شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى الفقه
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: مصحف احمد عيسى المعصراوى منزوع الترجمه عربي فقط غير مترجم بدون ترجمه 114 سورة رواية حفص (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف أحمد عيسى المعصراوي شيخ عموم المقارىء المصريه 114 سورة قراءة عاصم رواية حفص المصحف المرتل (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف احمد عيسى المعصراوى 114 سوره بقراءة عاصم برواية حفص (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف أحمد عيسى المعصراوي 114 سورة بجودة عالية (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: صلاح الهاشم مصحف مقسم اجزاء (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: صلاح الهاشم مصحف مقسم أجزاء مسرع الحدر الى نصف الوقت (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: صلاح الهاشم مصحف مقسم أجزاء مرقق الصوت (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: صلاح الهاشم مصحف مرقق الصوت معلم تكرار 3 مرات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: صلاح الهاشم مصحف مقسم اجزاء (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: حسن سعيد السكندري المصحف المرتل مقسم اجزاء mp3 (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 06-11-2015, 07:26 AM
منتدى اهل الحديث منتدى اهل الحديث غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 5,969
افتراضي (0120)الجهاد في سبيل الله- من يلي عقد الهدنة، وبعض أحكامها


الأصل في ما فيه مصالح أو مفاسد، يتأثر بها عامة المسلمين، ألا يتولى شأنها إلا ولي أمرهم العام، كالإمام أو من ينوب عنه، ولا يصح لغيره تعاطي ذلك، ومن هذا الباب عقد الهدنة، لما قد يلحق عقد الأفراد من ضرر على الأمة كلها. وقد مضى على هذه السنة الرسول صَلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه ومن جاء بعدهم من الأئمة والأمراء. وعلى هذا المالكية الشافعية والحنابلة.

قال الشيخ محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي ذاكرا شروط الموادعة:

"الأول: أن يكون العاقد لها الإمام أو نائبه" حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/206)

و قال الشيخ الشيرازي الشافعي: "باب الهدنة، لا يجوز عقد الهدنة لإقليم أو صقع عظيم، إلا للإمام، أو لمن فوض إليه الإمام، لأنه لو جعل ذلك إلى كل واحد، لم يؤمن أن يهادن الرجلُ أهلَ إقليم، والمصلحة فى قتالهم، فيعظم الضرر، فلم يجز إلا للإمام أو للنائب عنه" [المهذب (2/259)] وعلى هذا جماهير العلماء..

وقال ابن قدامة الحنبلي: قال ابن قدامة: "ولا يجوز عقدها إلا من الإمام أو نائبه لأنه عقد يقتضي الأمان لجميع المشركين فلم يجز لغيرهما كعقد الذمة" [لكافي (4/339) وراجع المحرر (2/182)]

ويرى الحنفية أنه لا يشترط في الموادعة إذن الإمام، ما دام فيه مصلحة للمسلمين. قال الكاساني: "وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْإِمَامِ بِالْمُوَادَعَةِ , حَتَّى لَوْ وَادَعَهُمْ الْإِمَامُ , أَوْ فَرِيقٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ جَازَتْ مُوَادَعَتُهُمْ ; لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ كَوْنُ عَقْدِ الْمُوَادَعَةِ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ وُجِدَ" [بدائع الصنائع. سبق قريبا و شرح فتح القدير لابن الهمام. (6/108)]

وقد توجد بلدان إسلامية، اغتصبتها دول كافرة، ولا توجد للمسلمين فيها حكومة، وبها جماعات إسلامية لا تجمعها قيادة واحدة، فالواجب على هذه الجماعات كلها، أن تجتمع على قيادة جهادية واحدة تتفق عليها حيث أمكن، تكون قادرة على جمع كلمتها وجهاد العدو بها، فإذا تعذر على الجماعات الاجتماع على قيادة واحد، بسبب تفريق العدو بينها، فلتختر كل جماعة من يقودها، في مناطقها، ولتحاول قيادات المجاهدين التنسيق فيما بينها حسب الإمكان، كالحال في جنوب الفيليبين، وفي بعض البلدان الإسلامية الأخرى. ويكون عقد الهدنة مع العدو عند الضرورة أو المصلحة، هو أمير الجماعة الواحدة، أو أمراء الجماعات المتفرقة، بحسب حالة كل جماعة.

وفي ذلك شبه بأهل الثغور الذين يرابطون بإزاء العدو في أطراف بلاد الإسلام، فإنهم قد يضطرون إلى عقد الهدنة مع عدوهم، بدون الرجوع إلى ولي الأمر العام، لما في تأخير عقد الهدنة من مضرة قد تنزل بالمرابطين. كما قال الجصاص: "وكذلك قال أصحابنا، إذا قدر بعض أهل الثغور على قتال العدو ومقاومتهم، لم تجز لهم مسالمتهم، ولا يجوز لهم إقرارهم على الكفر إلا بالجزية. وإن ضعفوا عن قتالهم جاز لهم مسالمتهم، كما سالم النبي صَلى الله عليه وسلم كثيرا من أصناف الكفار وهادنهم على وضع الحرب بينهم" [أحكام القرآن للجصاص (4/354)]

مدة الهدنة واختلاف العلماء فيها

مدة مهادنة الرسول لقريش

اختلف في مدة المهادنة التي عقد الرسول صَلى الله عليه وسلم عليها المهادنة عام الحديبية، بينه وبين أهل مكة من المشركين:

فنقل عن ابن جريج، أنها ثلاث سنين.

ونقل عن عروة، أنها أربع سنين.

ونقل عن ابن إسحاق أنها عشر سنين. وعلى هذا جمهور أهل العلم. [يراجع تفسير القرطبي (8/39) وما بعدها، وبداية المجتهد لابن رشد (1/283)]

واختلف العلماء في المدة التي يجوز للمسلمين، مهادنة أعدائهم عليها، ولهم في ذلك أربعة أقوال:

القول الأول: للإمام الشافعي رحمه الله، وهو إلى أنها لا تزيد عن أربعة أشهر، إذا كان المسلمون أقوياء قادرين على قتال عدوهم، واستدل بقوله تعالى في سورة التوبة: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين} [التوبة (2)] وله قول آخر، وهو أن للإمام أن يزيد المدة على أربعة أشهر إذا دعت إليها الحاجة واقتضتها المصلحة، بشرط أن تكون أقل من سنة، ولا تجوز لسنة فما فوق، لأنه يجب إقامة الجهاد وأخذ أخذ الجزية كل سنة، والهدنة تعطل ذلك، مع قدرة المسلمين وقوتهم. أما إذا كان المسلمون ضعفاء، فيجوز لهم عقد الهدنة أكثر من ذلك، بحسب الحاجة، فإذا كانوا يحتاجون إلى خمس سنوات، وجب عقد الهدنة عليها، ولا تجوز الزيادة عليها، ولا تجوز الزيادة على عشر سنين. واحتج لذلك بمهادنة الرسول صَلى الله عليه وسلم المشركين عام الحديبية، فإذا انقضت المدة، وتبين لهم الحاجة إلى استمرار الهدنة، جاز استئنافها. [المهذب (2/259) وراجع كتاب البيان، للعلامة العمراني اليمني (12/302)]

القول الثاني: مذهب جمهور العلماء، وهو أنه يجوز للمسلمين، سواء كانوا أقوياء أو ضعفاء، عقد الهدنة لعشر سنين، فأقل، إذا رأوا المصلحة في ذلك، ولا يجوز لأكثر من عشر سنين. واستدلوا بفعل الرسول صَلى الله عليه وسلم، في قصة الحديبية، فإن زادت المدة على العشر بطل العقد فيما زاد عليها، وإذا انقضت المدة وظهر للمسلمين أن المصلحة في تجديدها، جاز استئنافها من جديد. ولا يجوز عندهم عقد الهدنة مطلقا أي بدون تحديد زمن معين، لأن إطلاقه يقتضى التأبيد، وهو يعود على أصل الجهاد والجزية بالنقض والإبطال، وهو ما لا يجوز في شرع الله. [نفس المصدر، وراجع كشاف القناع (3/111) للشيخ منصور بن يونس البهوتي]

وقال ابن الهمام الحنفي: "ولا يقتصر الحكم وهو جواز الموادعة على المدة المذكورة وهى عشر سنين لتعدى المعنى الذى به علل جوازها وهو حاجة المسلمين، أو ثبوت مصلحتهم فإنه قد يكون بأكثر..." [شرح فتح القدير (5/456)]

القول الثالث: جواز عقد الهدنة لمدة محددة، قلت أو كثرت ولو زادت عن عشر سنين، ويجب الوفاء بها، ولا يجوز نقضها إلا إذا خاف المسلمون من نقض العدو بظهور أمارات تدل على إرادة النقض. و يجوز أن تكون مطلقة، ما دام في ذلك مصلحة راجحة، وعقد الهدنة المؤقتة جائز، وليس بلازم، بحيث إذا تبين للمسلمين أن المصلحة تقتضي قطع الهدنة، فللمسلمين نقضها بشرط أن ينبذوا إلى عدوهم عهده على سواء، وهو أن يبينوا لهم بيانا واضحا أنهم يريدون نقض العقد المبرم بينهم، فلا يأخذوا العدو على غرة.

ونصر هذا الرأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال: " تيمية: "بَابُ الْهُدْنَةِ، وَيَجُوزُ عَقْدُهَا مُطْلَقًا وَمُؤَقَّتًا، وَالْمُؤَقَّتُ لازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مَا لَمْ يَنْقُضْهُ الْعَدُوُّ، وَلا يُنْقَضُ بِمُجَرَّدِ خَوْفِ الْخِيَانَةِ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ, وَأَمَّا الْمُطْلَقُ فَهُوَ عَقْدٌ جَائِزٌ يَعْمَلُ الإمَامُ فِيهِ بِالْمَصْلَحَةِ". [الفتاوى الكبرى (4/612)]

وفصل القول في موضع آخر، بذكر الأدلة على رأيه، وأرى أن أثبت منه النص المناسب مع طوله، لأنه – فيما أرى – يناسب هذا العصر الذي يحتاج فيه المسلمون إلى فقه يبين لهم السبيل، ويزيل عنهم الشبهات والتضليل، فقال رحمه الله: " وَمَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: إنَّ الْهُدْنَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا مُؤَقَّتَةً، فَقَوْلُهُ - مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأُصُولِ أَحْمَد - يَرُدُّهُ الْقُرْآنُ وَتَرُدُّهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلى الله عليه وسلم فِي أَكْثَرِ الْمُعَاهَدِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ مَعَهُمْ وَقْتًا. فَأَمَّا مَنْ كَانَ عَهْدُهُ مُوَقَّتًا فَلَمْ يُبَحْ لَهُ نَقْضُهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ {إلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة (4)] وَقَالَ: {إلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة (7)] وَقَالَ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال (58)] فَإِنَّمَا أَبَاحَ النَّبْذَ عِنْدَ ظُهُورِ إمَارَاتِ الْخِيَانَةِ; لأَنَّ الْمَحْذُورَ مِنْ جِهَتِهِمْ. وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف (2،3)] الْآيَةَ

والأحاديث فى هذا كثيرة، مثل ما في الصحيحين عن عبدالله بن عمر، قالَ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، و من كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب، و إذا و عد أخلف، و إذا عاهد غدر، و إذا خاصم فجر). [البخاري، برقم :34، ومسلم) برقم (58)] و فى الصحيحين عن عبدالله بن عمر، قال قالَ رسول الله صلى الله عليه و سلم: (ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة) [البخاري، برقم (6694) ومسلم، برقم (1735)] و فى صحيح مسلم عن أبى سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم، قال: (لكل غادر لواء عند أسته يوم القيامة) و فى رواية: (لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به بقدر غدرته، ألا و لا غادر أعظم غدرة من أمير عامة) [برقم رقم: (1738)]

و فى صحيح مسلم عن بريدة بن الحصيب، قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم، إذا أمر أميرا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله، و فيمن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: (اغزوا باسم الله فى سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا و لا تغلوا، و لا تغدروا، و لا تمثلوا، و لا تقتلوا و ليدا، و إذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم الى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك، فاقبل منهم و كف عنهم) الحديث. [مسلم، برقم (1731)] فنهاهم عن الغدر كما نهاهم عن الغلول.

و في الصحيحين عن ابن عباس، عن أبى سفيان بن حرب، لما سأله هرقل عن صفة النبى صلى الله عليه و سلم: "هل يغدر؟ فقال: لا يغدر و نحن معه فى مدة لا ندري ما هو صانع فيها، قال ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا إلا هذه الكلمة. و قال هرقل فى جوابه: سألتك هل يغدر؟ فذكرت أنه لا يغدر، و كذلك الرسل لا تغدر" فجعل هذا صفة لازمة للمرسلين. [حديث أبي سفيان في البخاري، برقم (7) وهو حديث طويل].

و فى الصحيحين عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) فدل على استحقاق الشروط بالوفاء، و أن شروط النكاح أحق بالوفاء من غيرها. [الحديث في البخاري، برقم (2572) ومسلم، برقم (1418)]

و روى البخاري عن أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه و سلم، قالَ قال الله تعالى: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، و رجل باع حرا ثم أكل ثمنه، و رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه و لم يعطه أجره). فذم الغادر. و كل من شرط شرطا ثم نقضه فقد غدر. [الحديث في صحيح البخاري، برقم (2114)] فقد جاء الكتاب و السنة بالأمر بالوفاء بالعهود و الشروط و المواثيق و العقود، و بأداء الأمانة و رعاية ذلك، و النهي عن الغدر و نقض العهود و الخيانة و التشديد على من يفعل ذلك...." [مجموع الفتاوى(29/140-146]

وفي الموسوعة الفقهية: الموسوعة الفقهية:
"مُدَّةُ الْهُدْنَةِ: 14 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ مُوَادَعَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ, كَمَا "وَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ".
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ دُونَ تَحْدِيدٍ, مَا دَامَتْ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ, لقوله تعالى: {فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ}.
وَيَرَى الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ مُهَادَنَةُ الْمُشْرِكِينَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ, اسْتِنَادًا إلَى مَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلى الله عليه وسلم فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ. فَإِنْ هُودِنَ الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَالْهُدْنَةُ مُنْتَقَضَةٌ ; لِأَنَّ الأَصْلَ فَرْضُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ. وَالتَّفْصِيلاَتُ فِي مُصْطَلَحِ ( هُدْنَةٌ ). انتهى.

خلاصة الكلام: أن الهدنة مشروعة، لمصلحة الإسلام والمسلمين، فهي من المسائل التي يخضع حكمها للاجتهاد، وقد تدعو إليها الحاجة أو لضرورة، وإذا لم تكن فيها مصلحة، ولم تدع إليها الضرورة، فلا يجوز عقدها. وأن مدتها تابعة لتلك المصلحة أو الضرورة، فتقدر بقدرها قلة وكثرة، وتوقيتا وإطلاقا...

عقد الهدنة على مال

يجوز عقد الهدنة بدون أخذ المسلمين مالا من عدوهم، كما هو الحال في هدنة الحديبية. ويجوز عقدها على مال يأخذه المسلمون من عدوهم، كما فعل الرسول صَلى الله عليه وسلم مع يهود خيبر، بعد الانتصار عليهم، فأقرهم على البقاء وعلى أن يعملوا ويؤدوا النصف، لما فيه من المصلحة، وليس المال الذي يؤخذ منهم في هذه الحالة، من الجزية في شيء، لأن شرط أخذ الجزية منهم، أن تنفذ عليهم أحكام المسلمين.

وهل يجوز أن يعقد المسلمون الهدنة، على أن يدفعوا لعدوهم الكافر مالا؟ الأصل أنه لا يجوز ذلك، لأن المسلمين هم الأعلون، ويجب أن يحافظوا على عزتهم وعلو شأنهم، لكن قد تنزل بالمسلمين نوازل فيها من الابتلاء والفتنة، ما لا طاقة لهم به، بحيث لو لم يبذلوا المال لعدوهم لأنزل بهم أشد الضرر، من قتل رجالهم وسبي نسائهم، وهدم منازلهم، وإفساد مزارعهم، وتسميم مياههم...

ففي هذه الحال يجوز للمسلمين، أن يعقدوا مع عدوهم الهدنة على مال يأخذه منهم، بشروط تحقق لهم ما أمكن من دفع الفساد الذي قد يصيبهم، إذا لم يوافقوا على الهدنة بمال يأخذه منهم العدو، لأن إعطاءه المال أخف ضررا، من إزهاق أرواحهم وانتهاك أعراضهم. والدليل على ذلك ما كان يريد عزم الرسول صَلى الله عليه وسلم، على الصلح يوم الأحزاب، من موادعة عيينة بن حصن الفزاري، والحارث بن عوف المري، على أن يعطيهما ثلث ثمر المدينة، وينصرفا بمن معهما من غطفان، ويخذلا قريشا ويرجعا بقومهم عنهم، ولقاعدة الضرورات تبيح المحظورات.

قال المهلب: "إنما قاضاهم النبي صَلى الله عليه وسلم هذه القضية التي ظاهرها الوهن على المسلمين، لسبب حبس الله ناقة رسول الله صَلى الله عليه وسلم عن مكة حين توجه إليها فبركت، وقال حبس حابس الفيل على ما خرجه البخاري من حديث المسور بن مخرمة، ودل على جواز صلح المشركين ومهادنتهم دون مال يؤخذ منهم إذا رأى ذلك الإمام وجها. ويجوز عند الحاجة للمسلمين عقد الصلح بمال يبذلونه للعدو، لموادعة النبي صَلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن الفزاري والحارث بن عوف المري يوم الأحزاب، على أن يعطيهما ثلث ثمر المدينة وينصرفا بمن معهما من غطفان ويخذلا قريشا ويرجعا بقومهم عنهم" [تفسير القرطبي (8/39 وانظر بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/283)]

وقال الشيرازي رحمه الله: "ويجوز عقد الهدنة على مال يؤخذ منهم، لان فى ذلك مصلحة للمسلمين، ولا يجوز بمال يؤدى إليهم لغير ضرورة، لأن فى ذلك إلحاق صغار بالإسلام، فلم يجز لغير ضرورة، فإن دعت إلى ذلك ضرورة بأن أحاط الكفار بالمسلمين وخافوا الاصطلام...." [المهذب (2/259) واستدل بعرض ثلث ثمار المدينة على غطفان يوم الأحزاب..]

وقال ابن قدامة رحمه الله: "فَصْلٌ: وَتَجُوزُ مُهَادَنَتُهُمْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عليه وسلم هَادَنَهُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ. وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ ; فَإِنَّهَا إذَا جَازَتْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ , فَعَلَى مَالٍ أَوْلَى. وَأَمَّا إنْ صَالَحَهُمْ عَلَى مَالٍ نَبْذُلُهُ لَهُمْ, فَقَدْ أَطْلَقَ أَحْمَدُ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ مِنْهُ, وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ; لِأَنَّ فِيهِ صَغَارًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ. فَأَمَّا إنْ دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ, وَهُوَ أَنْ يَخَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْهَلاَكَ أَوْ الْأَسْرَ, فَيَجُوزُ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ للأَسِيرِ فِدَاءُ نَفْسِهِ بِالْمَالِ , فَكَذَا هَا هُنَا, وَلأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ إنْ كَانَ فِيهِ صَغَارٌ, فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَحَمُّلُهُ لِدَفْعِ صَغَارٍ أَعْظَمَ مِنْهُ, وَهُوَ الْقَتْلُ, وَالْأَسْرُ, وَسَبْيُ الذُّرِّيَّةِ الَّذِينَ يُفْضِي سَبْيُهُمْ إلَى كُفْرِهِمْ.

وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ, فِي الْمَغَازِي, عَنْ مَعْمَر, عَنْ الزُّهْرِيِّ, قَالَ: "أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلى الله عليه وسلم إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ, وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ - يَعْنِي يَوْمَ الْأَحْزَابِ -: (أَرَأَيْت إنْ جَعَلْت لَك ثُلُثَ تَمْرِ الْأَنْصَارِ, أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَك مِنْ غَطَفَانَ, وَتَخْذُلُ بَيْنَ الأَحْزَابِ)؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُيَيْنَةُ: إنْ جَعَلْت لِي الشَّطْرَ فَعَلْت". قَالَ مَعْمَرٌ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ , "أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ يَجُرُّ سُرْمَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي عَامِ السَّنَةِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ, مَا يُطِيقُ أَنْ يَدْخُلَهَا, فَالآنَ حِينَ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلاَمِ, نُعْطِيهِمْ ذَلِكَ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلى الله عليه وسلم: (فَنَعَمْ إذًا). وَلَوْلا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ , لِمَا بَذَلَهُ النَّبِيُّ صَلى الله عليه وسلم" [المغني (9/239) وراجع الكافي له (4/340)]

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 04:35 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات