التواصل مع الآخرين
نهى فرج
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].
الاختلاف هو الطبيعة البشرية، ولا يمكن إنكار أو تغيير هذه الحقيقة.
التواصُل الفعَّال مع الآخَرين ضرورة، فلا يُمكن الاستغناء عن التعامُل مع البشر في حياتنا،
وكثيرًا ما نُعاني مِن مشكلة التواصُل الإيجابي مع الآخَرين، وتكوين دائرةٍ مِن العلاقات الاجتماعيَّة الناجحة.
وما يشغلنا بالتحديد هو: التواصل الفعَّال الإيجابي مع الشخصيَّات الرئيسة في حياتنا، والتي نتعامل معها بشكلٍ يوميٍّ؛ سواء كانوا من أفراد العائلة أو الدراسة أو العمل، وحتى يتم التواصل بشكلٍ إيجابيٍّ علينا أولًا إدراك ذاتِنا ثُم إدراك الآخَر، وهذا يعني: الوعي الذاتي والوعي الاجتماعي.
لقد خَلَقَنا الله ومَنَحَنا صفات شخصيَّة تُميِّزنا وتحدِّد معالمنا.
ولكلِّ إنسانٍ نقاط ومواطن قوَّة أو إيجابيَّات ومميزات، ومواطن ضَعف وسلبيَّات في شخصيَّته.
الوعي الذاتيُّ يكون من خلال معرفة المميزات الشخصيَّة الخاصة بي؛ ومن ثَم الاستفادة منها وتطويرها واستغلالها على أكفأ وجه.
أمَّا الوعي بمواطن الضعف؛ فبهدف التهذيب والتحسين والتطوير إلى الأفضل، ومحاولة علاج أو الحدِّ مِن أضرار نقاط الضعف والسلبيات عليَّ وعلى الآخَرين.
لقد تناول العلماء البحث في أنماط الشخصيَّات، وهناك دراسات عديدة في هذا المجال وتصنيفات ومسمَّيات مختلفة؛ كلُّها تهدف إلى توضيح المعالم الرئيسة للشخصيَّات، أو الإطار العام المحدد لها ولصفاتها وما يميِّزها.
ويمكن تلخيصها في أربعة أنماط رئيسة:
١- الشخصية القياديَّة.
٢- الشخصية الاجتماعيَّة.
٣- الشخصيَّة المسالمة.
٤- الشخصية التحليليَّة.
كلُّ إنسان هو خليطٌ من هذه الأنماط، ولكن بنِسَب متفاوتة، والنسبة الأكبر تحدِّد شخصيَّته بشكلٍ عام، وباقي الأنماط قد تكون موجودةً لديه، ولكن بنسبةٍ ضئيلة.
1- الشخصية القياديَّة: هي شخصيَّة حازمة وقائدة ومسيطرة ومبادرة، وتسعى نحو الهدف واتخاذ القرارات، ولكنها قد لا تهتمُّ بمشاعر الآخَرين، لأنَّ تركيزها الأساسيَّ يكون على الوصول إلى أهدافها وتحقيقها.
وهذه الشخصيَّة قادرةٌ على تحقيق الإنجازات بكفاءةٍ؛ فهي طموحة وشغوفة نحو تحقيق النتائج والمحصلات الإيجابيَّة.
٢- الشخصية الاجتماعيَّة هي شخصيَّة محبوبة من الآخرين ومؤثِّرة ومقنعة، ولها وجود وحضور وجاذبيَّة، ولكنها قد تميل إلى الثرثرة، ولا تجيد العمل إلا مع وجود الآخَرين؛ فهي تستمدُّ طاقتها ونشاطها من الآخَرين والتفاعل الإيجابيِّ معهم في حياتها.
٣-الشخصيَّة المسالِمة: هي شخصيَّة بسيطة، تنسَجِم بسهولةٍ مع الآخَرين؛ تتجنَّب الصراعات وتهتمُّ جدًّا بمشاعر الآخَرين حتى وإن تعارضت مع مصالحها الخاصَّة، فهي تسعى نحو إرضاء ومحبَّة الآخَرين، وتخشى خسارتهم.
تفتقد المبادرة فهي لا تُبادر، ولا تتَّخذ قرارًا، إنما تنتظر وتتلقَّى من الآخَرين.
هي شخصيَّة طيبة القلب وهادئة، ولكنها تفتقر الثقة في نفسها ومتردِّدة، وتشعر بقلَّة الحيلة؛ يجب أن تقبل ضرورة التغيير وتقليل إعطاء الآخَرين الأولويَّة المطلقة؛ لأنها قد تضغط على أعصابها، ولا تعبِّر عن مشاعرها واحتياجاتها الخاصَّة، ولذلك قد يأتي عليها وقتٌ تشعر أنها تحمَّلت أكثرَ من طاقتها؛ فتنفجر نتيجة تراكمات تحمَّلَتْها ولم تعبِّر عنها لأحدٍ.
٤- الشخصية التحليليَّة: هي شخصية مفكِّرة، تهتمُّ بالتفاصيل والأدلَّة والبراهين المنطقيَّة، ولكنها تفتقد التعامل الإيجابيَّ وتكوين العلاقات الاجتماعيَّة، وتميل إلى العُزلة.
عندما ندرك أنماط الشخصيَّات وأولويات كلِّ مَن نتعامل معهم؛ سنُحدِّد مفتاح شخصيَّتِهم، ومواطن التميُّز والقوَّة عندهم، ومواطن الضعف لديهم، فنتجنبها من أجل تفادي الصراع والصدام.
هذه صورة مبسَّطة عن أنماط الشخصيَّات، والتي لها تأثيرٌ كبير على طريقة التفكير والسلوكيات.
ولكلِّ نمطٍ من هذه الشخصيات احتياجات ضروريَّة بالنسبة لها وأساسيَّة، وإن افتقدت تلبية هذه الاحتياجات فإنَّها تبدأ في الشعور بالمعاناة والألم نتيجة هذا الفقدان، والذي قد يترتب عليه مشاعر سلبيَّة وتصرُّفات وسلوكيَّات، بل وقرارات غير صائبة.
دائرة العلاقات الناجحة تحتاج إلى فَهْم احتياجات الآخَر والتعاطف معه، وتقبُّل اختلافِه عنا، وعدم توجيه الانتقادات على تصرُّفاته أو الاستخفاف بمشاعره.
احترام آراء الآخَرين هو حقُّهم علينا؛ فكلَّما تقبَّلت اختلاف الآخَرين بسعة صدرٍ، نظرت إليه بصورةٍ أكثر إنصافًا.
لا تتوقَّع المثاليَّة من الآخَرين؛ فقد لا تجد مَن يتفهَّم مشاعرَك، أو يحترم قيمَك ومعتقداتك الخاصَّة.
كل ما في وسعنا هو التكييف في معاملاتنا مع الآخَرين، وفقًا لما يتناسب مع نمط شخصيَّتهم وذلك من أجل علاقةٍ سليمةٍ ناجحة، هذا لا يعني أننا لن نخطئ مطلقًا، أو لن ننفعل أحيانًا، أو نتعجَّل بتصرُّفٍ غير لائق، فهذه أمور واردٌ حدوثُها.
فنحن بَشَر وقد تأخُذنا مشاعرُنا دون التريُّث مِن عواقبها.
الوعي بذاتك وبالآخَرين بشكلٍ عامٍّ مِن شأنه تسهيل اختيار الطريقة المناسبة للتعامل مع الآخَرين، بما لا يَتعارض مع حدود تحمُّلك وطاقاتك، وبما لا يتسبَّب في إيذائهم أو التصادم معهم.
إنها مهارة مكتسَبة، تحتاج إلى التمرُّس والتدرُّب عليها، وتحتاج إلى إخلاص النيَّة لله والسعي والصبر.
قد تتحدَّث إلى نفسك وتقول لها: المشكلة ليستْ فيَّ، وإنما في أسلوبهم معي، ولكن أنت المتألِّم من أسلوبهم، ومن ثَم أنت المسؤول عن إيجاد حلٍّ يرضيك، ويخلِّصك من هذا التوتُّر.
وحتمًا الشخص الآخَر أنت تُشكِّل له مصدرَ إزعاج، ولكن دون وعي منك لمشاعره، ومن ثم ينفعل عليك في ردود أفعاله معك؛ فينشأ الخلاف بينكما، ويتكوَّن الصراع، وتتشكَّل دائرة مغلقة؛ الكل يدور حولها، فحاوِلْ أنت الخلاص من هذه الدائرة.
تغيير لغة التواصل، أو إيجاد لغة حوار جديدة مناسبة لكلِّ شخص تتعامل معه، بمعنى: التحدُّث بما يتفق مع احتياجاته وقِيَمِه.
قد يكون مزيدًا مِن الحب والاهتمام هو أهمُّ ما يحتاجه الشخص المسالم، الصمت وعدم الكلام - إلا في موضوعات سطحيَّة دون التعمُّق في الحوار والمناقشات - هو بديل وخيار مناسب للتعامل معهم؛ فعادة الشخصيَّة المسالمة لا تميل إلى كثرة المناقشات؛ فالحياة عندها بسيطة، ولا تحتاج إلى النظرة المتعمِّقة المحلِّلة للأمور باستفاضة.
تغيير لغة التواصل حتى تتكلَّم بلغةٍ يفهمها ويتقبَّلها الآخَر - يعدُّ إنجازًا رائعًا، ويحتاج إلى وعي كبير بمشاعرَ وآراء وأفكار وشخصيةِ الآخَر، ويحقِّق نتائج مُبهرة في التواصل الفعَّال.
على سبيل المثال الشخصيَّة القياديَّة تحتاج إلى الشعور بالتقدير والأهميَّة؛ لأنها ترى أنها اجتهدت كثيرًا وتقدير الآخَرين حقًّا لها ولمجهوداتها وإنجازاتها.
كلما ازداد الوعي الذاتيُّ والوعي بالآخَرين ازدادت فرصةُ الالتقاء الإيجابيِّ في التعاملات الاجتماعيَّة.
التعاطف مع مشاعر واحتياجات الآخَر.
التماس الأعذار وحُسن الظنِّ بالآخَر.
تجنُّب اللوم والعتاب والانتقادات والأوامر، فكلما تمكَّنت مِن تحقيق التوازن بين تلبية احتياجاتك الخاصَّة ومراعاة احتياجات الآخَر، نجحت في إذابة توتُّر العلاقات بينكم.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك