تفسير الزركشي لآيات من سورتي الانشقاق والبروج
د. جمال بن فرحان الريمي
سورة الانشقاق
﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾ [الانشقاق: 1]
قوله تعالى: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾، قال الزمخشري[1]: حذف الجواب، وتقديره مصرّح به في سورتي التكوير والانفطار، وهو قوله: ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ ﴾ [2].
وقال الفرَّاء[3] في قوله تعالى: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾، جوابه محذوف أي فيومئذ يلاقي حسابه.
وعن قتادة أن جوابه: ﴿ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ﴾ [4]، يعني أن "الواو" فيها بمعنى السقوط، كقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ ﴾ [الصافات: 103، 104] [5]، أي ناديناه[6]، وقيل: "إذا" قد تأتي زائدة، كقوله: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾، تقديره: انشقت السماء، كما قال: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ﴾ [القمر: 1] [7]، ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ﴾ [النحل: 1] [8]، ورُدّ هذا بأن الجواب مضمر[9].
وزعم الأخفش أن "إذا" من قوله تعالى: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾، مبتدأ، وخبرها "إذا" في قوله: ﴿ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ ﴾[10]، والواو زائدة، والمعنى: أن وقت انشقاق السماء هو وقت مد الأرض وانشقاقها، واستبعده أبو البقاء[11] لوجهين:
أحدهما: أن الخبر محط الفائدة ولا فائدة في إعلامنا بأن وقت الانشقاق في وقت المد، بل الغرض من الآية عظم الأمر يوم القيامة.
والثاني: بأن زيادة الواو تغلب في القياس والاستعمال[12].
﴿ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ﴾ [الانشقاق: 17]
قوله تعالى: ﴿ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ﴾، عن ابن عباس قال: ما جمع[13]، وأنشد:
إنّ لنا قلائصا حقائقًا ♦♦♦ مستوثقات لو يجدن سائقًا[14]
﴿ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الانشقاق: 24]
قوله تعالى: ﴿ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الانشقاق: 22 - 24] [15]، يعني كفار مكة[16].
سورة البروج
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾ [البروج: 1]
قال ابن فارسرحمه الله: كل ما في القرآن من ذكر "البروج" فإنها الكواكب، كقوله تعالى ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾، إلا التي في سورة النساء ﴿ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء: 78] [17]، فإنها القصور الطوال المرتفعة في السماء الحصينة[18].
قوله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾، ثم قال: ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ﴾ [البروج: 4] [19]، قالوا: هو جواب القسم، وأصله: "لقد قتل"، ثم حذف اللام وقد[20].
﴿ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴾ [البروج: 15]
قال رحمه الله: تأتي "ذو" بمعنى: صاحب، ومنه قوله تعالى: ﴿ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴾، ولا يستعمل إلا مضافًا، ولا يضاف إلى صفة ولا إلى ضمير[21].
﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [البروج: 16]
قوله تعالى: ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾، أي يريده[22].
﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ﴾ [البروج: 21]
قال القاضي أبو المعالي عزيزي بن عبدالملكرحمه الله: وسمَّاه -أي القرآن–مجيدًا، فقال: ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ﴾ [23].
قال رحمه الله: وأما تسميته مجيدًا، والمجيد الشريف، فمن شرفه أنه حُفِظ عن التغيير والتبديل والزيادة والنقصان، وجعله معجزًا في نفسه عن أن يؤتى بمثله[24].
[1] الكشاف 6/ 341.
[2] يشير إلى قوله تعالى: ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ﴾ [التكوير: 14]، ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾ [الانفطار: 5]. البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف جواب الشرط 3/ 122.
[3] معاني القرآن للفراء 3/ 249.
[4] سورة الانشقاق:2. انظر: إملاء ما منّ به الرحمن 2/ 284 ولم ينسب القول لقتادة.
[5] سورة الصافات: 103-104.
[6] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف جواب القسم 3/ 125.
[7] سورة القمر: 1.
[8] سورة النحل: 1.
[9] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - إذا 4/ 130.
[10] سورة الانشقاق: 3.
[11] إملاء ما منّ به الرحمن لأبي البقاء 2/ 284.
[12] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات – الواو الغير عاملة 4/ 269.
[13] تفسير الثعلبي 10/ 161.
[14] البيت للعجاج بن رؤبة كما في لسان العرب - مادة "وسق" 6/ 4837. البرهان: معرفة غريبه 1/ 205.
[15] سورة الانشقاق: 22-24.
[16] البرهان: معرفة المكي والمدني - ما نزل بالطائف 1/ 142.
[17] سورة النساء: 78.
[18] أفراد كلمات القرآن العزيز لابن فارس ص/ 10. البرهان: جمع الوجوه والنظائر 1/ 86.
[19] سورة البروج: 4.
[20] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - القسم 3/ 32.
[21] المصدر السابق: الكلام على المفردات من الأدوات - ذو 4/ 173.
[22] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف المفعول 3/ 106.
[23] البرهان: معرفة أسمائه واشتقاقاتها 1/ 194.
[24] المصدر السابق: معرفة أسمائه واشتقاقاتها 1/ 197.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك