09-28-2014, 03:12 PM
|
مشرف
|
|
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 7,826
|
|
أحكام الاختلاف في رؤية هلال ذي الحجة
أحكام الاختلاف في رؤية هلال ذي الحجة
[ قاعدة: غم هلال ذي الحجة ]
تأليف
الحافظ ابن رجب الحنبلي
736 هـ ـ 795 هـ
تحقيق ودراسة
د. عبدالله بن عبد العزيز الجبرين
الأستاذ المشارك بكلية المعلمين بالرّياض
(النّصّ المحقّق)
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن ووفق للخير يا كريم[1] قال الشيخ الإمام العالم العلامة الأوحد الفهامة[2] وحيد عصره، وفريد دهره: أبو الفرج[3] عبد الرحمن بن الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى[4].
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له، ومَنْ يضلل[5]فلا هاديَ له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فقد وقع في هذا العام وهو عام أربعة وثمانين وسبعمائة حادثة، وهو أنه غم هلال ذي الحجة[6] فأكمل الناس هلال ذي القعدة، ثم تحدث الناس برؤية هلال ذي الحجة، وشهد به أناس[7]لم يسمع الحاكم شهادتهم، واستمر الحال على إكمال عدة[8] شهر ذي القعدة، فتوقف بعض الناس عن[9] صيام التاسع[10] الذي هو يوم عرفة في هذا العام. وقالوا هو يوم النحر على ما أخبر به أولئك الشهود الذين لم تقبل شهادتهم، وقيل: إن بعضهم ضحى في ذلك اليوم، وحصل للناس بسبب ذلك اضطراب.
فأحببت أن أكتب في ذلك ما يسره الله تعالى. وبه[11] المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فنقول: هذه المسألة لها صورتان:
إحداهما:
أن يكون الشك مستندا إلى قرائن مجردة[12]، أو إلى شهادة من لا تقبل شهادته[13] إما لانفراده بالرؤية أو لكونه ممن لا يجوز قبول قوله ونحو ذلك؛
فهذه المسألة قد اختلف الناس فيها[14] على قولين.
أحدهما: أنه لا يصام في هذه الحالة[15]. قال النخعي[16] في صوم يوم عرفة في الحضر: إذا كان فيه اختلاف فلا تصومن[17] وعنه قال: كانوا لا يرون بصوم يوم عرفة بأسا إلا أن يتخوفوا أن يكون يوم الذبح[18]. خرجهما ابن أبي شيبة في كتابه، وسنذكر عن مسروق[19] وغيره من التابعين مثل ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى[20].
وكلام هؤلاء قد يقال- والله أعلم- إنه محمول[21] على الكراهة دون التحريم. وقد ذكر شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى في صوم هذا اليوم في هذه الحالة[22] أنه جائز بلا نزاع بين العلماء. قال: لأن الأصل عدم العاشر كما أنهم لو شكوا ليلة الثلاثين من رمضان هل طلع الهلال أم[23] لم يطلع؟ فإنهم يصومون ذلك اليوم باتفاق الأئمة وإنما[24] يوم الشك الذي رويت فيه الكراهة الشك[25] في أول رمضان[26]، لأن الأصل بقاء شعبان. انتهى[27].
فإما أن يكون اطلع على كلام النخعي وحمله على الكراهة. فلذلك[28] نفى النزاع في جوازه، وإما أن يكون لم يطلع عليه، ومراده: أن يستصحب الأصل في كلا الموضعين، لأن الأصل بقاء الشهر المتيقن وجوده وعدم دخول الشهر المشكوك في دخوله[29]، فكذلك هنا إذا شك في دخول ذي الحجة[30] بنى[31] الأمر على إكمال ذي القعدة، لأنه الأصل، ويصام يوم عرفة على هذا الحساب، وهو تكميل شهر ذي القعدة.
ولكن من السلف من كان يصوم يوم الشك في أول رمضان احتياطيا[32]، وفرق طائفة منهم بين أن تكون السماء مصحية أو مغيمة[33]؛ كما هو المشهور عن الإمام أحمد[34].
والاحتياط هنا: إنما يؤثر[35] في استحباب صيام الثامن والتاسع من ذي الحجة مع الشك احتياطا. كما قال ابن سيرين وغيره أنه مع اشتباه الأشهر في[36] شهر المحرم يصام منه ثلاثة أيام احتياطا ليحصل بذلك صيام يوم التاسع والعاشر، ووافقه[37] الإمام أحمد رحمه الله على ذلك[38].
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يعلل[39] صيام التاسع مع العاشر بالاحتياط[40] أيضا خشية فوات صوم يوم عاشوراء[41].
وأما أن الاحتياط ينهض[42] إلى تحريم صيام يوم التاسع من ذي الحجة لمجرد[43] الشك فكلا، لأن الأصل بقاء ذي القعدة وعدم استهلاك ذي الحجة، فلا[44] يحرم صوم يوم[45] التاسع منه بمجرد الشك، كما يجب صوم الثلاثين[46] من رمضان مع الشك في استهلاك شوال، لأن الأصل عدمه وبقاء رمضان.
القول الثاني: أنه يصام ولا يلتفت إلى الشك، وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها من وجوه. قال عبد الرزاق في كتابه: أخبرنا[47] معمر عن جعفر بن برقان عن الحكم أو غيره[48] عن مسروق أنه دخل هو ورجل معه[49]على عائشة يوم عرفة فقالت عائشة: يا جارية خوضي لهما سويقا وحليه، فلولا أني صائمة لذقته، قالا: أتصومين[50] يا أم المؤمنين ولا تدرين لعله يوم النحر؟ فقالت: إنما يوم النحر إذا نحر الإمام وعظم[51] الناس، والفطر إذا أفطر الإمام وعظم[52] الناس[53]. وروي من وجه آخر[54]. رواه أبو إسحاق السبيعي عن مسروق قال: دخلت على عائشة أنا وصديق لي[55] يوم عرفة فدعت لنا بشراب، فقالت: لولا أني صائمة لذقته. فقلنا لها: أتصومين[56] والناس يزعمون أن اليوم يوم النحر[57]؟ قالت: "الأضحى يوم يضحي الناس، والفطر يوم يفطر الناس": رواه الإمام أحمد عن ابن نمير[58]وابن فضيل كلاهما عن الأعمش عن أبي إسحاق به[59]. خرجه عنه ابنه عبد الله في كتاب المسائل[60].
وخرجه[61] أيضا عبدالله عن أبيه عن ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عطية ومسروق قالا[62]: دخلنا على عائشة في اليوم الذي يشك فيه الأضحى[63]، فقالت: خوضي لابني سويقا وحليه، فلولا أني صائمة لذقته. فقيل لها: يا أم المؤمنين: إن الناس يرون أن اليوم يوم الأضحى، فقالت: " إنما يوم[64] الأضحى يوم يضحي الإمام وجماعة الناس "[65].
وكذا رواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عطية ومسروق عن عائشة بنحوه[66].
ورواه دلهم[67]بن صالح عن أبي إسحاق عن أبي عطية[68]ومسروق عن عائشة[69]. واختلف عليه في رفع آخر الحديث، وهو: "إنما[70] الأضحى يوم يضحي الإمام "، فمن أصحابه من رفعه عنه وجعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من وقفه على عائشة، وهو الصحيح[71].
ورواه أيضا مجالد[72] عن الشعبي عن مسروق عن عائشة بنحوه موقوفا أيضا[73].
فهذا الأثر[74] صحيح عن عائشة رضي الله عنها[75]، إسناده في غاية الصحة، ولا يعرف لعائشة[76] مخالف من الصحابة[77]. ووجه قولها: إن الأصل في هذا اليوم أن يكون يوم عرفة، لأن اليوم المشكوك فيه، هل هو من ذي الحجة أو من ذي القعدة؟ الأصل فيه: أنه من ذي القعدة فيعمل بذلك استصحابا للأصل.
ومأخذ آخر: وهو[78] الذي أشارت إليه عائشة رضي الله عنها: أن يوم عرفة هو يوم مجتمع الناس[79]مع الإمام على التعريف فيه، ويوم النحر هو الذي يجتمع الناس مع الإمام على التضحية فيه، وما ليس كذلك فليس بيوم عرفة، ولا يوم أضحى، وإن كان بالنسبة إلى عدد أيام الشهر هو التاسع، أو العاشر.
وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم[80] من وجوه متعددة. خرجه الترمذي من طريق المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطرون، والأضحى يوم يضحون)) وقال[81]: حسن غريب[82].
وخرجه أبو داود وابن ماجه[83] من طريق ابن المنكدر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بدون ذكر " الصوم "[84].
وخرجه الترمذي من حديث ابن المنكدر عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم[85] وقال صحيح[86].
وقد روي عن عائشة من وجوه أخر مرفوعا[87]. وروي عن أبي هريرة من قوله موقوفا[88].
وروى السفاح بن مطر عن عبدالعزيز بن عبدالله بن خالد بن أسيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يوم عرفة اليوم الذي يعرف الناس فيه)) مرسل حسن[89]، احتج به الإمام أحمد على أن الناس إذا وقفوا في يوم عرفة خطأ أجزأهم حجهم[90]. وقال مجاهد: الأضحى يوم يضحون والفطر يوم يفطرون، والجمعة يوم يجمعون. خرجه عبد الله بن الإمام أحمد[91].
يتبع
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|