة: عبدالله السبئي، بفتح المهملة والموحدة، ثم همزة مقصورة (ت 126).
ثقة، متفق على توثيقه.
تهذيب الكمال 16/ 242، التهذيب 6/ 61، التقريب (3678).
• الليث بن سعد، ثقة ثبت، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 511.
تخريج الحديث:
روى الحارث بن يزيد هذا الحديث، واختلف عليه، وعلى الرواة عنه:
أولاً: رواه ابن لهيعة، واختلف عليه:
1- فرواه أكثر من ثقة، عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن عبدالرحمن بن جبير، عن المستورد بن شداد.
2- ورواه أكثر من ثقة، عن ابن لهيعة، عن عبدالله هبيرة، عن عبدالرحمن بن جبير، عن المستورد بن شداد.
3- ورواه أكثر من ثقة، عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، وعبدالله بن هبيرة، عن عبدالرحمن بن جبير، عن المستورد بن شداد.
ثانياً: ورواه الليث بن سعد، واختلف عليه:
1- فرواه عبدالله بن صالح، عن الليث، عن عياش بن عباس، عن الحارث بن يزيد، عن رجل، عن المستورد.
2- وروي عن الليث، عن الحارث بن يزيد، عن رجل، عن المستورد.
ثالثاً: ورواه الأوزاعي، واختلف على الراوي عنه:
1- فرواه موسى بن مروان، عن المعافى بن عمران، عن الأوزاعي، عن الحارث بن يزيد عن جبير بن نفير، عن المستورد.
2- ورواه موسى بن مروان أيضاً، وابن عمار الموصلي، عن المعافى بن عمران، عن الأوزاعي، عن الحارث بن يزيد عن عبدالرحمن جبير بن نفير، عن المستورد.
وفيما يلي تفصيل ما تقدم:
أولاً: رواه ابن لهيعة، واختلف عليه:
1- فرواه أكثر من ثقة، عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن عبدالرحمن بن جبير، عن المستورد بن شداد:
أخرجه أحمد 4/ 229، عن حسن بن موسى.
وابن أبي شيبة في مسنده 2/ 281، رقم 778، عن زيد بن الحباب.
والطبراني في الكبير 20/ 304، رقم 725، وابن بشران في الثالث من أماليه (ق 24/ ب)، من طريق القعنبي.
وأبو عبيد في الأموال، رقم 654، عن عمرو بن طارق.
وتابعهم ابن وهب، كما ذكر المصنف في هذه المسألة، وفي المسألة رقم 1231.
كلهم عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن عبدالرحمن بن جبير، أنه كان في مجلس فيه المستورد بن شداد، وعمرو بن غيلان، فسمع المستورد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من ولي لنا عملاً فلم يكن له زوجة فليتزوج، أو خادم فليتخذ خادماً، أو مسكن فليتخذ مسكناً، أو دابة فليتخذ دابة، ومن أصاب سوى ذلك فهو غال أو سارق ".
2- ورواه أكثر من ثقة، عن ابن لهيعة، عن عبدالله بن هبيرة، عن عبدالرحمن بن جبير، عن المستورد بن شداد:
أخرجه أحمد 4/ 29، عن حسن بن موسى.
والطبراني في الكبير 20/ 305، رقم 726، من طريق أسد بن موسى.
وأبو عبيد في الأموال، رقم 655، عن عمرو بن طارق.
وابن زنجويه في الأموال 2/ 594، رقم 978، عن أبي الأسود.
كلهم عن ابن لهيعة، به نحوه.
وقال عند أبي عبيد: " غال وسارق ".
وذكره المصنف في هذه المسألة، من رواية ابن لهيعة، به مثل متن أبي عبيد.
3- ورواه أكثر من ثقة، عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، وعبدالله بن هبيرة، عن عبدالرحمن بن جبير، عن المستورد بن شداد.
أخرجه أحمد 4/ 29، عن يحيى بن إسحاق، وموسى بن داود، فرقهما.
كلاهما عن ابن لهيعة، به.
قلت: ولا خلاف بين هذه الأوجه؛ وغايته أن ابن لهيعة رواه عن ابن جبير، وابن هبيرة، فكان يحدث به عن أحدهما تارة، وعن الآخرة تارة، ويجمعهما تارة، كما تقدم في التخريج، والله أعلم.
ثانياً: ورواه الليث بن سعد، واختلف عليه:
1- فرواه عبدالله بن صالح، عن الليث، عن عياش، عن الحارث بن يزيد، عن رجل، عن المستورد، نحوه، مرفوعاً:
أخرجه أبو عبيد في الأموال (ص 279)، رقم 653.
وابن زنجويه في الأموال 2/ 594، رقم 979.
كلاهما عن عبدالله بن صالح، عن الليث، به، نحوه.
قلت: وعياش بن عباس: ثقة (التقريب 5269).
2- وروي عن الليث، عن الحارث بن يزيد، عن رجل، عن المستورد:
ذكره أبو حاتم في هذه المسألة، وفي المسألة رقم 1231، ولم أقف على من أخرجه.
قلت: وفي الوجه الأول عبدالله بن صالح، كاتب الليث، وهو صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة (التقريب 3388).
وأما الوجه الثاني فلم أقف على من أخرجه لننظر هل يقوى على معارضة الوجه الأول أم لا ولكن جزم به أبو حاتم في هذه المسألة، ورجحه على رواية ابن لهيعة المتقدمة، مما يعني ثبوته عنده، مما يقوي هذا الوجه، ولعله محفوظ عن الليث.
وعليه فلعل الوجهين محفوظان عن الليث، والله أعلم.
ثالثاً: ورواه الأوزاعي، واختلف على الراوي عنه:
1- فرواه موسى بن مروان، عن المعافى بن عمران، عن الأوزاعي، عن الحارث بن يزيد عن جبير بن نفير، عن المستورد:
أخرجه أبو داود 3/ 354، كتاب الخراج والإمارة، باب في أرزاق العمال، رقم 2945، عن موسى بن مروان الرقي، عن المعافى بن عمران، عن الأوزاعي، به.
قلت: والأزواعي، والمعافي بن عمران: ثقتان (التقريب 3967، 6745).
وموسى بن مروان: الراجح أنه صدوق[5].
وقال ابن حجر في النكت الظراف 8/ 377: يحتمل أن يكون في أصل أبي داود: عن ابن جبير بن نفير "، فسقطت: " ابن "، ثم وجدت الحديث في تاريخ ابن يونس، أخرجه عن النسائي، عن يحيى بن مخلد، عن موسى بن مروان، بسند أبي داود، لكن قال فيه: " عن عبدالرحمن بن جبير " حسب، وكذلك ساقه النسائي في كتاب الجهاد من رواية ابن الأحمر، وهو مما أغفله المزي، فيستدرك كنظائره. وعلى هذا فذكر " نفير " في هذا الإسناد غلط ممن ذكره، فإن الذي جده نفير شامي، وصاحب هذا الحديث مصري، والمستورد أيضاً مصري.
قلت: ولكن يشكل على ما ذكره الحافظ أنه قد رواه جعفر الفريابي عن موسى بن مروان.
فقال: عبدالرحمن بن جبير بن نفير، كما رواه ابن عمار أيضاً - وهو ثقة - عن المعافى.
فقال: عبدالرحمن بن جبير بن نفير، كما سيأتي في الوجه الثاني.
2- ورواه موسى بن مروان أيضاً، وابن عمار الموصلي، عن المعافى بن عمران، عن الأوزاعي، عن الحارث بن يزيد، عن عبدالرحمن جبير بن نفير، عن المستورد:
أخرجه النسائي في كتاب الجهاد من رواية ابن الأحمر، وعنه ابن يونس في تاريخه - كما ذكر ابن حجر في النكت الظراف 8/ 377 -، ورواه ابن خزيمة 4/ 70، رقم 2370، كلاهما عن يحيى بن مخلد.
الطبراني في الكبير 20/ 305، رقم 727، عن جعفر الفريابي.
ويحيى، وجعفر، كلاهما عن موسى بن مروان[6].
والحاكم 1/ 406، وأبو نعيم في الحلية 8/ 291، من طريق محمد بن عبدالله بن عمار.
وموسى، وابن عمار كلاهما عن المعافى بن عمران، به نحوه.
وقال المعافى: أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق".
كما أخرجه ابن الأثير في أسد الغابة 4/ 354، فقال: أخبرنا أبو منصور بن مكارم بإسناده عن المعافى بن عمران، فذكره.
ووقع في رواية النسائي وابن خزيمة: عبدالرحمن بن جبير.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
وقال المزي في التحفة 8/ 378، وهو أشبه بالصواب ـ يعني من رواية أبي داود المتقدمة -.
قلت: ولعل الوجه الثاني أرجح؛ حيث رواه ثقتان كذلك، في حين لم أجد من تابع موسى على الوجه الأول، إضافة إلى إنه قد رواه أيضاً على الوجه الثاني، فيقدم من روايتيه ما وافقه فيه غيره.
وعبدالرحمن بن جبير بن نفير: ثقة (التقريب 3827)، والله أعلم.
النظر في المسألة:
مما تقدم يتضح أنه اختلف على الحارث بن يزيد في هذا الحديث، وعلى الرواة عنه، وخلاصة ما تقدم من الاختلاف على الحارث ما يلي:
1- رواه ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، وعبدالله بن هبيرة، عن عبدالرحمن بن جبير عن المستورد بن شداد.
2- ورواه الليث، عن عياش بن عباس، عن الحارث بن يزيد، عن رجل، عن المستورد.
3- كما رواه الليث، عن الحارث بن يزيد، عن رجل، عن المستورد.
4- ورواه الأوزاعي - في الراجح عنه -، عن الحارث بن يزيد، عن عبدالرحمن جبير بن نفير، عن المستورد.
5- ورواه الأوزاعي - في وجه مرجوح عنه - عن الحارث بن يزيد، عن جبير بن نفير، عن المستورد.
ولعل الوجه الرابع أرجح هذه الأوجه؛ حيث رواه ثقة ثبت كذلك، في حين لا تخلو بقية الأوجه من مقال:
ففي الوجه الأول ابن لهيعة، وهو ضعيف كما تقدم.
وأما الوجه الثاني فمن رواية عبدالله بن صالح عن الليث، وفي عبدالله كلام كما تقدم.
وأما الثالث فلم أقف على من رواه عن الليث، لنعرف حاله، وهل يثبت عن الليث أم لا.
وأما الوجه الخامس فهو وجه مرجوح عن الأوزاعي، كما تقدم.
وقد رجح أبو حاتم الوجه الثالث في مقابل رواية ابن لهيعة في الوجه الأول، ولم يذكر بقية الأوجه، ولكنه لم يذكر من رواه عن الليث، لننظر هل يقوى على معارضة رواية عبدالله ابن صالح عن الليث أم لا. ولكن جزمه بهذا الوجه يقويه كما تقدم.
وعلى فرض ثبوته فيكون مساوياً للوجه الرابع؛ لأنه من رواية الأوزاعي، وهو ثقة، كما تقدم، فيكون الوجهان محفوظين إن شاء الله، ولا تعارض بينهما؛ فلعل الرجل المبهم في رواية الليث هو عبدالرحمن بن جبير في رواية الأوزاعي، والله أعلم.
والحديث من رواية الأوزاعي الراجحة إسناده صحيح؛ فرجاله ثقات، كما سبق، وتقدم تصحيح ابن خزيمة، والحاكم له، والله أعلم.
[1] وقع في نسختي مصر، والمطبوع: " قال ".
[2] وقع في جميع النسخ والمطبوع " " السباي "، والتصويب من مصادر ترجمته.
[3] وقع في نسختي تركيا، وتشستربيتي " غال أو سارق قال... "، وفي نسختي مصر والمطبوع: " غال أو ساد وقال... "، وكان التصويب من كتاب الأموال لأبي عبيد حيث أخرج الوجهين، وهو الموافق لسياق الكلام.
[4] لم أر التوسع في ترجمته، لأنه ليس في أصل الإسناد، ولم يتكرر في غير هذه المسألة.
[5] وذلك أنه روى عنه ابن ماجه وأبو حاتم وغيرهم، وقال عنه أبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج له في صحيحه في عدة مواضع (انظر الفهرس 18/ 252)، كما أخرج له ابن خزيمة، وهذا دلالة توثيقهما له، كما صحح حديثه الحاكم، كما سيأتي، إضافة إلى أنه من شيوخ أبي داود، وتقدم نص ابن حجر أنه لا يروي إلا عن ثقة عنده.
ولكن قال ابن حجر في التقريب: مقبول. ولعل ذلك لأنه لم يقع له قول أبي حاتم، لأني لم أره ذكره في التهذيب، ولعله اعتماداً منه على المزي، والذي لم يذكره أيضاً، والله أعلم.
قلت: ولعل الراجح أنه صدوق، لما تقدم، والله أعلم.
انظر الجرح 8/ 165، تهذيب الكمال 29/ 143، التهذيب 10/ 369، التقريب (7009).
[6] وقع في المطبوع من الطبراني: موسى بن مرزوق، وقد ذكر المزي رواية الفريابي هذه في تحفة الأشراف 8/ 377، فقال: رواه جعفر بن محمد الفريابي، عن موسى بن مروان، وقد نبه على ذلك محقق الطبراني.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك