اجتهاد عمرو بن العاص
السيد مراد سلامة
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟»، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ، وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا[1].
دروس وعبر:
(قال: احتلمت)، قال السيوطي: يرد بهذا على من يقول من الصوفية إذا احتلم المريد أدَّبه الشيخ، فلا أحد أتقى وأصلح ولا أورع من الصحابة، وقد ذكر هذا لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فلم يقل له شيئًا، وما عُصم من الاحتلام إلا الأنبياء عليهم السلام.
(في غزوة ذات السلاسل) في مراصد الاطلاع: السلاسل جمع سلسلة، ماء بأرض جذام سُميت به غزوة ذات السلاسل.
قال العيني: وهي وراء وادي القرى، بينها وبين المدينة عشرة أيام، وكانت تلك الغزوة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، (فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال)، وهو شدة البرد، (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا)، فيه دليلٌ على جواز التيمم عند شدة البرد؛ من وجهين: الأول: التبسم والاستبشار، والثاني: عدم الإنكار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُقر على باطل، والتبسم والاستبشار أقوى دلالة من السكوت على الجواز.
قال الخطابي: فيه من الفقه أنه عليه السلام جعل عدم إمكان استعمال الماء كعدم عين الماء وجعله بمنزلة من يخاف العطش، ومعه ماء فأبقاه ليشربه، وليتيمم به خوف التلف.
قال ابن رسلان: في شرح السنن لا يتيمَّم لشدة البرد مَن أمكَنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجه يأمن الضرر؛ مثل أن يغسل عضوا ويستره، وكلما غسل عضوًا ستره، ودفَّاه من البرد، لزِمه ذلك، وإن لم يقدر يتيمم ويصلي في قول أكثر العلماء.
وقال الحسن وعطاء: يغتسل وإن مات، ولم يجعلا له عذرًا، ومقتضى قول ابن مسعود لو رخَّصنا لهم، لأوشك إذا برد عليهم أن يتيمَّموا، أنه لا يتيمَّم لشدة البرد؛ انتهى[2].
[1] أخرجه أحمد ح 17845، والحاكم ج 1 ص 177، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ح 323.
[2] عون المعبود ج 1 ص 365.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك