خلع الهازل والغضبان
د. سامح عبدالسلام محمد
خلع الهازل:
• الهازل: هو من يتكلَّم بالكلام من غير قصدٍ لموجبه وحقيقته، بل على وجه اللعب والمزاح[1].
والهازل في خلعه هو من وقَعت منه الصيغة التي يترتب عليها الخُلْع بقصد المزاح واللعب، دون قصدِه للفُرقة؛ كأن تقول له زوجته: أردُّ عليك ما أصدقتَني وأخلعُك، فيقول: خالعتُكِ، قاصدًا مزاحها.
• والرأي أن خلع الهازل يقعُ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثٌ جِدُّهن جِدٌّ، وهزلُهن جِدٌّ: النكاح، والطلاق، والرجعة))[2]، والخُلْع نوع من الطلاق، فيقع من الهازل، ولأن الهازل في الخُلْع أتى بالقول غير ملتزم لحُكمه - أي الأثر المترتب عليه - وترتيب الأحكام على الأسباب للشارع لا للعاقدِ، فإذا أتى بالسبب لزِم حُكمه، شاء أم أبى؛ لأن ذلك لا يقف على اختياره؛ وذلك أن الهازل قاصد للقول، مريدٌ له، مع علمِه بمعناه وموجبِه، وقصدُ اللفظ المتضمن للمعنى قصدٌ لذلك المعنى؛ لتلازُمِهما[3].
وفي القول بوقوع طلاق الهازل وخلعه تأكيدٌ على مكانة الأسرة في الإسلام، وما أحاطها الشارع الحكيم به مِن حفظ وصيانة؛ حيث لم يسمح أن تكون الأسرةُ المسلمة عُرضةً لهزل الهازلين، أو مزاح المازحين.
خلع الغضبان:
• المقصود بالغضبان هنا: الشخص الذي اشتد به الغضبُ حتى أفقده صوابه، فصار لا يعي شيئًا مما يصدُر عنه، فإذا ما استثارت المرأة زوجها، واستشاطت غضبه، وطلبت منه الخُلْع وهو في هذه الحالة فأجابها، فهل يقع خلعه أم لا يقع؟
• قد قرَّر الفقهاء أن طلاق الغضبان لا يقع، فكذا لا يقع خلعه؛ وذلك لأن الغضبان يكون كالمكرَه في انتفاء القصد، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لا طلاق ولا عتاق في إغلاق))[4].
• ومن معاني الإغلاق: الغضب، كما فسره بذلك الإمام الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبو داود، وبعض أئمة المالكية، وهو ما ذكره الإمامُ ابن القيم، ثم يعلِّق فيقول: (وهو من أحسن التفاسير؛ لأن الغضبان غُلِق عليه باب القصد بشدة غضبه، فهو كالمُكرَه، بل الغضبان أَولى بالإغلاق من المكره؛ لأن المكره قد قصد رفع الشر الكثير بالشر القليل الذي هو دونه؛ فهو قاصد حقيقته، ومن هنا أوقع عليه الطلاقَ مَن أوقعه، وأما الغضبان، فإن انغلاق باب القصد والعلم عنه كانغلاقه عن السكران والمجنون، فإن الغضب غول العقل، يغتاله، كما يغتاله الخمر، بل أشد، وهو شعبة من الجنون، ولا يشكُّ فقيهُ النفس في أن هذا لا يقعُ)[5].
• ومن العلماء من يلحق بالغضبان مَن اعترتْه حالة انفعال، بحيث لا يدري ما يقول ويفعل، ويسمى المدهوش، والفارق بينه وبين الغضبان: أن الغضبان هو الذي بلغ به الغضب درجة تختلُّ فيها أقواله وأفعاله وتضطرب، أما المدهوش فهو الذي فقد تمييزه، وقد يكون ذلك من غضب أو غيره[6].
• أما إن لم يصل الغضب بصاحبه إلى حد الإغلاق، بأن كان واعيًا لِما يصدر عنه من أفعال، مدرِكًا لِما يتلفَّظ به من أقوال، فإن خلعه يقع، ولو قلنا بعدم وقوع الخُلْع أو الطلاق في هذه الحالة، لَمَا وقعت الفُرقة من أحد؛ إذ لا يُنهي أحدٌ رباطَ الزَّوجية إلا وهو غاضب من زوجته، كما أنها لا تطلب الخُلْع إلا حال غضبها، وهو ما جاءت الإشارةُ إليه عند الحديث عن طلاق الغضبان في "نيل الأوطار" للشوكاني[7].
• ومن العلماء من قسم الغضب إلى ثلاثة أقسام، كما قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: (والغضب على ثلاثة أقسام، أحدها: ما يزيل العقل، فلا يشعر صاحبه بما قال، وهذا لا يقعُ طلاقه بلا نزاع، الثاني: ما يكون في مباديه، بحيث لا يمنع صاحبَه من تصوُّر ما يقول وقصده، فهذا يقع طلاقه، الثالث: أن يستحكم ويشتد به، فلا يزيل عقله بالكلية، ولكن يحُول بينه وبين نيته، بحيث يندَمُ على ما فرَط منه إذا زال، فهذا محلُّ نظر، وعدم الوقوع في هذه الحالة قويٌّ متَّجِه)[8].
[1] إعلام الموقعين؛ لابن القيم ج 3 ص 123.
[2] رواه ابن ماجه ج 1 ص 658، والحاكم في المستدرك ج 2 ص 216، والترمذي ج 3 ص 490.
[3] إعلام الموقعين؛ لابن القيم ج 3 ص 124.
[4] سنن ابن ماجه ج 1 ص 660، وسنن البيهقي ج 7 ص 357، وسنن الدارقطني ج 4 ص 36.
[5] إعلام الموقعين؛ لابن القيم ج 3 ص 52، 53.
[6] أحكام الأسرة في الإسلام؛ لفضيلة الدكتور/ محمد مصطفى شلبي ص 502.
[7] نيل الأوطار ج 6 ص 279.
[8] زاد المعاد؛ لابن القيم ج 5 ص 214.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك