شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى الفقه
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: بدون ترديد الاطفال - مقسم صفحات ثابتة واضحة مصحف الحصري المعلم 604 صفحة كامل المصحف المصور فيديو (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1442 عام 2021 سورة 109 الكافرون (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1442 عام 2021 سورة 097 القدر (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1442 عام 2021 سورة 096 العلق (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1442 عام 2021 سورة 108 الكوثر (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1442 عام 2021 سورة 095 التين (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1442 عام 2021 سورة 107 الماعون (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1442 عام 2021 سورة 106 قريش (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1442 عام 2021 سورة 094 الشرح (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحرم المكي 1442 عام 2021 سورة 093 الضحى (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 05-17-2015, 03:07 AM
منتدى اهل الحديث منتدى اهل الحديث غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 5,969
افتراضي (0100)الجهاد في سبيل الله-عوامل النصر والهزيمة


وفيه تمهيد وسبعة مباحث:

المبحث الأول: التجرد لله، أو القتال لغرض آخر.

المبحث الثاني: قوة الصلة بالله، أو ضعفها.

المبحث الثالث: التوكل على الله، أو الاعتماد على سواه.

المبحث الرابع: الصبر والمصابرة، أو الجزع والانهزام.

المبحث الخامس: العدل، أو الظلم.

المبحث السادس: صحة الولاء، أو فساده.

المبحث السابع: الحذر واليقظة، أو التساهل والغفلة.

تمهيد

لقد وعد الله عباده المؤمنين بالنصر على أعدائه الكافرين، ووعده سبحانه حق لا يتخلف، لكمال صدق أخباره، وكمال قدرته وحكمته عز وجل.

قال تعالى: {ومن أصدق من الله حديثاً}[النساء: 87]. وقال: {ومن أصدق من الله قيلاً}[النساء: 122]. وقال: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين، ثم صدَقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين}[الأنبياء: 7 ـ 9]. وقال تعالى: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويّاً عزيزاً، وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم، وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً، وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطأوها وكان الله على كل شيء قديراً}[الأحزاب: 25ـ27]. وقال تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير}[الحج: 39]. وقال تعالى: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم، ولله جنود السموات والأرض، وكان الله عليما حكيما}[الفتح: 4].

فكمال صدقه وكمال قدرته وكمال حكمته سبحانه تقضي بتحقيق وعده وعدم تخلفه. والآيات القرآنية التي وعد فيها سبحانه عباده المؤمنين على أعدائهم الكافرين بالنصر كثيرة ومتنوعة. منها ما نص الله فيه على أنه يؤيد بنصره من يشاء كقوله تعالى: {والله يؤيد بنصره من يشاء، إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار}[آل عمران: 13]. وقوله: {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم}[الروم: 4ـ5].

ومنها ما ذكر الله فيه طلب عباده المؤمنين نصره إياهم، كقوله تعالى عن نوح عليه السلام: {قال رب انصرني بما كذبون}[المؤمنون: 26]. وقوله عنه أيضاً: {فدعا ربّه أني مغلوب فانتصر}[القمر: 10]. وقوله عن غيره: {قال رب انصرني بما كذبون}[المؤمنون: 39]. وقوله عن الفئة القليلة الغالبة من قوم طالوت: {ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا: ربّنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}[البقرة: 250]. وقوله عن المؤمنين من أمة محمد صَلى الله عليه وسلم: {أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}[البقرة: 286]. وقوله عن أتباع الأنبياء المجاهدين الصابرين: {وما كان قولهم إلا أن قالوا: ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}[آل عمران: 147].

ومنها ما ذكر فيه أنه لا نصر إلا من عنده سبحانه، كقوله تعالى: {وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم}[آل عمران: 126]. وقوله: {وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم، وما النصر إلا من عند الله، إن الله عزيز حكيم}[الأنفال: 10].

ومنها ما وعد فيه عباده من رسله والمؤمنين بالنصر كقوله تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}[غافر: 51]. وقوله: {ولقد سبقت كلمتُنا لعبادنا المرسلين: إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون}[الصافات: 71ـ73].

ومنها ما أمر فيه عباده بالاعتصام به لأنه نعم المولى ونعم النصير: {واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}[الحج: 78].

ومنها ما وعد الله فيه من نصره من عباده بالنصر، كقوله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز}[الحج: 40]. وقوله: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}[محمد: 7].

ومنها ما ذكر فيه أنه لا غالب لمن نصره ولا ناصر لمن خذله، كقوله: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده، وعلى الله فليتوكل المؤمنون}[آل عمران: 160].

ومنها ما ذكر فيه أنه يجازي عباده وأولياءه الذين يقاتلون أعداءه، بالنصر كقوله: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم، ويشف صدور قوم مؤمنين}[التوبة: 14].

ومنها ما نفى فيه مَن ينصر أعداءه الظالمين، كقوله: {وما للظالمين من أنصار}[البقرة: 270]. وقوله: {وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير}[العنكبوت: 22]. وقوله: {وما للظالمين من نصير}[الحج: 71]. وقوله: {والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير}[الشورى: 8]. وقوله: {وما أنتم بمعجزين في الأرض، وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير}[الشورى: 31].

والخلاصة: أن الله سبحانه وعد عباده المؤمنين الذين ينصرون دينه، بالنصر على أعدائه الكافرين، وأن أعداءه الكافرين، لا ناصر لهم من دونه، فمتى وجدت طائفة قوية الإيمان أعدت ما تستطيع من العدة وجاهدت في سبيل الله أعداءه، فإن نصر الله لها محقق لا يتخلف أبداً.

فنصرُ المؤمنين دينَ الله، شرط في نصر الله إياهم - وإن كان سبحانه قادراً على نصرهم بدون ذلك - لأن الذي ينصر دين الله ينجح في ابتلائه إياه، ويكون جديراً بالخلافة في الأرض، وبحمل الأمانة التي كلفه الله إياها، بخلاف الكسالى الذين يخلدون إلى الأرض ويتمنون هزيمة أعداء الله بدون أن يبدلوا الأنفس والأموال، بل يريدون النصر بمجرد انتسابهم إلى الإسلام وأدائهم بعض الشعائر التي لا بذل فيها ولا تضحية، فإنهم لا يستحقون هذا النصر الذي إن حصل لهم لم يقدروه حق قدره، لأنه أتاهم بدون تعب ولا نصب، والذي يغنم شيئا بسهولة لا يستبعد أن يفرط فيما غنم.

لذلك ذكر الله سبحانه أنه لو شاء لانتصر من أعدائه بدون أن يجاهدهم أولياوه، ولكنه لم يشأ ذلك لأن حكمته تقتضي أن يبتلي من ادعى الإيمان بالبذل والتضحية، لينال الصادق ثواب الله وينصره على عدوه بعد أن يبذل جهده بما يدل على صدقه، ويتبين الكاذب بنكوصه وشحه بنفسه وماله، وينهزم أعداء الله وهم يرون أن لدين الله من ينصره في الأرض من البشر، لا بمجرد القضاء الكوني الذي أيد الله به أولياءه.

قال تعالى: {ولو يشاء الله لانتصر منهم، ولكن ليبلو بعضكم ببعض، والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم، سيهديهم ويصلح بالهم، ويدخلهم الجنة عرفها لهم، يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}[محمد: 4ـ7]. وقال تعالى: {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة، والله خبير بما تعملون}[التوبة: 16].

فإذا ما أبطأ نصر الله سبحانه عن عباده، فإن ذلك يدل على عدم استكمالهم شرائط نصره التي لا يستحقونه بدونها، وهي تتلخص في قوة الإيمان، والتجرد لله تعالى، وإعداد العدة المستطاعة للجهاد في سبيل الله، وصفاء الصف الإسلامي من عناصر الفساد، وسيأتي الكلام على هذه الأمور في هذا الفصل وفي غيره من الفصول القادمة إن شاء الله.

وهناك حكمة أخرى في عدم نصر أهل الحق دائما مضافة إلى هذه: قال ابن القيم رحمه الله: "ومنها - أي من حكم وقعة أحد - أن حكمة الله وسنته في رسله وأتباعهم، جرت بأن يدالوا مرة ويدال عليهم أخرى، لكن يكون لهم العاقبة فإنهم لو انتصروا دائما دخل معهم المسلمون وغيرهم، ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انتصروا عليهم دائما لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة، فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين، ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق وما جاؤوا به، ممن يتبعهم على الظهور والغلبة خاصة"[زاد المعاد(2/110].

وقال سيد قطب رحمه الله: "لقد كتب الله على نفسه النصر لأوليائه وحملة رايته وأصحاب عقيدته، ولكنه علق هذا النصر بكمال حقيقة الإيمان في قلوبهم، وباستيفاء مقتضيات الإيمان في تنظيم سلوكهم، وباستكمال العدة التي في طاقتهم، وببذل الجهد الذي في وسعهم، فهذه سنة الله وسنة الله لا تحابي أحداً. فأما حين يقصرون في أحد هذه الأمور، فإن عليهم أن يتقبلوا نتيجة التقصير، فإن كونهم مسلمين، لا يقتضي خرق السنن لهم وإبطال الناموس، فإنما هم مسلمون، لأنهم يطبقون حياتهم كلها على السنن، ويصطلحون بفطرتهم كلها مع الناموس" [في ظلال القرآن(4/513].

إذا تخلف النصر عن طائفة تنتسب إلى الإسلام ولم تكن لها العاقبة، فإن الأمر إذن يختلف؛ لأنها تتسمى باسم الإسلام واسم الإيمان، وهي تفقد معنى كل منهما أولم تقم بتكليفاتهما ومقتضياتهما، وهي بذلك لا تستحق نصر الله الذي وعد به المؤمنين من عباده، لأنه عنى الإيمان الذي أراده والإسلام الذي ارتضاه، لا الإيمان أو الإسلام اللذين تعارف عليهما كثير من الناس بعيداً عن مراد الله من الإيمان والإسلام.

فحقيقة الإيمان في القرآن والسنة وعرف السلف الصالح، وكذلك حقيقة الإسلام، غير حقيقتهما عند كثير من الناس، والله سبحانه إنما علق الأحكام في كتابه وفي سنة رسوله صَلى الله عليه وسلم على الإيمان والإسلام اللذين هما مراده، لا ما اصطلح عليه فيهما كثير من الناس، مما لا يوجد فيه مراد الله، فوعد الله بالنصر للمؤمنين، المراد به المؤمنون حقاً الذين قوي إيمانهم عقيدة وسلوكاً، وصفات المؤمنين في القرآن الكريم والسنة المطهرة هي التي تميز المؤمنين حقا من غيرهم. مثل قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا، وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، أولئك هم المؤمنون حقاً، لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم}[الأنفال: 2ـ4]. وقوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون}[الحجرات: 15] وقوله تعالى: {فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}[النساء: 65]. وقوله: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا، ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً}[النساء: 59ـ61].

وقوله: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً}[النساء: 76]. وقوله: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غيرُ أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما}[النساء: 95]. وقوله: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله واسع عليم، إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون}[المائدة: 54ـ56]. وقوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيفتُلون ويقتلون، وعداً عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم}[التوبة: 111].

وقوله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً}[الأحزاب: 36]. وقوله: {لا تجدُ قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون}[المجادلة: 22].

والذي يستعرض هذه الآيات - وهي قليل من كثير - يجد أن كثيراً من المنتسبين إلى الإسلام يدعون الإيمان وهم عنه بعيدون. نعم قد يكون عند بعضهم الحد الأدنى الذي ينالون به الجنة - ولو بعد العذاب - كمن يخرجه الله من النار ممن في قلبه مثقال حبة من إيمان، أو من يغفر الله له فيدخله الجنة دون عذاب، ولكن هذا شيء والإيمان الذي وعد الله عليه بالنصر شيء آخر.

فالذي لا يخاف الله ولا يزداد إيماناً بتلاوة آياته ولا يتوكل عليه، أو يكون توكله عليه ضعيفاً يجعله يخاف غيره أكثر منه ولا يقيم الصلاة ولا ينفق من رزق الله، لا يكون ممن عناه الله بإطلاق المؤمن في القرآن والسنة، فهو غير موعود بالنصر، والذي ضعف إيمانه حتى وصل إلى الشك، أو لم يجاهد بماله ونفسه في سبيل الله، فهو غير صادق في إيمانه وليس ممن وعده الله بالنصر.

والذي لا يحكم كتاب الله وسنة رسوله في حياته، أو وجد في نفسه حرجاً وضيقاً من حكم الله ولم ترض نفسه أن تسلم لحكم الله، ليس هو المؤمن الذي وعده الله بالنصر، والذي لم يطع الله ورسوله ولم يرد ما تنازع فيه مع غيره إلى كتاب الله وسنة رسوله، وأراد التحاكم إلى غير الله من الطواغيت، وإذا دعي إلى حكم الله ورسوله صد عنهما، كيف يكون من المؤمنين الذين وعدهم الله بالنصر؟ لا بل كيف يكون مؤمناً مجرد إيمان؟

والمؤمن القادر على الجهاد في سبيل الله بنفسه وماله، فقعد لضعف إيمانه لا يكون أهلاً لنصر الله الموعود به.

والذي يدعي الإيمان وهو يتكبر على عباد الله المؤمنين ويخضع لأعداء الله الكافرين، ولا يحب الله ولا رسوله - وعلامة محبتهما طاعتهما وترك معصيتهما - ويقعد عن الجهاد في سبيل الله، ويخاف لوم اللائمين أكثر من خوف الله، ويوالي أعداء الله ويعادي أولياءه، ولا يقيم صلاة ولا يؤتي زكاة، لا يكون من حزب الله الذين وعدهم بالغلب.

والذي لم يعقد صفقة البيع والشراء مع الله فيجاهد بنفسه وماله في سبيل الله ويقتل أو يقتل، ليس هو من ذوي الفوز العظيم الذين وعدهم الله به، والذي يواد من عصي الله وحاده وحاربه، ليس من حزبه المفلحين.

وبهذا يتضح أن أكثر من يدعون الإيمان من هذه الأصناف التي، تستحق الهزائم بدلاً من النصر، لأنها لم تحقق الإيمان الذي أراده الله، وإنما حققت ما يضاده وينافيه أو ينافي كماله الواجب، وليس من حقها أن تطلب من الله ما وعد به غيرها مدعية أنها المعنية بالوعد.

قال ابن تيمية رحمه الله: "وإلا فكثير من الناس لا يصلون لا إلى اليقين، ولا إلى الجهاد، ولو شُكِّكوا لَشَكُّوا، ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كفاراً ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب، ولا عندهم من قوة الحب لله ولرسوله ما يقدمونه على الأهل والمال، وهؤلاء إن عوفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة، وإن ابتلوا بمن يورد عليهم شبهات توجب ريبهم، فإن لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب، وإلا صاروا مرتابين وانتقلوا إلى نوع من النفاق، وكذلك إذا تعين عليهم الجهاد ولم يجاهدوا كانوا من أهل الوعيد...". إلى أن قال: "وهذا حال كثير من المسلمين في زماننا أو أكثرهم إذا ابتلوا بالمحن التي يتضعضع فيها أهل الإيمان، ينقص إيمانهم كثيراً وينافق أكثرهم أو كثير منهم، ومنهم من يظهر الردة إذا كان العدو غالباً، وقد رأينا ورأى غيرنا من هذا ما فيه عبرة، وإذا كانت العافية أو كان المسلمون ظاهرين على عدوهم، كانوا مسلمين وهم مؤمنون بالرسول باطناً وظاهراً، لكن إيماناً لا يثبت على المحنة"[محموع الفتاوى(7/271ـ281].

وما ذكره ابن تيمية رحمه الله يوجد مثله وأعظم منه في كثير من المنتسبين إلى الإسلام في هذا الزمان، وقد توالت عليهم الهزائم وهم يتعجبون ويدهشون. كيف لا ينصرهم الله على عدوهم الكافر، وهم مؤمنون؟ لأنهم لم يعرفوا حقيقة الإيمان التي أرادها الله، وهم يفقدونها ومن ذلك أنهم قد تعين عليهم الجهاد فلم يجاهدوا.. وهل يستحق النصر من فيه هذه الصفة السلبية، فضلاً عن غيرها؟؟

هذا ولا بد من بيان أهم أسباب النصر التي إذا فقدت كان فقدها سبباً للهزيمة.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 02:45 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات