تخريج حديث معاذ في زكاة البقر

[منتدى اهل الحديث]

بسم الله الرحن الرحيم

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

أما بعد فهذا تخريج لحديث معاذ رضي الله عنه في زكاة البقر قصدت فيه إلى التوسط الذي أحسبه لا يخلو من فوائد وتنبيهاتٍ شوارد

وأعرضت عن التوسع في عرض ألفاظ الحديث ومراتب جرح وتعديل رواته إذ كلهم ثقات أثبات وكان قصدي فيه عرض اختلاف رواته على وجه فيه ترتيب وتسهيل ومن ثم الترجيح والتوجيه فحسب

وليعلم أن الحديث يرويه عن معاذ مسروق وطاوس وغيرهما ، ولكن لما كان حديث مسروق أكثر تداولا بين نقلة الحديث وأكثر اشتهارا في المصنفات ولما وقع فيه من كثرة اختلاف كان اعتمادي عليه وأعرضت عما سواه فإني أحسب أنه الأصل الذي يتفرع عنه النظر إلى رواية طاوس وغيرها إضافة إلى أن أبا داود لم يخرج سواه في زكاة البقر فدل أنه أقوى شيء في الباب كما قاله في رسالته إلى أهل مكة

قال أبو داود

حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مُعَاذٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْيَمَنِ*أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ - يَعْنِي مُحْتَلِمًا - دِينَارًا، أَوْ عَدْلَهُ مِنَ المَعَافِرِ - ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ -»،

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالنُّفَيْلِيُّ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.

حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، لَمْ يَذْكُرْ ثِيَابًا تَكُونُ بِالْيَمَنِ، وَلَا ذَكَرَ - يَعْنِي - مُحْتَلِمًا، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ جَرِيرٌ، وَيَعْلَى، وَمَعْمَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ يَعْلَى، وَمَعْمَرٌ، عَنْ مُعَاذٍ مِثْلَهُ

*

*

*

1ــ يرويه*شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عن *أَبَي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ مرسلا (طيالسي *ح568)تابعه أَبُو عَوَانَةَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ*وجرير كما قال أبوداود والقاسم بن معن قاله الدارقطني في العلل س985

2ــ ويرويه*مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذَ بْنِ جَبَلٍ متصلا (عبدالرزاق باب البقر) و(حم 22013) تابعهما يعلى بن عبيد *عن الأعمش عن شقيق عن مسروق والأعمش عن إبراهيم قالا: قال معاذ (س 2243*، أموال زنجويه 1/125) وتابعهم يَحْيَى بْنُ عِيسَى الرَّمْلِي (ق 1803)*و مُفَضَّلٌ (س 2242)*و عيسى بن يونس وزفر بن الهذيل قاله الدارقطني في العلل س985

3ــ ورواه*أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ عن معاذ*

رواه أحمد بن حرب عن أبي معاوية متصلا (س2244)تابعه أبوموسى (خز4/33) وعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ(طب 20/129)والنفيلي وابن المثنى وعثمان بن أبي شيبة (د) وخالفهم النفيلي وحده فرواه عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن معاذ (د) وخالفهم أبو بكربن أبي شيبة عن أبي معاوية فرواه مرسلا*(شيبة في صدقة البقر ماهي 6/408)**وخالفهم أحمد بن عبدالجبار فرواه عن أبي معاوية عن عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذَ (كم1449)*والقول قول الجماعة عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن مسروق عن معاذ فهذا المحفوظ عن أبي معاوية

4ـــ *ورواه وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبِي وَائِلٍ*مرسلا (شيبة في صدقة البقر ماهي6/412)

5ـــ ورواه*أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ،(عن مسروق)(1) عَنْ مُعَاذٍ*(حم 22037)

*

*

هذا الحديث الظاهر أن الأعمش سمعه من أبي وائل ومن إبراهيم لسعة روايته ولكثرة من روى ذلك عنه فهو محفوظ من حديثهما لكن اختلف فيه عليه عن أبي وائل على وجهين :ــ

*

الأول : مارواه 1شعبة 2وأبو عوانة (2) 3ويحيى بن سعيد 4وجرير5ــ والقاسم بن معن عنه عن أبي وائل عن مسروق مرسلا

*

والثاني : مارواه 1معمر 2والثوري 3ويعلى بن عبيد 4ويحيى بن عيسى 5ومفضل 6ــ وعيسى بن يونس 7ــ وزفر بن الهذيل 8ــ وشريك رووه عنه عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ متصلا

*

*

*

واختلف فيه عليه عن إبراهيم على ثلاثة أوجه :ــ

*

الأول : ما رواه أبو معاوية عن الأعمش عنه عن مسروق عن معاذ

*

والثاني مارواه وكيع عن إبراهيم وأبي وائل مرسلا وذكر أبي وائل هنا خطأ لأن كل الرواة لم يجعلوه من مرسله بل إما من مرسل مسروق وإما يصلونه

*

والثالث : مارواه يعلى بن عبيد عن الأعمش عن شقيق موصولا وعن إبراهيم مرسلا

*

وقد قال الدارقطني(العلل س985)*: المحفوظ عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ وعن إبراهيم مرسلا (يشير إلى رواية يعلى بن عبيد حيث جعله من مراسيل إبراهيم )
*

فالمحفوظ عن الأعمش أنه رواه عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ متصلا

ورواه عن إبراهيم مرسلا كما هو ظاهر كلام الدارقطني

وأما الترمذي فخالفه في حديث أبي وائل عن مسروق حيث قال :هذا حديث حسن وروى بعضهم هذا الحديث عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا.... وهذا أصح (السنن عقب ح 628)

*

لكن يظهر أن المحفوظ عن سفيان هو الوصل لا الإرسال وجزم بذلك الدارقطني(**قد ذكر رواية الثوري من ضمن من وصله لا من أرسله)

ورجح البيهقي الإرسال من حديث إبراهيم ولم يجزم بشيء في حديث أبي وائل عن مسروق
(*السنن الكبير 19/36)

*

والأشبه قول الدارقطني إذ من يصله أكثر ممن يرسله لاسيما وقد تابع الأعمشَ عاصمٌ فرواه عن شقيق عن مسروق عن معاذ فهذا يقوي كون المحفوظ عن ابي وائل عن مسروق الوصل لا الإرسال

*

وأما وجه ترجيح الدارقطني عن إبراهيم الإرسال هو ــ والله أعلم ــ لأن وكيعا ويعلى بن عبيد اتفقا على ذلك ، ومع أن أبا معاوية أثبت الناس في الأعمش إلا أن ههنا قرينة ترجح قول وكيع ويعلى عليه

وهي : أن يعلى رواه عن الأعمش عن شقيق وإبراهيم فقرن بينهما ووصله عن شقيق موافقا بذلك قول الجماعة وأرسله عن إبراهيم موافقا بذلك قول وكيع فدل على تمام الضبط والدقة فقدم قولهما على قول أبي معاوية ***

*

*

*

تنبيهان: ــ

*

الأول : ذكر ابن الملقن في البدر المنير 13/517 أن الترمذي رجح المرسل وكذا الدارقطني ، وتبعه ابن حجر في التلخيص 3/1297 وهو حق عن الترمذي و لكنه غلط على الدارقطني فإنه إنما رجح الرواية المرسلة من طريق إبراهيم ، وأما طريق أبي وائل عن مسروق فإنما رجح الوصل كما تقدم نقل كلامه*.

*

*

الثاني *: قال البيهقي بعد أن ساق حديث معاذ من طريق أبي داود عن النفيلي ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.

قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ بَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ إِنْكَارًا شَدِيدًا. قَالَ الشَّيْخُ(يعني البيهقي): إِنَّمَا الْمُنْكَرُ رِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ مَسْرُوقٍ , عَنْ مُعَاذٍ , فَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ , عَنْ مَسْرُوقٍ**فَإِنَّهَا مَحْفُوظَة (السنن الكبير19/
35)
*

قلت : هذا الكلام نقله ابن الملقن (البدرالمنير350/22) عن البيهقي وتبعه ابن حجر*(التلخيص 2960/6)وهو متعقب بأن هذا الإنكار من أحمد وأبي داود ليس على حديث معاذ إنما هو على حديث علي

الذي أخرجه أبوداود من طريق: العباس بن عبد العظيم، حدَّثنا عبد الرحمن بن هانىءٍ أبو نُعَيم النَّخَعي، أخبرنا شريكٌ، عن إبراهيمَ بن مُهاجِرٍ، عن زياد بن حُدَيرٍ، قال: قال علىٌّ: لئن بقيتُ لِنصارى بني تغلِبَ لأَقْتُلَنَّ المقاتلة ولأسْبِيَنَّ الذُّرِّيَّةَ، فإني كتبتُ الكتابَ بينهم وبين النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلم - على أن لا يُنصِّرُوا أبناءهم (ط التأصيل 193/5كتاب الخراج باب في أخذ الجزية)

*

*

*

وعلى ما قلت ثلاث أدلة :

1ــــ أن قول أبي داود جاء بعد هذا الحديث مباشرة ثم قال راوي النسخة وهو اللؤلوي : ولم يقرأه أبوداود في العرضة الثانية*. فالظاهر أن بعض النساخ ضرب على الحديث ولم يضرب على قول أبي داود وكان قبل هذا الحديث حديث معاذ فظن من ظن أن قول أبي داود إنما هو لحديث معاذ(المرجع السابق)

*

2ـــ أن أباداود أخرج حديث معاذ في كتاب الزكاة ولم ينقل هذا القول ثم أعاده في كتاب الخراج فذكر هذا القول . فلو كان منكرا عنده لكان نقله في أول موضع أولى من تأخيره

*

3ـــ أن المزي ذكر حديث علي ثم عقّبه بقول أبي داود ، ولم ينقل قول أبي داود في حديث معاذ (تحفة7 /36 ح 10097)


*

فتبين أن هذا القول إنما هو لحديث علي لا لحديث معاذ

لذلك لما رأى البيهقي في بعض النسخ أن أبا داود وأحمد أنكرا حديث معاذ ولم يفطن أن الإنكار لحديث علي ، وحديث معاذ ليس فيه ما يستنكر أراد توجيه إنكارهما بأنه إنما على طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن مسروق عن معاذ وأن طريق الأعمش عن أبي وائل عن مسروق محفوظة ،

*

فكأنه أراد توجيه إنكارهما بأن هذا الحديث ليس بمحفوظ عن الأعمش عن إبراهيم وأنه خطأ على إبراهيم ليس من حديثه ، لأن الجماعة يروونه عن الأعمش عن أبي وائل

*

وهذا وجيه لو كان الحديث عند من هو دون الأعمش في سعة الرواية لكن لما وقع للبيهقي أن رأى إنكار أحمد وأبي داود له ، لم يكن له إلا أن يوجه إنكارهما على حديث إبراهيم وأن لا يلتفت لقرينة سعة روايته ولو وقع ذلك لغيره لم يسعه إلا ما وسع البيهقي .

*

والله أعلم


(1) اختلف فيه على أبي بكر بن عياش فبعضهم يذكر مسروقا وبعضهم لايذكره والصواب ذكره قاله الدارقطني انظر العلل س 985 وهو في المسند من غير ذكره

(2) ذكر الدارقطني أباعوانة من ضمن من روى الرواية المتصلة وظاهر كلام أبي داود أنه رواها مرسلة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك