07-26-2022, 07:40 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 349,658
|
|
لماذا لا يحبني الناس؟
لماذا لا يحبني الناس؟
أ. عائشة الحكمي
السؤال:
♦ ملخص السؤال:
فتاة غير ناجحة في تكوين العلاقات الجيدة مع الناس، وليستْ لديها صداقاتٌ دائمة، وتخشى أن يكون ذلك من سخط الله عليها.
♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمةُ الله تعالى وبركاته.
أنا فتاةٌ في العشرين مِن عمري، أنتمي إلى عائلةٍ محافظةٍ تقليديةٍ إلى أبعد الحدود، مُتواضِعة ولله الحمد، لكن لا تجمعنا علاقةٌ قويةٌ؛ فكلُّ فردٍ منا منطوٍ ومنعزلٍ مع نفسه، ونتعامل معًا كغرباء!
أنا إنسانةٌ واعيةٌ، وأحافظ على دراستي وأجتهد فيها جدًّا، هذا على المستوى الدراسي.
أما على المستوى العاطفيِّ فقد خرجتُ مِن علاقة حبٍّ فاشلة، علاقة خطوبة لم يُكْتَبْ لها أن تُكَلَّل بالزواج!
أما مشكلتي فأنا إنسانةٌ لا يُحبني أحدٌ ممن حولي، بالرغم مِن أني أسعى جاهدةً لأكسبَ حبَّهم، أحاول أن أُبادل مَن حولي أغلى ممتلكاتي لأكسبَ حبهم، لكني لا أذكُر أني أخذتُ هديةً مِن أحدٍ ليخبرني بحبه!
ليستْ لديَّ صديقةٌ أشكو لها كلَّ هُمومي، وتصغي لي، وتبكي لأحزاني، لا أتذكَّر يومًا أني كسبتُ قلبًا بمجرد أني إنسانة تستحق ذلك.
حتى إذا أهديتُ أحدًا هديةً يظهر حبُّه، ثم سرعان ما تنتهي صلاحيتي في القلوب بمرور الأيام!
كثيرًا ما أجد نفسي مجرد وسيلة لتحقيق مصالحهم، فأتألم وأراني خائبة الأمل، ثم أنسحب مِن حياتهم نهائيًّا، وأنتظر أيامًا لعل أحدَهم يأتيني بمبررٍ ولو كان كاذبًا لكن للأسف!
كنتُ أظنُّ أن علاقتي فاشلة مع الفتيات، لكنني أيضًا أصبحتُ فاشلة مع الرجال، وتجربة الخطوبة التي مررتُ بها أثبتتْ ذلك، فقد كان يحبني ثم كرهني.
أنا أُحب كل الناس، حتى إنني قد أُقابل فتاةً وأحبُّها، وقد يصادف أني أجدها لا تهتم بنفسها، وأشم منها رائحة عرقٍ، أو رائحةً كريهةً، فأكرهها بيني وبين نفسي، وأُخفي ذلك الكره عنها، وأظهر لها المحبة والود!
فأشياء بسيطةٌ تُوَلِّد في نفسي أفكارًا خبيثةً إلى أبعد الحدود، لكني أكون حريصةً على ألا أبديها؛ فأنا إنسانةٌ قاسيةٌ، ودموعُ عيني بعيدة، ولا أبكي على آلام الآخرين مهما بلغ الجرح فيهم، لكني أبدي تعاطُفي معهم!
أنا إنسانة عصبيةٌ، قنبلة موقوتةٌ، قد أنفجر في وجه أحدِهم في أي لحظةٍ، وأحيانًا أنفجر في عائلتي بشكل هستيريٍّ، فعلاقتي مع مَن حولي فاشلة، وأكثر ما أخافه أن أكونَ منافقة.
قرأتُ عن الحسد والبغضاء في الإسلام، ووجدتُ أن العبد لا يحاسب ما لم يُبْدِ فعلًا؛ أخاف أن يكون الله قد سخط عليَّ، خاصة بعدما قرأتُ حديث جبريل - عليه السلام -: ((إِذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَبْدَ قَالَ لِجِبْرِيلَ: قَدْ أَحْبَبْتُ فُلاَنًا، فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأََرْضِ)).
ارتديتُ الحجاب مؤخَّرًا لأتقرب مِن الله تعالى، وليُحبَّني اللهُ تعالى، أرجو أن تنصحوني كيف أصلح نفسي ليحبني مَن حولي، وأهم من ذلك أن أرضي الله تعالى عني؟
الجواب:
بسم الله الموفق للصواب وهو المستعان سلامٌ عليك، أما بعدُ: فلا ريب أنَّ الله إذا أَحَبَّ عبدًا حبَّبه إلى خلقِه؛ ولذلك كتَب عمرُ بن الخطاب إلى سعد - رضي الله عنهما -: "إن الله إذا أحب عبدًا حببه إلى خلقه، فاعتبر منزلتك مِن الله بمنزلتك من الناس، واعلمْ أن ما لك عند الله مثل ما لله عندك"، إلا أنه ليس بالضرورة أن يكونَ المرء محبوبًا إلى الناس جميعهم كبيرهم وصغيرهم؛ فذلك مِن المحال؛ لأنه لا بد للنجاح من أعداء، ولا بد للنعمة مِن حُسَّاد، ومَن يعتقد غير ذلك ويكرِّس حياته في سبيل كسب محبة الناس، فطريقتُه في التفكير مُشَوَّهة، وغير عقلانية، كما يرى عالمُ النفس الأمريكي ألبرت إليس!
والفكرةُ اللاعقلانية عند إليس تعني أنها:
• فكرة مُشَوِّهة للواقع.
• غير منطقية.
• تَحُول دون الوصول إلى الأهداف.
• تُفضي إلى مشاعرَ سلبيةٍ غير صحية.
• تُفضي إلى سلوكٍ هازم للذات.
وهي النتيجةُ التي قد وصلتُ إليها كما أقرأ بين سُطورك؛ لأنه لا يوجد شخصٌ يُحِبُّه كل الناس، كما أنه لا يوجد شخصٌ لا يحبُّه كلُّ الناس، والأهم أنه لن يضرك ألا يكون لك أصدقاء، وإنما الذي يضرُّك حقًّا هو تفكيرك اللاعقلاني في كونك غير محبوبة، وفي الوقت ذاته لا تحبين رؤية الخير والنِّعَم على الآخرين؛ لذلك أرى أن فرضية "لا يحبني الناسُ مِن حولي" ليست سوى (إسقاط) لمشاعر الكراهية والنفور التي تحملينها للناس من حولك!
اسمحي لي - عزيزتي - أن أقول: إن مثل هذه الخلال التي تصفين بها نفسك لا تبقي أحدًا؛ لا صديقًا، ولا حبيبًا، ولا أخًا.
كوني صادقةً بينك وبين نفسك: هل كنتِ تحبين مصادقة شخص حاد المزاج؟ حسود؟ أناني؟ كاره يبغض الناس من أجل رائحة عرق؟ أو لأجل عدم تنظيم وترتيب؟!
الناس أيضًا لا يحبون مصادقة هؤلاء، وإنما تضطرهم سياسةُ المصلحة إلى التعامُل معهم، ومهما حاولتِ أن تخفي مشاعرك السلبية تجاههم، فستتبين حتمًا في نظرات عينيك، ونبرة صوتك، وتعابير وجهك، ستظهر في تصرفاتك وأفعالك، وستشع في طاقتك السلبية تجاههم، وستصلهم فينفرون!
فإن كنتِ تريدين المحبة الخالصةَ المتبادلة، فأصلحي قلبك أولًا، كي يكون قادرًا على أنْ يحبَّ وعلى أن يكون محبوبًا، والقاعدةُ النبويةُ كفيلةٌ باختصار كل الكلام: ((وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه)).
تصالحي مع نفسك، وأصلحي ما بينك وبين الناس، وتقبَّلي ذاتك والآخرين بكل العيوب والمزايا، واسأليه تعالى أن يُحَبِّبك إلى خير الناس عنده، وأن يرضي عنك خلقه، وألا يجعل في قلبك غِلّاً للذين آمنوا، وعسى الله بمنه وكرمه أن يستجيب.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|