شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى السيرة النبوية
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: الاذاعة المصرية و السعودية النسخة الاصلية 2 مصحف عبد الباسط مرتل برابط 1 ومزيد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: ياسر ابن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد مصحف صوتي و فيديو 14 سورة تلاوات برابط 1 و مزيد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: عبد الرحمن محمد علي جبر مصحف 6 سورة تلاوات برابط 1 و مزيد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: عبد الرحمن علي الحوال مصحف 2 سورة تلاوات برابط 1 و مزيد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: فيصل محمد الرشيد مصحف اول 9 سور تلاوات برابط 1 و مزيد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: عبد الرحمن الجريذي مصحف كامل 114 سورة تلاوات برابط 1 و مزيد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: عبد الرحمن صاهود الظفيري مصحف 7 سورة تلاوات برابط 1 و مزيد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: عبد الرزاق بني ياسين مصحف 36 سورة تلاوات برابط 1 و مزيد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: عبد القادر ناصر الدين مصحف 6 سورة تلاوات برابط 1 و مزيد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: عبد الفتاح عوينات مصحف 3 سورة تلاوات برابط 1 و مزيد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 05-02-2015, 05:30 PM
منتدى اهل الحديث منتدى اهل الحديث غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 5,969
افتراضي مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 61)

مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 60)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=350284

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَسِتِّينَ
قِصَّةُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهمَا , وَسَبَبُ خُرُوجِهِ بِأَهْلِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْعِرَاقِ فِي طَلَبِ الْإِمَارَةِ وَكَيْفِيَّةِ مَقْتَلِهِ ررر
قَالَ قَتَادَةُ : وُلِدَ الْحُسَيْنُ لِسِتِّ سِنِينَ وَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ مِنَ التَّارِيخِ , وَقُتِلَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ , وَلَهُ أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَنِصْفٌ ررر.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْحُسَيْنَ عَاصَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحِبَهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ , وَلَكِنَّهُ كَانَ صَغِيرًا , ثُمَّ كَانَ الصِّدِّيقُ يُكْرِمُهُ وَيُعَظِّمُهُ , وَكَذَلِكَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ , وَصَحِبَ أَبَاهُ وَرَوَى عَنْهُ , وَكَانَ مَعَهُ فِي مَغَازِيهِ كُلِّهَا ; فِي الْجَمَلِ وَصِفِّينَ , وَكَانَ مُعَظَّمًا مُوَقَّرًا , وَلَمْ يَزَلْ فِي طَاعَةِ أَبِيهِ حَتَّى قُتِلَ ,
فَلَمَّا آلَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى أَخِيهِ , وَأَرَادَ أَنْ يُصَالِحَ مُعَاوِيَةَ , شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَلَمْ يُسَدِّدْ رَأْيَ أَخِيهِ فِي ذَلِكَ , بَلْ حَثَّهُ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ ,
فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ : وَاللَّهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَسْجُنَكَ فِي بَيْتٍ , وَأُطْبِقَ عَلَيْكَ بَابَهُ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ هَذَا الشَّأْنِ , ثُمَّ أُخْرِجَكَ .
فَلَمَّا رَأَى الْحُسَيْنُ ذَلِكَ , سَكَتَ وَسَلَّمَ ,
فَلَمَّا اسْتَقَرَّتِ الْخِلَافَةُ لِمُعَاوِيَةَ , كَانَ الْحُسَيْنُ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ مَعَ أَخِيهِ الْحَسَنِ ,
فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُكْرِمُهُمَا إِكْرَامًا زَائِدًا , وَيَقُولُ لَهُمَا : مَرْحَبًا وَأَهْلًا , وَيُعْطِيهِمَا عَطَاءً جَزِيلًا , وَقَدْ أَطْلَقَ لَهُمَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِائَتَيْ أَلْفٍ , وَقَالَ : خُذَاهَا وَأَنَا ابْنُ هِنْدَ , وَاللَّهِ لَا يُعْطِيكُمَاهَا أَحَدٌ قَبْلِي وَلَا أَحَدٌ بَعْدِي .
فَقَالَ الْحُسَيْنُ : وَاللَّهِ لَنْ تُعْطِيَ أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ قَبْلَكَ وَلَا بَعْدَكَ رَجُلَيْنِ أَفْضَلَ مِنَّا .
وَلِمَا تُوُفِّيَ الْحَسَنُ , كَانَ الْحُسَيْنُ يَفِدُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي كُلِّ عَامٍ , فَيُعْطِيهِ وَيُكْرِمُهُ ,
وَقَدْ كَانَ الْحُسَيْنُ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ غَزَوُا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ مَعَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ .
فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ سَنَةَ سِتِّينَ , وَبُويِعَ لِيَزِيدَ , بَايَعَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَصَمَّمَ الْحُسَيْنُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ , وَخَرَجَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَارَّيْنَ إِلَى مَكَّةَ فَأَقَامَا بِهَا ,
فَعَكَفَ النَّاسُ عَلَى الْحُسَيْنِ يَفِدُونَ إِلَيْهِ وَيَقْدَمُونَ عَلَيْهِ , وَيَجْلِسُونَ حَوَالَيْهِ وَيَسْتَمِعُونَ كَلَامَهُ , حِينَ سَمِعُوا بِمَوْتِ مُعَاوِيَةَ وَخِلَافَةِ يَزِيدَ ,
وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ , فَإِنَّهُ لَزِمَ مُصَلَّاهُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ , وَجَعَلَ يَتَرَدَّدُ فِي غُبُونِ ذَلِكَ إِلَى الْحُسَيْنِ فِي جُمْلَةِ النَّاسِ , وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ بِشَيْءٍ مِمَّا فِي نَفْسِهِ مَعَ وُجُودِ الْحُسَيْنِ ; لِمَا يَعْلَمُ مِنْ تَعْظِيمِ النَّاسِ لَهُ وَتَقْدِيمِهِمْ إِيَّاهُ عَلَيْهِ , غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَتِ السَّرَايَا وَالْبُعُوث إِلَى مَكَّةَ بِسَبَبِهِ , وَلَكِنْ أَظْفَرَهُ اللَّهُ بِهِمْ , كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ آنِفًا , فَانْقَشَعَتِ السَّرَايَا عَنْ مَكَّةَ مَفْلُولِينَ , وَانْتَصَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى مَنْ أَرَادَ هَلَاكَهُ مِنَ الْيَزِيدِيِّينَ , وَضَرَبَ أَخَاهُ عَمْرًا وَسَجَنَهُ , وَاقْتَصَّ مِنْهُ وَأَهَانَهُ , وَعَظُمَ شَأْنُ ابْنِ الزُّبَيْرِ عِنْدَ ذَلِكَ بِبِلَادِ الْحِجَازِ , وَاشْتَهَرَ أَمْرُهُ وَبَعُدَ صِيتُهُ ,
وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ لَيْسَ هُوَ مُعَظَّمًا عِنْدَ النَّاسِ مِثْلَ الْحُسَيْنِ , بَلِ النَّاسُ إِنَّمَا مَيْلُهُمْ إِلَى الْحُسَيْنِ , لِأَنَّهُ السَّيِّدُ الْكَبِيرُ , وَابْنُ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ يُسَامِيهِ وَلَا يُسَاوِيهِ , وَلَكِنَّ الدَّوْلَةَ الْيَزِيدِيَّةَ كُلَّهَا تُنَاوِئُهُ .
وَقَدْ كَثُرَ وُرُودُ الْكُتُبِ عَلَيْهِ مِنْ بِلَادِ الْعِرَاقِ يَدْعُونَهُ إِلَيْهِمْ , وَذَلِكَ حِينَ بَلَغَهُمْ مَوْتُ مُعَاوِيَةَ وَوِلَايَةُ يَزِيدَ , وَمَصِيرُ الْحُسَيْنِ إِلَى مَكَّةَ فِرَارًا مِنْ بَيْعَةِ يَزِيدَ ,
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبْعٍ الْهَمْدَانِيُّ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَالٍ , مَعَهُمَا كِتَابٌ فِيهِ السَّلَامُ وَالتَّهْنِئَةُ بِمَوْتِ مُعَاوِيَةَ , فَقَدِمَا عَلَى الْحُسَيْنِ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ,
ثُمَّ بَعَثُوا ( أهل العراق ) بَعْدَهُمَا نَفَرًا ; مِنْهُمْ : قَيْسُ بْنُ مُسْهِرٍ الصَّيْدَاوِيُّ , وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْكَوَّاءِ الْأَرْحَبِيُّ , وَعُمَارَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلُولِيُّ , وَمَعَهُمْ نَحْوٌ مَنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ كِتَابًا إِلَى الْحُسَيْنِ ,
ثُمَّ بَعَثُوا هَانِئَ بْنَ هَانِئٍ السَّبِيعِيَّ , وَسَعِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيَّ , وَمَعَهُمَا كِتَابٌ فِيهِ الِاسْتِعْجَالُ فِي السَّيْرِ إِلَيْهِمْ ,
وَكَتَبَ إِلَيْهِ ( الحسين ) شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ , وَحَجَّارُ بْنُ أَبْجَرَ , وَيَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رُوَيْمٍ , وَعَزْرَةُ بْنُ قَيْسٍ , وَعَمْرُو بْنُ حَجَّاجٍ الزُّبَيْدِيُّ , وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ : أَمَّا بَعْدُ ؛ فَقَدِ اخْضَرَّ الْجَنَابُ , وَأَيْنَعَتِ الثِّمَارُ , وَطَمَّتِ الْجِمَامُ , فَإِذَا شِئْتَ فَاقْدَمْ عَلَى جُنْدٍ لَكَ مُجَنَّدٍ , وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ .
فَاجْتَمَعَتِ الرُّسُلُ كُلُّهَا بِكُتُبِهَا عِنْدَ الْحُسَيْنِ , وَجَعَلُوا يَسْتَحِثُّونَهُ وَيَسْتَقْدِمُونَهُ عَلَيْهِمْ , لِيُبَايِعُوهُ عِوَضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ; وَيَذْكُرُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّهُمْ فَرِحُوا بِمَوْتِ مُعَاوِيَةَ , وَيَنَالُونَ مِنْهُ , وَيَتَكَلَّمُونَ فِي دَوْلَتِهِ , وَأَنَّهُمْ لَمْ يُبَايِعُوا أَحَدًا إِلَى الْآنَ , وَأَنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ قُدُومَكَ إِلَيْهِمْ لِيُقَدِّمُوكَ عَلَيْهِمْ .
فَعِنْدَ ذَلِكَ بَعَثَ الْحُسَيْنُ ابْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الْعِرَاقِ , لِيَكْشِفَ لَهُ حَقِيقَةَ هَذَا الْأَمْرِ وَالِاتِّفَاقِ , فَإِنْ كَانَ مُتَحَتِّمًا وَأَمْرًا حَازِمًا مُحْكَمًا , بَعَثَ إِلَيْهِ لِيَرْكَبَ فِي أَهْلِهِ وَذَوِيهِ , وَيَأْتِيَ الْكُوفَةَ لِيَظْفَرَ بِمَنْ يُعَادِيهِ , وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ بِذَلِكَ ,
فَلَمَّا سَارَ مُسْلِمٌ مِنْ مَكَّةَ , اجْتَازَ بِالْمَدِينَةِ , فَأَخَذَ مِنْهَا دَلِيلَيْنِ , فَسَارَا بِهِ عَلَى بَرَارِيَّ مَهْجُورَةِ الْمَسَالِكِ , فَكَانَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ مِنْهُمَا أَوَّلَ هَالِكٍ , وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ , وَقَدْ أَضَلُّوا الطَّرِيقَ , فَهَلَكَ الدَّلِيلُ الْوَاحِدُ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ : الْمَضِيقُ , مِنْ بَطْنِ خُبَيْتٍ ,
فَتَطَيَّرَ بِهِ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ , فَتَلَبَّثَ مُسْلِمٌ عَلَى مَا هُنَالِكَ ,
وَمَاتَ الدَّلِيلُ الْآخَرُ ,
فَكَتَبَ مُسْلِمٌ إِلَى الْحُسَيْنِ يَسْتَشِيرُهُ فِي أَمْرِهِ ,
فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَعْزِمُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ الْعِرَاقَ , وَأَنْ يَجْتَمِعَ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ ; لِيَسْتَعْلِمَ أَمْرَهُمْ وَيَسْتَخْبِرَ خَبَرَهُمْ ,
فَلَمَّا دَخَلَ مُسْلِمٌ الْكُوفَةَ نَزَلَ عَلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ : مُسْلِمُ بْنُ عَوْسَجَةَ الْأَسَدِيُّ .
فَتَسَامَعَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِقُدُومِهِ , فَجَاءُوا إِلَيْهِ فَبَايَعُوهُ عَلَى إِمْرَةِ الْحُسَيْنِ , وَحَلَفُوا لَهُ لَيَنْصُرُنَّهُ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ , فَاجْتَمَعَ عَلَى بَيْعَتِهِ مِنْ أَهْلِهَا اثَنَا عَشَرَ أَلْفًا , ثُمَّ تَكَاثَرُوا حَتَّى بَلَغُوا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا ,
فَكَتَبَ مُسْلِمٌ إِلَى الْحُسَيْنِ لِيَقْدَمَ عَلَيْهِمْ , فَقَدْ تَمَهَّدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ وَالْأُمُورُ ,
فَتَجَهَّزَ الْحُسَيْنُ مِنْ مَكَّةَ قَاصِدًا الْكُوفَةَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ,
وَانْتَشَرَ خَبَرُهُمْ , حَتَّى بَلَغَ الخبرُ أَمِيرَ الْكُوفَةِ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ ررر أَخْبَرَهُ رَجُلٌ بِذَلِكَ ,
فَجَعَلَ النُّعْمَانُ يَضْرِبُ عَنْ ذَلِكَ صَفْحًا وَلَا يَعْبَأُ بِهِ , وَلَكِنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ , وَنَهَاهُمْ عَنْ الِاخْتِلَافِ وَالْفِتْنَةِ , وَأَمَرَهُمْ بِالِائْتِلَافِ وَالسُّنَّةِ , وَقَالَ : إِنِّي لَا أُقَاتِلُ مَنْ لَا يُقَاتِلُنِي , وَلَا أَثِبُ عَلَى مَنْ لَا يَثِبُ عَلِيَّ , وَلَا آخُذُكُمْ بِالظِّنَّةِ , وَلَكِنْ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ , لَئِنْ فَارَقْتُمْ إِمَامَكُمْ وَنَكَثْتُمْ بَيْعَتَهُ , لَأُقَاتِلَنَّكُمْ مَا دَامَ فِي يَدِي مِنْ سَيْفِي قَائِمَتُهُ .
فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ سَعِيدٍ الْحَضْرَمِيُّ , فَقَالَ لَهُ : إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا بِالْغَشْمِ ( الظُّلم ) وَإِنَّ الَّذِي سَلَكْتَهُ أَيُّهَا الْأَمِيرُ مَسْلَكُ الْمُسْتَضْعَفِينَ .
فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ ررر : لِأَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ , أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْأَعَزِّينَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ , ثُمَّ نَزَلَ .
فَكَتَبَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَى يَزِيدَ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ , وَكَتَبَ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ , وَعُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى يَزِيدَ أيضا ,
فَبَعَثَ يَزِيدُ , فَعَزَلَ النُّعْمَانَ عَنِ الْكُوفَةِ , وَضَمَّهَا إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ مَعَ الْبَصْرَةِ , وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ سَرْجُونَ مَوْلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ , وَكَانَ يَزِيدُ يَسْتَشِيرُهُ ,
فَقَالَ سَرْجُونُ : أَكُنْتَ قَابِلًا مِنْ مُعَاوِيَةَ مَا أَشَارَ بِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا ؟
قَالَ : نَعَمْ.
قَالَ : فَاقْبَلْ مِنِّي , فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْكُوفَةِ إِلَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ , فَوَلِّهِ إِيَّاهَا ,
وَكَانَ يَزِيدُ يُبْغِضُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ , وَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْزِلَهُ عَنِ الْبَصْرَةِ , فَوَلَّاهُ الْبَصْرَةَ وَالْكُوفَةَ مَعًا لِمَا يُرِيدُهُ اللَّهُ بِهِ وَبِغَيْرِهِ .
ثُمَّ كَتَبَ يَزِيدُ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ : إِذَا قَدِمْتَ الْكُوفَةَ فَتَطَلَّبْ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ , فَإِنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَاقْتُلْهُ أَوِ انْفِهِ .
وَكَتَبَ الْحُسَيْنُ مَعَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ : سُلَيْمانُ , كِتَابًا إِلَى أَشْرَافِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فِيهِ : " أَمَّا بَعْدُ , فَإِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَلْقِهِ , وَأَكْرَمَهُ بِنُبُوَّتِهِ , وَاخْتَارَهُ لِرِسَالَتِهِ , ثُمَّ قَبَضَهُ إِلَيْهِ وَقَدْ نَصَحَ لِعِبَادِهِ وَبَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ , وَكُنَّا أَهْلَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ وَأَوْصِيَاءَهُ وَوَرَثَتَهُ , وَأَحَقَّ النَّاسِ بِمَقَامِهِ فِي النَّاسِ , فَاسْتَأْثَرَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا بِذَلِكَ , فَرَضِينَا وَكَرِهْنَا الْفُرْقَةَ , وَأَحْبَبْنَا الْعَافِيَةَ , وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّا أَحَقُّ بِذَلِكَ الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْنَا مِمَّنْ تَوَلَّاهُ , وَقَدْ أَحْسَنُوا وَأَصْلَحُوا , وَتَحَرَّوُا الْحَقَّ , فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ , وَغَفَرَ لَنَا وَلَهُمْ , وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ بِهَذَا الْكِتَابِ , وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ , فَإِنَّ السُّنَّةَ قَدْ أُمِيتَتْ , وَإِنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ أُحْيِيَتْ , فَإِنْ تَسْمَعُوا قَوْلِي وَتُطِيعُوا أَمْرِي أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ , وَالسَّلَامُ عَلَيْكَمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ "
فَكُلُّ مَنْ قَرَأَ الْكِتَابَ مِنَ الْأَشْرَافِ كَتَمَهُ , إِلَّا الْمُنْذِرَ بْنَ الْجَارُودِ , فَإِنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ دَسِيسَةٌ مِنِ ابْنِ زِيَادٍ , فَجَاءَ بِهِ إِلَيْهِ ,
فَبَعَثَ ابْنُ زِيَادٍ خَلْفَ الرَّسُولِ الَّذِي جَاءَ بِهِ , فَضَرَبَ عُنُقَهُ .
وَصَعِدَ عُبَيْدُ اللَّهِ الْمِنْبَرَ , فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ , فَوَاللَّهِ مَا بِي تُقْرَنُ الصَّعْبَةُ , وَمَا يُقَعْقَعُ لِي بِالشِّنَانِ , وَإِنِّي لَنِكْلٌ لِمَنْ عَادَانِي , وَسِمَامٌ لِمَنْ حَارَبَنِي , أَنْصَفَ الْقَارَّةَ مَنْ رَامَاهَا , يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ , إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَّانِي الْكُوفَةَ , وَأَنَا غَادٍ إِلَيْهَا الْغَدَاةَ , وَقَدِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكَمْ عُثْمَانَ بْنَ زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ , وَإِيَّاكُمْ وَالْخِلَافَ وَالْإِرْجَافَ , فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ , لَئِنْ بَلَغَنِي عَنْ رَجُلٍ مِنْكُمْ خِلَافٌ لَأَقْتُلَنَّهُ وَعَرِيفَهُ وَوَلِيَّهُ , وَلَآخُذَنَّ الْأَدْنَى بِالْأَقْصَى , حَتَّى تَسْتَقِيمُوا لِي , وَلَا يَكُونُ فِيكُمْ مُخَالِفٌ وَلَا مُشَاقٌّ , أَنَا ابْنُ زِيَادٍ , أَشْبَهْتُهُ مِنْ بَيْنِ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى , وَلَمْ يَنْتَزِعْنِي شَبَهُ خَالٍ وَلَا عَمٍّ .
ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ وَمَعَهُ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو الْبَاهِلِيُّ .
فَلَمَّا دَخَلَ الْكُوفَة , دَخَلَهَا مُتَلَثِّمًا بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ , فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ بِمَلَأٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا قَالَ : سَلَامٌ عَلَيْكَمْ.
فَيَقُولُونَ : وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ , مَرْحَبًا يَابْنَ رَسُولِ اللَّهِ , يَظُنُّونَ أَنَّهُ الْحُسَيْنُ , وَقَدْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ قُدُومَهُ , وَتَكَاثَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ ,
وَدَخَلَهَا فِي سَبْعَةَ عَشَرَ رَاكِبًا ,
فَقَالَ لَهُمْ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو الَّذِي مِنْ جِهَةِ يَزِيدَ : تَأَخَّرُوا , هَذَا الْأَمِيرُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ
فَلَمَّا عَلِمُوا ذَلِكَ , عَلَتْهُمْ كَآبَةٌ وَحُزْنٌ شَدِيدٌ ,
فَتَحَقَّقَ عُبَيْدُ اللَّهِ الْخَبَرَ , وَنَزَلَ قَصْرَ الْإِمَارَةِ مِنَ الْكُوفَةِ .
وَلَمَّا انْتَهَى ابْنُ زِيَادٍ إِلَى بَابِ الْقَصْرِ وَهُوَ مُتَلَثِّمٌ , ظَنَّهُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ الْحُسَيْنَ قَدْ قَدِمَ , فَأَغْلَقَ بَابَ الْقَصْرِ , وَقَالَ: مَا أَنَا بِمُسْلِمٍ إِلَيْكَ أَمَانَتِي .
فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ : افْتَحْ لَا فَتَحْتَ .
فَفَتَحَ وَهُوَ يَظُنُّهُ الْحُسَيْنَ , فَلَمَّا تَحَقَّقَ أَنَّهُ عُبَيْدُ اللَّهِ , أُسْقِطَ فِي يَدِهِ ,
فَدَخَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى قَصْرِ الْإِمَارَةِ , وَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى أَنِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ .
فَاجْتَمَعَ النَّاسُ , فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عُبَيْدُ اللَّهِ , فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ , فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَصْلَحَهُ اللَّهُ , وَلَّانِي مِصْرَكُمْ وَثَغْرَكُمْ وَفَيْئَكُمْ , وَأَمَرَنِي بِإِنْصَافِ مَظْلُومِكُمْ , وَإِعْطَاءِ مَحْرُومِكُمْ , وَبِالْإِحْسَانِ إِلَى سَامِعِكُمْ وَمُطِيعِكُمْ , وَبِالشِّدَّةِ عَلَى مُرِيبِكُمْ وَعَاصِيكُمْ , وَأَنَا مُمْتَثِلٌ فِيكُمْ أَمْرَهُ وَمُنَفِّذٌ عَهْدَهُ .
ثُمَّ نَزَلَ , وَأَمَرَ الْعُرَفَاءَ ( جمع عريف , وهو المختار , أو العمدة , أو الشيخ ) أَنْ يَكْتُبُوا مَنْ عِنْدَهُمْ مِنَ الْحَرُورِيَّةِ وَأَهْلِ الرِّيَبِ وَالْخِلَافِ وَالشِّقَاقِ , وَأَيُّمَا عَرِيفٍ لَمْ يُطْلِعْنَا عَلَى ذَلِكَ , صُلِبَ وَنُفِيَ , وَأُسْقِطَتْ عِرَافَتُهُ مِنَ الدِّيوَانِ .
فَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ عُبَيْدِ اللَّهِ , أَرْسَلَ مَوْلًى لِبَنِي تَمِيمٍ وَمَعَهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فِي صُورَةِ قَاصِدٍ مِنْ بِلَادِ حِمْصَ , وَأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ لِهَذِهِ الْبَيْعَةِ ,
فَذَهَبَ ذَلِكَ الْمَوْلَى , فَلَمْ يَزَلْ يَتَلَطَّفُ وَيَسْتَدِلُّ عَلَى الدَّارِ الَّتِي يُبَايِعُونَ بِهَا مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ , حَتَّى دَخَلَهَا , وَهِيَ دَارُ هَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ , فَبَايَعَ , وَأَدْخَلُوهُ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ ,
فَلَزِمَهُمْ ( الجاسوس ) أَيَّامًا حَتَّى اطَّلَعَ عَلَى جَلِيَّةِ أَمْرِهِمْ , فَدَفَعَ الْمَالَ إِلَى أَبِي ثُمَامَةَ الصَّائِدِيِّ بِأَمْرِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ , وَكَانَ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ مَا يُؤْتَى بِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَيَشْتَرِي السِّلَاحَ , وَكَانَ مِنْ فُرْسَانِ الْعَرَبِ .
فَرَجَعَ ذَلِكَ الْمَوْلَى , وَأَعْلَمَ عُبَيْدَ اللَّهِ بِالدَّارِ وَصَاحِبِهَا , وَقَدْ تَحَوَّلَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ مِنْ دَارِ هَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ الْمُرَادِيِّ إِلَى دَارِ شَرِيكِ بْنِ الْأَعْوَرِ - وَكَانَ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْأَكَابِرِ - وَبَلَغَهُ ( شريك ) أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ يُرِيدُ عِيَادَتَهُ ,
فَبَعَثَ إِلَى هَانِئٍ يَقُولُ لَهُ : ابْعَثْ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ حَتَّى يَكُونَ فِي دَارِي لِيَقْتُلَ عُبَيْدَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ يَعُودُنِي .
فَبَعَثَهُ إِلَيْهِ ,
فَقَالَ لَهُ شَرِيكٌ : كُنْ أَنْتَ فِي الْخِبَاءِ , فَإِذَا جَلَسَ عُبَيْدُ اللَّهِ , فَإِنِّي أَطْلُبُ الْمَاءَ , وَهِيَ إِشَارَتِي إِلَيْكَ , فَاخْرُجْ فَاقْتُلْهُ .
فَلَمَّا جَاءَ عُبَيْدُ اللَّهِ , جَلَسَ عَلَى فِرَاشِ شَرِيكٍ وَعِنْدَهُ هَانِئُ بْنُ عُرْوَةَ , وَقَامَ بَيْنَ يَدَيْ عُبَيْدِ اللَّهِ غُلَامٌ يُقَالُ له : مِهْرَانُ . فَتَحَدَّثَ عُبَيْدُ اللَّهِ عِنْدَهُ سَاعَةً ,
ثُمَّ قَالَ شَرِيكٌ : اسْقُونِي مَاءً .
فَتَجَبَّنَ مُسْلِمٌ عَنْ قَتْلِهِ ,
وَخَرَجَتْ جَارِيَةٌ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ , فَوَجَدَتْ مُسْلِمًا فِي الْخِبَاءِ , فَاسْتَحْيَتْ وَرَجَعَتْ .
قَالَهَا شَرِيكٌ ثَلَاثًا , ثُمَّ قَالَ : اسْقُونِي وَلَوْ كَانَ فِيهِ ذَهَابُ نَفْسِي , أَتَحْمُونَنِي مِنَ الْمَاءِ ؟
فَفَهِمَ مِهْرَانُ الْغَدْرَ , فَغَمَزَ مَوْلَاهُ , فَنَهَضَ سَرِيعًا وَخَرَجَ ,
فَقَالَ شَرِيكٌ : أَيُّهَا الْأَمِيرُ , إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ إِلَيْكَ .
فَقَالَ : إِنِّي سَأَعُودُ إِلَيْكَ .
فَخَرَجَ بِهِ مَوْلَاهُ فَأَذْهَبَهُ , وَجَعَلَ يَطْرُدُ بِهِ , يَقُولُ لَهُ : إِنَّ الْقَوْمَ أَرَادُوا قَتْلَكَ .
فَقَالَ : وَيْحَكَ ! إِنِّي بِهِمْ لَرَفِيقٌ , فَمَا بَالُهُمْ ؟!
وَقَالَ شَرِيكٌ لِمُسْلِمٍ : مَا مَنَعَكَ أَنْ تَخْرُجَ فَتَقْتُلَهُ ؟
قَالَ : حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ , لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ » وَكَرِهْتُ أَنْ أَقْتُلَهُ فِي بَيْتِكَ .
فَقَالَ : أَمَا لَوْ قَتَلْتَهُ لَجَلَسْتَ فِي الْقَصْرِ لَمْ تَسْتَعْدِ مِنْهُ أَحَدٌ , وَلَتُكْفَيَنَّ أَمْرَ الْبَصْرَةِ , وَلَوْ قَتَلْتَهُ لَقَتَلْتَ ظَالِمًا فَاجِرًا .
وَمَاتَ شَرِيكٌ بَعْدَ ثَلَاثٍ .
وَكَانَ هَانِئُ بْنِ عُرْوَةَ الْمُرَادِيِّ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ الْكِبَارِ , وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ مُنْذُ قَدِمَ , وَتَمَارَضَ ,
فَذَكَرَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ , وَقَالَ : مَا بَالُ هَانِئٍ لَمْ يَأْتِنِي مَعَ الْأُمَرَاءِ ؟
فَقَالُوا : أَيُّهَا الْأَمِيرُ , إِنَّهُ يَشْتَكِي .
فَقَالَ : قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى بَابِ دَارِهِ .
فَجَاءَ الْأُمَرَاءُ إِلَى هَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ , فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَدْخَلُوهُ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ ,
فَالْتَفَتَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى الْقَاضِي شُرَيْحٍ , فَقَالَ مُتَمَثِّلًا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :
أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي. . . عَذِيرُكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادِ
فَلَمَّا سَلَّمَ هَانِئٌ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ : يَا هَانِئُ , أَيْنَ مُسْلِمُ بْنَ عَقِيلٍ ؟
قَالَ : لَا أَدْرِي .
فَقَامَ ذَلِكَ الْمَوْلَى التَّمِيمِيُّ الَّذِي دَخَلَ دَارَ هَانِئٍ فِي صُورَةِ قَاصِدٍ مِنْ حِمْصَ , فَبَايَعَ فِي دَارِهِ , وَدَفَعَ الدَّرَاهِمَ بِحَضْرَةِ هَانِئٍ إِلَى مُسْلِمٍ ,
فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : أَتَعْرِفُ هَذَا ؟
فَلَمَّا رَآهُ هَانِئٌ قُطِعَ بِهِ وَأُسْقِطَ فِي يَدِهِ , فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ , وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُهُ ( مسلم ) إِلَى مَنْزِلِي , وَلَكِنَّهُ جَاءَ فَطَرَحَ نَفْسَهُ عَلَيَّ .
فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : فَأْتِنِي بِهِ .
فَقَالَ : وَاللَّهِ لَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَا رَفَعْتُهُمَا عَنْهُ .
فَقَالَ : أَدْنُوهُ مِنِّي .
فَأَدْنَوْهُ ,
فَضَرَبَهُ بِحَرْبَةٍ عَلَى وَجْهِهِ , فَشَجَّهُ عَلَى حَاجِبِهِ , وَكَسَرَ أَنْفَهُ ,
وَتَنَاوَلَ هَانِئٌ سَيْفَ شُرْطِيٍّ لِيَسُلَّهُ , فَدُفِعَ عَنْ ذَلِكَ ,
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ لِي دَمَكَ ; لَأَنَّكَ حَرُورِيٌّ , ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَحَبَسَهُ فِي جَانِبِ الدَّارِ ,
وَجَاءَ قَوْمُهُ مِنْ بَنِي مَذْحِجٍ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْحَجَّاجِ , فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ الْقَصْرِ , يَظُنُّونَ أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ ,
فَسَمِعَ عُبَيْدُ اللَّهِ لَهُمْ جَلَبَةً , فَقَالَ لِشُرَيْحٍ الْقَاضِي وَهُوَ عِنْدَهُ : اخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَقُلْ لَهُمْ : إِنَّ الْأَمِيرَ لَمْ يَحْبِسْهُ إِلَّا لَيَسْأَلَهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ .
فَقَالَ لَهُمْ : إِنْ صَاحِبَكُمْ حَيٌّ , وَقَدْ ضَرَبَهُ سُلْطَانُنَا ضَرْبًا لَمْ يَبْلُغْ نَفْسَهُ , فَانْصَرِفُوا وَلَا تُحِلُّوا بِأَنْفُسِكُمْ وَلَا بِصَاحِبِكُمْ .
فَتَفَرَّقُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ ,
وَسَمِعَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ الْخَبَرَ , فَرَكِبَ وَنَادَى بِشِعَارِهِ : يَا مَنْصُورُ أَمِتْ .
فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ , وَكَانَ مَعَهُ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ , وَمَعَهُ رَايَةٌ خَضْرَاءُ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ بِرَايَةٍ حَمْرَاءَ ,
فَرَتَّبَهُمْ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً ,
وَسَارَ هُوَ فِي الْقَلْبِ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي أَمْرِ هَانِئٍ , وَيُحَذِّرُهُمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ , وَأَشْرَافُ النَّاسِ وَأُمَرَاؤُهُمْ تَحْتَ مِنْبَرِهِ ,
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ , إِذْ جَاءَتِ النَّظَّارَةُ يَقُولُونَ : جَاءَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ .
فَبَادَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَدَخَلَ وَمَنْ مَعَهُ الْقَصْرَ , وَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ,
فَلَمَّا انْتَهَى مُسْلِمٌ إِلَى بَابِ الْقَصْرِ وَقَفَ بِجَيْشِهِ هُنَاكَ ,
فَأَشْرَفَ أُمَرَاءُ الْقَبَائِلِ الَّذِينَ عِنْدَ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي الْقَصْرِ , فَأَشَارُوا إِلَى قَوْمِهِمُ الَّذِينَ مَعَ مُسْلِمٍ بِالِانْصِرَافِ , وَتَهَدَّدُوهُمْ وَوَعَدُوهُمْ وَتَوَعَّدُوهُمْ ,
وَأَخْرَجَ عُبَيْدُ اللَّهِ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْكَبُوا فِي الْكُوفَةِ يُخَذِّلُونَ النَّاسَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ ,
فَفَعَلُوا ذَلِكَ
فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تَجِيءُ إِلَى ابْنِهَا وَأَخِيهَا فَتَقُولُ : ارْجِعِ , النَّاسُ يَكْفُونَكَ .
وَيَقُولُ الرَّجُلُ لَابْنِهِ وَأَخِيهِ : كَأَنَّكَ غَدًا بِجُنُودِ الشَّامِ قَدْ أَقْبَلَتْ , فَمَاذَا تَصْنَعُ مَعَهُمْ ؟
فَتَخَاذَلَ النَّاسُ , وَقَصَّرُوا , وَتَصَرَّمُوا , وَانْصَرَفُوا عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ , فَمَا أَمْسَى إِلَّا وَهُوَ فِي خَمْسِمِائَةِ نَفْسٍ ,
ثُمَّ بَقِيَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ ,
ثُمَّ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا ثَلَاثُونَ رَجُلًا ,
فَصَلَّى بِهِمُ الْمَغْرِبَ , وَقَصَدَ أَبْوَابَ كِنْدَةَ , فَخَرَجَ مِنْهَا فِي عَشَرَةٍ ,
ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ
,
فَبَقِيَ وَحْدَهُ , لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ , وَلَا مَنْ يُوَاسِيهِ بْنفْسِهِ , وَلَا مَنْ يَأْوِيهِ إِلَى مَنْزِلِهِ , فَذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ , وَاخْتَلَطَ الظَّلَامُ وَهُوَ وَحْدَهُ يَتَرَدَّدُ فِي الطَّرِيقِ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ , فَأَتَى بَابًا , فَنَزَلَ عِنْدَهُ وَطَرَقَهُ ,
فَخَرَجَتْ مِنْهُ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا : طَوْعَةُ - كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ , وَقَدْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ , يُقَالُ لَهُ : بِلَالُ بْنُ أُسَيْدٍ , خَرَجَ مَعَ النَّاسِ ( أي : الذين ثاروا على عبيد الله بن زياد , من أجل أن يحكمهم الحسين بن علي ) وَأُمُّهُ قَائِمَةٌ بِالْبَابِ تَنْتَظِرُهُ -
فَقَالَ لَهَا مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ : اسْقِنِي مَاءً .
فَسَقَتْهُ , ثُمَّ دَخَلَتْ وَخَرَجَتْ فَوَجَدَتْهُ , فَقَالَتْ : أَلَمْ تَشْرَبْ ؟
قَالَ : بَلَى .
قَالَتْ : فَاذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ .
فَسَكَتَ ,
فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَهُوَ سَاكِتٌ ,
فَقَالَتْ : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا عَبْدَ اللَّهِ ! قُمْ إِلَى أَهْلِكَ عَافَاكَ اللَّهُ , فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَكَ الْجُلُوسُ عَلَى بَابِي , وَلَا أُحِلُّهُ لَكَ .
فَقَامَ فَقَالَ : يَا أَمَةَ اللَّهِ , لَيْسَ لِي فِي هَذَا الْبَلَدِ مَنْزِلٌ وَلَا عَشِيرَةٌ , فَهَلْ لَكِ إِلَى أَجْرٍ وَمَعْرُوفٍ وَفِعْلٍ نُكَافِئُكِ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ .
فَقَالَتْ : يَا عَبْدَ اللَّهِ وَمَا ذَاكَ ؟
قَالَ : أَنَا مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ , كَذَّبَنِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ وَغَرُّونِي .
فَقَالَتْ : أَنْتَ مُسْلِمٌ ؟
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَتِ : ادْخُلْ .
فَأَدْخَلَتْهُ بَيْتًا مِنْ دَارِهَا غَيْرَ الْبَيْتِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ , وَفَرَشَتْ لَهُ , وَعَرَضَتْ عَلَيْهِ الْعَشَاءَ
فَلَمْ يَتَعَشَّ ,
فَلَمْ يَكُنْ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ جَاءَ ابْنُهَا ( أي : الذي خرج مع ثاروا على عبيد الله بن زياد , من أجل أن يحكمهم الحسين بن علي ) فَرَآهَا تُكْثِرُ الدُّخُولَ وَالْخُرُوجَ , فَسَأَلَهَا عَنْ شَأْنِهَا
فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ , الْهُ عَنْ هَذَا .
فَأَلَحَّ عَلَيْهَا ,
فَأَخَذَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُحَدِّثَ أَحَدًا , فَأَخْبَرَتْهُ خَبَرَ مُسْلِمٍ , فَاضْطَجَعَ وَسَكَتَ إِلَى الصَّبَاحِ .
وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ , فَإِنَّهُ نَزَلَ مِنَ الْقَصْرِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْأَشْرَافِ بَعْدَ أذان عِشَاءِ الْآخِرَةِ , فَصَلَّى بِهِمُ الْعِشَاءَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ , ثُمَّ خَطَبَهُمْ , وَطَلَبَ مِنْهُمْ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ , وَحَثَّ عَلَى طَلَبِهِ , وَمِنْ وُجِدَ عِنْدِهِ وَلَمْ يُعْلِمْ بِهِ فَدَمُهُ هَدَرٌ , وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَلَهُ دِيَتُهُ , وَطَلَبَ الشُّرَطَ , وَحَرَّضَهُمْ عَلَى تَطَلُّبِهِ وَتَهَدَّدَهُمْ وَتَوَعَّدَهُمْ ,
فَلَمَّا أَصْبَحَ ابْنُ تِلْكَ الْمرأة , ذَهَبَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ , فَأَعْلَمَهُ بِأَنَّ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ فِي دَارِهِمْ !!!!
فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ , فَسَارَّ أَبَاهُ بِذَلِكَ وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ زِيَادٍ ,
فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ : مَا سَارَّكَ بِهِ ؟
فَقَالَ : أَخْبَرَنِي أَنَّ مُسْلِمًا فِي بَعْضِ دُورِنَا .
فَنَخَسَ ابْنُ زِيَادٍ بِقَضِيبٍ فِي جَنْبِهِ وَقَالَ : قُمْ فَأْتِنِي بِهِ السَّاعَةَ .
وَبَعَثَ ابْنُ زِيَادٍ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيَّ - وَكَانَ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ - وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ فِي سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ فَارِسًا ,
فَلَمْ يَشْعُرْ مُسْلِمٌ إِلَّا وَقَدْ أُحِيطَ بِالدَّارِ الَّتِي هُوَ فِيهَا , فَدَخَلُوا عَلَيْهِ ,
فَقَامَ إِلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ , فَأَخْرَجَهُمْ مِنَ الدَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ , وَأُصِيبَتْ شَفَتُهُ الْعُلْيَا وَالسُّفْلَى ,
ثُمَّ جَعَلُوا يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ , وَيُلْهِبُونَ النَّارَ فِي أَطْنَانِ الْقَصَبِ وَيُلْقُونَهَا عَلَيْهِ ,
فَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا , فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَهُمْ ,
فَأَعْطَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَشْعَثِ الْأَمَانَ ,
فَأَمْكَنَهُ مِنْ يَدِهِ ( استسلم )
وَجَاءُوا بِبَغْلَةٍ فَأَرْكَبُوهُ عَلَيْهَا , وَسَلَبُوا مِنْهُ سَيْفَهُ , فَلَمْ يَبْقَ يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا , فَبَكَى مسلمٌ عِنْدَ ذَلِكَ , وَعَرَفَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ , فَيَئِسَ مِنْ نَفْسِهِ , وَقَالَ : إِنَّا لَلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حَوْلَهُ : إِنَّ مَنْ يَطْلُبُ مِثْلَ الَّذِي تَطْلُبُ , لَا يَبْكِي إِذَا نَزَلَ بِهِ هَذَا .
فَقَالَ : أَمَا وَاللَّهِ لَسْتُ أَبْكِي عَلَى نَفْسِي , وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى الْحُسَيْنِ وَآلِ الْحُسَيْنِ , إِنَّهُ قَدْ خَرَجَ إِلَيْكُمُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا مِنْ مَكَّةَ .
ثُمَّ الْتَفَتَ مُسْلِمٌ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ فَقَالَ : إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْعَثَ إِلَى الْحُسَيْنِ عَلَى لَسَانِي تَأْمُرُهُ بِالرُّجُوعِ فَافْعَلْ .
فَبَعَثَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ إِلَى الْحُسَيْنِ يَأْمُرُهُ بِالرُّجُوعِ ,
فَلَمْ يُصَدِّقِ الْحُسَيْنُ الرَّسُولَ فِي ذَلِكَ , وَقَالَ : كُلُّ مَا حُمَّ وَاقِعٌ .
وَلَمَّا انْتَهَى مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ إِلَى بَابِ الْقَصْرِ , إِذَا عَلَى بَابِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ مِنْ أَبْنَاءِ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ يَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونَهُ , يَنْتَظِرُونَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ , وَمُسْلِمٌ مُخَضَّبٌ بِالدِّمَاءِ وَجْهُهُ وَثِيَابُهُ , وَهُوَ مُثْخَنٌ بِالْجِرَاحِ , فِي غَايَةِ الْعَطَشِ , وَإِذَا قُلَّةٌ مِنْ مَاءٍ بَارِدٍ هُنَالِكَ , فَأَرَادَ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا لَيَشْرَبَ مِنْهَا ,
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أُولَئِكَ : وَاللَّهِ لَا تَشْرَبُ مِنْهَا حَتَّى تَشْرَبَ مِنَ الْحَمِيمِ .
فَقَالَ لَهُ : وَيْلَكَ يَا ابْنَ بَاهِلَةَ ! أَنْتَ أَوْلَى بِالْحَمِيمِ وَالْخُلُودِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ مِنِّي .
ثُمَّ جَلَسَ مُتَسَانِدًا إِلَى الْحَائِطِ مِنَ التَّعَبِ وَالْكَلَالِ وَالْعَطَشِ ,
فَبَعَثَ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مَوْلًى لَهُ إِلَى دَارِهِ , فَجَاءَ بِقُلَّةٍ عَلَيْهَا مِنْدِيلٌ وَمَعَهُ قَدَحٌ , فَجَعَلَ يُفْرِغُ لَهُ فِي الْقَدَحِ , وَيُعْطِيهِ فَيَشْرَبُ ,
فَلَا يَسْتَطِيعُ مُسْلِمٌ مِنْ كَثْرَةِ الدِّمَاءِ الَّتِي تَعْلُو عَلَى الْمَاءِ , مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ,
فَلَمَّا شَرِبَ سَقَطَتْ ثَنْيَتَاهُ ( أسنانه ) مَعَ الْمَاءِ ,
فَقَالَ : الْحَمْدُ لَلَّهِ , لَقَدْ كَانَ لِي مِنَ الرِّزْقِ الْمَقْسُومِ شَرْبَةُ مَاءٍ .
ثُمَّ أُدْخِلَ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ , فَلَمَّا أُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ ,
فَقَالَ لَهُ الْحَرَسِيُّ : أَلَا تُسَلِّمُ عَلَى الْأَمِيرِ ؟!
فَقَالَ : لَا , إِنْ كَانَ يُرِيدُ قَتْلِي فَلَا حَاجَةَ لِي بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ , وَإِنْ لَمْ يُرِدْ قَتْلِي فَسَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ كَثِيرًا .
فَأَقْبَلَ ابْنُ زِيَادٍ عَلَيْهِ فَقَالَ : إِيهِ يَا ابْنَ عَقِيلٍ , أَتَيْتَ النَّاسَ وَأَمْرُهُمْ جَمِيعٌ وَكَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ ; لِتُشَتِّتَهُمْ , وَتُفَرِّقَ كَلِمَتَهُمْ , وَتَحْمِلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ؟!
قَالَ : كَلَّا , لَسْتُ لَذَلِكَ أَتَيْتُ , وَلَكِنْ أَهْلُ الْمِصْرِ ( العراق ) زَعَمُوا أَنَّ أَبَاكَ قَتَلَ خِيَارَهُمْ , وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ , وَعَمِلَ فِيهِمْ أَعْمَالَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ , فَأَتَيْنَاهُمْ لَنَأْمُرَ بِالْعَدْلِ , وَنَدْعُوَ إِلَى حُكْمِ الْكِتَابِ .
قَالَ : وَمَا أَنْتَ وَذَاكَ يَا فَاسِقُ , أَوَلَمْ نَكُنْ نَعْمَلُ بِذَلِكَ فِيهِمْ إِذْ أَنْتَ بِالْمَدِينَةِ تَشْرَبُ الْخَمْرَ ؟
فَقَالَ : أَنَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ ؟! وَاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَيَعْلَمُ أَنَّكَ غَيْرُ صَادِقٍ , وَأَنَّكَ قُلْتَ بِغَيْرِ عِلْمٍ , وَأَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي , فَإِنِّي لَسْتُ كَمَا ذَكَرْتَ , وَإِنَّ أَوْلَى بِهَا مِنِّي مَنْ يَلِغُ فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَغًا , وَيَقْتُلُ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بِغَيْرِ نَفْسٍ , وَيَقْتُلُ عَلَى الْغَضَبِ وَالظَّنِّ , وَهُوَ يَلْهُو وَيَلْعَبُ كَأَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا .
فَقَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ : يَا فَاسِقُ , إِنَّ نَفْسَكَ تُمَنِّيكَ مَا حَالَ اللَّهُ دُونَكَ وَدُونَهُ , وَلَمْ يَرَكَ أَهْلَهُ .
قَالَ : فَمَنْ أَهْلُهُ يَا ابْنَ زِيَادٍ ؟
قَالَ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ .
قَالَ : الْحَمْدُ لَلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ , رَضِينَا بِاللَّهِ حَكَمًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ .
قَالَ : كَأَنَّكَ تَظُنُّ أَنَّ لَكُمْ فِي الْأَمْرِ شَيْئًا ؟
قَالَ : لَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالظَّنِّ , وَلَكِنَّهُ الْيَقِينُ .
فقَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ : إِنِّي قَاتِلُكَ .
قَالَ : كَذَلِكَ ؟
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : فَدَعْنِي أُوصِي إِلَى بَعْضِ قَوْمِي .
قَالَ : أَوْصِ.
فَنَظَرَ فِي جُلَسَائِهِ وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ .
فَقَالَ : يَا عُمَرُ , إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَرَابَةٌ , وَلِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ , وَهُوَ سِرٌّ .
فَأَبَى أَنْ يَقُومَ مَعَهُ حَتَّى أَذِنَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ , فَقَامَ فَتَنَحَّى قَرِيبًا مِنِ ابْنِ زِيَادٍ ,
فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ : إِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا فِي الْكُوفَةِ ; سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاقْضِهَا عَنِّي , وَاسْتَوْهِبْ جُثَّتِي مِنِ ابْنِ زِيَادٍ فَوَارِهَا , وَابْعَثْ إِلَى الْحُسَيْنِ , فَإِنِّي قَدْ كَتَبْتُ إِلَيْهِ أُعْلِمُهُ أَنَّ النَّاسَ مَعَهُ , وَلَا أَرَاهُ إِلَّا مُقْبِلًا .
فَقَامَ عُمَرُ فَعَرَضَ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ مَا قَالَ لَهُ ,
فَأَجَازَ لَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ , وَقَالَ : وَأَمَّا الْحُسَيْنُ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يُرِدْنَا لَا نُرِدْهُ , وَإِنْ أَرَادَنَا لَمْ نَكُفَّ عَنْهُ .
ثُمَّ أَمَرَ ابْنُ زِيَادٍ بِمُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ , فَأُصْعِدَ إِلَى أَعَلَى الْقَصْرِ , وَهُوَ يُكَبِّرُ وَيَسْتَغْفِرُ وَيُصَلِّي عَلَى مَلَائِكَةِ اللَّهِ , وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ غَرُّونَا وَخَذَلُونَا .
ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : بُكَيْرُ بْنُ حُمْرَانَ , ثُمَّ أَلْقَى رَأْسَهُ إِلَى أَسْفَلِ الْقَصْرِ , وَأَتْبَعَ رَأْسَهُ بِجَسَدِهِ .
ثُمَّ أَمَرَ ابْنُ زِيَادٍ بِهَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ الْمَذْحِجِيِّ , فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ بِسُوقِ الْغَنَمِ , وَصُلِبَ بِمَكَانٍ مِنَ الْكُوفَةِ يُقَالُ لَهُ : الْكُنَاسَةُ .
ثُمَّ بعثَ ابْنُ زِيَادٍ بِرُءُوسِهِمَا إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ إِلَى الشَّامِ , وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا بِصُورَةِ مَا وَقَعَ مِنْ أَمْرِهِمَا .

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 02:05 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات