أحكام الفئات الخاصة في الحج
(بالتركيز على الشيوخ والمسنين والمرضى)
أ. د. محمد جبر الألفي
تقديم:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد خاتم النبيين والمرسلين، ورحمة الله للخلق أجمعين، وعلى آله وأصحابه ومن اقتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا بحث موجز، يتناول أحكام الفئات الخاصة في الحج، وبالتركيز على الشيوخ والمسنين والمرضى، أعددته تلبية لدعوة كريمة من معالي الدكتور: فؤاد بن عبدالسلام الفارسي، وزير الحج، للمشاركة به في ندوة "التيسير في الحج في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها"، التي تقيمها وزارة الحج في الفترة من 2 - 3 ذي الحجة 1427هـ.
وهذا البحث يدور حول محورين رئيسين، يتضمن أولهما التأصيل الشرعي لأحكام الفئات الخاصة، ويعرض الآخر بعض تطبيقات التيسير خلال مراحل الحج التي يمر بها الشيوخ والمسنُّون والمرضى.
أسأل الله العظيم أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به الشيوخ والمرضى والمسنين، إنه نعم المولى ونعم المعين.. ونبدأ بأول محور في بحثنا، ونقول وبالله التوفيق:
التأصيل الشرعي لأحكام الفئات الخاصة:
تختلف الشريعة الإسلامية عن سائر الشرائع في أن من مقاصدها العامة المقطوع بها: التيسير، ورفع الحرج، وإزالة المشاق وما يؤدي إليها، في العبادات والمعاملات والجنايات، وغير ذلك.
والمقصود بالحرج: "كل ما يؤدي إلى مشقة زائدة في البدن أو النفس أو المال، حالاً أو مآلاً "[1].
ورفع الحرج هو: "التيسير على المكلفين بإبعاد المشقة عنهم في مخاطبتهم بتكاليف الشريعة"[2]، والتيسير معناه: "التخفيف عن المكلف بإزالة ما يؤدي إلى المشقة، يُفهَم ذلك من قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا الدين يُسرٌ))[3].
ويظهر أثر يسر الشريعة بوضوح في معاملة المرضى والمسنين - وخاصة في العبادات - يقول ربنا عز وجل: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ﴾ [التوبة: 91]؛ ولهذا شرع التخفيف عن المكلف إذا عرضت له مشقة غير معتادة، لا يمكنه معها أداء العبادة على الوجه المعروف، وقد استقرأ العلماء أحكام الشرع ومقاصده، فوضعوا قاعدةً عامة تعكس روح الشريعة الإسلامية وتنطق بأن "المشقة تجلب التيسير"[4].
وتبدو سمات التيسير ورفع الحرج وإزالة المشقة بوضوح في شعيرة الحج؛ فقد راعى الإسلام - بالنسبة للشيوخ والمسنِّين والمرضى - ما يعانونه من ضعف وما يلحَقهم من مشقة عند أداء المناسك، فرتب على ذلك أحكامًا خاصة بهم، تتصف باليسر والتجاوز؛ مراعاة لحالتهم الصحية والبدنية[5]، وشرع لهم من الرخص ما يخفف عنهم ما قد يعرِض لهم من المشاقِّ أثناء تأدية الحج.
(أمثلة على ذلك في المقال القادم)
[1] صالح بن حميد، رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، جامعة أم القرى، مكة المكرمة: 1403هـ، ص 47.
[2] عدنان محمد جمعة، رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، دار الإمام البخاري - سوريا: 1399هـ، ص 25.
[3] البخاري، كتاب الإيمان: 1/93.
[4] يعقوب الباحسين، قاعدة المشقة تجلب التيسير، مكتبة الرشد، الرياض: 1424هـ.
[5] عبدالله بن ناصر السدحان، رعاية المسنين في الإسلام، ص 77.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك