|
09-19-2015, 01:44 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 377,285
|
|
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 99)
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 98)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showth...32#post2194632
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ
فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ , أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ صَفَرٍ , عَنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً .
وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ : سَنَتَيْنِ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ .
وَهُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ , الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ , أَبُو أَيُّوبَ .
كَانَ مَوْلِدُهُ بِالْمَدِينَةِ فِي بَنِي جَزِيلَةَ , وَنَشَأَ بِالشَّامِ عِنْدَ أَبِيهِ
فَلَمَّا مَاتَ أَبُوهُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ , وَصَارَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى أَخِيهِ الْوَلِيدِ , كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالْوَزِيرِ وَالْمُشِيرِ , وَكَانَ هُوَ الْمُسْتَحِثَّ عَلَى عِمَارَةِ جَامِعِ دِمَشْقَ
فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَخُوهُ الْوَلِيدُ يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ , وَكَانَ سُلَيْمَانُ بِالرَّمْلَةِ , فَلَمَّا أَقْبَلَ تَلَقَّاهُ الْأُمَرَاءُ وَوُجُوهُ النَّاسِ .
وَقِيلَ : إِنَّهُمْ سَارُوا إِلَيْهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَبَايَعُوهُ هُنَاكَ .
وَعَزَمَ سُلَيْمَانُ عَلَى الْإِقَامَةِ بِالْقُدْسِ , وَأَتَتْهُ الْوُفُودُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَلَمْ يَرَوْا وِفَادَةً , فَكَانَ يَجْلِسُ فِي قُبَّةٍ فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ مِمَّا يَلِي الصَّخْرَةَ مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ , وَتَجْلِسُ أَكَابِرُ النَّاسِ عَلَى الْكَرَاسِيِّ وَتُقَسَّمُ فِيهِمُ الْأَمْوَالُ , ثُمَّ عَزَمَ عَلَى الْمَجِيءِ إِلَى دِمَشْقَ فَدَخَلَهَا ، وَكَمَّلَ عِمَارَةَ الْجَامِعِ .
وَاتَّخَذَ سُلَيْمَانُ ابْنَ عَمِّهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُسْتَشَارًا وَوَزِيرًا , وَقَالَ لَهُ : إِنَّا قَدْ وُلِّينَا مَا تَرَى , وَلَيْسَ لَنَا عِلْمٌ بِتَدْبِيرِهِ , فَمَا رَأَيْتَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَمُرْ بِهِ فَلْيُكْتَبْ .
فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ : عَزْلُ نُوَّابِ الْحَجَّاجِ , وَإِخْرَاجُ أَهْلِ السُّجُونِ مِنْهَا , وَإِطْلَاقُ الْأُسَرَاءِ , وَبَذْلُ الْأَعْطِيَةِ بِالْعِرَاقِ , وَرَدُّ الصَّلَاةِ إِلَى مِيقَاتِهَا الْأَوَّلِ , بَعْدَمَا كَانَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ يُؤَخِّرُونَهَا إِلَى آخَرِ وَقْتِهَا , مَعَ أُمُورٍ حَسَنَةٍ كَانَ يَسْمَعُهَا مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَكَانَ سُلَيْمَانُ فَصِيحًا بَلِيغًا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ , وَيَرْجِعُ إِلَى دِينٍ وَخَيْرٍ وَمَحَبَّةٍ لِلْحَقِّ وَأَهْلِهِ , وَاتِّبَاعِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ , وَإِظْهَارِ الشَّرَائِعِ الْإِسْلَامِيَّةِ , رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَكَانَ مُؤْثِرًا لِلْعَدْلِ ، مُحِبًّا لِلْغَزْوِ , أَمَرَ بِغَزْوِ مَدِينَةِ الرُّومِ الْعُظْمَى الْمُسَمَّاةُ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ ، وَبَعَثَ إِلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَالْمَوْصِلِ فِي الْبَرِّ نَحْوًا مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ , وَبَعَثَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَإِفْرِيقِيَّةَ أَلْفَ مَرْكَبٍ فِي الْبَحْرِ , عَلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ , وَعَلَى جَمَاعَةِ النَّاسِ كُلِّهِمْ أَخُوهُ مَسْلَمَةُ ، وَمَعَهُ ابْنُهُ دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ , فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ .
وَذَلِكَ كُلُّهُ عَنْ مَشُورَةِ مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ , حِينَ قَدِمَ فِي أَيَّامِ أَخِيهِ الْوَلِيدِ عَلَيْهِ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ .
وَكَانَ قَدْ أَقْسَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ حِينَ خَرَجَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى مَرْجِ دَابِقٍ - وَدَابِقٌ قَرِيبَةٌ مِنْ بِلَادِ حَلَبٍ ، وَقَدْ جُهِّزَتِ الْجُيُوشُ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ - أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَى دِمَشْقَ حَتَّى تُفْتَحَ أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ ذَلِكَ , فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ .
فَحَصَلَ لَهُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ أَجْرُ الرِّبَاطِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , فَهُوَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , مِمَّنْ يُجْرَى لَهُ ثَوَابُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ شَرَاحِيلَ بْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ قَيْسٍ الْعُقَيْلِيِّ مَا مَضْمُونُهُ : أَنَّ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمَّا ضَيَّقَ بِمُحَاصَرَتِهِ عَلَى أَهْلِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَتَتَبَّعَ الْمَسَالِكَ , وَاسْتَحْوَذَ عَلَى أَكْثَرِ مَا هُنَالِكَ مِنَ الْمَمَالِكِ
كَتَبَ إِلْيُونُ مَلِكُ الرُّومِ ( الخائن ) إِلَى مَلِكِ الْبُرْجَانِ يَسْتَنْصِرُهُ عَلَى مَسْلَمَةَ , وَيَقُولُ : إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَيْسَ لَهُمْ هِمَّةٌ إِلَّا فِي الدَّعْوَةِ إِلَى دِينِهِمْ , الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ , وَإِنَّهُمْ مَتَى فَرَغُوا مِنِّي خَلَصُوا إِلَيْكَ , فَمَهْمَا كُنْتَ صَانِعًا حِينَئِذٍ فَاصْنَعْهُ الْآنَ .
فَعِنْدَ ذَلِكَ شَرَعَ مَلِكُ الْبُرْجَانِ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ , فَكَتَبَ إِلَى مَسْلَمَةَ يَقُولُ لَهُ : إِنَّ إِلْيُونَ كَتَبَ إِلَيَّ يَسْتَنْصِرُنِي عَلَيْكَ , وَأَنَا مَعَكَ ، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ
فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَسْلَمَةُ : إِنِّي لَا أُرِيدُ مِنْكَ رِجَالًا وَلَا عُدَدًا ، وَلَكِنْ أَرْسِلْ إِلَيَّ بِالْمِيرَةِ ( الطعام ) فَقَدْ قَلَّ مَا عِنْدَنَا مِنَ الْأَزْوَادِ .
فَكَتَبَ إِلَيْهِ : إِنِّي قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ بِسُوقٍ عَظِيمَةٍ إِلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا , فَأَرْسِلْ مَنْ يَتَسَلَّمُهَا وَيَشْتَرِي مِنْهَا .
فَأَذِنَ مَسْلَمَةُ لِمَنْ شَاءَ مِنَ الْجَيْشِ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ ، فَيَشْتَرِي لَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ
فَذَهَبَ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، فَوَجَدُوا هُنَالِكَ سُوقًا هَائِلَةً , فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَضَائِعِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْأَطْعِمَةِ , فَأَقْبَلُوا يَشْتَرُونَ , وَاشْتَغَلُوا بِذَلِكَ , وَلَا يَشْعُرُونَ بِمَا أَرْصَدَ لَهُمُ الْخَبِيثُ مِنَ الْكَمَائِنِ بَيْنَ تِلْكَ الْجِبَالِ الَّتِي هُنَالِكَ
فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ الْبُرْجَانُ بَغْتَةً , فَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَسَرُوا آخَرِينَ , وَمَا رَجَعَ إِلَى مَسْلَمَةَ إِلَّا الْقَلِيلُ مِنْهُمْ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
فَكَتَبَ مَسْلَمَةُ بِذَلِكَ إِلَى أَخِيهِ سُلَيْمَانَ يُخْبِرُهُ بِمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ
فَأَرْسَلَ سُلَيْمَانُ جَيْشًا كَثِيفًا صُحْبَةَ شَرَاحِيلَ بْنِ عُبَيْدَةَ هَذَا , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَعْبُرُوا خَلِيجَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ أَوَّلًا فَيُقَاتِلُوا مَلِكَ الْبُرْجَانِ , ثُمَّ يَعُودُوا إِلَى مَسْلَمَةَ
فَذَهَبُوا إِلَى بِلَادِ الْبُرْجَانِ ، وَقَطَعُوا إِلَيْهِمْ تِلْكَ الْخُلْجَانِ ، فَاقْتَتَلُوا مَعَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا , فَهَزَمَهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِإِذْنِ اللَّهِ , وَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً , وَسَبَوْا وَأَسَرُوا خَلْقًا كَثِيرًا , وَخَلَّصُوا أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ , ثُمَّ تَحَيَّزُوا إِلَى مَسْلَمَةَ , فَكَانُوا عِنْدَهُ حَتَّى اسْتَقْدَمَ الْجَمِيعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز , خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنْ غَائِلَةِ الرُّومِ وَبِلَادِهِمْ , وَمِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ , وَقَدْ كَانَ لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ هُنَالِكَ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ . أَثَابَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ : يَرْحَمُ اللَّهُ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ , افْتَتَحَ خِلَافَتَهُ بِخَيْرٍ , وَخَتَمَهَا بِخَيْرٍ , افْتَتَحَهَا بِإِحْيَائِهِ الصَّلَاةَ لِمَوَاقِيتِهَا , وَخَتَمَهَا بِاسْتِخْلَافِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ .
وقَدْ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ أَنَّهُ حَجَّ بِالنَّاسِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَهُوَ خَلِيفَةٌ .
قَالَ الشَّعْبِيُّ : حَجَّ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ , فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ بِالْمَوْسِمِ , قَالَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : أَلَا تَرَى هَذَا الْخَلْقَ الَّذِي لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ , وَلَا يَسَعُ رِزْقَهُمْ غِيْرُهُ ؟
فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , هَؤُلَاءِ رَعِيَّتُكَ الْيَوْمَ , وَهُمْ غَدًا خُصَمَاؤُكَ .
فَبَكَى سُلَيْمَانُ بُكَاءً شَدِيدًا , ثُمَّ قَالَ : بِاللَّهِ أَسْتَعِينُ .
وَسَمِعَ سُلَيْمَانُ لَيْلَةً صَوْتَ غِنَاءٍ فِي مُعَسْكَرِهِ , فَلَمْ يَزَلْ يَفْحَصُ حَتَّى أَتَى بِهِمْ , فَقَالَ سُلَيْمَانُ : إِنَّ الْفَرَسَ لَيَصْهَلُ ، فَتَسْتَوْدِقُ لَهُ الرَّمَكَةُ ( تثور شهوة أنثى الخيل من صهيل الفرس )
وَإِنَّ الْجَمَلَ لَيَخْطِرُ ، فَتَضْبَعُ لَهُ النَّاقَةُ
وَإِنَّ التَّيْسَ لَيَنِبُّ , فَكَشَرَتْ لَهُ الْعَنْزُ
وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَغَنَّى ، فَتَشْتَاقُ لَهُ الْمَرْأَةُ , ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ لِيَخْصُوَهُمْ .
فَقَالَ عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , إِنَّهَا مُثْلَةٌ .
فَتَرَكَهُمْ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى سُلَيْمَانَ
فَدَعَاهُ إِلَى أَكْلِ الْفَالُوذَجِ , وَقَالَ لَهُ : إِنَّ أَكْلَهَا يَزِيدُ فِي الدِّمَاغِ .
فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : لَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَأْسُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَ رَأْسِ الْبَغْلِ .
وَذَكَرُوا أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ نَهِمًا فِي الْأَكْلِ , وَقَدْ نَقَلُوا عَنْهُ أَشْيَاءَ فِي ذَلِكَ غَرِيبَةً
وَذَكَرَ الْفَضْلُ بْنُ الْمُهَلَّبِ وَغَيْرُهُ , أَنَّهُ لَبِسَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ حُلَّةً صَفْرَاءَ , ثُمَّ نَزَعَهَا وَلَبِسَ بَدَلَهَا حُلَّةً خَضْرَاءَ , وَاعْتَمَّ بِعِمَامَةٍ خَضْرَاءَ , وَجَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ أَخْضَرَ , وَقَدْ بُسِطَ مَا حَوْلَهُ بِالْخُضْرَةِ , ثُمَّ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ فَأَعْجَبَهُ حُسْنُهُ , وَشَمَّرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَقَالَ : أَنَا الْخَلِيفَةُ الشَّابُّ .
وَقِيلَ : إِنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ مِنْ فَرْقِهِ إِلَى قَدَمِهِ وَيَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ الشَّابُّ .
قَالُوا : فَمَا دَارَ عَلَيْهِ شَهْرٌ ، وَفِي رِوَايَةٍ : جُمُعَةٌ ، حَتَّى مَاتَ .
قَالُوا : وَجَعَلَ يَلْهَجُ فِي مَرَضِهِ وَيَقُولُ :
إِنْ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صِغَارُ . . . أَفْلَحَ مَنْ كَانَ لَهُ كِبَارُ
فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ : أَسْأَلُكَ مُنْقَلَبًا كَرِيمًا . ثُمَّ قَضَى .
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ ، وَكَانَ وَزِيرَ صِدْقٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ ، قَالَ : اسْتَشَارَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ مَرِيضٌ أَنْ يُوَلِّيَ ابْنًا لَهُ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ
فَقُلْتُ : إِنَّ مِمَّا يَحْفَظُ الْخَلِيفَةَ فِي قَبْرِهِ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِهِ الرَّجُلَ الصَّالِحَ
ثُمَّ شَاوَرَنِي سُلَيْمَانُ فِي وِلَايَةِ ابْنِهِ دَاوُدَ
فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّهُ غَائِبٌ عَنْكَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ , وَلَا تَدْرِي أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ ؟
فَقَالَ : فَمَنْ تَرَى ؟ ,
فَقُلْتُ : رَأْيَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ .
قَالَ : كَيْفَ تَرَى فِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ؟
فَقُلْتُ : أَعْلَمُهُ وَاللَّهِ خَيِّرًا فَاضِلًا مُسْلِمًا .
فَقَالَ : هُوَ وَاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ , وَلَكِنْ أَتَخَوَّفُ إِخْوَتِي لَا يَرْضُونَ بِذَلِكَ .
فَأَشَارَ رَجَاءٌ أَنْ يَجْعَلَ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلِيَّ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، لِيُرْضِيَ بِذَلِكَ بَنِي مَرْوَانَ
فَكَتَبَ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , هَذَا كِتَابٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ سُلَيْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , إِنِّي قَدْ وَلَّيْتُكَ الْخِلَافَةَ مِنْ بَعْدِي , وَمِنْ بَعْدِهِ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ , فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا , وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تَخْتَلِفُوا فَيُطْمَعَ فِيكُمْ .
وَخَتَمَ الْكِتَابَ ، وَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ حَامِدٍ الْعَبْسِيِّ صَاحِبِ الشُّرَطَةِ , فَقَالَ لَهُ : اجْمَعْ أَهْلَ بَيْتِي , فَمُرْهُمْ فَلْيُبَايِعُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مَخْتُومًا , فَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ
فَاجْتَمَعُوا , وَدَخَلَ رِجَالٌ مِنْهُمْ فَسَلَّمُوا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
فَقَالَ لَهُمْ : هَذَا الْكِتَابُ عَهْدِي إِلَيْكُمْ ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ، وَبَايِعُوا مَنْ وَلَّيْتُ فِيهِ .
فَبَايَعُوا رَجُلًا رَجُلًا .
قَالَ رَجَاءٌ : فَلَمَّا تَفَرَّقُوا ، جَاءَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَحُرْمَتِي وَمَوَدَّتِي إِلَّا أَعْلَمْتَنِي إِنْ كَانَ كَتَبَ لِي ذَلِكَ حَتَّى أَسْتَعْفِيَهُ الْآنَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ حَالٌ لَا أَقْدِرُ فِيهَا عَلَى مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ السَّاعَةَ !
فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَا أُخْبِرُكَ حَرْفًا وَاحِدًا .
قَالَ : وَلَقِيَنِي هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ : يَا رَجَاءُ , إِنَّ لِي بِكَ حُرْمَةً وَمَوَدَّةً قَدِيمَةً , فَأَخْبِرْنِي هَذَا الْأَمْرَ , فَإِنْ كَانَ إِلَيَّ عَلِمْتُ , وَإِنْ كَانَ إِلَى غَيْرِي تَكَلَّمْتُ , فَمَا مِثْلِي قُصِّرَ بِهِ .
فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَا أُخْبِرُكَ حَرْفًا وَاحِدًا مِمَّا أَسَرَّ إِلَيَّ .
قَالَ رَجَاءٌ : وَدَخَلْتُ عَلَى سُلَيْمَانَ , فَإِذَا هُوَ يَمُوتُ , فَجَعَلْتُ إِذَا أَخَذَتْهُ السَّكْرَةُ مِنْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ أَحُرِّفُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ , فَإِذَا أَفَاقَ يَقُولُ : لَمْ يَأْنِ ذَلِكَ بَعْدُ يَا رَجَاءُ . فَفَعَلْتُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ , فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ قَالَ : مِنَ الْآنَ يَا رَجَاءُ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ شَيْئًا , أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , قَالَ : فَحَرَّفْتُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَمَاتَ , فَغَطَّيْتُهُ بِقَطِيفَةٍ خَضْرَاءَ , وَأَغْلَقْتُ الْبَابَ عَلَيْهِ , وَأَرْسَلْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ حَامِدٍ , فَجَمَعَ النَّاسَ فِي مَسْجِدِ دَابِقٍ فَقُلْتُ : بَايِعُوا لِمَنْ فِي هَذَا الْكِتَابِ .
فَقَالُوا : قَدْ بَايَعْنَا .
فَقُلْتُ : بَايِعُوا ثَانِيَةً .
فَفَعَلُوا
ثُمَّ قُلْتُ : قُومُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ فَقَدْ مَاتَ ، وَقَرَأْتُ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ , فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى ذِكْرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , تَغَيَّرَتْ وُجُوهُ بَنِي مَرْوَانَ , فَلَمَّا قَرَأْتُ : وَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ بَعْدِهِ , تَرَاجَعُوا بَعْضَ الشَّيْءِ
وَنَادَى هِشَامٌ : لَا نُبَايِعُهُ أَبَدًا .
فَقُلْتُ : أَضْرِبُ وَاللَّهِ عُنُقَكَ , قُمْ فَبَايِعْ .
وَنَهَضَ النَّاسُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ
فَلَمَّا تَحَقَّقَ ذَلِكَ قَالَ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، وَلَمْ تَحْمِلْهُ رِجْلَاهُ حَتَّى أَخَذُوا بِضَبْعَيْهِ , فَأَصْعَدُوهُ عَلَى الْمِنْبَرِ , فَسَكَتَ حِينًا
فَقَالَ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ : أَلَا تَقُومُونَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَتُبَايِعُوهُ !
فَنَهَضَ الْقَوْمُ فَبَايَعُوهُ
ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ هِشَامٌ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ لِيُبَايِعَ وَهُوَ يَقُولُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
فَقَالَ عُمَرُ : نَعَمْ ! إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ , الَّذِي صِرْتُ أَنَا وَأَنْتَ نَتَنَازَعُ هَذَا الْأَمْرَ .
ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ خُطْبَةً بَلِيغَةً , فَكَانَ مِمَّا قَالَ فِي خُطْبَتِهِ : أَيُّهَا النَّاسُ ، لَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ ، وَلَكِنِّي مُتَّبِعٌ , وَإِنَّ مَنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَمْصَارِ وَالْمُدُنِ إِنْ هُمْ أَطَاعُوا كَمَا أَطَعْتُمْ ، فَأَنَا وَالِيكُمْ , وَإِنْ هُمْ أَبَوْا ، فَلَسْتُ لَكُمْ بِوَالٍ . ثُمَّ نَزَلَ .
فَشَرَعُوا فِي جِهَازِ سُلَيْمَانَ .
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : فَلَمْ يَفْرَغُوا مِنْهُ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ , فَصَلَّى عُمَرُ بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى سُلَيْمَانَ وَدُفِنَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ , فَلَمَّا انْصَرَفَ عُمَرُ أُتِيَ بِمَرَاكِبِ الْخِلَافَةِ ، فَلَمْ يَرْكَبْهَا , وَرَكِبَ دَابَّتَهُ , ثُمَّ سَارَ مَعَ النَّاسِ حَتَّى أَتَوْا دِمَشْقَ ، فَمَالُوا بِهِ نَحْوَ دَارِ الْخِلَافَةِ
فَقَالَ : لَا أَنْزِلُ إِلَّا فِي مَنْزِلِي حَتَّى تَفْرُغَ دَارُ أَبِي أَيُّوبَ
فَاسْتُحْسِنَ ذَلِكَ مِنْهُ
ثُمَّ اسْتَدْعَى عُمَرُ بِالْكَاتِبِ , فَجَعَلَ يُمْلِي عَلَيْهِ نُسْخَةَ الْكِتَابِ الَّذِي يُبَايِعُ عَلَيْهِ الْأَمْصَارَ
قَالَ رَجَاءٌ : فَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ .
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|
|
|