|
06-24-2015, 07:02 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 377,285
|
|
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 73)
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 72)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=352952
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ
فِيهَا كَانَ مَقْتَلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى يَدَيِ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ
وعَنْ نَافِعٍ مَوْلَى بَنِي أَسَدٍ - وَكَانَ عَالِمًا بِفِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - قَالَ : حُصِرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لَيْلَةَ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ سِنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ , وَقُتِلَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ .
فَكَانَ حَصْرُ الْحَجَّاجِ لَهُ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ , وَسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَجَّاجَ حَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْخَارِجَةِ , وَكَانَ فِي الْحَجِّ ابْنُ عُمَرَ
وَقَدْ كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ يَأْتَمَّ بِابْنِ عُمَرَ فِي الْمَنَاسِكِ , كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " .
فَلَمَّا اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ , اسْتَهَلَّتْ وَأَهْلُ الشَّامِ مُحَاصِرُونَ أَهْلَ مَكَّةَ , وَقَدْ نَصَبَ الْحَجَّاجُ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى مَكَّةَ ; لِيَحْصُرَ أَهْلَهَا , حَتَّى يَخْرُجُوا إِلَى الْأَمَانِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ , وَكَانَ مَعَ الْحَجَّاجِ خَلْقٌ قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ , فَجَعَلُوا يَرْمُونَ بِالْمَنْجَنِيقِ , فَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا , وَكَانَ مَعَهُ خَمْسُ مَجَانِيقَ , فَأَلَحَّ عَلَيْهَا بِالرَّمْيِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ , وَحَبَسَ عَنْهُمُ الْمِيرَةَ ( إمدادات الطعام )
فَجَاعُوا , وَكَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ
وَجَعَلَتِ الْحِجَارَةُ تَقَعُ فِي الْكَعْبَةِ , وَالْحَجَّاجُ يَصِيحُ بِأَصْحَابِهِ : يَا أَهْلَ الشَّامِ , اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّاعَةِ !
فَكَانُوا يَحْمِلُونَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ حَتَّى يُقَالَ : إِنَّهُمْ آخِذُوهُ فِي هَذِهِ الشَّدَّةِ
فَيَشُدُّ عَلَيْهِمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ , حَتَّى يُخْرِجَهُمْ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ
ثُمَّ يَكُرُّونَ عَلَيْهِ
فَيَشُدُّ عَلَيْهِمْ ; فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا , وَقَتَلَ يَوْمَئِذٍ جَمَاعَةً مِنْهُمْ وَهُوَ يَقُولُ : خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْحَوَارِيِّ .
وَقِيلَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ : أَلَا تُكَلِّمُهُمْ فِي الصُّلْحِ ؟
فَقَالَ : وَاللَّهِ لَوْ وَجَدُوكُمْ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ لَذَبَحُوكُمْ جَمِيعًا , وَاللَّهِ لَا أَسْأَلُهُمْ صُلْحًا أَبَدًا .
وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُمْ لَمَّا رُمُوا بِالْمَنْجَنِيقِ , جَاءَتِ الصَّوَاعِقُ وَالْبُرُوقُ وَالرُّعُودُ , حَتَّى جَعَلَتْ تَعْلُو أَصْوَاتُهَا عَلَى صَوْتِ الْمَنْجَنِيقِ , وَنَزَلَتْ صَاعِقَةٌ فَأَصَابَتْ مِنَ الشَّامِيِّينَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا
فَضَعُفَتْ عِنْدَ ذَلِكَ قُلُوبُهُمْ عَنِ الْمُحَاصَرَةِ
فَلَمْ يَزَلِ الْحَجَّاجُ يُشَجِّعُهُمْ , وَيَقُولُ : إِنِّي خَبِيرٌ بِهَذِهِ الْبِلَادِ , هَذِهِ بُرُوقُ تِهَامَةَ وَرُعُودُهَا وَصَوَاعِقُهَا , وَإِنَّ الْقَوْمَ يُصِيبُهُمْ مِثْلَ الَّذِي يُصِيبُكُمْ .
وَجَاءَتْ صَاعِقَةٌ مِنَ الْغَدِ فَقَتَلَتْ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الزُّبَيْرِ جَمَاعَةً كَثِيرَةً أَيْضًا
فَجَعَلَ الْحَجَّاجُ يَقُولُ : أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنَّهُمْ يُصَابُونَ مِثْلَكُمْ , وَأَنْتُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَهُمْ عَلَى الْمُخَالَفَةِ ؟
وَمَا زَالَ أَهْلُ مَكَّةَ يَخْرُجُونَ إِلَى الْحَجَّاجِ بِالْأَمَانِ , وَيَتْرُكُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ , حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِ قَرِيبٌ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ
فَأَمَّنَهُمْ الْحَجَّاجُ
وَقَلَّ أَصْحَابُ ابْنِ الزُّبَيْرِ جِدًّا , حَتَّى خَرَجَ إِلَى الْحَجَّاجِ حَمْزَةُ وَخُبَيْبٌ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ , فَأَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا أَمَانًا مِنَ الْحَجَّاجِ
فَأَمَّنَهُمَا الْحَجَّاجُ
وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أُمِّهِ أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها , فَشَكَا إِلَيْهَا خِذْلَانَ النَّاسِ لَهُ , وَخُرُوجَهُمْ إِلَى الْحَجَّاجِ حَتَّى أَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ , وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا الْيَسِيرُ , وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ صَبْرُ سَاعَةٍ , وَالْقَوْمُ يُعْطُونَنِي مَا شِئْتُ مِنَ الدُّنْيَا , فَمَا رَأْيُكِ ؟
فَقَالَتْ : يَا بُنَيَّ , أَنْتَ أَعْلَمُ بِنَفْسِكَ ; إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ عَلَى حَقٍّ , وَتَدْعُو إِلَى حَقٍّ , فَاصْبِرْ عَلَيْهِ , فَقَدْ قُتِلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُكَ , وَلَا تُمَكِّنْ مِنْ رَقَبَتِكَ يَلْعَبْ بِهَا غِلْمَانُ بَنِي أُمَيَّةَ , وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا أَرَدْتَ الدُّنْيَا , فَلَبِئْسَ الْعَبْدَ أَنْتَ ; أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ , وَأَهْلَكْتَ مَنْ قُتِلَ مَعَكَ , وَإِنْ كُنْتَ عَلَى حَقٍّ فَمَا وَهَنَ الدِّينُ , وَإِلَى كَمْ خُلُودُكُمْ فِي الدُّنْيَا ؟ , الْقَتْلُ أَحْسَنُ .
فَدَنَا مِنْهَا فَقَبَّلَ رَأْسَهَا , وَقَالَ : هَذَا وَاللَّهِ رَأْيِي . ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ مَا رَكَنْتُ إِلَى الدُّنْيَا وَلَا أَحْبَبْتُ الْحَيَاةَ فِيهَا , وَمَا دَعَانِي إِلَى الْخُرُوجِ إِلَّا الْغَضَبُ لِلَّهِ أَنْ تُسْتَحَلَّ حُرْمَتُهُ , وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَ رَأْيَكِ , فَزِدْتِينِي بَصِيرَةً مَعَ بَصِيرَتِي , فَانْظُرِي يَا أُمَّاهُ , فَإِنِّي مَقْتُولٌ مِنْ يَوْمِي هَذَا , فَلَا يَشْتَدُّ حُزْنُكِ , وَسَلِّمِي لِأَمْرِ اللَّهِ , فَإِنَّ ابْنَكِ لَمْ يَتَعَمَّدْ إِتْيَانَ مُنْكَرٍ , وَلَا عَمِلَ بِفَاحِشَةٍ قَطُّ , وَلَمْ يَجُرْ فِي حُكْمِ اللَّهِ , وَلَمْ يَغْدُرْ فِي أَمَانٍ , وَلَمْ يَتَعَمَّدْ ظُلْمَ مُسْلِمٍ وَلَا مُعَاهَدٍ , وَلَمْ يَبْلُغْنِي ظُلْمٌ عَنْ عَامِلٍ فَرَضِيتُهُ ؛ بَلْ أَنْكَرْتُهُ , وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي آثَرُ مِنْ رِضَا رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ , اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَقُولُ هَذَا تَزْكِيَةً لِنَفْسِي , اللَّهُمَّ أَنْتِ أَعْلَمُ بِي مِنِّي وَمِنْ غَيْرِي , وَلَكِنِّي أَقُولُ ذَلِكَ تَعْزِيَةً لِأُمِّي لِتَسْلُوَ عَنِّي .
فَقَالَتْ أُمُّهُ : إِنِّي لَأَرْجُو مِنَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عَزَائِي فِيكَ حَسَنًا إِنْ تَقَدَّمْتَنِي , اخْرُجْ يَا بُنَيَّ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ أَمْرُكَ .
فَقَالَ : جَزَاكِ اللَّهُ يَا أُمَّهْ خَيْرًا , فَلَا تَدَعِي الدُّعَاءَ قَبْلُ وَبَعْدُ لِي .
فَقَالَتْ : لَا أَدَعَهُ أَبَدًا , فَمَنْ قُتِلَ عَلَى بَاطِلٍ , فَلَقَدْ قُتِلْتَ عَلَى حَقٍّ .
ثُمَّ قَالَتْ : اللَّهُمَّ ارْحَمْ طُولَ ذَلِكَ الْقِيَامِ فِي اللَّيْلِ الطَّوِيلِ , وَذَلِكَ النَّحِيبِ , وَالظَّمَأِ فِي هَوَاجِرِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ , وَبِرَّهُ بِأَبِيهِ وَبِي , اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ سَلَّمْتُهُ لِأَمْرِكَ فِيهِ , وَرَضِيتُ بِمَا قَضَيْتَ , فَقَابِلْنِي فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِثَوَابِ الصَّابِرِينَ الشَّاكِرِينَ , ثُمَّ قَالَتْ لَهُ : ادْنُ مِنِّي أُوَدِّعْكَ .
فَدَنَا مِنْهَا فَقَبَّلَتْهُ , ثُمَّ أَخَذَتْهُ إِلَيْهَا فَاحْتَضَنَتْهُ لِتُوَدِّعَهُ , وَاعْتَنَقَهَا لِيُوَدِّعَهَا , وَكَانَتْ قَدْ أَضَرَّتْ ( عميت ) فِي آخِرِ عُمْرِهَا , فَوَجَدَتْهُ لَابِسًا دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ , فَقَالَتْ : يَا بُنَيَّ , مَا هَذَا لِبَاسُ مَنْ يُرِيدُ مَا تُرِيدُ مِنَ الشَّهَادَةِ .
فَقَالَ : يَا أُمَّاهُ , إِنَّمَا لَبِسْتُهُ لِأُطَيِّبَ خَاطِرَكِ , وَأُسَكِّنَ قَلْبَكِ بِهِ .
فَقَالَتْ : لَا يَا بُنَيَّ , وَلَكِنِ انْزِعْهُ .
فَنَزَعَهُ , وَجَعَلَ يَلْبَسُ بَقِيَّةَ ثِيَابِهِ وَيَتَشَدَّدُ .
وَهِيَ تَقُولُ : شَمِّرْ ثِيَابَكَ .
وَجَعَلَ يَتَحَفَّظُ مِنْ أَسْفَلِ ثِيَابِهِ ; لِئَلَّا تَبْدُو عَوْرَتَهُ إِذَا قُتِلَ
وَجَعَلَتْ تُذَكِّرُهُ بِأَبِيهِ الزُّبَيْرِ , وَجَدِّهِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ , وَجَدَّتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَطْلَبِ , وَخَالَتِهِ عَائِشَةَ زَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتُرَجِّيهِ الْقُدُومَ عَلَيْهِمْ إِذَا هُوَ قُتِلَ شَهِيدًا
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا , فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ عَهْدِهِ بِهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْ أَبِيهِ وَأَبِيهَا .
وَكَانَتْ أَبْوَابُ الْحَرَمِ قَدْ قَلَّ مَنْ يَحْرُسُهَا مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الزُّبَيْرِ
وَكَانَ لِأَهْلِ حِمْصَ حِصَارُ الْبَابِ الَّذِي يُوَاجَهُ بَابَ الْكَعْبَةِ
وَلِأَهْلِ دِمَشْقَ بَابُ بَنِي شَيْبَةَ
وَلِأَهْلِ الْأُرْدُنِ بَابُ الصَّفَا
وَلِأَهْلِ فِلَسْطِينَ بَابُ بَنِي جُمَحَ
وَلِأَهْلِ قِنَّسْرِينَ بَابُ بَنِي سَهْمٍ
وَعَلَى كُلِّ بَابٍ قَائِدٌ , وَمَعَهُ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ
وَكَانَ الْحَجَّاجُ وَطَارِقُ بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْأَبْطَحِ .
وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لَا يَخْرُجُ عَلَى أَهْلِ بَابٍ إِلَّا فَرَّقَهُمْ وَبَدَّدَ شَمْلَهُمْ , وَهُوَ غَيْرُ مُلْبِسٍ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ إِلَى الْأَبْطَحِ , ثُمَّ يَصِيحُ : لَوْ كَانَ قِرْنِي وَاحِدًا كَفَيْتُهُ.
فَيَقُولُ ابْنُ صَفْوَانَ وَأَهْلُ الشَّامِ أَيْضًا : إِي وَاللَّهِ , وَأَلْفُ رَجُلٍ .
وَلَقَدْ كَانَ حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ يَقَعُ عَلَى طَرَفِ ثَوْبِهِ فَلَا يَنْزَعِجُ بِذَلِكَ , ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ , فَيُقَاتِلُهُمْ كَأَنَّهُ أَسَدٌ ضَارٍ
حَتَّى جَعَلَ النَّاسُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ إِقْدَامِهِ وَشَجَاعَتِهِ
فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بَاتَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي طُولَ لَيْلَتِهِ , ثُمَّ جَلَسَ فَاحْتَبَى بِحَمِيلَةِ سَيْفِهِ , فَأَغْفَى ثُمَّ انْتَبَهَ مَعَ الْفَجْرِ عَلَى عَادَتِهِ , ثُمَّ قَالَ : أَذِّنْ يَا سَعْدُ .
فَأَذَّنَ عِنْدَ الْمَقَامِ , وَتَوَضَّأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ , ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتِي الْفَجْرِ , ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْفَجْرَ , ثُمَّ قَرَأَ سُورَةَ " ن " حَرْفًا حَرْفًا , ثُمَّ سَلَّمَ , فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : مَا أُرَانِي الْيَوْمَ إِلَّا مَقْتُولًا ; فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنَّ السَّمَاءَ فُرِجَتْ لِي , فَدَخَلْتُهَا , وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ مَلِلْتُ الْحَيَاةَ , وَجَاوَزَتْ سِنِّي اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً , اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّ لِقَاءَكَ , فَأَحِبَّ لِقَائِي . ثُمَّ قَالَ : اكْشِفُوا وُجُوهَكُمْ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْكُمْ
فَكَشَفُوا عَنْ وُجُوهِهِمْ وَعَلَيْهِمُ الْمَغَافِرُ , فَحَرَّضَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَالصَّبْرِ , ثُمَّ نَهَضَ بِهِمْ , فَحَمَلَ وَحَمَلُوا حَتَّى كَشَفُوهُمْ إِلَى الْحَجُونِ ,
فَجَاءَتْهُ آجُرَّةٌ ( حجر ) فَأَصَابَتْهُ فِي وَجْهِهِ , فَارْتَعَشَ لَهَا , فَلَمَّا وَجَدَ سُخُونَةَ الدَّمِ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ:
وَلَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا. . . وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا تَقْطُرُ الدِّمَا
ثُمَّ رَجَعَ , فَجَاءَهُ حَجَرُ مَنْجَنِيقٍ مِنْ وَرَائِهِ , فَأَصَابَهُ فِي قَفَاهُ فَوَقَذَهُ , ثُمَّ وَقْعَ إِلَى الْأَرْضِ عَلَى وَجْهِهِ , ثُمَّ انْتَهَضَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ
وَابْتَدَرَهُ النَّاسُ , فَشَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ
فَضَرَبَ ابن الزبير الرَّجُلَ فَقَطَعَ رِجْلَيْهِ , وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى مِرْفَقِهِ الْأَيْسَرِ , وَجَعَلَ يَضْرِبُ وَمَا يَقْدِرُ أَنْ يَنْتَهِضَ حَتَّى كَثُرُوا عَلَيْهِ
فَابْتَدَرُوهُ بِالسُّيُوفِ , فَقَتَلُوهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَجَاءُوا إِلَى الْحَجَّاجِ فَأَخْبَرُوهُ , فَخَرَّ سَاجِدًا , ثُمَّ قَامَ هُوَ وَطَارِقُ بْنُ عَمْرٍو حَتَّى وَقَفَا عَلَيْهِ وَهُوَ صَرِيعٌ
فَقَالَ طَارِقُ: مَا وَلَدَتِ النِّسَاءُ أَذْكَرَ مِنْ هَذَا .
فَقَالَ الْحَجَّاجُ : تَمْدَحُ مَنْ يُخَالِفُ طَاعَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ؟
قَالَ : نَعَمْ , هُوَ أَعْذَرُ لَنَا ; إِنَّا مُحَاصِرُوهُ وَلَيْسَ هُوَ فِي حِصْنٍ وَلَا خَنْدَقٍ وَلَا مَنَعَةٍ يَنْتَصِفُ مِنَّا , بَلْ يُفَضَّلُ عَلَيْنَا فِي كُلِّ مَوْقِفٍ
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الْمَلِكِ صَوَّبَ طَارِقًا .
وَدَخَلَ الْحَجَّاجُ إِلَى مَكَّةَ , فَأَخَذَ الْبَيْعَةَ مِنْ أَهْلِهَا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ الْحَجَّاجَ لَمَّا قَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ , ارْتَجَّتْ مَكَّةَ بُكَاءً عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ
فَخَطَبَ الْحَجَّاجُ النَّاسَ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ , إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ مِنْ خِيَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ , حَتَّى رَغِبَ فِي الْخِلَافَةِ , وَنَازَعَهَا أَهْلَهَا , وَأَلْحَدَ فِي الْحَرَمِ , فَأَذَاقَهُ اللَّهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ , وَإِنَّ آدَمَ كَانَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ , خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ , وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ , وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ , وَعَلَّمَهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ , فَلَمَّا عَصَاهُ أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ , وَلَوْ كَانَتْ مَكَّةُ شَيْئًا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ , لَمَنَعَتْ آدَمَ حُرْمَةُ الْجَنَّةِ , وَهِيَ أَشْرَفُ مِنْ مَكَّةَ .
وَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِمَا وَقَعَ , وَبَعَثَ بِرَأْسِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَعَ رَأْسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ , وَعُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ , وَأَمَرَهُمْ الْحَجَّاجُ إِذَا مَرُّوا بِالْمَدِينَةِ أَنْ يَنْصِبُوا الرُّءُوسَ بِهَا , ثُمَّ يَسِيرُوا بِهَا إِلَى الشَّامِ
فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ.
ثُمَّ أَمَرَ الْحَجَّاجُ بِجُثَّةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَصُلِبَتْ عَلَى ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ عِنْدَ الْحَجُونِ ,
فَمَا زَالَتْ مَصْلُوبَةً حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ , السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ , السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ , أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا , أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا , أَمَا وَاللهِ إِنْ كُنْتَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا , قَوَّامًا , وَصُولًا لِلرَّحِمِ , أَمَا وَاللهِ لَأُمَّةٌ أَنْتَ أَشَرُّهَا لَأُمَّةٌ خَيْرٌ , ثُمَّ نَفَذَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ , ثُمَّ قَالَ: أَمَا آنَ لِهَذَا الرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ ؟
فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَوْقِفُ عَبْدِ اللهِ وَقَوْلُهُ , فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ , وَدُفِنَ هُنَاكَ.
وَلَمْ يَزَلِ الْحَجَّاجُ مُقِيمًا بِمَكَّةَ حَتَّى أَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ عَامَهُ هَذَا أَيْضًا , وَهُوَ عَلَى مَكَّةَ وَالْيَمَامَةِ وَالْيَمَنِ .
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|
|
|