شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 3 > الموسوعة الضخمة المتنوعة ------------ رمضان
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: روائع التلاوات تلاوات خاشعة ل الشيخ شديد منصور - برابط واحد واسمع اولا (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: روائع التلاوات تلاوات خاشعة ل الشيخ صابر احمد صابر - برابط واحد واسمع اولا (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: روائع التلاوات تلاوات خاشعة ل الشيخ صديق المنشاوي - برابط واحد واسمع اولا (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: روائع التلاوات تلاوات خاشعة ل الشيخ صلاح الجمل - برابط واحد واسمع اولا (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: روائع التلاوات تلاوات خاشعة ل الشيخ صلاح المسلمي - برابط واحد واسمع اولا (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: روائع التلاوات تلاوات خاشعة ل الشيخ صلاح يوسف - برابط واحد واسمع اولا (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: روائع التلاوات تلاوات خاشعة ل الشيخ صلاح سليمان - برابط واحد واسمع اولا (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: روائع التلاوات تلاوات خاشعة ل الشيخ طلعت الدمرداش - برابط واحد واسمع اولا (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: روائع التلاوات تلاوات خاشعة ل الشيخ طلعت شعبان خفاجى - برابط واحد واسمع اولا (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصعب المبارك مصحف 1444 عام 2023 كامل 114 سورة 2 مصحف ترتيل و حدر كاملان 128 ك ب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 07-09-2014, 09:00 AM
منتدى فرسان الحق منتدى فرسان الحق غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 7,826
افتراضي معنى الصـوم

معنى الصـوم





الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري















قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184].









الصوم في اللغة معناه الإمساك والكف عن الشيء، ومن معناه اللغوي قول مريم عليها السلام (إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً)[1].





وكقول امرؤ القيس:


(كأن الثريا علقت في مصامها...) أي كأنها ثابتة لا تنتقل.





وقوله أيضاً:







فدعها وسل النفس عنها بجسرة

ذمول إذا صام النهار وهجرا









أي أبطأت الشمس عن الانتقال والسير في الظهيرة، فصارت في إبطائها كالممسكة. وكقول الشاعر:







شر الدلاء الولفة الملازمه

والبكرات شرهن الصائمة









يعني التي لا تدور.





والاستشهاد على معنى الصوم اللغوي يطول ذكره، ومعناه الشرعي:


الإمساك عن الأكل والشرب والتمتع الجنسي من الفجر إلى المغرب حسب تحديد الشارع. وقد كتب الله الصيام فرضاً محتوماً في دينه القويم على المسلمين في قديم الزمان من الأمم السالفة، لأن الدين الذي جاءت به جميع رسل الله إلى أقوامهم هو الإسلام، فلذا قال تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فليس إيجابه مختصاً بهذه الأمة بل هو فريضة دينية قديمة، وذلك لأهمية الصوم وسمو مكانته وعظيم منافعه الجسيمة والروحية، فهو من أقوى العبادات على تهذيب النفوس والسمو بالأرواح إذ فيه إعداد للنفوس، وتهيئة لها على تقوى الله ومراقبته، وفيه تربية لقوة الإرادة على كبح جماح الشهوات، وأنانية النفوس، ليقوى صاحبها على ترك ما يضره من مألوفاته أكلاً أو شرباً أو متاعاً، فيكون قوي الإرادة في الصبر على ما حرمه الله وما يضره في بدنه أو ماله، وقوي الإرادة في الإقدام على امتثال أوامر الله التي من أعظمها حمل الرسالة المحمدية والدفع بها إلى الأمام، ساخراً بما أمامه من كل مشقة وصعوبة.





ففي الصوم خير تربية للإنسان على القوة العامة في كل شيء، وعلى فضائل الصراحة في القول والإخلاص في العمل، وعلى الجد والحزم ورباطة الجأش بقوة العزم، فهو يعلم الناس كيف يترفعون عن مظاهر الحيوانية التي غاية همها الأكل والشرب وإشباع الغريزة. يعلمهم كيف يسمون بأنفسهم إلى مستوى تغبطهم الملائكة عليه.





نعم يغبطهم عليه الذين غذاء أرواحهم ذكر الله وعبادته وحسن مراقبته، لأنه يربي في المسلمين ملكة الصبر، وقوة معنوية على قهر النفس ويعودهم احتمال الشدائد، والجلد أمام العقبات ومصاعب الأحداث ومتاعب الحياة ومكاره النفوس، فيصفي نفوسهم من علائق الشهوات وأدرانها، ويخلصها من الانهماك في متع الدنيا وزخارفها حتى لا تجعلها غاية قصدها وأكبر همها فتقصر التعليق بها وعليها والعياذ بالله.





ففي هذه التربية محو لسلطان المادة وطغيانها على النفوس حتى لا يشتد سلطانها على سلوك البشر المسلم، بل يكون السلطان الغالب في حياته للروح التي تزكيه بالفضائل الطيبة والمعنويات السامية التي يحصل بها الإخاء الإنساني والمحبة الروحية ويتحقق بها التعاون بين الأفراد والجماعات، تلك الأخلاق السامية الناتجة من التشريعات الإسلامية التي فقدتها الدول المادية فإذا هي في أمر مريج في جميع شئون حياتها، لا تقدر على التخلص منه ما دامت بعيدة عن تطبيق دين الله الصحيح مهما تلمست للخلاص في غيره.





والصوم أيضاً ينمي في النفوس رعاية الأمانة والإخلاص في العمل، ولا يراعي فيه غير وجه الله. وهذه فضيلة عظمى تقضي على رذائل المداهنة والرياء والنفاق.





والصوم يمثل ضرباً من ضروب الصبر الذي هو الثبات في القيام بالواجب في كل شأن من شؤون الحياة، وفي الانطباع به تحقيق للشخصية الحسية والمعنوية، إذ لا يكفي تحقيق الوجود الحسي دون المعنوي أبداً، إذ لا يحظى أي مجتمع بالوجود الكامل، بل لا يستحق عنوان الوجود والخلود إلا إذا نال نصيبه من الشخصيتين الحسية والمعنوية. فحينئذ يتحقق له الكيان المرموق المرهوب. أما إذا فقد أي مجتمع شخصيته المعنوية كان فاقداً لوجوده المعنوي، وكان وجوده الحسي السليب من المعنوية ظلاً لغيره يتحرك بحركته إذا تحرك، ويسكن بسكونه إذا سكن، ولا ينطق إلا حيث يوعز إليه، وكان معطل المواهب الفكرية، لا يفكر إلا بتفكير غيره.





ولهذا كان الدين الحنيف القويم من ضروريات الإنسان، لأن القصد من الدين تزكية النفس، وتطهير القلب، واستشعار عظمة الله، والخوف من سخطه وعقابه، والرجاء في جنابه من حسن المثوبة الذي ينمي فيه روح الطاعة والامتثال وإحلال الخير والصلاح في الأرض على أساس رباط قوي متين يربط الإنسان بخالقه العليم الخبير الذي يعلم سره ونجواه.





وبما أن المؤمنين عرضة - كغيرهم بمقتضى سنة الله الكونية في خلقه - للكوارث والمحن، ومكلفون بمقتضى حكمه الشرعي بحمل الرسالة الدينية، وتحمل جميع ما يلاقيهم في سبيلها برحابة صدر وقوة ثبات، ومطالبون من الله أيضاً بالجهاد الداخلي الذي لا يتحقق إلا بمجاهدة النفس وتصبيرها على طاعة الله وعلى أقداره، وتصبيرها على الوقوف عند حدود الله في كل ورد وصدر، جعل الله التشريعات الإسلامية تربية للروح والجسد، وتزكية للضمير، ليستطيع التغلب على نفسه وشيطانه في الجهاد الداخلي، فيتأهل للجهاد الخارجي، لأن الإنسان إذا ترك على طباعه من تنازع الرغبات في نفسه وما أودع فيها من إيثار الراحة واللذة العاجلة، ولم يشد أزره بإرشاد إلهي وتعاليم روحيه يؤمن بها، ويثق بحسن نتائجها، ويطمئن إليها، عجز كاهله عن حمل أعباء الحياة، وخارت قواه، وذاب احتماله، ففقد كل استعداد لتحصيل الشخصية المعنوية، فانحرف عن المبدأ الأصيل الذي اختاره الله له من الخلافة في الأرض وحمل الأمانة التي أبت عن حملها السموات والأرض والجبال... فلهذا اختار الله لهم من شرائع دينه ما يصقل أرواحهم. ويهذب نفوسهم، ويمحص قلوبهم، وينمي فيهم القوة المعنوية على الصلاح والإصلاح.





ومن تدبر فلسفة أركان الإسلام وشعب الإيمان وجدها كلها هادفة إلى ذلك، فالنطق بالشهادتين يجعل الصادق به متعلقاً بالله، متألهاً له دون ما سواه، مخلصاً في محبة الله، لا يحب إلا ما يحبه الله، ولا يوالي أحداً إلا على مرضاة الله، يكفر بكل طاغوت منازع لسلطان الله في الأرض بالتسلط والتشريع، ويغضب لله أشد من غضبه لنفسه وحرمه ومقدساته، ويعادي في الله أقرب قريب دون مبالاة أمام حب الله ورسوله.





والصلاة فيها معارج روحية يحصل بها للمسلم رحلات إلهية أوجبها الله عليه في كل يوم وليلة، وجعلها فيما وراء ذلك نافلة خير موضوع يقوم به المسلم كلما أراد أن يخلص فيها من دنياه ويروح قلبه ويستجم بدنه، يفرغ ويفزع فيها إلى ربه بالتكبير والمناجاة، طالباً معونته وهدايته، ملقياً فيها بنفسه في كفالة ربه الرحمن الرحيم، يتمثل بها عظمة يصغر أمامها كل عظيم في هذا الكون.





وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يفزع إلى الصلاة كلما حزبه أمر ويقول: «يا بلال أرحنا بالصلاة». كما يقول: «وجعلت قرة عيني في الصلاة». وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ﴾[2]، فهي من أعظم الأركان وأقدم العبادات في الأكوان، إذ فيها يتجه الإنسان بكامل خضوعه نحو الله عظيم الجلال والجناب، يناجي هذا الجلال بقوله (الله أكبر) ليحصل في الإنسان قوة الوجود كله وقيمته عندئذ أن شيئاً واحداً في الوجود كله له العظمة والجلال، وما عداه تضمحل قيمته وتتضاءل. فإذا ثبتت هذه القيمة في نفس المصلي كانت نفسه نفساً مطمئنة، لأنه يستبعد من المصلي بعد أن يدرك هذه القيمة أن تميل نفسه وتخرجه عن تحصيل شيء في الوجود غير الله.





وليست النفس الأمارة بالسوء إلا تلك النفس التي تخضع الإنسان لغير الله في الوجود، وهي لا تفترق عندئذ عن الشيطان في الهدف والغاية.





فالصلاة عبادة قصد بها أن يكون المسلم صاحب اتجاه واحد في جميع مراحل حياته وما ينتابه فيها من أحوال، وعندئذ تتحقق وحدة الإنسان وبروز شخصيته وقوته المعنوية، ويرتفع عن التردد بين النفس الأمارة والنفس المطمئنة، إذ تكون نفس المصلي الصادق الخاشع نفساً مطمئنة على الدوام.





أما الزكاة فإن المزكي يسعى بها قرباناً إلى الله نحو اتجاه واحد في سلوكه، وهو اتجاه المعطي المانح عن تعبد وسخاء، وبذلك يكبت الاتجاه الآخر في الإنسان، وهو اتجاه الاستيلاء والشح والطمع والجشع، وبذلك تكون الزكاة عبادة مالية وإنسانية لتحقيق وحدة الإنسان بدلاً من توزيعه وتردده بين الصفات الأخرى، وبدلاً من أن يتردى في الاتجاه الآخر الذي يحرمه السمو، ويبعده عن التشبه بصفات الله في منحة وجوده وعطائه وكرمه.





وفي عبادة الصوم امتثال لأمر الله وإقرار عملي بوجوده وبقيمته العظمى في الوجود، وفي هذه العبادة الشريفة أكثر من المنح والعطاء، لأن فيها كبت للذات الإنسان، وحرمان له من هذه اللذات طواعية وامتثال لأمر الله.





ففي الصوم خطوة أخرى في طريقة توحيد الإنسان وسعيه نحو وحدة ذاته في تحصيله النفس المطمئنة التي لا تخضع لما سوى الله وتحقق في هذه العبادة كمال الخضوع، والالتزام لحدود الله: فالصوم مقارب للصلاة في النفع، فالصلاة تبعث صاحبها على مراقبة الله حتى تطبعه بذلك، والصيام كذلك، فبتحقيقهما يكون المسلم في حذر دائم من مخالفة أحكام الله أو التقصير في حدوده وشرعه، وبذلك يكمل للروح تهذيبها وللنفس صلاحها، وللعقل إدراكه الصحيح، فيكون المجتمع سعيداً راقياً بأفراده الذين هم من هذا النوع لأن أصل جميع المحامد بضبط النفس ولذا جاء في ختام هذه الآية قوله (لعلكم تتقون)، فإن في ذلك تقريراً للحكمة الجامعة لخيري الدنيا والآخرة على اختلاف أنواعهما وهي (التقوى)، لأنها هي التي تنشأ من الإيمان بالغيب الذي يستيقظ به الضمير، وهي التي تحرس القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، وتشحذ الذهن وتدفعه إلى التفكير في الحكم البالغة من تشريعات العليم الحكيم جل جلاله، فيلتزمها المسلم، ويرعاها حق رعايتها، فإنه إن لم يكن البشر واعين لحكمة التشريع الإلهي وثمراته في الدنيا قبل الآخرة، فإنهم لن يطبقوه على تمامه أو على وجهه الصحيح، فالله سبحانه وتعالى افتتح آيات الصيام واختتمها بما يناسبها من حكمت التشريع وما يناسب حال أمة الخلافة والرسالة في الأرض، فإن فرض الصوم أمر طبيعي بديهي الوقوع على أمة حملها الله الأمانة العظيمة، أمانة التكاليف، وحمل الرسالة المستلزمة للجهاد، لأن الصوم هو مجال تحقيق الشخصية الإنسانية المعنوية وتقرير قوة إرادتها، واستعلائها على المطالب الجسدية، وتحمل ثقل الفطام عنها بقوة عزم وصحة وعي، كما فيه إعداد لتحقيق الجهاد الداخلي المتقدم ذكره.





ولهذا كان خطاب الله بفرضية الصيام للمؤمنين الذين هم أهل لما ذكرناه حيث قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. وفي هذه الآية فوائد عظيمة:





(أحدهما) أن الله نادانا بنداء الكرامة لا بنداء العلامة، وحق لمن نودي بنداء كريم ولقب شريف أن ينفتح قلبه لمن ناداه ويعتز ويلتذ ويفرح بذلك، خصوصاً إذا كان المنادى كبيراً أو عظيماً. فكيف إذا كان المنادي مالك الملك، ذا الجلال والإكرام، رب العزة والعرش المجيد، والبطش الشديد؟ فنداؤه لنا بنداء الكرامة ولقب التشريف يوجب علينا شرعاً وعقلاً حسن الالتفات وصدق الانقياد والتشرف بتنفيذ مطلبه.





(ثانيها) أن هذا اللقب يقتضي حصر التلقي من الله فقط، وحسن التصرف في نعمه، والقيام بواجب ذكره وشكره، وتنفيذ أحكامه، فالذين آمنوا بالله، وأشربوا حبه في قلوبهم، واطمأنوا لما نـزل من الحق، هم الذين يقدسون تشريعات ربهم ويمتثلونها، رغبة في ثوابه، وخوفاً من عقابه وبطشه. ولذلك اختصهم بهذا النداء لما فيه من قابلية الطاعة والتنفيذ.





(ثالثها) أن المؤمنين حقاً هم جنود الله من البشر وحزبه الحامل لرسالته، الحافظ لحدوده، وهم الذين يفرض عليهم الجهاد لإعلاء كلمته، وقمع المفتري عليه، والقيام بتقرير منهجه في الأرض والقوامة به على البشرية، وبحسن قيامهم بذلك يمتد أمد الرسالة المحمدية التي يحصل بها قيام الحجة لله على الناس مدى الدهر، وبها يكونون شهداء على الناس إذا حققوا خيريتهم التي هيأهم الله لها، فلذلك فرض عليهم الصوم لتزكية نفوسهم وتمحيص إيمانهم وتقوية إرادتهم على حمل أعباء الرسالة، إذ في الصيام مجال عظيم لتقوية الإرادة العازمة الجازمة الصارمة. ومجال آخر هو اتصال الصائم بربه اتصال طاعة وانقياد يتحقق فيه كمال القيام بالأمان والإخلاص، كما سنفصل ذلك مع مزيد من الفوائد إن شاء الله.





(رابعها) تشبيه الفرضية بالفرضية من الله سبحانه في إخباره أنه كتب الصيام علينا كما كتبه على الذين من قبلنا، ففي هذا إشادة بأهميته وتوطين لنفوس المؤمنين على ثقل تلك العبادة التي فيها حبس النفس عن شهواتها ومألوفاتها وتحمل المشقة في ترك ذلك. وقد قال بعض الحكماء:(إن التكاليف إذا عمت سهلت).





(خامسها) قوله تعالى: ﴿ لعلكم تتقون ﴾ فيه تعليل لفرضية الصيام ببيان فائدته الكبرى وحكمته التي يتفرع عنها كل خير وبركة، وهو أنه يعد نفس الصائم لتقوى الله بترك شهواته الطبيعية الميسورة التناول عليه والعزيزة إليه بحيث لولا تقوى الله وحسن مراقبته لما تركها، ولو كان تركها بأنفس الأثمان، ولكن تقوى الله تعالى جعلته يرعى أمانة الله في حال خفائه عن الناس واختلائه بنفسه. وبذلك تتقوى إرادته على ترك ما حرمه الله أو كرهه، وعلى اجتناب ما يضره من مألوفاته التي ابتلى بها، وعلى الصبر في البأساء والضراء وحين اشتداد الحرب كما سنوضحه، وهذا معنى دلالة (لعل) الدالة على الترجي، لأن الرجاء لا يكون إلا فيما وقعت أسبابه، وموضعه في هذه الآية المخاطبون بها إذا امتثلوا بصدق عزيمة وحسن نية واستقبال فمن لم يكن كذلك لا ترجى فيه هذه الملكة للتقوى.





وقد كان الوثنيون يصومون إذا تلوثوا بالمعاصي لتسكين غضب آلهتهم فيما يزعمون، أو لإرضائها واستمالتها لقضاء حوائجهم، لاعتقادهم الفاسد بأن إرضاءهم والتزلف إليهم يكون بتعذيب النفس وحبسها عن شهواتها وقتاً ما، فلما كان هذا شائعاً في مجتمعات الضلال والوثنية جاء القرآن يعلمنا أن الصوم ونحوه من العبادات ليس لتعذيب النفس ولا لشيء من هذه الخرافات، وإنما هو لإعداد المؤمنين للسعادة والتقوى وتربيتهم على تحمل الشدائد بحبس النفس على المكروه والأخذ بجميع وسائل الوقاية التي يحصلون بها على الأمن الصحيح والعيشة الراضية السليمة في الدنيا والآخرة.





فأول آية في حكم الصيام تقرر فيها الحكمة الجامعة للخير في الدارين على اختلاف أنواعه، وهي التقوى، لأنها هي التي تنشأ من الإيمان بالغيب الذي يستيقظ به الضمير، وهي التي تحرس القلوب من إفساد الصوم بالمعصية وتشحذ الذهن وتدفعه إلى التفكر في الحكم البالغة من تشريعات العليم الحكيم جل جلاله، فيلتزم المسلم ويرعاها حق رعايتها، فإنه إن لم يكن البشر واعين لحكمة التشريع الإلهي وثمراته في الدنيا قبل الآخرة، فإنهم لا يطبقونه على تمامه أو على وجهه الصحيح.





وسر ختام آية الصيام بالتقوى أن إعداد نفوس الصائمين لتقوى الله يظهر من وجوه كثيرة أعظمها شأناً وأظهرها أثراً وأعلاها شرفاً أن الصيام أمره موكول إلى نفس الصائم وضميره، لا رقيب عليه فيه إلا الله، فهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه أحد سواه، لأنه يستطيع أن يفطر سراً مختفياً عن أقرب قريب، ولكنه لتقوى الله يلتزم الأمانة في حفظ الصيام مهما سنح له ما يشتهي أو يغرى. فمواصلة ذلك شهراً كاملاً عن تقوى ومراقبة وحياء من الله يصاحبه في هذه المدة، يحصل بها نـزاهة الضمير، وضبط النفس وإعدادها لما يؤهلها للخير، وتحمل الأذى في سبيل الله، ويقوي عزيمتها في كل إقدام وإحجام، ويتقوى أيضاً بصومه الصحيح على كبح جماح شهوته ونـزوات نفسه.






[1] سورة مريم آية 26.




[2] سورة البقرة آية 153.

















ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 12:27 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات