قولهم ( المياه أقسام )
أما المياه فجمع ماء وهو جمع كثرة وجمعه في القلة أمواه وجمع القلة عشرة فما دونها والكثرة فوقها (1) والماء ممدود على الأفصح وأصله موه تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ثم أبدلت الهاء همزة.(2)
والمياه كلها نوعان: نوع نزل من السماء وهو ثلاثة مياه ماء المطر، وماء الثلج، وماء البرد، ونوع ينبع من الأرض وهو أربع مياه: ماء البحر، وماء النهر، وماء العين، وماء البئر، وجميع هذه المياه طاهرة مطهرة على اختلافها في اللون والطعم والرائحة. (3)
وهذا تقسيم للمياه بحسب محالها المضافة هي إليها
أما تقسيمها من حيث التطهير بها وعدمه فللعلماء من الشافعية تقسيمات باعتبارات على نص الإمام الشافعي
وهاك نص كلام المزني عنه في مختصره :
(قال الشافعي) : فكل ماء من بحر عذب أو مالح أو بئر أو سماء أو برد أو ثلج مسخن وغير مسخن فسواء والتطهر به جائز ولا أكره الماء المشمس إلا من جهة الطب لكراهية عمر عن ذلك وقوله: إنه يورث البرص.
وما عدا ذلك من ماء ورد أو شجر أو عرق ماء أو زعفران أو عصفر أو نبيذ أو ماء بل فيه خبز أو غير ذلك مما لا يقع عليه اسم ماء مطلق حتى يضاف إلى ما خالطه أو خرج منه فلا يجوز التطهر به
فقسمها الإمام الماوردي بعد شرح كلام الإمام إلى ضربين : مطلق ومضاف وقال : فالمطلق على حكم أصله في جواز استعماله في الحدث والنجس، والمضاف على ضربين: إضافة تمنع من جواز استعماله، وإضافة لا تمنع منه إلخ... (4)
ومنهم من قسمها إلى ثلاثة : أحدها: ما يجوز التوضؤ به بلا كراهية كماء البحر وما أشبهه وثانيها: ما يكره التطهر به من حيث الطب كالمشمس وثالثها: ما لا يجوز التوضؤ به كما هو صنيع القاضي حسين والروياني (5)
وقسمها أبو حامد الغزالي إلى ثلاثة : أحدها طهور واستثنى منه المشمس والمستعمل وثانيها: المتغير بشيئ طاهر وفصّله وثالثها: الواقع فيه النجاسة وفصله أيضا وقسمها هو أيضا إلى ثلاثة أخر: وهي : طهور ومتغير يسيرا وما تفاحش تغيره بمخالطة ما يستغني الماء عنه (6)
ومنهم من قسمها إلى أربعة: أحدها : طاهر في نفسه مطهر لغيره غير مكروه استعماله وهو الماء المطلق الغير المتشمس وثانيها: ماء طاهر في نفسه مطهر لغيره مكروه استعماله وهو الماء المطلق المتشمس وثالثها: ماء طاهر في نفسه غير مطهر لغيره وهو قسمان: الأول: الماء المستعمل فيما لا بد منه من رفع حدث أو إزالة نجس ولو معفوا عنه وكان الماء دون القلتين والثاني: الماء المتغير بشيء خالطه من الأعيان الطاهرات المستغنى عنها تغيرا كثيرا يمنع إطلاق اسم الماء عليه ورابعها: ماء متنجس وهو طريق أبي شجاع ومحمد الجاوي (7)
ومنهم من قسمها إلى ثلاثة: طهور وطاهر ونجس كما هو صنيع المحاملي والنووي وابن الرفعة .(8)
وقسمها ابن الملقن إلى أربعة: طهور: وهو المطلق المفهوم من قولك: ماء. ومكروه: وهو المشمس بقطر حار في إناء منطبع. وطاهر فقط،وهو المستعمل في فرض ما دام قليلاً، والمتغير بمخالطة طاهر كثير. ونجس، (9)
قال المرداوي : اعلم: أن للأصحاب في تقسيم الماء أربع طرق.
أحدها وهي طريقة الجمهور: أن الماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام: طهور، وطاهر، ونجس.
الطريق الثاني: أنه ينقسم إلى قسمين: طاهر، ونجس. والطاهر قسمان: طاهر طهور، وطاهر غير طهور. وهي طريقة الخرقي وصاحب التلخيص، والبلغة فيهما. وهي قريبة من الأولى.
الطريق الثالث: أنه ينقسم إلى قسمين: طاهر طهور، ونجس. وهي طريقة الشيخ تقي الدين. فإن عنده: أن كل ماء طاهر، تحصل الطهارة به، وسواء كان مطلقا أو مقيدا، كماء الورد ونحوه. نقله في الفروع عنه في باب الحيض.
