06-14-2015, 05:19 AM
|
عضو مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 5,969
|
|
معالم التوحيد في شهر الصيام
<div>الحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ وَالصَّلاةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَن أَرسَلَهُ اللهُ رَحمةً للعالمينَ وَعَلى آلهِ وَصَحبِهِ وَمَن سَارَ عَلى دَربِهِ واقتَفَى أَثَرَهُ إلى يَومِ الدِينِ وَبَعد:
فإِنَّ اللهَ خَلَقَ الخلقَ لِيُوحِدُّوهُ في عِبَادَتهِ، وَأرسَلَ الرُسُلَ، وَأنزَلَ الكُتُبَ لبيَانِ هذِهِ الحكمَةِ العَظِيمة، كَمَا قَالَ U : } !$tBur $uZù=y™ö‘r& `ÏB šÎ=ö6s% `ÏB @Aqß™§‘ žwÎ) ûÓÇrqçR Ïmø‹s9Î) ¼çm¯Rr& Iw tm»s9Î) HwÎ) O$tRr& Èbr߉ç7ôã$$sù { ]الأنبياء :25[
وقوله U : } ë=»tGÏ. ôMyJÅ3ômé& ¼çmçG»tƒ#uä §NèO ôMn=Å_Áèù `ÏB ÷bà$©! AOŠÅ3ym AŽÎ7yz žwr& (#ÿr߉ç7÷ès? žwÎ) ©!$# 4 { ] هود : 2[
وَمَن يَتَأمَل فيمَا شَرَعَهُ الله U لَنَا مِن العِبَاداتِ الظَاهِرةِ وَالبَاطِنة مِن صَلاَةٍ وَصَومٍ وَحَجٍّ وَغيرِهَا، لَيَلمَح أنَّ تَوحِيدَ اللهِ U وإفرَادِهِ بالعِبَادة مِن أعظَمِ مَقَاصِدِ الشَّريعة التي اندَرَجَت تحتَ أسرَارِ وَحِكَمِ هذهِ العِبَادَات. (1)
ومِن أمثِلَةِ ذَلك : عِبَادةُ الصَّوم التي أوجَبَهَا الله U عَلَى خَلقِهِ بِقَولِه :
} $yg•ƒr'¯»tƒ tûïÏ%©!$# (#qãZtB#uä |=ÏGä. ãNà6ø‹n=tæ ãP$u‹Å_Á9$# $yJx. |=ÏGä. ’n?tã šúïÏ%©!$# `ÏB öNà6Î=ö7s% öNä3ª=yès9 tbqà)*Gs? { ] البقرة :183[
فالصَّومُ قَد حَوَى مِن مَعَالِم التَوحيدِ وَأسرَارِهِ الشَّيءَ الكَثيرَ لمن تَدَبَّره وَعَرَفَ مَقصَدَ الشَارعِ من تَشرِيعِهِ.
هَذا وَإذَا كانَتِ العُبُوديّة لاَ تخرُج عَن ثَلاَثة أمُور: أمرٌ وَنهيٌ وَصَبرٌ ، فَقد حَازَت عِبَادَة الصَّوم جُلَّ هَذه العُبُوديَّات.
فالصَّائِم يَلتزِمُ أثنَاءَ صَومِهِ بما أمَرَهُ الله بِهِ مِن الإمسَاكِ عَن جميعِ المفطِرَاتِ وَيَنتَهِي عَمَّا نهاهُ الله عَنهُ مِنَ الرَّفَثِ وَقَولِ الزُّور، وَيصبِر عَلَى ألمِ الجوعِ وَالعطَش حَتى في شِدَّةِ الهجِير.
رُويَ عَن النَّبِيِّ e أنَّهُ قَالَ : (إِنَّ اللهَ قَضَى عَلَى نَفسِهِ أن مَن عَطّشَ نَفسَه للهِ في يَومٍ حَار كَانَ حَقّاً عَلى اللهِ أن يَروِيَه يَومَ القِيَامَة) (2)
وقَالَ e : ( الطَّاعِمُ الشَّاكر بمنزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِر) (3)
وَالمسلِمُ لاَ يخلُو في كُلِّ وَقتٍ من أوقَاتِهِ مِن حالَينِ:
فَإمَّا هُو في نِعمَةٍ مِن نِعمَ اللهِ تَستَوجِبُ عَلَيهِ شُكرَهُ عَلَيهَا.
وَإمَّا هُو في حَالٍ يَستَوجِبُ عَليه الصَّبرَ عَلَيهِ.
وَهَذَا هُو مَعنىَ قَولِ بَعضِ السَّلف: ( الإيمانُ نِصفَان نِصفُه صَبرٌ، وَنصفُه شُكرٌ)
والصَّوم قَد حَازَ القِدْحَ المعلَّى مِن هَذَينِ الحالَين ، فَالصَّائمُ صَابِرٌ عَلى ألم الجوعِ وَالعَطَشِ، وَهُو في نَفسِ الحالِ شَاكِرٌ لربِّهِ أن وَفَقَه للصِّيَامِ طَاعةً له وَخُضُوعًا لِعَظَمَتِهِ وَجَبَروتِهِ، كَمَا قَال I : } (#qè=ÏJò6çGÏ9ur no£‰Ïèø9$# (#rçŽÉi9x6çGÏ9ur n( ©!$# 4$tB†n?tã öNä31y‰yd ö Nà6¯=yès9ur šcrãä3ô±n@ ]البقرة :185 {
وبهذا تعلَم أيُّهَا القَارِئ مَعنَى قَولِهِ e لمَّا سَألهُ أبو أُمَامَةَ البَاهِليِّ t عَن أفضَلِ الأعمَالِ ، وَفي بَعضِ الرِوَايَاتِ عَن العَمَل الذِي يُدخلُه الجنَّةَ، فَقَالَ e: (عَلَيكَ بالصَّوم فَإنهُ لاَ عِدلَ لَه) (4) وَفي رِوايَةٍ : ( فإنَّه لاَ مِثلَ لَه) (5)
فَبعضُ العِبَادَات- كالصَّومِ مَثَلاً- قَد تَفضُلُ عَلَى غَيرهَا، وَذَلكَ لِكَمَالهاَ وَتمَامِهَا وَمُوافَقَتِهَا لِرضَا الرَّبِ I ،وَلماَ يُصَاحِبُهَا أحيَاناً منَ الأحوَالِ تجعَلُهَا أفضلَ مِن غَيرهَا حَالا لاَجِنساً.
وَعَليهِ فَهلمّ بِنَا - أيُّهَا القَارِئ- نَستَنثِرُ كُنُوزَ التَّوحِيدِ وَمَعَالمِهِ وَأسرَارِهِ وَمَعَانيهِ مِن خِلاَلِ عِبَادةِ الصَّوم:
أولا: مِن مَعَالمِ التَّوحيدِ التي تضمنتهَا عِبَادُة الصَّوم : الإخلاَصُ للهِ I
فَالإخلاَصُ هُو مِن الدُّرُوسِ العَظيمة التي نَستَفِيدُهَا مِن مَدرَسَة الصَّوم.
يَقُولُ الله U كَمَا في الحدِيثِ القُدُسِيِّ : ( كُلُ عَمَلِ ابنِ آدمَ يُضَاعَف.... إلاَّ الصَّوم فَإِنَّهُ لي وَأنَا أجزِي بِهِ يَدَعُ شَهوتَهُ وَ طَعَامَه مِن أَجلِي ) (6)
إنَّ الإِخلاَصَ في الصَّوم لَيسَ كالإِخلاَصِ في سَائِرِ العِبَادَات وَذَلك أنَّ أغلَبَهَا قَد تَعتَريهَا الشَّوَائِب مِن رِيَاءٍ وَسُمعَةٍ وَفَخر، بخلافِ الصَّوم، وَلَعَلَ هَذَا مِنَ الحكَمِ التي مِن أجلِهَا أَضَافَهُ اللهِ U إلى نَفسِهِ .
قَال الحَافِظ ابن حَجَر : (وَقد يُفهَمُ مِن الإتِيَانِ بِصِيغةِ الحصرِ في قَوله إنمَا يَذَرُ.. التَنبِيهَ عَلى الجهَةِ التي بها يَستَحِق الصَّائم ذَلكَ وَهُو الإخَلاص الخَاصُّ بِه) (7)
وَوَجهٌ آخر مِن الحكَمِ هُو أنَّ الرِيَاءَ إذَا خَالَطَ عِبَادَة الصَّوم فَإنَّه يَدخُلُهَا مِن جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا إِذَا تَلَفَّظَ الصَّائمُ بِكونِهِ صَائِماً عَلَى جِهَة الرِّيَاء وَالسُّمعَة، وَهَذَا بخلاَفِ غَيرِهِ مِن العِبَادَات التي أمَرَ الله بهاَ، فَإِنَّهُ يَدخُلُهَا الرِّيَاء مِن جِهَاتٍ كثِيرَةٍ مِنهَا النِيَّة وَالقَول وَالعَمَل.
قَالَ ابن عَبد البَّر النَمَرِيِّ القُرطُبي في التَمهِيد : (فَإن قَال قَائِل وَمَا مَعنَى قَولِه : الصَّومُ لي وَأنَا أَجزِي بِهِ وقَد عُلِمَ أنَّ الأَعمَالَ التي يُرَادُ بها وَجهُ اللهِ كلهَا لَه وَهُوَ يجزي بها فَمعنَاهُ واللهُ أعلَم أنَّ الصَّوم لاَ يَظهَر مِن ابنِ آدمَ في قَولٍ وَلاَ عَمَلٍ وَإنمَّا هو نِيَّة يَنطَوي عَلَيهَا صَاحبهَا وَلاَ يَعلَمُهَا إلاَّ الله) (8)
إِنَّ الإخلاصَ شَرطٌ مِنَ شُرُوطِ قَبُولِ العَمَل نَبَّهّ الله U علَيهِ في غَيرِ مَا ءَايَةٍ كَمَا قَالَ I :
فَلَيسَ الحكمَة في الأعمَالِ بِكثرَتهَا وَإنمَّا بإِحسَانهاَ عَلَى الوَجهِ المطلُوبِ شَرعًا، كَمَا قَالَ U : } öNä.uqè=ö7u‹Ï9 ö/ä3•ƒr& ß`|¡ômr& WxuKtã { وَلم يَقُل (أَكثرُكُم عَمَلاً)
قَال الفُضَيلُ بن عِيَاض : ( لِيَبلُوكُم أيُّكُم أَحسَنُ عَمَلاً..) أَخلَصُهُ وَأَصوَبُهُ
قِيلَ: أبَا عَلِيٍّ وَمَا أخلَصُهُ وَأصوَبُهُ ؟ قَالَ : إِنَّ العَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا وَلم يَكُن صَوَابًا لم يُقبَل وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلم يَكُن خَالِصًا لم يُقبَل حَتى يَكونَ خالصًا وَالخاَلِصُ إِذَا كَانَ للهِ وَالصَّوابُ إِذَا كَانَ عَلَى السُّنَّة ) (9)
إنَّ العِبَادَةَ إِذَا فَقَدت شَرطَ الِإخلاَصِ بَطُلَت وَ صَارَت وَبَالاً عَلى صَاحِبِهَا قَالَ :
!$uZøBωs%ur 4’n ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|