02-12-2016, 12:31 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 356,632
|
|
فن التعامل مع السفهاء في الاسلام
* التعامل مع السفهاء
1- بالتغاضي والحلم وقلة الاكتراث خاصة مع الشتامين
حيث يذكر الماوردي "أن الاستحياء من جزاء الجواب يكون من صيانة النفس وكمال المروءة وإلا تعرض الإنسان لاستمرار الأذى من السفيه بما يخدش الحياء ويهين الكرامة وفي الحلم عنه توقف له عن ذلك وهذا يكون من الحزم" وقال بعض الحكماء : في اعتراضك صون أعراضك وقال الشاعر :
وفي الحلم ردع للسفيه عن الأذى وفي الخرق إغراء فلا تك أخرقا
فـتـنـدم إذ لا تـنـفعك ندامة كـمـا نـدم المغبون لما تفرقا
وقال آخر :
أرفق إذا خفت من ذي هفوة خُرُقـا ليس بالحكيم لـمن في أمره خُرُق
كما أن الحلم مدعاة للتآلف ودليل على كرم النفس " وقيل للإسكندر : إن فلانا ينقصانك ويثلبانك فلو عاقبتهما فقال : هما بعد العقوبة أعذر في تنقصي وثلبي "
وحُكي عن الأحنف بن قيس أنه قال : ما عادني أحد قط إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال : إن كان أعلى مني عرفت له قدره وإن كان دوني رفعت قدري عنه وإن كان نظيري (مثلي ) تفضلت عليه فأخذه الخليل فنظمه شعرا فقال :
سألزم نفسي الصفح عن كـل مـذنب وإن كـثرت منه إلـي الجرائـم
فـمـا الناس إلا واحـد مـن ثلاثـة شريف و مشروف ومثل مقـاوم
فـأمـا الـذي فوقي فأعـرف قـدره وأتـبـع فيه الحـق والحـق لازم
وأمـا الـذي دوني فـأحلـم دائبـا أصون بـه عرضي وإن لام لائـم
وأمـا الـذي مثلي فـإن زل أو هفـا تفضلت إن الفضل بالفخر حـاكم
وإذا كان الفحش وبذاءة القول من سمات السفهاء فقد أجمع العلماء على أن الصمت هو خير وسيلة لمواجهته وفي الصمت عن السفيه قال بعض الحكماء : احتمال السفيه خير من التحلي بصورته، والإغضاء عن الجاهل خير من مشاكلته" وفي هذا يقول الشاعر :
إذا نـطق السفيه فـلا تجبه فخير مـن إجـابته السكـوت
سكت عن السفيه فظن أني عييت عن الجـواب ومـا عييت
وقال آخر :
أو كلما طنّ الذباب طردتـه إن الـذبـاب إذن عليَّ كـريم
وقال آخر :
وللكف عن شتم اللئيم تكرما أضرُّ له من شتمه حـين يشـتم
وقال آخر :
قل ما بدا لك من زور ومن كذب حلمي أصم وأذني غـير صماء([37])
* ومن الصور العملية لموقف السلف الصالح من السفهاء والشتامين
ذكر الإمام أحمد " أن أبا السوار العدوي أقبل عليه رجل بالأذى فسكت حتى إذا بلغ منزله أو دخل قال: حسبك إن شئت "([38]) وهناك من واجه الشتامين بالدعاء له : " وسب رجل الشعبي بقبائح نسبها إليه فقال الشعبي : إن كنت أنا كاذبا فغفر الله لك وإن كنت صادقا فغفر الله لي "
" وقال رجل للأحنف بن قيس: إن قلت لي كلمة أسمعتك عشرا فقال الأحنف : لكنك لو قلت لي عشرا لم تسمع مني واحدة "([39]) ويقول الأحنف أيضا: " من لم يصبر على كلمة سمع كلمات "
ومن صور ما تعرض له من السفهاء ما روي من أنه " كان الأحنف بن قيس يمشي في حواشي البصرة (أطراف البصرة وما حولها ) خاليا بنفسه فتعرض له رجل جعل يشتمه ويعيبه ويسمعه قوارص الكلام وهو ساكت ماض في طريقه فلما اقترب من الناس التفت إلى الرجل وقال : يا ابن أخي إن كان قد بقي من كلامك فضلة فقلها الآن فإن قومي إذا سمعوا ما تقول أصابك منهم أذى " ويروى أن عمرًا بن الأهتم حض رجلا على سبه سبا مفحشا يثير الحفائظ لكن الأحنف ظل صامتا مطرقا .. فلما رأى الرجل أنه لا يجيبه ولا يأبه له أخذ إبهامه في فمه وجعل يعضه وهو يقول : وا سوأتاه والله ما منعه من جوابي إلا هواني عليه "([40])
والتفسير لهذا الحلم الشديد مع هؤلاء السفهاء لدرجة أن الغضب ليس له موضع عند من يقع عليهم أذى السفهاء نراه في هذه الرواية " وهي أن أحد العقلاء شتمه رجل فلم يغضب فقيل له لما لا تغضب فقال : لا يخلو هذا الذي شتمني إما أن يكون صادقا فلا ينبغي لي أن أغضب عليه من أجل الحق وإن كان كاذبا فالأحرى أني ما أغضب عليه إذ لم أكن على ما قال "([41])
واعتبر الماوردي أن الغضب لسماع ما يُغضب من ذل النفس وقلة الحمية ولكن حد الحلم هو ضبط النفس عند هيجان الغضب "([42])
* موقف الفارابي من السفهاء
وفيه نرى دعوته إلى الحلم في التعامل مع السفهاء وعدم مقابلتهم بمثل أفعالهم قائلا : فأما السفهاء فيجب على المرء أن يستعمل معهم الحلم ولا يؤامنهم ولا يقابلهم بما هم فيه من السفاهة بل يتلقاهم أبدا بحلم رزين وسكون بليغ ليعرفوا قلة مبالاته بما هم فيه ولا يؤذوه ومتى تلقوه بالشتم والسفه فيجب أن يتلقاهم بالمحقرة وقلة الاكتراث "([43])
أي أن النهي عن ردهم هو في حد ذاته تحقيرا لشأنهم واعترافا بهوانهم وعدم التأثر بما يسوقونه من قبائح وكما يقول الشاعر :
وإذا أتتك مذمتي من نـاقـص فهي الشهادة لي بأني كـامـل([44])
المعيار الحقيقي للإنسان الحليم هو الذي يوضحه قول عمرٍ بن العاص t " ليس الحليم من يحلم عمن يحلم عنه ويجاهل من يجاهله ولكن الحليم من يحلم عمن يحلم عنه ويحلم عمن جاهله "([45])
وكما قال الشاعر :
ليست الأحلام في حـال الرضا إنمـا الأحلام في حـال الغضب
وقال آخر :
من يدّعي الحلم أغضبه لتعرفه لا يُعرف الحلم إلا ساعة الغضب([46])
2- التعامل مع السفيه بمقابلته بسفيه مثله
" وبذلك يرجوه السفيه تارة ويخشاه أخرى " وكما قال بعض الحكماء : العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم.وقال عمرو بن العاص : أكرموا سفهاءكم فإنهم يقونكم العار والشنار.