الطريق الرابع: أنه أربعة أقسام: طهور. وطاهر، ونجس. ومشكوك فيه لاشتباهه بغيره. وهي طريقة ابن رزين في شرحه.(10)
فأهل العلم جمهورهم يقسمون الماء إلى ثلاثة أقسام ، وهو قول الحنابلة والشافعية والمالكية وكذلك الحنفية ، على أن الماء ينقسم إلى ثلاث أقسام : طهور , وطاهر, ونجس،
واستدلوا من النظر بأنه لو وكله في شراء ماء، فاشترى ماء مستعملاً أو متغيراً بطاهر، لم يلزمه قبوله؛ فدل على أنه لا يدخل في الماء المطلق. وبحديث البحر وأن السائل يعلم بأن ماء البحر ليس بنجس، لكنه أراد هل هو طاهر أم طهور، و بأحاديث النهي عن الاغتسال في الماء الراكد فلولا أنه يفيد منعاً لم ينه عنه وغسل اليد بعد النوم قبل غمسها.
وذهب بعض أهل العلم وهو رواية عن الإمام أحمد عليه رحمة الله ، ويروى عن أبي حنيفة وقال به جماعة من المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية : على أن الماء على قسمين : طهور ونجس واستدلوا بحديث بئر بضاعة وغيره. (11)
والتحرير أنه عند جمع الأدلة - والله أعلم - يتضح أن الماء ينقسم إلى قسمين: طهور ونجس.
والطاهر - عند من يقسمونها إلى ثلاثة أقسام - الذي تغير بطاهر تغيرا كاملا أو تغيَّر أكثر أوصافه؛ وهي: الطعم، والرِّيح، واللون بحيث لم يعد يسمى ماء أُخرج من بحث أقسام المياه ودخل في بحث المواد الأخرى التي سلبته اسمه وحقيقته .
فشراب الزعفران طاهر، وشراب السوس طاهر ، والشاي طاهر ، والنبيذ - أي منقوع التَّمر - طاهر، ومحلول الكبريت طاهر ، ولكن هذه لا تُبحث في باب المياه ولا تأخذ أحكامها، وبالتالي لا يقال لهذه الأشربة والمحاليل إنها مياه طاهرة غير طَهورة فتبين أنه لا يوجد شيءٌ اسمه الماء الطاهر غير الطَّهورفما دامت هذه الأشربة والمحاليل لا تتصف بصفات الماء ولا تحمل خصائصه فيجب إخراجها من هذا البحث، وعدم إدراجها في باب المياه وأقسامها. (12)
وأما المتغير بطاهر يسيرا بحيث لم يسلب عنه اسم الماء ففيه تفصيل ذكروه.
وأجيب بأن عدم قبول الموكل لا يدل، فلو اشترى له ماء من ماء البحر، لم يلزمه قبوله، ولو اشترى له ماء مستقذراً طهوراً، لم يلزمه قبوله، وبأن سبب سؤال الصحابي عن ماء البحر كان من تغير طعمه وأن أحاديث النهي ليس فيه حجة وإن عصى وفعل، فالقول في الماء مسألة أخرى، لا تعرض لها في الحديث بنفي ولا إثبات،
وأن قوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) كلام عام من جوامع الكلم وإذا تركتم هذا اللفظ العام الجامع مع قوله صلى الله عليه وسلم: ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) ، فقد وقعتم في طريق أهل الزيغ حيث تركتم المحكم، واتبعتم المتشابه. أما الجزم بأن الشارع جعل طاهراً غير مطهر، فهو قول على الله بلا علم، وبحث في المسكوت عنه، واتباع للمتشابه، وترك لقوله: ((وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)) (13)
قال أبو محمد ابن حزم: نعوذ بالله من أن نقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل، وأن نخبر عنه ما لم يخبر به عن نفسه ولا فعله، فهذا هو الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو من أكبر الكبائر ممن قطع به، فإن لم يقطع به فإنما هو ظن، وقد قال عز وجل: {إن الظن لا يغني من الحق شيئا} [يونس: 36] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» (14)
والله أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل
المراجع
1. المجموع للنووي
2. الإقناع للشربيني
3.الحاوي الكبير للماوردي
4.المصدر السابق
5.التعليقة للقاضي / بحرالمذهب للروياني
6.الخلاصة والوسيط للغزالي
7.متن أبي شجاع / نهاية الزين لمحمد الجاوي
8.اللباب للمحاملي / المجموع للنووي / كفاية النبيه لابن الرفعة
9.التذكرة في الفقه الشافعي لابن الملقن
10.الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي
11.شرح بلوغ المرام للطريفي / المنتقى من فرائد الفوائد للعثيمين
12.الشرح الممتع / الجامع لأحكام الصلاة لمحمود عبد اللطيف عويضة / شرح بلوغ المرام لعبد الكريم الخضير
13.المنتقى من فرائد الفوائد للعثيمين
14.المحلى بالآثار
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك