04-07-2023, 12:43 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,634
|
|
الخلف وتضييع الأوقات في رمضان
الخلف وتضييع الأوقات في رمضان
هيام محمود
لقد كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم يدركون جيدًا قيمة الزمن، فهم يعلمون أنه هو مضمار السباق لنيْل جنة عرضها السماوات والأرض أُعدَّت للمتقين، فكانوا يحرصون عليه أشدَّ من حرص الشحيح بماله، ودعوا الآخرين للحرص عليه، وكان مما قالوه: قال ابن مسعود: "ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزدَدْ فيه عملي".
وقال الحسن البصري: "يا بن آدم، إنما أنت أيام إذا ذهب يوم ذهب بعضك".
وقال: "يا بن آدم، نهارك ضيفُك فأحسِن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك، وكذلك ليلتك".
وقال: "ما من يوم ينشق فجرُه إلا نادى منادٍ: يا بن آدم، أنا خلقٌ جديدٌ وعلى عملك شهيدٌ، فتزوَّد مني، فإني لا أعودُ إلى يومِ القيامة".
وقال: "الدنيا ثلاثة أيام، أما الأمس فقد ذهب بما فيه وأما غدًا، فلعلك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه".
وقال السري بن المفلس: "إن اغتممتَ بما ينقص من مالك، فابكِ على ما ينقص من عمرك".
وقال ابن القيم: "إضاعة الوقت أشدُّ من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها".
أما حال الخلف مع الوقت:
فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، فكأنهم في مسابقة للتخلص من الوقت، أو وكأن وقتهم عدوٌّ لدود يقتلوه شرَّ قتلة، أو كأنه شيء لا قيمة له بالمرة يتركونه ينساب من بين أيديهم بلا حسابٍ، وجهِلوا أو تجاهلوا أن الوقت هو عمرهم، وأنهم سوف يُسألون عنه ويحاسبون على تفريطهم فيه، ففي الحديث الحسن الصحيح عن أبي بردة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما عمِل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه"؛ رواه الترمذي، وفي الحديث الصحيح لغيره عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه"؛ رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح واللفظ له، فسوف يُسأل الإنسان عن وقته مرتين، فالعمر كله مرة، والشباب مرة أخرى؛ لأن الشباب هو وقت العمل والإنجاز والاجتهاد، فإن أضعتَ عمرك أيها الشاب، فلسوف تُسأل عنه مرتين، فإن أهدرنا وقتنا فإنما نُهدر عمرنا، وإن حفِظنا وقتنا فإنما نحفَظ عمرنا.
والأمور التي تضيع وقت الناس في رمضان كثيرة:
وهي كل ما يشغلك عن عبادة ربك واغتنام شهرك في الوصول لمرضاة الله، حتى لو كانت من المباحات مما سوى الضرورات، فرمضان هو الوقت الذي يترك الصالحون فيه العمل الفاضل لأجل العمل الأفضل؛ لأنه مضمار سباق خاص جدًّا، وفي الحديث: "رغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يُغفر له"؛ رواه الترمذي، وهو حديث حسن صحيح.
فذلك الشهر الكريم قد أعطاه الله لنا منحة تغسلنا من الذنوب ومن الهموم، ومن تشعُّب الهم في شعاب الدنيا، وقد فرَّغنا الله فيه حتى من الحلال، لنجمع هَمَّنا على الآخرة، إنه استراحة قلوب المحبين من لظى الهجير الذي يَلفحهم بمخالطة الدنيا والناس، وبالتعامل مع المشاغل والمسؤوليات، تلك الدوامة التي لا تنتهي أبدًا... إنه طوق النجاة يُلقى على الغريق في بحر غاضب ثائر متلاطم الأمواج، لينقله من دوامة الموت إلى شاطئ جزيرة مُورفة الظلال، عظيمة الثمار، عذبة المياه.
فلا تسمح لسارق أن يسرق منك رمضان كائنًا من كان، دافِع عن طوق نجاتك دفاع المستميت، فلو تركته فخلفه الهلاك، فرَّغ نفسك لربك قدر ما تستطيع، واجعل لك في شهرك برنامجًا يحملك على طاعته، ويقودك لطريق النجاة.
__________________
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|