فوائد ومختارات بيروتية من كتاب ((الأمثال)) لخير الدين الزركلي الذي لم يُنشَر

[منتدى اهل الحديث]

فوائد ومختارات بيروتية من كتاب ((الأمثال)) لخير الدين الزركلي الذي لم يُنشَر

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه.

أما بعد، فما زال الأستاذ أحمد العلاونة حفظه الله يُتحفنا بالجديد من الدرر والنفائس عن العلامة الزركلي رحمه الله، وآخرها كان كتابه (( خير الدين الزركلي، ببلوغرافيا – صور ووثائق، وبعض ما لم ينشر من كتبه )) الذي صدر عن دار البشائر الإسلامية / بيروت، حيث أودع فيه الأستاذ العلاونة ثمانية وخمسين صفحة من كتاب ((الأمثال)) للزركلي الذي لم يُنشَر، فقرأتها ونقلتُ منها بأناملي بعض دررها :

قال العلامة خير الدين الزِّرِكْلِي ( 1309 – 1396 هـ / 1893 – 1976 م ) رحمه الله في مقدمة كتابه (( الأمثال )): لما سُنِّيَ لي أن أطَّلِع على بضعة من كتب أمثال العرب منظومها ومنثورها؛ كأمثال الميداني والضبي والعسكري والأحدب وغيرهم، ورأيت ما اشتملت عليه من فرائد الفوائد في التاريخ والأدب والأخلاق، وعلمتُ أن طول نَفَس مؤلّفيها وإسهابهم يحول دون عكوف الكثيرين من متأدّبينا على مطالعتها والاستفادة منها، شعرتُ بشدّة الحاجة إلى منظومة تكون في زهاء مئة بيت يحفظه صغار الطلّاب، ولا يستغني عنها كثير من الكتّاب، فاستعنت الله، واخترتُ طائفة من الناس والحيوان والجماد والنبات عُرِفَت بخواص لا مندوحة للمتأدّب والأديب والمنشئ والخطيب عن العلم بها والإحاطة بخبرها، كقولهم: أحلم من الأحنف، وأروغ من ثعلب، وأثبت من ثهلان، وأشكر من بَرْوَقة.

فاجتمعت لديَّ أرجوزة موجزة علَّقتُ عليها بما يحلّ غامضها ويوضّح مغلقها، وقدَّمتها للطبع، بعد أنْ تردَّدتُ في جواز نشرها أكثر من عشرة أعوام، والله أسأل أن ينفع بها، وهو وليّ الإعانة. اهـ.

( أقضى من علي ) – ذكر ابن الأثير في ((الكامل)) أن ((قضايا)) أمير المؤمنين جُمِعَت في كتابٍ مفرد، وأما ما جمعه الشريف الرّضي في ((نهج البلاغة)) ففي نسبة جميعه إلى عليّ كلام كثير. وربما نُسِب إليه شعر وهو أبعد الناس عنه، ولا سيما الديوان المنشور باسمه وليس له منه إلا أقل من القليل. نقل الجلال السيوطي عن ((تاريخ النحاة)) للمرزباني في الشعر المنسوب لعليّ قول يونس: ما صحَّ عندنا ولا بلغنا أنّ علي بن أبي طالب قال شعراً إلا هذين البيتين:

تلكم قريش تمنتني لتقتلني .......... فلا وربّك ما برُّوا ولا ظفروا
فإنْ هلكتُ فرهنٌ ذمّتي لهم ......... بذات روقين لا يعفو لها أثرُ

( أخف من لا ) – ضربوا بها المثل لخفّتها، قال أبو نواس:

يا عاقد القلب مني ........... هلا تذكرت حلا
تركت منّي قليلا ............ من القليل أقلا
يكاد لا يتجزا ........... أقل في اللفظ من لا

والأصل فيه قول جرير :

يكون نزول القوم فيها كلا ولا ........... عشاشاً ولا يدنون رجلاً إلى رجل

( أنكى من النساء ) – قال ... الزمخشري في تفسير الآية الكريمة { إن كيدكن عظيم } : إنَّه وإنْ كان في الرجال كيدٌ إلّا أنّ النساء ألطفُ كيداً وأنْفَذ حيلة، ولهنّ في ذلك رفق، وبذلك يغلبن الرجال. وقال أحد ظرفاء العلماء: أنا أخاف من النساء أكثر ممّا أخاف من الشيطان، لأنّ الله تعالى يقول: { إن كيد الشيطان كان ضعيفاً }، وقال في النساء: { إن كيدكن عظيم }. وللفيلسوف الألماني أرثر شوبنهور رسالة يقول فيها: ( كما أنّ الأسد سلاحه أنيابه وبراثنه، والفيل خرطومه، والثور قرونه، فالمرأة سلاحها الرياء للدفاع عن حقوقها والوصول إلى غاياتها، وهو وإنْ كان من ذميم الخصال في غيرها فإنه بها يعدل قوة ساعد الرجل ووفرة ذكائه ).

( أتم من غربال ) – لأنه لا يمسك ما جُعِلَ فيه. قال الحطيئة يهجو أمّه :

تنحّي فاجلسي منِّي بعيداً ........... أراح الله منكِ العالمينا
أغربالاً إذا استُودِعتِ سِرًّا .......... وكانوناً على المتحدّثينا

( أطول من شهر الصوم ) - ... مما يستلطف من كلام البلغاء ما كتبه أبو علي البصير إلى ابن مكرم في آخر شعبان: كتبتُ إليك في آخر يوم من أيام الدنيا بإدبار شعبان، وأول يوم من أيام الآخرة بإقبال رمضان!

( أقوى من حجج ابن سُرَيج ) – البازي الأشهب: لقب أبي العباس أحمد بن عمر بن سريج إمام أصحاب الشافعي على الإطلاق، كان حسن الاحتجاج مليح المناظرة، وربّما لُقِّب بـ ( الشافعي الثاني )، وحججه في مناظراته يُضرَب بها المثل، قال الحريري في ((المقامة العاشرة)) : ( فلمّا رأيتُ حجج الشيخ كالحجج السريجية علمت أنه علم السروجية )، توفي في بغداد سنة 306 هـ .

( أشد إقداماً من المهلب ) – المهلب بن أبي صفرة: اسمه ظالم بن سراق بن صبح الأزدي العتكي البصري، كان أميراً كبيراً مشهور الذكر، ... مات في زمن الحجاج سنة 83 هـ ... سُئل المهلب: ما أعجب ما رأيت من قتال الأزارقة؟ فقال: رأيتُ رجلاً منهم يطعن الرجل، فيمشي في الرمح إلى طاعنه وينال منه، وهو يقول: { وعجلتُ إليك ربّ لترضى }. وإياه عنى ابن زيدون بقوله في تهكميته: ( وكأن المهلب أوهن شوكة الأزارقة بيدك، وفَرَّق ذات بينهم بكيدك )، ومن كلام المهلب: ( الإقدام على الهلكة تضييع كما أنّ الإحجام عن الفرصة عجز )، ... وقال الراغب الأصبهاني في باب ( مَن كثرت أولاده فأنجب ) أنه سقط للمهلب لصلبه إلى الأرض ثلاث مئة ولد . اهـ.
============
الكناشة البيروتية ( المجموعة الثالثة )


ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك