إيقاد الشمعة في جهود العلماء لتوضيح أخطاء البردة

[منتدى اهل الحديث]

المقدمة
الحمد لله ربّ العالمين، إله الأوّلين والآخرين، وخالق الخلق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ليكونوا نذراً وهداة للعالمين. أحمده على ما أنعم علينا وأشكره، وأصلّي وأسلّم على من أُرْسِلَ لرفع راية التوحيد وانتشال البشرية من أوحال الشرك والضلال، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ساروا لنشر دينه سيراً حثيثاً، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد

فإنّ القصيدة المسمّاة بـ" الكواكب الدرّية في مدح خير البريّة" والمشهورة بقصيدة البردة لناظمها محمّد بن سعيد البوصيري- غفر الله لنا وله- قد اشتهر بين طوائف الصوفية والعوام الإنشادُ بها في المجامع والمحافل، وحِيكَت لترويجها الخصائصُ والقِصَصُ والمناماتُ، ولها حضورها في البلدان التي يَقْوَى فيها التصوّف؛ للتبرّك تارة، وللاستفادة من أسلوبها البلاغي أحيانا، و في برهة من الزمن كنت ممن ينشدونها ويعتقدون بركتها ونفعها، وحفظتها في الصغر، ولي قصص معها، منها أنّي قرأت في شرح لها: أنّ من قرأ حين أخذ مضجعه البيت الآتي وكرّره إلى أن يغلبه النّوم فسيرى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ولا أذكر هل جزم ذلك أم علّقه بالمشيئة، ولفرط حبّي للحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم فعلت ذلك ليالي؛ لكنّني لم أر شيئاً، فضعف اعتقادي لقصيدة البردة وأنا حينها لم أزل صوفيّاً، والبيت المشار إليه هو:
نَعَمْ، سَرَى طَيفُ مَن أَهْوَى فَأَرَّقَنِي * وَالحُبُّ يَعْتَرِضُ اللَّذَّتِ بِالأَلمَِ

و لعلّ متحذلقاً صوفيًّا يقرأ كلامي هذا، فينسج لي من خاطره تعليلاً لعدم رؤيتي؛ فيقول: نعم، لم تر النبيّ صلى الله عليه وسلّم تلك الليالي؛ لأنّك لم تراع شروط القصيدة وآدابها! كما ذكروا عن شخص سموه الغزنوي (أو الفرنوي) أنّه كان يقرؤها في كل ليلة ليرى النبي صلّى الله عليه وسلّم في منامه، فلم تتيسر له الرؤيا، فشكا ذلك إلى شيخ كامل (!) فقال له: لعلك لا تراعي شرائطها؟
فقال: لا، بل أراعيها، فراقبه الشيخ ثم قال له: إنك لا تصلي بالصلاة التي كان يصلي بها الإمام (البوصيري) على النبي صلى الله عليه وسلّم وهي قوله: مولاي صل وسلم".
وهذه الخرافات نتيجة حتمية لكلّ من ابتغى الهدى في غير كتاب الله وصحيح سنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولهث وراء الحكايات والمنامات، نسأل الله التوفيق والهداية.


وسيكون بحثنا بتمهيد و ثلاثة مباحث وخاتمة.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك