07-24-2015, 05:20 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 356,127
|
|
(0158)الجهاد في سبيل الله-الفرع الثاني: تسلط الأعداء على المسلمين
إن المسلمين الذين أعزهم الله بالإسلام، إذا تخلوا عن الجهاد في سبيل الله الذي يعز به الإسلام والمسلمون، يقعون في استعباد أعدائهم لهم وفتنتهم في دينهم، إضافة إلى استعباد غيرهم من البشر من غير المسلمين.. وذلك من العذاب الذي توعدهم الله به في كتابه: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:39].
قال القرطبي رحمه الله: "يعذبكم.. قال ابن عباس: هو حبس المطر عنهم. قال ابن العربي: فإن صح ذلك عنه فهو أعلم من أين قاله، وإلا فالعذاب الأليم هو في الدنيا باستيلاء العدو، وبالنار في الآخرة". [الجامع لأحكام القرآن (8/142)].
والذي يراجع تاريخ المسلمين في جميع العصور، يرى أنهم إذا تخلوا عن الجهاد أذلهم الله لأذل خلقه وجعلهم في أسوأ حال لتخليهم عن أمره سبحانه لهم بقتال عدوهم وإذلاله بالجهاد في سبيل الله.. وهذا مصداق ما أخبر به الرسول صَلى الله عليه وسلم من إنزال البلاء بهم بتركهم الجهاد، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "سمعت رسول الله صَلى الله عليه وسلم يقول: (يعني إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم). [رواه أحمد وهو في الفتح الرباني ترتيب أحمد عبد الرحمن البنا والد الأستاذ حسن البنا رحمهما الله (14/25) وقال في الحاشية: "ورجال الإمام أحمد ثقات وصححه ابن القطان أيضاً وللحديث شواهد وطرق مختلفة تعضده.. والله أعلم"..].
ففي هذا الحديث بيان أن انصراف المسلمين عن دينهم والتنافس في أمور الدنيا وترك الجهاد في سبيل الله، كل ذلك يكون سبباً في إنزال الله البلاء بهم وأن هذا البلاء يستمر بهم حتى يعودوا إلى الله تعالى بأداء أمره واجتناب نهيه ولا تكون الدنيا هي همهم الذي يستوعب نشاطهم في الحياة وإنما الجهاد في سبيل الله الذي يرفعهم الله به ويعزهم ويذل عدوهم.
وقد ذكر الرسول صَلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أربعة أمور إذا فعلها المسلمون استحقوا البلاء، وهي:
1-الشح بالمال عن إنفاقه في الأمور المشروعة.
2-والعينة، وهي نوع من أنواع البيع المحرم، [قال في حاشية الفتح الرباني: "بكسر العين المهملة.. ثم ياء تحتية ساكنة.. ثم نون.. قال الجوهري: العينة بالكسر السَلَف. أ.هـ. قال الرافعي: وبيع العينة أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري.. ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر..] وهو كناية عن عدم التزام المسلمين بما أحله الله أو حرمه في كتابه وسنة رسوله صَلى الله عليه وسلم.
3-واتباع أذناب البقر، وهو كناية عن الاهتمام البالغ بالدنيا وزخارفها ولذلك عبر عنه بالاتباع الذي يستغرق أوقات الإنسان كلها.
4-ترك الجهاد
وترك الجهاد شامل للاشتغال بالحرث أو البيع والشراء أو غيرهما من الأمور التي تصرف المسلمين عن طاعة الله والجهاد في سبيله، وليس هو ذماً للعمل وجمع المال من وجهه الحلال وصرفه في طاعة الله والأمور المباحة، وإنما هو ذم للانصراف عن طاعة الله والجهاد في سبيل الله، وترك الجهاد في سبيل الله الذي يعد نتيجة لفعل الأمور الثلاثة المذكورة قبله.
فهذا البلاء الذي يترتب على هذه الأمور الأربعة لا يرفعه الله، إلا إذا زالت وحل محلها أمور أربعة أخرى، وهي:
1-البذل والتضحية بالنفس والمال.
2-واجتناب ما حرم سبحانه وفعل ما أمر.
3-وعدم الاهتمام بالدنيا وزخرفها، اهتماما يصرف عن طاعة الله، واتخاذ الدنيا بما فيها وسيلة إلى مرضاته.
4-وإقامة علم الجهاد في سبيل الله.
وإن البلاء الذي أنزله الله تعالى على المسلمين الآن لهو من أشد البلاء وأعظمه، فإن أعداء الله قد استعمروهم واستعبدوهم، وأصبحوا يأمرونهم وينهونهم ويوجهون سياستهم واقتصادهم وسلوكهم، ويسفكون دماءهم وينهبون خيراتهم ويسيمونهم الذل والهوان في عقر دارهم.
وكفى بهم ذلاً واستعباداً ومهانة، أن أصبحوا يخافون أعداءهم أشد من خوفهم من الله سبحانه، ونزل في قلوبهم من الرعب من أعدائهم ما كان ينزل بهؤلاء الأعداء منهم عندما كان المسلمون رافعين راية الجهاد في سبيل الله..
لا بل إن قادة الشعوب الإسلامية التي زاد عددها الآن عن ألف مليون، ليخافون من شذاذ الآفاق اليهود الذين كتب الله عليهم الذلة، ولم يرفعوا عقيرتهم إلا بعد أن تنحى المسلمون عن مجدهم وأذلوا أنفسهم راضين ببعدهم عن دين الله..
وها هي دولة اليهود تغزوهم في عقر دارهم في الأرض والبحر والجو، وتحطم ما بنوا من قوة في أحصن بقعة في أراضيهم، ولا يزيد عدد هؤلاء اليهود الآن عن ثلاثة ملايين نسمة، والعرب وحدهم بلغ عددهم مائتي مليون، يحيطون بالأرض المباركة المغتصبة من كل جهة.
فهل بعد هذا الذل من ذل وهل فوق هذا الاستعباد من استعباد؟!. وهكذا تجد المسلمين في كل مكان مستعبدين مهانين أذلاء، يسحقهم أعداؤهم ويفتتنوهم عن دينهم بدون هوادة ولا تراخ.
وإن الأمم الكافرة لتتداعى على المسلمين في كل وقت يحبون فيه الدنيا ويكرهون الموت.. كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صَلى الله عليه وسلم يقول لثوبان: (كيف أنت يا ثوبان إذا تداعت عليكم الأمم كتداعيكم على قصعة الطعام تصيبون منه)، قال ثوبان: بأبي وأمي يا رسول الله، أمن قلة بنا؟ قال: (لا، أنتم يومئذ كثير ولكن يلقى في قلوبكم الوهن)، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: (حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال)". [أخرجه أحمد.. وهو في الفتح الرباني (14/26) قال في تخريجه.. وفي أسناده من لا يعرف].
قال أحمد بن عبد الرحمن البنا في الحاشية: "وقد تحقق ذلك الآن، ووقع المسلمون فيما حذرهم منه رسول الله صَلى الله عليه وسلم، فصاروا غنيمة للأجانب - أعني الكفار - فكل دولة أخذت نصيبها منهم تسخرهم كيف شاءت، وذلك بسبب حبهم الدنيا وتركهم للقتال والاستعداد له فلا حول ولا قوة إلا بالله". [نفس الكتاب السابق والجزء والصفحة].
وإذا كان كثير من الشعوب الإسلامية قد جلا عنها جيوش الأعداء وبعضها يغزى الآن، فإن الاستعباد الحقيقي والذل قد وقعا عليها بعد ذلك الجلاء لأنها لم تغادرها إلا بعد أن استعبدت العقول وملأتها بأفكارها وصار قادة تلك البلدان عبيداً طائعين لسادتهم الكفرة ينفذون لهم ما لم يقدروا هم على تنفيذه عندما كانوا يحتلون أراضي المسلمين.
[ولكن أعداء الإسلام والمسلمين من اليهود والصليبيين، عادوا الآن لاحتلال الشعوب الإسلامية من جديد، وهذه الجيوش الأمريكية البرية والجوية والبحرية، قد احتلت بعض بلدان المسلمين، وهي الآن تهاجم الشعب العراقي، بادئة بعاصمة الخلافة الإسلامية "بغداد" منطلقة من أراضي المسلمين التي أصبحت مقرا لقواعدها العدوانية، وهي تريد القضاء على كل مقومات هذه الأمة، بما في ذلك إبعاد ما بقي من ثوابت دينهم التي تشتمل عليها مناهجهم التعليمية، وتحطيم الجيش العراقي الذي كان يحمي شعبه، وكان اليهو الحهتلين للأرض المباركة يخافو أكثر من كل الجيوش العربية..أكتب هذه السطور في اليوم الذي بدأت صواريخ الصليبيين تقصف بغداد، في يوم الخميس السابع من شهر محرم الحرام، من سنة 1424هـ ـ 20 من شهر مارس، من سنة 2003م.]
ولقد وعى أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم هذا المعنى وعياً كاملاً، وهو أن ترك الجهاد في سبيل الله فيه ذل المسلمين.
وقد كان أحد موضوعات خطاب أبي بكر الصديق السياسي المهم الذي ألقاه بعد بيعة المسلمين له بالخلافة.. قال رضي الله عنه: "أما بعد أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله. لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا يتيع قوم قط الفاحشة إلا عمهم الله بالبلاء.
أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله". [البداية والنهاية لابن كثير (5/248) وقال: وهذا إسناد صحيح..].
وقد تبع هذا الوعي ما سار عليه الصديق من إقامة الجهاد في سبيل الله بعد توليه الخلافة مباشرة، كما مضى في قصة إنفاذ جيش أسامة وقتال المرتدين ثم تجهيز المجاهدين لبلاد فارس..وعلى درب أبي بكر سار عمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان، وكانوا أعزة بذلك، فلما ترك المسلمون الجهاد ضربهم الله بالذل كما قال الصديق رضي الله عنه.
وقال ابن قدامة رحمه الله: (ويغزى مع كل بر وفاجر): يعني مع كل إمام قال أبو عبد الله، وسئل عن الرجل يقوله: أنا لا أغزو ويأخذه ولد العباس إنما يوفر الفيء عليهم؟ فقال: سبحان الله هؤلاء قوم سوء، هؤلاء القَعَدة مثبطون جهال، فقال: أرأيتم لو أن الناس كلهم قعدوا كما قعدتم، من كان يغزو؟ أليس كان قد ذهب الإسلام؟ ما كانت تصنع الروم؟
ثم ذكر الأحاديث الدالة على وجوب الجهاد مع كل بر وفاجر، ثم قال: "ولأن ترك الجهاد مع الفاجر يفضي إلى قطع الجهاد وظهور الكفار على المسلمين واستئصالهم وظهور كلمة الكفر، وفيه فساد عظيم.. قال الله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة: من الآية251ـ المغني (9/200) وما بعدها..].
تأمل قول الإمام أحمد رحمه الله: "أرأيتم لو أن الناس كلهم قعدوا كما قعدتم من كان يغزو؟ أليس قد ذهب الإسلام؟ ما كانت تصنع الروم؟ يعني كانت تغزو المسلمين. وتذهب دولة الإسلام.
وتأمل كذلك قول ابن قدامة: إن ترك الجهاد يفضي إلى ظهور الكفار على المسلمين واستئصالهم وظهور كلمة الكفر. هكذا فقه السلف الصالح ما يفضي إليه ترك الجهاد في سبيل الله وأيد الواقع هذا الفقه البصير.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|