شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى الفقه
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: احمد نعينع المصحف المرتل مقسم اجزاء جودة رهيبة (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: ابراهيم الاخضر المصحف المعلم ترديد الاطفال مقسم اجزاء بجودة 32 ك (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: ابراهيم الاخضر مصحف مقسم اجزاء (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: ابراهيم الاخضر المصحف المعلم التكرار 3 مرات مقسم اجزاء بجودة 32 ك (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: ابراهيم الاخضر المصحف المعلم المزدوج ترديد الاطفال مقسم اجزاء بجودة 32 ك (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف ابراهيم الاخضر معلم مزدوج ترديد الاطفال (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: ابراهيم الأخضر مرقق الصوت المصحف الالكتروني العندليبي مقسم اجزاء (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: ابراهيم الاخضر مرقق الصوت مصحف معلم تكرار 3 مرات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: توفيق الصايغ المصحف المعلم ترديد الاطفال مقسم اجزاء بجودة 96 ك (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: توفيق الصايغ الصائغ مصحف معلم ترديد الاطفال مقسم اجزاء جودة رهيبة (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 06-16-2015, 10:46 AM
منتدى اهل الحديث منتدى اهل الحديث غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 5,969
افتراضي (0124)الجهاد في سبيل الله الفرع الثاني: الأسس التي تقوم عليها الدعوة إلى الله.




دعوة الرسل وأتباعهم تقوم على أسس تضاد تلك الأسس الطاغوتية، وتهد أركانها، وأهمها الأسس الستة الآتية:

الأساس الأول: أن يكون الحكم لله تعالى وحده

لأن ذلك حقه الذي لا يجوز لأحد أن يدعيه ويعتدي عليه، ولأنه سبحانه هو وحده المنزه عن الظلم، والهوى والجهل، وهي الصفات التي لا يسلم منها أحد من خلقه، إلا أن يكون رسولاً ينزل الله عليه الوحي ويعصمه من الزلل. لذلك كان الحكم بغير ما أنزل الله تعالى كفراً وظلما وفسقاً، في كتب الله المنزلة على رسله كلهم. كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]. {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45]. {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47].

وقد خالف أهل الكتب السابقة أمره تعالى لهم بالحكم بما أنزل عليهم، وعندما أنزل آخر الكتب الذي هو القرآن، على آخر الرسل، وهو محمد صَلى الله عليه وسلم، أمره أن يحكم بما أنزل عليه، أخبره أن هذا الكتاب، مصدق لما سبقه من الكتب، قبل تحريفها وضياعها، وأنه هو المهيمن عليها، والقاضي عليها فكل ما خالف منها القرآن يكون باطلا، كما أمره أن يحكم بهذ الكتاب الذي أنزله عليه، وحذره-وهو تحذير لأمته-أن يحكموا بغيره بين الناس، ومنهم أهل الكتاب، اتباعا لأهوائهم قال تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ…} [المائدة:48]. وقال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة:49].
وأثبت سبحانه أنه لا حكم أحسن من حكمه، وأن غير حكمه حكم الجاهلية فقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. وأمر سبحانه أهل القرآن بأن يحكموا بين الناس بالعدل - ولا عدل فيما يخالف حكمه - فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:58].
وبين سبحانه أن الإيمان لا يثبت لأحد إلا إذا حَكَّم رسوله - الذي لا يحكم إلا بحكمه - راضياً مطمئناً غير ضائق الصدر بذلك. فقال: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65].

الأساس الثاني: تحقيق العبودية لله وحده

وتحقيق عبودية خلقه له وحده فرض عليهم كذلك، لأن الله تعالى خلقهم ليعبدوه وحده، كما قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذريات:56]. وقال: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162].
وكل رسول بعثه الله في أي أمة من الأمم، كان الهدف من رسالته تحقيق هذه العبودية. كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي لأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل:36].
وكل صراع حصل بين الرسل وقومهم - وكذلك أتباع الرسل مع قومهم - إنما كان بسبب هذا الأساس الذي دأب الدعاة إلى الله إلى تحقيقه، ويقف أعداء الله ضد تحقيقه، وفي قصص الدعاة إلى الله من الرسل وأتباعهم، ما يوضح ذلك ما جاء منه في القرآن، وما جاء في السنة، وما سجله التاريخ الحافل بالعبر في جميع العصور.

الأساس الثالث: إخضاع الميول والأهواء لشرع الله

بحيث يلتزم البشر بأوامر الله، فيفعلون ما أمرهم به وإن كرهت نفوسهم فعله، ويتركون ما نهاهم عنه وإن تاقت نفوسهم لتعاطيه، ولا يتحقق الإيمان إلا بذلك.. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59]

وكل رسول بعثه الله دعا قومه إلى تقوى الله وطاعته. كما قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:105-108]. وكذلك هود وصالح ولوط وشعيب، وكل الرسل عليهم الصلاة والسلام.. كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} [النساء:64].

وهذه الطاعة التي لا توجد إلا حيث يكون عصيان أعداء الله وعدم طاعتهم، وكبح جماح الشهوات والأهواء، لأن طاعة المسلمين لأعداء الله فيما يخالف دين الله ردة عن دينه.كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران:149].

والاستسلام للشهوات ميل عن صراط الله كبير.. كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27]. واتباع الهوى يختم على القلب ويغلقه، فلا يدخل فيه نور ولا يستقر فيه خير، بل يحرم صاحبه من الهدى ويجعله في زمرة الظالمين. كما قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص:50]. بل إن اتباع الهوى يجعل صاحبه عابداً لهواه متخذ له إلهاً من دون الله.. كما قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [الفرقان:43].
الأساس الرابع: نصح الناس وتبصيرهم بحقائق الأمور

ليكونوا على وعي تام وبصيرة نافذة، بما ينفعهم وما يضرهم في الدنيا والآخرة.
وهذا هو العلم الذي أوجب الله على العلماء نشره بين الناس، وحذر من كتمانه وهو الهدى الذي يعتبر أحد ركني الإسلام اللذين جمعهما الله تعالى في قوله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف:9].

فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق - وهو الركن الثاني - العمل الصالح، وقد بين الله تعالى في كتابه منهاجه الشامل في كتابه، وبينه مفصلا رسوله صَلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} [النحل] وأوجب على علماء هذه الأمة أن يبينوه للناس، وحذر من كتمه متهم بأشد العقاب، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159-160]. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة:174-175].

فقد كلف الله المجاهدين في سبيله والدعاة إليه، أن ينصحوا للناس ويبينوا لهم الهدى ويدعوهم إليه، ويبينوا الضلالة ويحذروهم منها، ومن أعظم ما يجب عليهم بيانه ما يكيد لهم به المنافقون الذين يظهرون لهم حب الخير ويبطنون غيره، ويقودونهم بسبب جهلهم وغفلتهم عن كيدهم ومكرهم، إلى الشقاء في الدنيا والخسران التام في الآخرة. من أجل ذلك عرَّض الدعاة إلى الله أنفسهم للأخطار، ونصحوا لقومهم وصبروا على كل ما نالهم من أذى، فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه - بعد أن دعاهم إلى الله ورموه بالضلال وهو الهادي المهتدي..{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:61-62]. وهذا هود يقول لقومه - وقد دعاهم إلى الله فرموه بالكذب والسفاهة..{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف:68]. وكذلك صالح يتحسر على قومه الذين كفروا به وكذبوه، فأخذهم الله مُبَيِّناً لهم أنه قد أدى ما يجب عليه لهم من النصح..{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:79].
وشعيب دعا قومه فكذبوه، وأقام عليهم الحجة تلو الحجة، فهددوه بإخراجه من أرضه ما لم يترك دينه ويعود في ملتهم، فقال الله عنه - بعد أن أخذهم أخذ عزيز مقتدر: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} [الأعراف:93].
وأمر الله رسوله صَلى الله عليه وسلم أن يبين للناس، أنه يسير على صراط الله المستقيم، فيدعو إلى الله على بصيرة - وكذلك أتباعه - ودعوته على بصيرة تبصر الناس وتعلمهم ما ينفعهم ويصلحهم، وتنبههم على الخطر الذي يضرهم.. قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]. ومن هنا أوجب الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأوجب النصيحة لعباده.

الأساس الخامس: السعي إلى وحدة المسلمين.

وذلك باتخاذ أسباب القضاء على الخلاف والنزاع أو التخفيف منه، لما في الوحدة والاتفاق من مصالح الأمن والاستقرار، والنتاج الاقتصادي والقوة المعنوية والمادية والخير العميم… بخلاف النزاع والشقاق، فإنهما من أهم أسباب قلق الشعوب وعدم استقرارها، ومن أهم الأسباب التي تجلب الفقر والضعف المعنوي والمادي، وغير ذلك من المفاسد التي تعم البلاد والعباد، وتدمر ما بناه الأجيال في قرون طويلة في فترة قصيرة.

ومن أعظم ما يحصل من مصالح الوحدة والاتفاق، تفاهم المتحدين وتقاربهم ومعرفة كل منهم ما عند الآخرين من حق ومصالح، وما عندهم من باطل ومفاسد، ثم ما يتبع ذلك من أخذ الحق ونبذ الباطل، وكذلك معرفتهم جميعاً من يسعى لما فيه نفعهم وصلاحهم..؟ ومن يسعى لإنزال الضرر بهم وإفساد حياتهم..؟ بخلاف ما لو كانوا مختلفين متباعدين، فإنهم إذا أدركت طائفة منهم ذلك لم تدرك الطائفة الأخرى ما أدركت تلك الطائفة، إذ جرت العادة أن يشك الخصم أو يرفض ما عند خصمه دون تأمل أو تبصر إلا ما قل وندر.

لهذا كان من أهم ما يُعنىَ به الدعاة إلى الله الوحدة والاتفاق، والقضاء على النزاع والشقاق، في حدود ما شرعه الله وأذن به سبحانه، مما يتحقق به الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين - هذا القيد يخرج ما يدعو إليه أعداء الله من الولاء للإنسانية المزعومة.. حيث يوالي الإنسانُ الإنسانَ بصرف النظر عن دينه ونظام حياته وسلوكه، لأن الوحدة على هذا الأساس يراد بها الاتفاق على التخلي عن دين الله، الذي يوجب على أهله موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه - وذلك أمر مخالف لشرع الله.. لأن إجماع الناس كلهم علي الباطل ولا سيما الكفر لا يقع، إذ لا بد لدين الله من ناصر، ولا يجوز شرعاً أن الله يكلف عباده المؤمنين بالتمسك بدينهم وموالاة من يصد عنه.

وإذا قرأت قصة شعيب مع قومه، ومحاولته مع أعدائه بأن يتريثوا أو ينتظروا حكم الله الذي يفصل بينهم، وأن يتركوا الشقاق والعراك قبل ذلك.. لمحت من ذلك أنه يريد المهادنة التي قد يتضح فيها الحق الذي قبلته طائفة، للأخرى التي تمسكت بالباطل.. كما قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [الأعراف:87]. ولكنه - وهو يسعى هذا السعي ويدعو هذه الدعوة - يقابل بالكبر والأنفة والصد والصدود: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف:88].
قال سيد قطب رحمه الله: "لقد دعاهم إلى أعدل خطة، ولقد وقف عند آخر نقطة لا يملك أن يتراجع وراءها خطوة: نقطة الانتظار والتريث والتعايش بغير أذى، وترك كل ما اعتنق من دين حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين، ولكن الطواغيت لا يرضيهم أن يكون للإيمان في الأرض وجود ممثل في جماعة من الناس لا تدين للطاغوت". [في ظلال القرآن (8/1318)].

وكل رسل الله عليهم الصلاة والسلام دعوا إلى عدم التفرق في دين الله..كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى:13]. وأمر الله عباده المؤمنين بالائتلاف والاتفاق والتمسك بدينه، ونهاهم عن التفرق وذكرهم بنعمة الله عليهم إذ ألف بين قلوبهم، وقد كانوا أعداء قبل الإسلام.. قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103].

و حرص الرسول صَلى الله عليه وسلم على وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم، غير خاف على طالب العلم، ونصوصه أكثر من أن تحصر وقصة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار تشهد بذلك.

الأساس السادس: الدعوة إلى طاعة القيادة الربانية.
وكذلك تحذيرهم من اتباع القيادة الطاغوتية، والقيادة الربانية هي التي تجعل أمر الله ونهيه منهجها في حياتها، وحياة من ولاها الله عليه.. والقيادة الطاغوتية هي التي تصد الناس عن أمر الله ونهيه وتنصب نفسها لتنفيذ كل ما يحقق رضا الشيطان وهذا الأساس قد يدخل في الأساس الأول والأساس الثالث ولكن إفراده هنا للاهتمام به..لأن طغاة الأرض لا يرضون بوجود القيادة الربانية، وإنما يرضون بل ويدعون ويناضلون لإثبات القيادة الشيطانية، والعراك بين أهل الحق وأهل الباطل مستمر بسبب هذا إلى يوم القيامة.. {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76].

ولعل في التذكير بأهم الأسس التي تقوم عليها عروش الطغاة، وأهم الأسس التي تقوم عليها الدعوة إلى الله، والمقارنة بينها، ما يوضح السبب الذي يجعل عروش الكفر تهتز من سماع الدعوة إلى الله تعالى..

الأساس الأول: الذي تقوم عليه هذه العروش، هو أن تكون مقاليد الحكم بأيديهم، وأن يكون الحكم لهم لا لله.. وأول أساس تقوم عليه الدعوة إلى الله أن يكون الحكم لله وحده.

والأساس الثاني: الذي تقوم عليه عروش الكفر، هو أن يكون طغاتها هم الآلهة للبشر، وأن يكون البشر عبيداً لهم.. أما الأساس الذي تقوم عليه الدعوة إلى الله، فهو لا إله إلا الله أي أن يكون الناس كلهم عبيداً لله وحده وهو الإله الواحد.

الأساس الثالث: الذي تقوم عليه عروش الطغاة، أن تكون أهواؤهم وميولهم وشهواتهم، هي التي تُخضِع النظامَ والقانون ولا تَخضَع له.. أما الأساس الذي تقوم عليه الدعوة إلى الله، فهي الطاعة المطلقة لله تعالى ولرسوله، ولمن ولي أمر المسلمين ممن يقوم فيهم بحكم الله، لا لشهوة نفسه ولا لهواها، والمعصية الكاملة لكل من أراد أن يخضع الناس لشهوته وهواه.

والأساس الرابع: الذي تقوم عليه عروش الطغاة، هو غش الناس وخداعهم وخيانتهم.. أما الأساس الذي تقوم عليه الدعوة إلى الله، فهو نصح الناس وتبصيرهم وتنبيههم على المخاطر التي قد تصيبهم وتعليمهم بكل ما ينفعهم وما يضرهم في الدنيا والآخرة.

والأساس الخامس: الذي تقوم عليه عروش الطغاة، هو إيجاد الفتنة بين الناس وكثرة الأحزاب المختلفة، ليتسنى لهم القضاء على من أرادوا من تلك الأحزاب التي لو اجتمعت لما تمكنوا من تثبيت عروشهم.. أما الأساس الذي تقوم عليه الدعوة إلى الله، فهو الدعوة إلى جمع الكلمة وائتلاف القلوب والوقوف صفا واحداً ضد الباغي.

والأساس السادس: الذي تقوم عليه عروش الطغاة، الإلحاح على الناس باتباع القيادة الكافرة والولاء لها،÷ والتنفير من اتباع القيادة الإسلامية الراشدة والحض على معاداتها.. أما الأساس الذي تقوم عليه الدعوة إلى الله فهي: أن محمدا رسول الله هو القدوة لا غير، إلا من اقتدى به وأمر بأمره ونهى عما نهى عنه. ألا ترى أن طغاة الكفر لا يطيقون وجود الدعاة إلى الله، بسبب أنه لا بقاء لعروشهم إذا نجح الداعية إلى الله في دعوته؟ بلى إنه لكذلك إنهم يريدون الحفاظ على عروشهم، ليسيطروا على الناس ويتسلطوا على رقابهم ويتكبروا عليهم، وكل ذلك لا يحصل لهم إلا إذا غابت الدعوة إلى الله عن عيونهم.

وبذلك يتضح سبب مواقف أعداء الله من أوليائه والدعاة إليه، إنهم يعلمون أنهم طغاة ظلمة مستبدون مستعبدون عباد الله، حاكمون بأهوائهم وشهواتهم، مخادعون غاشون مفرقون كلمة الناس، باثون بينهم الفرقة والخلاف والشقاق، لا حجة لهم مقنعة بتصرفاتهم..وأن الدعاة إلى الله هادون مهتدون، عادلون داعون إلى تحكيم الله في حياة البشر، ناصحون داعون إلى الألفة والمحبة والتعاون، فكيف تكون مواقف هؤلاء الطغاة من أولئك الدعاة؟!

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 04:28 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات