06-27-2015, 01:49 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 350,390
|
|
(9) يا سائلاً في شهر التّقى
(9) يا سائلاً في شهر التّقى
صالح الشنّاط (أبو عبد الرحمن)
تتكاثر في شهر رمضان الفتاوى والاستفسارات حول الصائمين وأحوالهم ومستجداتهم، وهو شيء طيب يجري عملاً بقوله سبحانه "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".
وهي فرصة في رمضان للاستمرار في السؤال وطلب العمل، ذلك أن النفس تهيأت واعتادات ربما شيئاً ما على المسائل الفقهية التي يحتاج تحصيلها والاستمرار عليه إلى مكابدة وبذل جهد. وحقيقة هو أمر مطلوب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم".
وعلى شرف العلم وأصحابه دلّت الآيات والأحاديث لا يطيق هذا المقال حملها، منها أنه قد أبيح لنا أكل الصيد الذي صاده الكلب المعلم، وإذا صاده كلب غير معلم لا يؤكل "يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ". فلولا فضل العلم لكان فضل صيد الكلب المعلم والجاهل سواء، وقد علمه كيف يصيد، وكيف يمسك لصاحبه، فما بالك بمن تعلم الكتاب والسنة. وفي الحديث: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين". فإذا رأيت نفسك تتجه إلى الفقه، تتجه إلى العلم، تتجه إلى فهم الكتاب والسنة، فاعلم أنك ممن أراد الله بهم خيراً و"فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر".
ثمّ مع طلبك للعلم تنطلق داعياً إلى الله سبحانه على بصيرة. وقد دعا نبينا صلى الله عليه وسلم بنضارة الوجه لمن بلغ العلم ولو حديثاً واحداً، فقال: "نضَّر الله امرأً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، وتبليغ القرآن، تبليغ الحديث، تبليغ العلم للناس، الإبلاغ والبلاغ وظيفة الرسل {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ}.
أما السلف وطلبهم للعلم فقد ضربوا في ذلك الأمثلة العملية، وحثوا عليه قولاً، يقول معاذ رضي الله عنه: "تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة. وقال الحسن: "لولا العلماء، لصار الناس كالبهائم لا يدرون لا كيف يعبدون ولا كيف ينكحون". ويقول أحمد رحمه الله: "قد يحتاج الرجل للطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين، ولكنه بحاجة إلى العلم بعدد أنفاسه".
وختاما حذار يا رعاك الله من الاستمرار على اللهو والملل في رمضان وغيره، وهما أمران أكثر ما يضيعان ويشغلان عن العلم، وبوجودهما ينعدم ويبعد العلم.. فلو تأملت حال بعض الناس ترى وقته مهدورا بالمباريات والالعاب والسهرات العبثية، وهذا هو اللهو. وإذا أقبل من اعتاد على هذا إلى طلب العلم أصيب بالملل، ذلك أنه لم يعود نفسه على مثله.
والنفسُ كالطفل إن تهملهُ شبّ على .. حبّ الرضاع وإن تفطمهُ ينفطمُ
فتراه لا يصبر على ثني الرّكب لدقائق بعد الصلاة للسماع موعظمة مختصرة، أو إذا رأى عالماً أو شيخاً أو داعية سرعان ما يغير القناة إلى شيئاً يمتعه ويفرحه ويسليه، وهذا هو الملل.
واللهو والملل تسطيع التغلب عليهما بإلزام نفسك وإرغامها على مجالس العلم، حتى يصير حالك كالشافعي رضي الله عنه حين سئل كيف شهوتك للعلم؟ فقال: أسمع بالحرف؛ -أي: بالكلمة من العلم- لم أسمعها من قبل، فتود أعضائي أن لها آذاناً تتنعم بهذه الكلمة كما تنعمت بها أذناي. وقيل له: كيف طلبك للعلم؟ فقال: كطلب المرأة التي أضاعت ولدها وليس لها ولد سواه.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|