وقال مصعب بن الزبير : ما قل سفهاء قوم إلا ذلوا " والشاعر أشار إلى هذه المستويات في التعامل مع السفيه من الحلم والحزم وبمقابلته بمن هم على شاكلته وذلك بقوله :
إذا أمن الـجهال جهلـك مـرة فعرضك للجهال غُنم مـن الغُنـم
فعم عـليه الحلم والجهل و ألقـه بـمـنزلة بـيـن العداوة والسَّلم
إذا أنت جاريت السفيه كما جرى فأنت سفيه مثله غـيـر ذي حلم
ولا تغضبن عـرض السفيه و داره بحـلـم فإن أعيا عليك فبالصُّـرم
فيرجوك تارات ويـخـشاك تارة ويـأخذ فيما بـين ذلك بالحـزم
فإن لم تجد بدا من الجهـل فاستعن عليه بجُهّال فـذاك مـن الـعـزم
أي أن الإنسان إذا تمكن منه الغضب كف ثورته بحزمه وأطفأ ثائرته بحلمه ووكل السفيه إلى غيره يكون مثله ولا يعدم مسيئا مكافئا كما لن يعدم محسنا مجازيا وليس معنى إكرام السفيه إغراء بتحكم الغضب والانقياد له وإنما هم يعدون وسائل يواجه بها السفهاء حين لا يجدي استعمال الحلم فحسن معاملتهم هنا تعتبر لازمة ومستمرة([47])
وفي هذا روي " أن معاوية قال : يا بني أمية قارعوا قريشا بالحلم فوالله إن كنت لألقى الرجل من الجاهلية يوسعني شتما وأوسعه حلما فأرجع وهو لي صديق أستنجده فينجدني وأثيره فيثور معي وما دفع الحلم عن شريف شرفه ولا زاده إلا كرما "([48])
وعن أبي جعفر القرشي قال : أصبح فئة من بني تميم يتصارعون والأحنف ينظر إليهم فقالت عجوز من الحي : ما حكمكم أقل الله عدوكم قال : مه ولم تقولين ذاك ؟ لولا هؤلاء لكنا سفهاء أي أنهم يدفعون السفه عنا "([49])
3- النهي عن مجالسة السفهاء
" عن جعفر الخطمي أن جده عمير بن حبيب أوصى بنيه وكانت له صحبة فقال:يا بني إياكم
ومجالسة السفهاء فإن مجالستهم داء إنه من يحلم عن السفيه ليس ينظر بحلمه ومن لا يفر بقليل ما يأتي به السفيه يفر بالكبير ومن يصبر على ما يكره يدرك ما يحب وإذا أراد أحدكم أن يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر فليوطن نفسه على الصبر على الأذى وليوقن بالثواب من الله فإنه من يثق بالثواب من الله لا يجد الأذى "([50]) لكن إذا دعت الضرورة لمجالستهم فطريقة التعامل معهم حينئذ تكون بما قاله معونة بن قرة: مكتوب في الحكمة " لا تجالس بحلمك السفهاء ولا تجالس بسفهك الحلماء "([51])
4- النهي عن مراجعته في كلامه أو الجدال معه
وفي هذا يقول الشاعر :
لا ترجعـن إلى السفيه خطابـه إلا جـواب تـحية حياكهـا
فمتى تـحركـه تحـرك جيفة تزداد نتنا إن أردت حراكهـا
ويروى أن كسرى قال لوزيره : " من الحليم ؟ قال : الذي يصلح مع السفيه "
وأنشد في ذلك :
وظن بي السفاه فـلم يجدني أسافـهـه وقلت له سلامـا
فـقـام يجر رجـليه ذليلا وقد كسب المذمة والمـلامـا
وفـضل الحلم أبلغ في سفيه وأحرى أن ينال بـه انتقامـا([52])
وأنشد أبو جعفر القرشي :
لا تـأمنن إذا ما كنت طياشا أن تستفز ببعض الطيش فحاشـا
يا حبذا الحلم ما أحلى مغبته جـدا وأنـفـعه للمرء ما عاشا
ولكن يجب مراجعة السفيه إذا كان قوله مما يؤدي إلى ضرر لك في الدين أو الدنيا أو على الأقل لا يعتد ولا يؤخذ بكلامه حينئذ وهذا قد أكد عليه ابن حزم بقوله : " إياك وموافقة الجليس السيئ ومساعدة أهل زمانك فيما يضرك في أخراك أو في دنياك وإن قل فإنك لا تستفيد بذلك إلا الندامة حيث لا ينفعك الندم ولن يحمدك من ساعدته بل يشمت بك وأقل ما في ذلك وهو المضمون أنه لا يبالي بسوء عاقبتك وفساد مغبتك "
أما إذا كان الحديث ليس فيه مدعاة لضرر في دين أو دنيا فإن الأحرى بالإنسان عدم إثارة السفيه بمعارضته حتى وإن خالف رأيك لكي لا تكسب عداوته وفي هذا يقول ابن حزم : " وإياك ومخالفة الجليس ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضيرك في دنياك ولا في أخراك وإن قل فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة وربما أدى ذلك إلى المطالبة ( المساءلة ) والضرر العظيم دون منفعة أصلا "([53])
وبالتالي فالمنهي عنه هو المراجعة والجدال في أمور الحياة التي لا ضرر منها وهي أقرب إلى اللغو حيث إن " المراء والجدال ومناقشة الناس في الكلام فيه إيذاء للمخاطب وتجيهلا له وطعنا فيه وفيه ثناء على النفس وتزكية لها بمزيد من الفطنة والعلم ... فإنك لا تماري سفيها إلا يؤذيك
ولا تماري حليما إلا يقليك ويحقد عليك ويسعى في أذيتك غالبا "([54])
5- اللين وحسن الخلق مع السفيه
وفي هذا يقول أبو عبد الله الأيتسي :
تحرز مـا استطعت من السفيه بحلمك عنه إن الفضل فيـه
فـقـد يعصي السفيه مؤدبيه ويـبرم باللجاجة منصفيـه
تـلـين لـه فيغلظ جـانباه كـعير السوء يرمح عالفيـه
وأنشد طلحة بن عبيد الله :
فلا تعجل عـلى أحد بظلم فـإن الـظلم مرتعه وخيـم
ولا تفحش وإن ملئت غيظا على أحد فـإن الفحش لـؤم
ولا تـقطع أخاك عند ذنب فـإن الـذنب يغفره الـكريم
ولـكـن دار عورته برقع كما قد ترقع الخـلـق القديم([55])
وأنشد الحسين بن عبد الرحمن لرجل من بني أمية :
إني ليمنعني من ظلم ذي رحـم لب أصيل وحلم غـير ذي وصم
إن لان لنت وإن دبت عقاربـه ملأت كفـيه من صفح ومن كرم
" وقال أبو الدرداء رضي الله عنه لرجل أسمعه كلاما : يا هذا لا تغرقن في سبنا ودع للصلح موضعا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله عز وجل فيه([56])
المراجع
([37])أدب الدنيا والدين : الماوردي ص 184- 187 بتصرف
([38])الزهد، ص 384
([39]) إرشاد العباد للاستعداد ليوم الميعاد، ص 67- 68 ، صور من حياة التابعين ص 18
([40])صور من حياة التابعين ، ص 465 ،466
([41])إرشاد العباد، ص 136
([42])أدب الدنيا والدين، ص 187
([43])الموعظة، ورقة 11
([44])مجاني الأدب: ج1/ ص29
([45])مداراة الناس: لابن أبي الدنيا ، ص 26
([46])أدب الدنيا والدين ، ص 127
([47])أدب الدنيا والدين ص 188 بتصرف
([48]) مجموعة الرسائل لابن أبي الدنيا ، ص 29 كتاب الحلم
([49])المرجع السابق، ص 42
([50])الزهد، ص 232
([51])مجموعة الرسائل: لابن أبي الدنيا ، ص 35 كتاب الحلم
([52]) مجموعة الرسائل: لابن أبي الدنيا ، ص 28 وما بعدها
([53])الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص 192
([54]) إرشاد العباد للاستعداد ليوم الميعاد، ص 132
([55]) مجموعة الرسائل: ابن أبي الدنيا ، كتاب الحلم
([56])أدب الدنيا والدين، ص 184
للوصول الينا ومتابعة كل جديد اكتبي بمحرك البحث (منتدى عـدلات) او (3dlat)
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|