10-10-2015, 02:54 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 351,400
|
|
مواصفات الإمــام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، أما بعد..
فإن مصطلح الإمام إذا أطلق في اللغة انصرف إلى كل من ائتُم به وقُلدَ واتبِعَ من طرف الناس، سواء كان هذا الاتباع على هدى وصراط مستقيم كاتبَاع الأنبياء والمرسلين، الذين وصفهم القرآن قائلا: (وَجَعَلْنَاهُمُ أَئِمة يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا[1]) أم كان على ضلال وانحراف، كتقليد الطغاة الفاسقين، الذين قال فيهم القرآن: (وَجَعَلْنَاهُمُ أَئِمة يَدْعُونَ إِلَى النارِ[2]).
لذا يلزم اختيار الإمام من صفوة المجتمع، وإعطاء منصب الإمامة الرفعة والمكانة التي حظيت بهما عبر التاريخ، امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا أئمتكم خياركم، فإنهم وفدكم بينكم وبين ربكم[3])، واقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم حيث كان لا يعين إلا أفضل القوم وأعلمهم إماما لهم، كما تشهد بذلك مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة.
فالإمام في مفهوم الشرع الإسلامي، وعرف المسلمين، ملاذ الخائفين، وهادي الضالين، ومرشد الحائرين، وشفيع الضعفاء والمساكين، ووسيط الخير بين المتنازعين، ومفتي المستفتين، وأمين سر الجميع. وهو دور يحتاج إلى تأهيل من يتحمله ويقوم به، كما يحتاج إلى مواصفات ومؤهلات خاصة يحسن أن تكون فطرية في الأفراد المرشحين لهذه المهمة.
وحتى لا يبقى الكلام عاما، يشمل كل مهمة، ومطلقا، ينطبق على كل جزئية، وما دمنا في عصر ومجتمع يؤمن بالتخصصات ويوزع المهام، ويحدد المسئوليات، فيحسن ألا تترك مهام الإمام هكذا فضفاضة، يتولاها كل من هب ودب، كما يُحمَلُ على من هو مؤهل للإمامة كل المسئوليات والتبعات، خصوصا في هذا المجتمع الذي لا تتوفر فيه العديد من المؤسسات، والهيآت اللازمة لتسيير حياة المسلمين في مختلف مجالاتها. والتي يتولاها الإمام، أو يُطلبُ منه أن يقوم بها، سواء توفرت له الإمكانيات أم لا، وسواء دخلت في اختصاصه أم لا.
مواصفات الإمــام:
شروط الإمام
* الإسلام.
* الذكورة.
* العقل.
* البلوغ.
* العلم بما لا تصح الصلاة إلا به.
* العدالة (ذو خلق حسن، اجتناب الكبائر).
* القدرة على تأدية الأركان.
* حفظ القرآن: العلم بالقرآن قراءة وحفظا.
* الحصول على نبذة كافية من العلوم الشرعية، مع إتقان اللغة العربية، والمشاركة في العلوم التالية: الفقه الإسلامي، أصول الفقه، التوحيد، السيرة النبوية، علوم الحديث، معاني الحديث، علوم القرآن. وحبذا لو تم هذا عن طريق الأخذِ المباشر عن الشيوخ المشهود لهم بالعلم.
مهارات الإمام الوظيفية ومهامه
إذا كان المكان والزمان وعرف كل بلد يطلبون صفات معينة في الإمام، فإن هذا البلد بالذات يطلب من الإمام عدة مهارات، ومنها:
* فهم أحوال أهل زمانه، ومعضلاتهم، حنى يتمكن من تناول الجوانب ذات الصلة بأهل زمانه ومكانه، أثناء نصحه وتوجيهه للجمهور المنصت له، والمقتدي به.
* مراعاة الخصوصيات الحياتية لمسلمي الغرب، والاطلاع على هموهم وقضاياهم الفقهية والاجتماعية والجوانب النفسية والسلوكية وفق ضوابط الشرع.
* الحياد وعدم الانحياز لتيار معين ووضع اختلاف المذاهب في بعض المسائل الفقهية في عين الاعتبار.
* فقه الواقع، إذ عدم فهم الواقع يترتب عليه الخطأ في تطبيق النص الشرعي على الواقعة العملية.
* أن تكون لديه القدرة على التسهيل، فيقدم المعلومة على قدر فهم المتلقي: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله).
* أن يرغب قدر المستطاع، لجذب القلوب أكثر مما يرهب.
* بناء ثقافة التعاون وقبول رأي الآخر.
* البحث عن نقاط الالتقاء مع الآخر من أجل التعاون على الخير، انطلاقا من قاعدة: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.
* تفقد أحوال الجماعة (أب مربٍ كاتم سرهم، يسأل عن الغائب، يقرب الهوة بين المتنافرين).
* متابعة المستجدات الحاصلة في الوطن، الذي يعيش فيه.
* المشاركة فيما يطيقه من الندوات واللقاءات والاجتماعات.
* زيارة المسلمين في تجمعاتهم خارج المسجد (النوادي، الجمعيات).
* ربط الصلة بالأئمة والعلماء.
* الحرص على دعوة أنباء المسلمين المنحرفين.
صفات الإمام الشخصية
ونذكر هنا بعض الصفات الشخصية التي ينبغي توفرها في الإمام:
* حسن المظهر والسمت الحسن.
* الكلام الطيب.
* المخالطة والبساطة، وأن يكون ذا وجه بشوش مع الابتسامة الصادقة.
* السمعة الطيبة بين الناس، وأن يحب الناس، فلا يبحث عن أخطائهم.
* البعد عن المراء والجدل والانتصار للنفس.
* عدم التسرع في إصدار الأحكام، تحت تأثيرات انفعالية.
* القدرة على النقد الذاتي.
* الإخلاص لله سبحانه، وحسن الصلة به، والتوبة المستمرة له.
* التواضع، والمروءة.
* أن يكون ذا شخصية مستقلة، بحيث يؤثر ولا يتأثر (لا تكن إمعة...).
* الثقة بالنفس.
* الصبر.
فن التواصل: ولتحقيق هذه الصفة يلزمه:
* المعرفة بلغة البلد الذي يعيش فيه من أجل التواصل مع المجتمع.
* حسن الاستماع للمتحدث ومحاولة فهم مراده.
* المشاركة الاجتماعية وفق ضوابط الشرع.
* توثيق الصلة بالجماعة والقرب منهم بحيث يعود مرضاهم ويشاركهم في وضع الحلول لمشكلاتهم والوقوف بجانبهم في أزماتهم.
* العمل على كسب القلوب.
* ربط الجسور مع جميع شرائح المجتمع.
* الإلمام بالخطوط العريضة بالقانون الهولندي حتى لا يقع في الاصطدامات.
* القدرة على الحوار بآدابه وشروطه.
فن الخطابة:
لكي ترقى الخطبة إلى مستوى العصر، لا بد أن تخضع لمنهجية علمية هادفة، إذ لم تعد الطرق التقليدية الجامدة تعطي أكلها، يجب أن يدرك الإمام الخطيب أن بلوغ الهدف من الخطبة يكمن في جودة الطريقة التي يعرض بها الموضوع. لذا يلزمه:
* الإعداد الجيد للخطبة، إذ عدم الإعداد يعد استهزاء بالمستمع.
* تحديد الموضوع، وضبط عناصره وفروعه والغاية المتوخاة منه.
* التدرج في عرض الموضوع، والسلوك بالسامع خطى الإقناع شيئا فشيئا حتى يجد نفسه قد تبنى ذلك الرأي المطروح أو على الأقل اقتنع به.
* حسن الإلقاء، من تمهل في القول، ومحاولة استعمال أفصح الكلمات، وتبسيط اللغة ليدركها المثقف والعامي على حد سواء.
* التعرف على المستمعين ليحدثهم بما يناسب مستوياتهم واحتياجاتهم.
* تحليل الموضوع، والاستشهاد لأفكار الواردة فيه بما يقنع من الحجج والبراهين.
* عرض الأمثلة في الموضوع المتناول حتى يسهل المستمع إدراكه.
* تشخيص المشكلة واقتراح الحلول، وطرق التوصل إليها واستعمالها.
* التفاؤل وزرع الأمل في نفوس المخاطبين، بدل التشاؤم.
* عدم تطويل الخطبة: (تجنب التطويل الممل، والاختصار المخل).
* التركيز على موضوع معين مع الحرص على عدم الخروج عنه.
* الاتصال البصري بالمخاطبين، والتجاوب معهم بالنظرات والقسمات المعبرة.
* الابتكار في موضوع الخطبة، وعدم تقليد غيره من الخطباء لاختلاف البيئة والأحوال، والأمكنة، وما إلى ذلك.
* الابتعاد عن التكرار، إما في صلب الخطبة، أو في مواضيعها.
* اجتناب التعميم والتجريح والتعالي والسخرية والسطحية.
* يا حبذا لو لخص الخطبة في نقط محدودة يأخذها المستمع كقواعد للالتزام بها.
الصفات المخلة بالإمامة
* الفسق الظاهر.
* المرض الذي من شأنه الإحالة بينه وبين أداء الوظيفة.
* اللحن الفاحش في القراءة.
* المكروه لدى الجماعة لسبب شرعي.
* الغرور بالنفس، والعجب، والرياء، والحسد، والنفاق.
* إتيان خوارم المروءة عرفا.
بهذا نعتقد أننا لمسنا على الأقل الخطوط العريضة لجانب الإمامة وشروطها ومكوناتها.
حقوق الإمام المادية والمعنوية
لا تخفى على أحد المكانة التي يحتلها الإمام في التوجيه والبناء الاجتماعي، كما لا يغيب عن الذهن المهام المنوطة به والدور المنتظر منه، في المساهمة في استقرار المجتمع.
وحتى يقوم بهذه الدوار على أحسن وجه لا بد أن تتوفر له مجموعة من الإمكانات، ويحظى بالمكانة التي يستحقها حسا ومعنى، ويعطى من الحقوق ما يمكنه من أداء وظيفته وهو مرتاح البال مطمئن الخاطر.
وأول ما يجب توفيره للإمام هو:
* المستوى اللائق من العيش زمانا ومكانا، حتى يشعر بالعزة والكرامة، ولا يضطر تحت ضغط الضرورة أو الحاجة إلى ممارسة ما لا يليق بمكانة الإمام. وهذا ما لا يتوفر له غالبا في هذا المجتمع، ذلك أن راتب الإمام لا يصل ولا يقرب في أغلب المساجد -إن لم يكن في كلها- إلى الحد الأدنى من الأجور، بل أدنى من الأدنى. بل ينصح أو يقال له بصراحة "ازهد في الدنيا، وكن عفيفا قنوعا" كما يُذكرُ من طرف بعضهم بأن الأئمة في بلد كذا، راتبهم السنوي كذا قنطارا من القمح أو الشعير، وإن لم تقنع بهذا فهناك من يقنع بأقل منه، إلى آخر ما يسمع من كثير من القائمين على شئون المساجد.
وهذا الوضع لا يشجع الأئمة الحاليين على القيام بمسئولياتهم، كما لا يثرغبُ الجيلَ الصاعد على السير في هذا الطريق.
طبعا نحن لا نطلب أن تتوفر للإمام مرتبة الأمراء والوزراء، وإن كان أهلا لذلك، ولكن نطلب أن تتوفر له:
* أجرة متوسطة تمكنه من العيش الكريم، وتجعله يترفع عن الدنايا والتذلل للناس.
* مسكن ملائم يمكنه من الحياة الكريمة مع أهله من زوجة وأبناء.
* أداء ما يلزم كل مواطن في هذا البلد من التأمينات الصحية والاجتماعية، مما لا يجهله أي مقيم إقامة قانونية في هذا البلد، وأحيانا حتى المقيم إقامة غير قانونية..
* احترامه وتقدير الدور المنوط به واعتباره المرجع في القضايا والأمور المتعلقة بالمسلمين.
* عدم المن عليه وإظهار الفضل عليه كأن يقال له نحن جئنا به من بد كذا أو بلد كذا كما نسمعه من كثير من أفراد بعض الجماعات.
* تقديم العون والتشجيع المادي والمعنوي له، لاستكمال تكوينه، وتتميم النقص الحاصل عنده في تعلم لغة البلد أو العلوم الشرعية أو غير ذلك من مكونات شخصية الإمام المطلوب.
* الاحتكام إلى الجهات التي لها علم بوظائف الإمام ومهامه، كجمعية الأئمة مثلا، والرضا بما يصدر عن تلك الجهات -إن حدث سوء تفاهم لا قدر الله- وليس الاحتكام إلى العشوائية والغوغائية والعصبية والأنانية.
* حق الإمام في عطلة أسبوعية يتفرغ فيها لبعض أموره الشخصية مما لا غنى لأحد من الناس عنه، أو للاستراحة من الشعور بالمسئولية، ورفض ما تقوم به بعض الجماعات من اشتراطهم على أئمتهم ألا يصلوا صلاة خارج المسجد الذي هم فيه أبدا، وقد قضى بعضهم فعلا ما يقرب من أربع سنوات ما صلى صلاة قط خارج مسجده. حتى افتخر بعضهم أن إمامهم لا يحضر أي اجتماع، ولا يزور أي مكان إلا بمقدار ما يعود إلى المسجد في وقت الصلاة.
* تسوية الوضعية القانونية للإمام، حتى يعمل الإمام وهو مطمئن القلب، مستقر البال، لا أن يعمل وهو يخاف حتى من الأطفال الذين يعلمهم أن يخبروا به شرطة الأجانب، وهم بالفعل يهددونه بذلك أحيانا إن عنف بعضهم. وقد بلغت الخسة ببعضهم أن قال لإمام أحد المساجد: "ثق يا إمام أنه لو كان عندك أوراق إقامة واستطعنا نزعها منك لنزعناها، فكيف تأمل منا أن نسعى في حصولك عليها".
هذه بعض الحقوق التي يجب أن تقدم للإمام في هذا البلد دون طلب منه، بل بمبادرة من المؤسسة والجماعة، لتكون هناك ثقة متبادلة بين الطرفين، وعادة ما تشجع الثقة على الإنجاز، بعكس ما إذا كان كل طرف لا يثق بالطرف الآخر، فهذا يثبط عن كثير من الأعمال، ولا يعود بالخير لا على الإمام ولا على المؤسسة والجماعة.
[1]ـ سورة الأنبياء 73.
[3]ـ أخرجه الطبراني 2/87 والبيهقي في السنن الكبرى 3/90
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|