شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى الفقه
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: مصحف محمد مصطفى الزيات قراءة عاصم رواية شعبه سوره الحاقه (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف محمد مصطفى الزيات روايه الدورى عن ابى عمرو البصرى سورتان الحاقه و القدر (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف محمد مصطفى الزيات سوره القدر روايه إدريس الحداد عن خلف البزار العاشر (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف محمد مصطفى الزيات روايه خلف قراءه حمزه 3 سور القدر و الليل و الشمس برابط واحد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف محمد مصطفى الزيات سورة القدر جمع روايتي البزي و قنبل قراءة ابن كثير (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف محمد مصطفى الزيات سورة الحاقة رواية قالون عن نافع (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف محمد مصطفى الزيات رواية ورش عن نافع 4 سور برابط واحد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: محمد مصطفى الزيات المصحف المجود سورة الفاتحة بجمع القراءات السبعة (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف يوسف شوبان سورة النجم (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: المصحف الواثق بالله مصحف القران مكتوب رواية حفص عن عاصم (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 04-26-2015, 12:56 PM
منتدى اهل الحديث منتدى اهل الحديث غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 5,969
افتراضي (088)الجهاد لفي سبيل الله-الفرع السادس: البعد عن طلب الرئاسة


ومن الصفات التي يجب أن يتحلى بها القائد زهده في الرئاسة على الناس، والتواضع وعدم حب العلو، بل إذا كلف قيادة الجند ممن يجب عليه أن يسمع له ويطيع، أو تعينت عليه لعدم وجود من هو أكفأ منه، قام بها تقرباً إلى الله سبحانه، طالباً منه العون والتوفيق والسداد.

فإن الذي يتطلع لرئاسة الناس ويحب العلو لنفسه، ليس أهلاً لقيادتهم، ولا أهلاً للنجاح، لأنه لا يستحق عون الله سبحانه وتعالى، بل إنه معرض لإفساد مرام الأمة التي يقودها والجيش الذي يتولى إمرته.

لذلك نهى الرسول صَلى الله عليه وسلم عن طلب الإمارة وشدد في النهي، حرصاً على الأمة من أن يطمع في قيادتها طامع لغير طاعة الله، بل لهوى في نفسه، وما كان أصحابه رضِي الله عنهم أهل هوى ولكنه سد الذريعة.

ففي حديث عبد الرحمن ابن سمرة قال: قال النبي صَلى الله عليه وسلم: (يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها)[البخاري رقم(6622) فتح الباري(11/516) ومسلم(3/1456)].

وفي حديث أبي موسى ومعاذ بن جبل رضِي الله عنهما قال أبو موسى: أقبلت إلى النبي صَلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، ورسول الله صَلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل، فقال: (يا أبا موسى) أو (يا عبد الله بن قيس) قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل. فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، فقال: ("لن" أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى…)[البخاري رقم(6923) فتح الباري(12/268) ومسلم(3/1456)].

والإمارة عند المسلمين قربة وعبادة يتقربون بها إلى الله، لنصر دينه وتحقيق مصالح عباده، وليست مغنما من جاه أو منصب أو مال. قال ابن تيمية رحمه الله: "فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال بها.

وقد روى كعب بن مالك عن النبي صَلى الله عليه وسلم: "أنه قال: (ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) قال الترمذي: حديث حسن صحيح، فأخبر أن حرص المرء على المال والرياسة يفسد دينه، مثل أو أكثر من إفساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم"[الفتاوى(28/391) وانظر سنن الترمذي(4/588)]. ولا فرق في طلب الرئاسة بين التصريح والتلويح، فإذا قامت القرائن على أن شخصاً ما يستشرف للقيادة ويحرص عليها، وجب ألا يمكن منها ولو كان طلبه إياها تلويحاً.

ولم يكن أصحاب رسول الله صَلى الله عليه وسلم لا يستشرفون للإمارة، إلا إذا ظهر لهم أنها – فعلاً - تقربهم إلى الله سبحانه وتعالى، وتجلب لهم حبه إياهم وتزيد في حبهم له ولرسوله صَلى الله عليه وسلم، فإنهم حينئذ يتنافسون في الاستشراف لها والتطلع إلى رايتها، وفيها بذل النفس في سبيل الله. كما يتضح من حديث سهل بن سعد رضِي الله عنه، سمع النبي صَلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: (لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه) وفي حديث: سلمة بن الأكوع: (لأعطين الراية غداً) أو(ليأخذن غداً رجل يحب الله ورسوله) أو قال: (يحب الله ورسوله) فقاموا يرجون لذلك أيهم يعطى، فغدوا وكلهم يرجو أن يعطى، فقال: (أين علي)؟ فقيل: يشتكي عينيه… الحديث وفيه: (على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم)[البخاري رقم(2942) فتح الباري(6/111) ومسلم(4/1872)].

ولقد أصبح هذا المبدأ، وهو الزهد في طلب الإمارة -أيّ إمارة-من المبادئ الشاذة في حياة المسلمين، وأصبح الأصل عندهم هو التنافس في الوصول إليها بكل سبب مشروعا أو غير مشروع، ولا فرق بين كافة الإمارات صغيرها وكبيرها، وهانحن نشاهد ثمرات هذا المبدأ المخالف لهدي رسول الله صَلى الله عليه وسلم، من الصراع القاتل بين الأحزاب والجماعات بل بين الحزب الواحد والجماعة الواحدة، وبين الزعماء المتنافسين على الرئاسة في البلد الواحد، من التنازع الشديد بين تلك الزعامات والاقتتال المدمر في بلدان المسلمين، وبخاصة الدول العربية ما يبين الآثار السيئة المترتبة على مخالفة هذا المبدأ الإسلامي الذي أصبح المخالفون له من المسلمين، أشد صراعا من حيوانات الغابات التي يقتل بعضها بعضا!

مشروعية طلب الإمارة إذا تعينت

أما إذا تعينت الإمارة أو القيادة على شخص، بأن كان هو وحده أهلاً لها، وهو يرى أنها لو أسندت إلى غيره لضاعت مصالح المسلمين، ويغلب على ظنه أنه قادر على القيام بها مع خوف الله تعالى وعدم وجود ضرر على الناس، أشد من الضرر الذي يحصل لو وليها غيره أو مساوياً له، فإن له عندئذ أن يلوح بطلبها أو يصرح لتعينها عليه، وقد حمل العلماء طلب يوسف عليه السلام أن يجعله الملك على خزائن الأرض على هذه الحال، وحملوا النهي عن طلب الإمارة على غير ذلك.

قال القرطبي رحمه الله: "ودلت الآية أيضاً على جواز أن يخطب الإنسان عملاً يكون له أهلاً، فإن قيل: فقد روى مسلم عن عبد الرحمن بن سمرة - وذكر الحديث - وعن أبي بردة قال: قال أبو موسى: - وذكر الحديث - وقد تقدما قريباً – قال: "فالجواب: أولاً: أن يوسف عليه السلام إنما طلب الولاية، لأنه علم أنه لا أحد يقوم مقامه في العدل والإصلاح وتوصيل الفقراء إلى حقوقهم، فرأى أن ذلك فرض متعين عليه، فإنه لم يكن هناك غيره، وهكذا الحكم اليوم لو علم إنسان من نفسه أنه يقوم بالحق في القضاء أو الحسبة ولم يكن هناك من يصلح ولا يقوم مقامه، لتعين ذلك عليه ووجب أن يتولاها ويسأل ذلك، ويخبر بصفاته التي يستحقها به من العلم والكفاية وغير ذلك كما قال يوسف عليه السلام"[الجامع لأحكام القرآن(9/215)].

ومعلوم أن يوسف عليه السلام لم يطلب الوظيفة ابتداء، وإنما طلب نوع الوظيفة بعد أن علم رغبة عزيز مصر في اختياره للعمل، فاختار ما رأى الناس في حاجة إليه، وهو تدبير الاقتصاد الذي عبر عنه بـ"خزائن الأرض" .

أما إذا لم يتعين عليه بأن وجد من هو أفضل منه أو من يساويه، فإن عليه أن يشير بمن هو أفضل أو من هو مثله، وأن يجتهد في ذلك حتى لا يولاها غيره ممن ليس مثله في الكفاءة. كما فعل أبو بكر وعمر رضِي الله عنهما في سقيفة بني ساعدة، بعد وفاة رسول الله صَلى الله عليه وسلم، حيث كان كل منهما يدفعها إلى الآخر، حرصاً على ألا يتولاها من هو أقل كفاءة.

كما في حديث عائشة رضِي الله عنها، وفيه: "واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاماً قد أعجبني خشيت ألا يبلغه أبوبكر. ثم تكلم أبوبكر، فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء... فبايعوا عمر أو أبا عبيدة، فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صَلى الله عليه وسلم، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس".[صحيح البخاري رقم الحديث(3668)، فتح الباري(9/19)].

ولقد خسرت الأمة الإسلامية خسارة فادحة، بقوم يلحّون في طلب الإمارة والقيادة، ويبذلون جهوداً مضنية في سبيل الحصول عليها، من أجل العلو في الأرض وابتغاء الرئاسة والمال والجاه، فأفسدوا بذلك الدين والدنيا معاً، وتوالت على المسلمين الهزائم بسبب تساهلهم في هذا الأمر، وتركوا طلاب الرئاسة والعلو والمال والجاه على كراسي قيادتهم، الذين يضحون بدين الأمة ودنياها من أجل إرضاء أهل الكفر الذين يعاونونهم ما داموا كذلك، على البقاء على كراسي القيادة.

وعلى المسلمين أن يتحملوا مسؤولية منحهم السلطة في قيادتهم لمحبيها من هذا النوع، فإن المصائب التي أنزلها الله بهم، والمحن التي ابتلاهم بها، ما هي إلا بسبب ما كسبت أيديهم، ومن يعمل سوءاً يجز به، هذا بالإضافة إلى أن الحريص على القيادة مستعبد لغير الله، لا يرجى منه إلا ذله وهوانه وذل من تبعه.

قال اللواء محمد جمال الدين محفوظ: "والمصدر الثالت من مصادر استعباد الإنسان وذلته، إنما هو وهم الحرص على الوظيفة أو المكانة الاجتماعية، ومن أجل ذلك يسير بعض الناس في هذه الحياة وكل همه الاحتفاظ بوظيفته أو المحافظة على مكانته، فيتزلف ويرائي ويعيش مطأطئ الرأس منحنيا في ذلة وهوان، وتلك نزعة يحاربها الإسلام ويحاول أن يجتثها من جذورها من الوسط المسلم".[المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكرية الإسلامي ص195].

الفرع السابع-إسناد الأمور إلى أهلها

ومن صفات القائد الكفء الصالح، إسناده الأمور إلى أهلها، وأمور الجهاد كثيرة، منها ما يحتاج إلى الرجل القوي الشجاع، الخبير بأساليب الحرب ورجالها وأرضها وأحوال العدو، ومنها ما يحتاج إلى الذي يكون أكثر أمانة من غيره ليكون خازناً للذخائر والسلاح والمؤن، ومنها ما يحتاج إلى الخادم الذي يقوم بخدمة الجنود في طعامهم وشرابهم وتفقد مركوباتهم، ومنها ما يحتاج إلى أطباء يداوون الجرحى، ويقومون بشؤونهم، وهكذا...

وعلى القائد أن يضع كل عامل في مكانه المناسب، ليقوم بما هو أهل له من أنواع الجهاد، والقائد الذي يفعل ذلك يكون ناجحاً في قيادته، يجني ثمرة عمله من إسناد كل أمر إلى من هو أهل له.

وهذا من أهم الأسباب التي حققت للسلف الصالح في القرون الأولى ما كانوا يصبون إليه، من نشر الدعوة وإعلاء كلمة الله في الأرض، لأنهم أدوا هذه الأمانة التي كلفهم الله إياها وما كانوا يحابون فيها قريباً - مهما كانت قرابته - ولا صديقاً - مهما كانت صداقته - ولا من يتوقع منه نفع لهم - مهما كان نفعه - وإنما كانوا يسندون الأمر إلى أهله من أجل رفع كلمة الله.

وقد كان الرسول صَلى الله عليه وسلم يسند الأمر إلى من هو أهل له، ولو كان أقل فضلاً من غيره ممن هم أقل خبرة منه في ذلك الأمر الذي أسنده إليه، كما فعل صَلى الله عليه وسلم في إسناد عمل الجهاد إلى خالد بن الوليد، الذي كان ماهراً في أساليب القتال قبل دخوله الإسلام، وقد رأى صَلى الله عليه وسلم خبرته القتالية وهو يقاتل المسلمين في صفوف أعدائهم المشركين كما في غزوة أحد.

قال ابن تيمية رحمه الله: "فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها، فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة، قدم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضرراً فيها، فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع - وإن كان فيه فجور - على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا، كما سئل الإمام أحمد عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف، مع أيهما يغزى؟ فقال: "أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين فيغزو مع القوي الفاجر"- إلى أن قال-: "وإن لم يكن فاجراً كان أولى بإمارة الحرب ممن هو أصلح منه في الدين إذا لم يسد مسده، ولهذا كان النبي صَلى الله عليه وسلم يستعمل خالد بن الوليد على الحرب منذ أسلم، وقال: (إن خالداً سيف سله الله على المشركين) مع أنه أحياناً قد كان يعمل ما ينكره النبي صَلى الله عليه وسلم، حتى إنه مرة قام، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد) لما أرسله إلى بني جذيمة فقتلهم وأخذ أموالهم بنوع شبهة، ولم يكن يجوز ذلك، وأنكره عليه بعض من معه من الصحابة، حتى وداهم النبي صَلى الله عليه وسلم وضمن أموالهم، ومع هذا فما زال يقدمه في إمارة الحرب، لأنه كان أصلح في هذا الباب من غيره، وفعل ما فعل بنوع تأويل".[مجموع الفتاوى(28/254) وما بعدها.

وحديث (إن خالدا سيف الله) في سير أعلام النبلاء (1/366) الطبقات الكبرى (7/395) والاستيعاب (2/430) وهو في جامع الأصول(9/102) قال المحشي بعد أن ذكر له شواهد: "فهو حديث صحيح بشواهده.." وحديث: (اللهم إني أبرأ إليك من خالد في صحيح البخاري رقم (4339) فتح الباري(8/56)]

وهكذا فعل أبو بكر بعد رسول الله صَلى الله عليه وسلم في استعمال خالد على أمور الحرب. وعزله عمر رضِي الله عنه لاجتهاد منه ندم عليه فيما بعد. قال ابن كثير رحمه الله: "بعد أن أبلى خالد في موقعة قنسرين وفتحها الله عليه، قال عمر: يرحم الله أبا بكر كان أعلم بالرجال مني، والله إني لم أعزله عن ريبة، ولكن خشيت أن يوكل الناس إليه"[البداية والنهاية(7/53)، وراجع مجموع الفتاوى(28/275)].

وإسناد الأمور إلى غير أهلها خيانة يترتب عليها الفشل واضطراب الحال وانتشار الظلم، وقد دلت التجارب في تاريخ البشر على ذلك، فما أسند أمر إلى غير أهله، إلا ساءت أحوال ذلك الأمر، وأصيب الناس بما يضرهم، وعرفوا قدر حاجتهم إلى الكفء الذي حرموه، وظهرت شكاواهم من مشكلا غير الكفء التي تواجههم بسبب ذلك.

لذلك حث القرآن الكريم المسلمين على أداء الأمانات التي منها إسناد الأمور إلى أهلها، كما قال تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}[النساء: 58].

وحضت السنة النبوية عليه كذلك، كما قال النبي صَلى الله عليه وسلم لأبي ذر في الإمارة: (إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)[مسلم(3/1457)].

وفي حديث أبي هريرة رضِي الله عنه: أن النبي صَلى الله عليه وسلم قال: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) قيل: يا رسول الله وما إضاعتها؟ قال: (إذ وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)[البخاري رقم(59) فتح الباري(1/141)].

وقال ابن تيمية رحمه الله: "فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما، أو ولاء عتاقه أو صداقة، أو مرافقة في بلد أو مذهب، أو طريقة، أو جنس، كالعربية والفارسية والتركية والرومية، أو لرشوة يأخذها منه، من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق أو عداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل فيما نهى عنه في قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}[مجموع الفتاوى(28/248) والآية في الأنفال: 27].

والقائد الذي يسند الأمور إلى غير أهلها، مع وجود من هو أهل لها، يكفيه ذلك دلالة على أنه قائد فاشل ليس أهلاً للقيادة، إما لضعفه وعدم معرفة وظيفته ورجالها الذين هم قادرون على تحقيقها، وإما لفشله وخيانته التي تجعله غيرموتمن على مصالح الأمة عند العقلاء من الناس، أو لهما معاً: ضعفه وخيانته.

ولقد نكبت الأمة الإسلامية بقادة يحاربون كتاب الله وسنة رسوله صَلى الله عليه وسلم، ويولون أعواناً لتلك المحاربة ممن تعتبر ولايتهم في أي عمل من الأعمال، وبالاً على الأمة، بجهلهم بما يولون عليه، أوبضعفهم الذي لا يقدرون معه على القيام بما ينفع، أوبخيانتهم، وهذه الصفات الهدامة هي التي جعلتهم عند قادتهم أهلاً للولاية، لأنهم ينفذون لهم أوامرهم ورغائبهم، ولو كان في ذلك ما يسخط الله ويضيع الشعوب ويلقي بها إلى التهلكة، لعلمهم بأن الخبير الأمين القوي، لا يمكن أن يستجيب لما يبتغون منه من خيانة وغش، لأن خبرته وأمانته وقوته، تمنعه من تنفيذ ذلك وتدفعه إلى معارضته وإنكاره، ومن تلك الولايات قيادات كثير من الجيوش التي أسندت إلى غير أهلها ممن أضاعوا البلاد والعباد، التي أصبحت تحت سيطرة أعداء الله من الكفار عن طريق الاحتلال المسلح فعلاً، أو خاضعة خضوعاً مزرياً لهم، وكأن أولئك القادة، ما هم إلا سرايا من جيوش الكفر تحرس له الشعوب التي ينتمون إليها، من أن تنفض عنها غبار الذلة والمهانة، فترفع المصحف في يمينها والمدفع في يسارها ملبية نداء ربها، لرفع راية الإسلام في الأرض كلها.

والمتأمل في حال أكثر جيوش الشعوب الإسلامية، يدرك أنها لم تحظ بقادة جهاد يطلبون الموت في سبيل الله لرفع رايته، وإنما هم حراس حكام رفعهم على كراسي الحكم أعداء الإسلام من كفرة اليهود والنصارى والشيوعيين، لتحقيق أهداف الكفر بتلك الجيوش.

والقائد المسلم الذي يسند الأمر إلى أهله هدفه أن يحقق في الأرض العبودية الكاملة لله وحده وتحطيم الطواغيت الذين يبتغون العلو في الأرض، وجعل الناس عبيداً لهم من دون الله.
كما قال ابن تيمية رحمه الله: "وجميع الولايات الإسلامية، إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى مثل نيابة السلطنة، والصغرى مثل ولاية الشرطة، وولاية المال وهي ولاية الدواوين المالية، وولاية الحسبة".[مجموع الفتاوى(28/66)].

بخلاف قادة الشهوات ومحبي العلو في الأرض، فإنهم يسندون الأمر إلى غير أهله، ليكون عبداً لهم يحقق لهم غايتهم ويعينهم على ظلمهم ومعاصيهم، ومع ذلك فإنهم - أي أولئك القادة - يكونون عبيداً لمن ولوهم، لأنهم يرجون منهم تحقيق رغباتهم ويخافون أن يفضحوهم أو يقفوا ضدهم مع غيرهم.

قال ابن تيمية رحمه الله: "وكذلك طالب الرياسة والعلو في الأرض، قلبه رقيق لمن يعينه عليها، ولو كان في الظاهر مقدمهم والمطاع فيهم، فهو في الحقيقة يرجوهم ويخافهم، فيبذل لهم الأموال والولايات، ويعفو عما يجترحونه ليطيعوه ويعينوه، فهو في الظاهر رئيس مطاع وفي الحقيقة عبد مطيع لهم. والتحقيق أن كلاهما [كذا والصواب: كليهما، لأن كلا وكلتا إذا إضيفتا إلى الضمير تعربان إعراب المثنى] فيه عبودية للآخر وكلاهما[والصواب: كليهما.. تقدم..] تارك لحقيقة عبادة الله، وإذا كان تعاونهما على العلو في الأرض بغير الحق كانا بمنزلة المتعاونين على الفاحشة أو قطع الطريق، فكل واحد من الشخصين لهواه الذي استعبده واسترقه مستعبد للآخر".[كتاب العبودية، طبع المكتب الإسلامي، بيروت، ص 101].

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 11:32 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات