شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى السيرة النبوية
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: مصحف الشيخ محمد اللحيدان مقسم الى صفحات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الشيخ محمد اللحيدان مقسم الى صفحات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف العيون الكوشي رواية ورش مقسم الى صفحات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف العيون الكوشي رواية ورش مقسم الى صفحات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عبد العلي اعنون رواية ورش عن نافع من طريق الازرق المصحف مقسم الى صفحات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عبد العلي اعنون رواية ورش عن نافع من طريق الازرق المصحف مقسم الى صفحات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: المصحف المرتل ل علي عبد الله جابر - مقسم الى صفحات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: المصحف المرتل ل علي عبد الله جابر - مقسم الى صفحات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحصري رواية الدوري عن ابي عمرو مقسم الى صفحات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف الحصري رواية الدوري عن ابي عمرو مقسم الى صفحات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 05-11-2015, 01:31 AM
منتدى اهل الحديث منتدى اهل الحديث غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 5,969
افتراضي مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 63)

مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 62)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=350848

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ
فِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ الْحَرَّةِ , وَكَانَ سَبَبَهَا أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ خَلَعُوا يَزِيدَ بن معاوية , وَوَلَّوْا عَلَى قُرَيْشٍ : عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُطِيعٍ العدوي , وَعَلَى الْأَنْصَارِ : عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ الغسيل , وَعَلَى قَبَائِلِ الْمُهَاجِرِينَ : مَعْقِلَ بْنَ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيَّ ررر
فَلَمَّا كَانَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السَّنَةِ اجْتَمَعُوا عِنْدَ الْمِنْبَرِ , وَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَقُولُ : قَدْ خَلَعْتُ يَزِيدَ كَمَا خَلَعْتُ عِمَامَتِي هَذِهِ , وَيُلْقِيهَا عَنْ رَأْسِهِ .
وَيَقُولُ الْآخَرُ : قَدْ خَلَعْتُهُ كَمَا خَلَعْتُ نَعْلِي هَذِهِ .
حَتَّى اجْتَمَعَ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنَ الْعَمَائِمِ وَالنِّعَالِ هُنَاكَ ,
ثُمَّ اجْتَمَعُوا عَلَى إِخْرَاجِ عَامِلِ يَزِيدَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ , وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ , ابْنُ عَمِّ يَزِيدَ , وَعَلَى إِجْلَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ مِنَ الْمَدِينَةِ ,
فَاجْتَمَعَتْ بَنُو أُمَيَّةَ - وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ - فِي دَارِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ .
وَأَحَاطَ بِهِمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُحَاصِرُونَهُمْ ,
وَاعْتَزَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ النَّاسَ ,
وَكَذَلِكَ فعل عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , لَمْ يَخْلَعْ يَزِيدَ , وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ , وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ لِأَهْلِهِ : لَا يَخْلَعَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَزِيدَ فَيَكُونَ الْفَيْصَلُ ( القطيعة ) بَيْنِي وَبَيْنَهُ .
وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْلَعْ يَزِيدَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ,
وَمَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ وَأَصْحَابُهُ إِلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ , فَأَرَادُوهُ عَلَى خَلْعِ يَزِيدَ ,
فَأَبَى أَشَدَّ الْإِبَاءِ , وَنَاظَرَهُمْ , وَجَادَلَهُمْ فِي يَزِيدَ , وَرَدَّ عَلَيْهِمْ مَا اتَّهَمُوهُ بِهِ مِنْ شُرْبِهِ الْخَمْرَ وَتَرْكِهِ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ
قَالَ له ابْنُ مُطِيعٍ : إِنَّ يَزِيدَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ , وَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ , وَيَتَعَدَّى حُكْمَ الْكِتَابِ .
فَقَالَ لَهُمْ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ : مَا رَأَيْتُ مِنْهُ مَا تَذْكُرُونَ , وَقَدْ حَضَرْتُهُ وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ , فَرَأَيْتُهُ مُوَاظِبًا عَلَى الصَّلَاةِ , مُتَحَرِّيًا لِلْخَيْرِ , يَسْأَلُ عَنِ الْفِقْهِ , مُلَازِمًا لِلسُّنَّةِ .
قَالُوا : فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ تَصَنُّعًا لَكَ ( يمثل عليك ويُجاملك ) .
فَقَالَ : وَمَا الَّذِي يَخَافُهُ مِنِّي أَوْ يَرْجُوُ حَتَّى يُظْهِرَ إِلَيَّ الْخُشُوعَ ؟! , أَفَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا تَذْكُرُونَ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ ؟ , فَلَئِنْ كَانَ أَطْلَعَكُمْ عَلَى ذَلِكَ , إِنَّكُمْ لَشُرَكَاؤُهُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَطْلَعَكُمْ , فَمَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَشْهَدُوا بِمَا لَمْ تَعْلَمُوا .
قَالُوا : إِنَّهُ عِنْدَنَا لَحَقٌّ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَأَيْنَاهُ . ( انظر كيف شهدوا عليه أولا أنه شرب الخمر , ثم أقرُّوا بأنهم لم يروه يشربها )
فَقَالَ لَهُمْ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ : قَدْ أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الشَّهَادَةِ , فَقَالَ: { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } , وَلَسْتُ مِنْ أَمْرِكُمْ فِي شَيْءٍ
.
قَالُوا : فَلَعَلَّكَ تَكْرَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الْأَمْرَ غَيْرُكَ , فَنَحْنُ نُوَلِّيكَ أَمْرَنَا .
قَالَ : مَا أَسْتَحِلُّ الْقِتَالَ عَلَى مَا تُرِيدُونَنِي عَلَيْهِ تَابِعًا وَلَا مَتْبُوعًا .
قَالُوا : فَقَدْ قَاتَلْتَ مَعَ أَبِيكَ .
قَالَ : جِيئُونِي بِمِثْلِ أَبِي أُقَاتِلْ عَلَى مِثْلِ مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ .
قَالُوا : فَمُرِ ابْنَيْكَ أَبَا هَاشِمٍ وَالْقَاسِمَ بِالْقِتَالِ مَعَنَا .
قَالَ : لَوْ أَمَرْتُهُمَا لقَاتَلْتُ بنفسي .
قَالُوا : فَقُمْ مَعَنَا مَقَامًا تَحُضُّ النَّاسَ فِيهِ عَلَى الْقِتَالِ .
قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! , آمُرُ النَّاسَ بِمَا لَا أَفْعَلُهُ وَلَا أَرْضَاهُ ؟! , إِذَنْ مَا نَصَحْتُ لِلَّهِ فِي عِبَادِهِ .
قَالُوا : إِذًا نُكْرِهُكَ ( على الكلام أمام الناس ) .
قَالَ : إِذَنْ آمُرُ النَّاسَ بِتَقْوَى اللَّهِ , وَأَلَّا يُرْضُوا الْمَخْلُوقَ بِسَخَطِ الْخَالِقِ . وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ .
وَكَتَبَ بَنُو أُمَيَّةَ مَعَ الْبَرِيدِ إِلَى يَزِيدَ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْحَصْرِ وَالْإِهَانَةِ , وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ , وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَبْعَثْ إِلَيْهِمْ مَنْ يُنْقِذُهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ , وَإِلَّا اسْتُؤْصِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ .
فَلَمَّا قَدِمَ بِذَلِكَ عَلَى يَزِيدَ , وَجَدَهُ جَالِسًا عَلَى سَرِيرِهِ وَرِجْلَاهُ فِي مَاءٍ يَتَبَرَّدُ مِمَّا بِهِ مِنَ النِّقْرِسِ فِي رِجْلَيْهِ , فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ انْزَعَجَ لِذَلِكَ , وَقَالَ : وَيْلَكَ ! أَمَا فِيهِمْ أَلْفُ رَجُلٍ ؟
قَالَ : بَلَى .
قَالَ : أَفَلَا قَاتَلُوا وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ؟ , ثُمَّ بَعَثَ إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ , فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ , وَاسْتَشَارَهُ فِيمَنْ يَبْعَثُهُ إِلَيْهِمْ , وَعَرَضَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ,
فَأَبَى عَمْرُو بْنِ سَعِيدِ , وَقَالَ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَزَلَنِي عَنْهَا ( المدينة ) وَهِيَ مَضْبُوطَةٌ , وَأُمُورُهَا مُحْكَمَةٌ , فَأَمَّا الْآنَ , فَإِنَّمَا هِيَ دِمَاءُ قُرَيْشٍ تُرَاقُ بِالصَّعِيدِ , فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَتَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُمْ , لِيَتَوَلَّ ذَلِكَ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُمْ مِنِّي .
فَبَعَثَ يزيدُ إِلَى مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ الْمُرِّيِّ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَعِيفٌ ,
فَانْتَدَبَ لِذَلِكَ ,
وَأَرْسَلَ مَعَهُ يَزِيدُ عَشَرَةَ آلَافِ فَارِسٍ , وَنَادَى مُنَادِي يَزِيدَ بِدِمَشْقَ أَنْ سِيرُوا عَلَى أَخْذِ أَعْطِيَاتِكُمْ كَامِلة وَمَعُونَةِ أَرْبَعِينَ دِينَارًا .
ثُمَّ اسْتَعْرَضَهُمْ يَزِيدُ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ .
وَجَعَلَ يَزِيدُ عَلَى أَهْلِ دِمَشْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعَدَةَ الْفَزَارِيَّ ,
وَعَلَى أَهْلِ حِمْصَ حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ السَّكُونِيَّ ,
وَعَلَى أَهْلِ الْأُرْدُنِّ حُبَيْشَ بْنَ دُلْجَةَ الْقَيْنِيَّ ,
وَعَلَى أَهْلِ فِلَسْطِينَ رَوْحَ بْنَ زِنْبَاعٍ الْجُذَامِيَّ , وَشَرِيكَ الْكِنَانِيَّ ,
وَعَلَى أَهْلِ قِنَّسْرِينَ طَرِيفَ بْنَ الْحَسْحَاسِ الْهِلَالِيَّ ,
وَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمُرِّيَّ , مُرَّةَ غَطَفَانَ ,
فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ ررر : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , وَلِّنِي عَلَيْهِمْ أَكْفِكَ - وَكَانَ النُّعْمَانُ أَخَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ الغسيل لِأُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ -
فَقَالَ يَزِيدُ : لَا , لَيْسَ لَهُمْ إِلَّا هَذَا الْعَشَمَةُ ( الظالم , يعني مسلم المري ) وَاللَّهِ لَا أَقْبَلُهُمْ بَعْدَ إِحْسَانِي إِلَيْهِمْ وَعَفْوِي عَنْهُمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ .
فَقَالَ النُّعْمَانُ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عَشِيرَتِكَ وَأَنْصَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ررر : أَرَأَيْتَ إِنْ رَجَعُوا إِلَى طَاعَتِكَ , أَتَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ ؟
قَالَ : إِنْ فَعَلُوا فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ .
وَقَالَ يَزِيدُ لِمُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ : إِذَا قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ وَلَمْ تُصَدَّ عَنْهَا , وَسَمِعُوا وَأَطَاعُوا , فَلَا تَتَعَرَّضْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ , وَامْضِ إِلَى الْمُلْحِدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ , وَإِنْ صَدُّوكَ عَنِ الْمَدِينَةِ , فَادْعُهُمْ ثَلَاثًا , فَإِنْ رَجَعُوا إِلَى الطَّاعَةِ , فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ , وَإِلَّا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ , وَإِذَا ظَهَرْتَ عَلَيْهِمْ فَأَبِحْهَا ثَلَاثًا , ثُمَّ اكْفُفْ عَنِ النَّاسِ , وَانْظُرْ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَاكْفُفْ عَنْهُ , وَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا , وَأَدْنِ مَجْلِسَهُ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي شَيْءٍ مِمَّا دَخَلُوا فِيهِ .
وَأَمَرَهُ يَزِيدُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْمَدِينَةِ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى مَكَّةَ لِحِصَارِ ابْنِ الزُّبَيْرِ , وَقَالَ لَهُ : إِنْ حَدَثَ بِكَ أَمْرٌ ( موت ) فَعَلَى النَّاسِ حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ السَّكُونِيُّ .
وَقَدْ كَانَ يَزِيدُ كَتَبَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ أَنْ يَسِيرَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ , فَيُحَاصِرَهُ بِمَكَّةَ ,
فَأَبَى عَلَيْهِ وَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أَجْمَعُهُمَا لِلْفَاسِقِ أَبَدًا , أَقْتُلُ ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَغْزُو الْبَيْتَ الْحَرَامَ ؟!
وَقَدْ كَانَتْ أُمُّهُ ( عُبَيْدِ اللَّهِ ) مرْجَانَةُ قَالَتْ لَهُ حِينَ قَتَلَ الْحُسَيْنَ : وَيْحَكَ ! مَاذَا صَنَعْتَ ؟! وَمَاذَا رَكِبْتَ ؟!
وَسَارَ مُسْلِمٌ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُيُوشِ إِلَى الْمَدِينَةِ ,
فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْهَا , اجْتَهَدَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي حِصَارِ بَنِي أُمَيَّةَ , وَقَالُوا لَهُمْ : وَاللَّهِ لَنَقْتُلَنَّكُمْ عَنْ آخِرِكُمْ , أَوْ لَتُعْطُونَا مَوْثِقًا أَنْ لَا تَدُلُّوا عَلَيْنَا أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الشَّامِيِّينَ , وَلَا تُمَالِئُوهُمْ عَلَيْنَا .
فَأَعْطَوْهُمُ الْعُهُودَ بِذَلِكَ .
فَلَمَّا وَصَلَ الْجَيْشُ تَلَقَّاهُمْ بَنُو أُمَيَّةَ , فَجَعَلَ مُسْلِمٌ يَسْأَلُهُمْ عَنِ الْأَخْبَارِ ,
فَلَا يُخْبِرُهُ أَحَدٌ ,
فَانْحَصَرَ لِذَلِكَ ,
وَجَاءَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ فَقَالَ لَهُ : إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ النَّصْرَ , فَانْزِلْ شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ فِي الْحَرَّةِ , فَإِذَا خَرَجُوا إِلَيْكَ , كَانَتِ الشَّمْسُ فِي أَقْفِيَتِكُمْ وَفِي وُجُوهِهِمْ , فَادْعُهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ , فَإِنْ أَجَابُوكَ , وَإِلَّا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ , فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكَ عَلَيْهِمْ ; إِذْ خَالَفُوا الْإِمَامَ , وَخَرَجُوا مِنَ الطَّاعَةِ .
فَشَكَرَهُ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ عَلَى ذَلِكَ , وَامْتَثَلَ مَا أَشَارَ بِهِ , فَنَزَلَ شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ فِي الْحَرَّةِ , وَدَعَا أَهْلَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ,
كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَوْنَ إِلَّا الْمُحَارَبَةَ وَالْمُقَاتَلَةَ ,
فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ قَالَ لَهُمْ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ - وَهُوَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ - قَالَ لَهُمْ : يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ , مَضَتِ الثَّلَاثُ , وَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ لِي : إِنَّكُمْ أَصْلُهُ وَعَشِيرَتُهُ , وَإِنَّهُ يَكْرَهُ إِرَاقَةَ دِمَائِكُمْ , وَإِنَّهُ أَمَرَنِي أَنْ أُؤَجِّلَكُمْ ثَلَاثًا , فَقَدْ مَضَتْ , فَمَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ ؟ , أَتُسَالِمُونَ أَمْ تُحَارِبُونَ ؟
فَقَالُوا : بَلْ نُحَارِبُ
.
قَالَ : لَا تَفْعَلُوا , بَلْ سَالِمُوا , وَنَجْعَلُ جَدَّنَا وَقُوَّتَنَا عَلَى هَذَا الْمُلْحِدِ - يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ -
فَقَالُوا لَهُ : يَا عَدُوَّ اللَّهِ , لَوْ أَرَدْتَ ذَلِكَ لَمَا مَكَّنَّاكَ مِنْهُ , أَنَحْنُ نَذَرُكُمْ تَذْهَبُونَ فَتُلْحِدُونَ فِي بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ ؟! .
ثُمَّ تَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ , وَقَدْ كَانُوا اتَّخِذُوا خَنْدَقًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ , وَجَعَلُوا جَيْشَهُمْ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ , عَلَى كُلِّ رُبْعٍ أَمِيرٌ , وَجَعَلُوا أَكبر الْأَرْبَاعِ , الرُّبُعَ الَّذِي فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ الْغَسِيلِ ,
ثُمَّ اقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا ,
ثُمَّ انْهَزَمَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَيْهَا , وَقَدْ قُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ مِنَ السَّادَاتِ وَالْأَعْيَانِ , مِنْهُمْ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ , وَبَنُونَ لَهُ سَبْعَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ ,
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ الْغَسِيلُ , وَأَخُوهُ لِأُمِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ شَمَّاسٍ , وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ,
وَقَدْ مَرَّ بِهِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ مُجَدَّلٌ , فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ , فَكَمْ مِنْ سَارِيَةٍ قَدْ رَأَيْتُكَ تُطِيلُ الْقِيَامَ وَالسُّجُودَ عِنْدَهَا .
ثُمَّ أَبَاحَ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ - الَّذِي يَقُولُ فِيهِ السَّلَفُ : مُسْرِفُ بْنُ عُقْبَةَ قَبَّحَهُ اللَّهُ - الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا أَمَرَهُ يَزِيدُ , لَا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا , وَقَتَلَ خَلْقًا مِنْ أَشْرَافِهَا وَقُرَّائِهَا , وَانْتَهَبَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً مِنْهَا , وَوَقَعَ شَرٌّ عَظِيمٌ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ , عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ,
فَكَانَ مِمَّنْ قُتِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ صَبْرًا : مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ , وَقَدْ كَانَ صَدِيقَهُ قَبْلَ ذَلِكَ , وَلَكِنْ أَسْمَعَهُ فِي يَزِيدَ كَلَامًا غَلِيظًا , فَنَقَمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ.
وَاسْتَدْعَى مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ
فَجَاءَ يَمْشِي بَيْنَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ , وَابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ , لِيَأْخُذَ لَهُ بِهِمَا عِنْدَهُ أَمَانًا , وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّ يَزِيدَ قَدْ أَوْصَاهُ بِهِ , فَلَمَّا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ , اسْتَدْعَى مَرْوَانُ بِشَرَابٍ - وَقَدْ كَانَ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ قَدْ حَمَلَ مَعَهُ مِنَ الشَّامِ ثَلْجًا إِلَى الْمَدِينَةِ , فَكَانَ يُشَابُ لَهُ بِشَرَابِهِ -
فَلَمَّا جِيءَ بِالشَّرَابِ , شَرِبَ مَرْوَانُ قَلِيلًا , ثُمَّ أَعْطَى الْبَاقِيَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لِيَأْخُذَ لَهُ بِذَلِكَ أَمَانًا , وَكَانَ مَرْوَانُ مُوَادًّا لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ,
فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ قَدْ أَخَذَ الْإِنَاءَ فِي يَدِهِ قَالَ لَهُ : لَا تَشْرَبْ مِنْ شَرَابِنَا , ثُمَّ قَالَ لَهُ : إِنَّمَا جِئْتَ مَعَ هَذَيْنَ لِتَأْمَنَ بِهِمَا .
فَارْتَعَدَتْ يَدُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ , وَجَعَلَ لَا يَضَعُ الْإِنَاءَ مِنْ يَدِهِ وَلَا يَشْرَبُهُ ,
ثُمَّ قَالَ لَهُ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ : لَوْلَا أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْصَانِي بِكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ , ثُمَّ قَالَ لَهُ : إِنْ شِئْتَ أَنْ تَشَرَبَ فَاشْرَبْ , وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْنَا لَكَ بِغَيْرِهَا .
فَقَالَ : هَذِهِ الَّتِي فِي كَفِّي أُرِيدُ . فَشَرِبَ
ثُمَّ قَالَ لَهُ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ إِلَيَّ هَاهُنَا , فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ , وَقَالَ لَهُ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْصَانِي بِكَ , وَإِنَّ هَؤُلَاءِ شَغَلُونِي عَنْكَ .
ثُمَّ قَالَ : لَعَلَّ أَهْلَكَ فَزِعُوا ؟ .
قَالَ : إِي وَاللَّهِ .
فَأَمَرَ بِدَابَّتِهِ فَأُسْرِجَتْ , ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَيْهَا حَتَّى رَدَّهُ إِلَى مَنْزِلِهِ مُكَرَّمًا ,
ثُمَّ اسْتَدْعَى بِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - وَلَمْ يَكُنْ خَرَجَ مَعَ بَنِي أُمَيَّةَ - فَقَالَ لَهُ : إِنَّكَ إِنْ ظَهَرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قُلْتَ : أَنَا كُنْتُ مَعَكُمْ , وَإِنْ ظَهَرَ أَهْلُ الشَّامِ قُلْتَ : أَنَا ابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَنُتِفَتْ لِحْيَتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ .
وَأَبَاحَ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ الْمَدِينَةَ ثَلَاثًا , يَقْتُلُونَ النَّاسَ , وَيَأْخُذُونَ الْأَمْوَالَ .
فَأَرْسَلَتْ سُعْدَى بِنْتُ عَوْفٍ الْمُرِّيَّةُ إِلَى مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ تَقُولُ : أَنَا بِنْتُ عَمِّكَ , فَمُرْ أَصْحَابَكَ أَنْ لَا يَتَعَرَّضُوا لِإِبِلٍ لَنَا بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا .
فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : لَا تَبْدَءُوا إِلَّا بِإِبِلِهَا .
وَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : أَنَا مَوْلَاتُكَ , وَابْنِي فِي الْأُسَارَى .
فَقَالَ : عَجِّلُوهُ لَهَا .
فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ , وَقَالَ : أَعْطُوهَا رَأْسَهُ , أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ لَا تُقْتَلِي حَتَّى تَتَكَلَّمِي فِي ابْنِكِ ؟
وَوَقَعُوا عَلَى النِّسَاءِ , حَتَّى قِيلَ : إِنَّهُ حَبِلَتْ أَلْفُ امْرَأَةٍ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ .
وَقَدِ اخْتَفَى جَمَاعَةٌ مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ , مِنْهُمْ : جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ,
وَخَرَجَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَلَجَأَ إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ ,
فَلَحِقَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ .
قَالَ : فَلَمَّا رَأَيْتُهُ انْتَضَيْتُ سَيْفِي ( حملته )
فقَصَدَنِي , فَلَمَّا رَآنِي صَمَّمَ عَلَى قَتْلِي ,
فَشِمْتُ سَيْفِي ( أنزلته ) ثُمَّ قُلْتُ : { إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ } [المائدة: 29].
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟
قُلْتُ : أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ
قَالَ : صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
قُلْتُ : نَعَمَ .
فَمَضَى وَتَرَكَنِي .
وَجِيءَ إِلَى مُسْلِمٍ بِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ , فَقَالَ لَهُ : بَايِعْ .
فَقَالَ: أُبَايِعُ عَلَى سِيرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ .
فَأَمَرَ مُسْلِمٌ بِضَرْبِ عُنُقِهِ ,
فَشَهِدَ رَجُلٌ أَنَّهُ مَجْنُونٌ ,
فَخَلَّى سَبِيلَهُ .
روى الْمَدَائِنِيُّ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ : سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ : كَمْ كَانَ الْقَتْلَى يَوْمَ الْحَرَّةِ ؟
قَالَ : سَبْعُمِائَةٌ مِنْ وُجُوهِ النَّاسِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ , وَوُجُوهِ الْمَوَالِي , وَمِمَّنْ لَا يُعْرَفُ مِنْ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَغَيْرِهِمْ عَشَرَةُ آلَافٍ
.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ : الْعَائِذَ .
وَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِمَا حَصَلَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ لَيْلَةَ مُسْتَهَلِّ الْمُحَرَّمِ مَعَ سَعِيدٍ مَوْلَى الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ , فَحَزِنُوا حُزْنًا شَدِيدًا , وَتَأَهَّبُوا لِقِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ .
وَقَدْ أَخْطَأَ يَزِيدُ خَطَأً فَاحِشًا فِي قَوْلِهِ لِمُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ أَنْ يُبِيحَ الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ , وَهَذَا خَطَأٌ كَبِيرٌ , فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الْمَفَاسِدِ الْعَظِيمَةِ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوَصَفُ , مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
وَقَدْ أَرَادَ بِإِرْسَالِ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ تَوْطِيدَ سُلْطَانِهِ وَمُلْكِهِ , وَدَوَامَ أَيَّامِهِ , فَعَاقَبَهُ اللَّهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ , فَقَصَمَهُ اللَّهُ قَاصِمُ الْجَبَابِرَةِ , وَأَخَذَهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ
.
روى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , عَنْ أَبِيهَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «لَا يَكِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ "
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَّاظِ , عَنْ سَعْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ "
وَروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ظُلْمًا أَخَافَهُ اللَّهُ , وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ , لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا "
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى التَّرْخِيصِ فِي لَعْنَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ , وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ , وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ , وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى , وَابْنُهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ , وَانْتَصَرَ لِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ وَجَوَّزَ لَعْنَهُ ,
وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ آخَرُونَ - وَصَنَّفُوا فِيهِ أَيْضًا - لِئَلَّا يُجْعَلَ لَعْنُهُ وَسِيلَةً إِلَى أَبِيهِ أَوْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ , وَحَمَلُوا مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ سُوءِ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى أَنَّهُ تَأَوَّلَ وَأَخْطَأَ , وَقَالُوا : إِنَّهُ كَانَ مَعَ ذَلِكَ إِمَامًا فَاسِقًا , وَالْإِمَامُ إِذَا فَسَقَ , لَا يُعْزَلُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ , عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ , بَلْ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِثَارَةِ الْفِتْنَةِ , وَوُقُوعِ الْهَرْجِ كَمَا جَرَى .
وَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا جَرَى عَلَيْهِمْ عِنْدَ الْحَرَّةِ مِنْ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ وَجَيْشِهِ , فَرِحَ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا , فَإِنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّهُ الْإِمَامُ , وَقَدْ خَرَجُوا عَنْ طَاعَتِهِ , وَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ غَيْرَهُ , فَلَهُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الطَّاعَةِ , وَلُزُومِ الْجَمَاعَةِ , كَمَا أَنْذَرَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى لِسَانِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ , وَمُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا تَقَدَّمَ , وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " مَنْ جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَكُمْ فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ " رواه مسلم .
وَأَمَّا مَا يُورِدُونَهُ عَنْهُ مِنَ الشِّعْرِ فِي ذَلِكَ , وَاسْتِشْهَادِهِ بِشِعْرِ ابْنِ الزِّبَعْرَى فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا. . . جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقَعِ الْأَسَلْ
حِينَ حَكَّتْ بِقُبَاءٍ بَرْكَهَا. . . وَاسْتَحَرَّ الْقَتْلُ فِي عَبْدِ الْأَشَلْ
قَدْ قَتَلْنَا الضِّعْفَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ. . . وَعَدَلْنَا مَيْلَ بَدْرٍ فَاعْتَدَلْ
وَقَدْ زَادَ بَعْضُ الرَّوَافِضِ فِيهَا فَقَالَ:
لَعِبَتْ هَاشِمُ بِالْمُلْكِ فَلَا. . . مَلَكٌ جَاءَ وَلَا وَحْيٌ نَزَلَ
فَهَذَا إِنْ قَالَهُ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ , فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَلَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَهُ , فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى مَنْ وَضَعَهُ عَلَيْهِ لِيُشَنِّعَ عَلَيْهِ بِهِ وَعَلَى مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ , وَسَنَذْكُرُ تَرْجَمَةَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَرِيبًا , وَمَا ذُكِرَ عَنْهُ , وَمَا قِيلَ فِيهِ , وَمَا كَانَ يُعَانِيهِ مِنَ الْأَفْعَالِ وَالْقَبَائِحِ وَالْأَقْوَالِ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ إن شاء الله , فَإِنَّهُ لَمْ يُمْهَلْ بَعْدَ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ وَقَتْلِ الْحُسَيْنِ إِلَّا يَسِيرًا , حَتَّى قَصَمَهُ اللَّهُ الَّذِي قَصَمَ الْجَبَابِرَةَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ , إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا .
وَقَدْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَلْقٌ مِنَ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي وَقْعَةِ الْحَرَّةِ مِمَّا يَطُولُ ذِكْرُهُمْ ; فَمِنْ مَشَاهِيرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ :
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ , الَّذِي بَايَعَهُ أَهْلُ الْحَرَّةِ
وَمَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الأشجعي ررر
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ ررر
وَمَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ .

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 02:27 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات