أنكلز القوم!

[منتدى اهل الحديث]

أَنكَلزُ القوم!

صالح الشناط
يُقال إنّ من تعلّم لغةً أخرى فقد مُنحت له حياة أخرى؛ أي أنه إذا تعلم لغتين وعاش ستين عاماً فهو حقيقة قد عاش مائة وعشرون عاماً، فتعلُم اللغة يوسع المدارك، ويفتح الآفاق، ويزيد من الاطلاع والمعلومات. وقد يكون تعلُم بعض اللغات فرض كفاية إذا توقفت عليها مصالح معينة. وفي البخاري عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود، فيقول "حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم كُتبه، وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه". وقال ابن تيمية إن زيداً تعلم اللغة العبرية في ستة عشر يوماً!
ولكن لا ينبغي لأي لغة أن تحل مكان لغتنا الأم، لغة القرآن "بلسان عربي مبين"، "إنا أنزلناه قرآناً عربياً"؛ فالعربية لغة عظيمة كريمة ماتعة، لا ولن ترقى لمكانتها أي لغة من اللغات. فما بال كثير من شبابنا أعرض عنها، فصار يتعمد استخدام التراكيب والمفردات الأجنبية دون حاجة! كان الشاعر فيما مضى يلقي القصيدة تبلغ مائة بيت فيحفظها الناس قبل أن ينصرف، فما بالنا اليوم نعجز عن حفظ أبيات قليلة!

لماذا يستخدم بعض الشباب الألفاظ الأجنبية دون حاجة دنيوية أو دينية؟. ليشعرنا أنه متطور، وراقٍ، ومثقف! أو أنه أنكلز القوم (أكثرهم اتقاناً للأنجليزية) ما هكذا يا سعد تورد الأبل! تراه يكتب بما يسمّى "لغة الانترنت" بحروف أجنبية، ومعانٍ عربية، وإذا لقيك قالHi ، وإذا فارقك قال Good-bye! يفتح السماعة بـ Hello، ويغلقها بـ Thank you . وقد أحسن من قال:

"أوكي" ترددها وقلبك يطرب .. وتلوك من أخواتها ما يُجلبُ
فتقول: "يس" مترنما بجوابها .. وبـ"نو" ترد القول إذ لا ترغب
وتعدّ "ون" مستغنياً عن واحد .. وبـ"تو" تثنّي العدّ حيث تحسبُ
تصف الجديد "نيو" و"أولد" قديمه .. و"بليز" تستجدي بها من تطلب
وإذا تودعنا فـ"باي" وداعنا .. وتصيح "ولكم – هاي" حين ترحب!

ومن الآثار السلبية لهذه الظاهرة تشويه اللغة العربية، حيث بتنا نكتب بـ"لغة الانترنت" معانٍ عربية وأحرف أجنبية!، والابتعاد عن لغتنا الأم، وإضعاف علاقتنا بالقرآن الكريم، فنقرآ بعض الآيات ربما كل يوم ولا ندري معاني بعض ألفاظها إلا من رحم الله، مثل "الصمد"، "الفلق"، "الخناس".
ويرجع استخدام هذه الألفاظ دون حاجة إلى فقدان حسّ الانتماء، وضياع الهوية الثقافية، والتقليد الأعمى لكل ما يأتي من الغرب، وربما الشعور بالنقص، ولا شك أن من أسباب هذه الظاهرة الغزو الثقافي والفكري. فصار حال بعض شبابنا كما قال محمد بن سالم البيحاني:

يدور مع الزجاجة حيث دارت .. ويلبس للسياسة ألف لُبس
وعند الملحدين يُعدّ منهم .. وعن ماركس يحفظ كل درس
وعند الإنجليز يُعدّ منهم .. وفي باريس محسوب فرنسي!

ففي نهاية هذا المقال أحث الشباب وغيرهم على تعلم اللغات، طالما وجدت فيها مصلحة دينية أو دنيوية، ولكن لا يشغلهم ذلك التعلم عن لغتهم الأم لغة القرآن، ولا يكثروا من استخدام آلفاظ وتراكيب اللغات الأخرى دون حاجة.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك