المعقود عليه في عقد الصرف
عاصم أحمد عطية بدوي
المعقود عليه، وهو ما يسمى بمحل العقد: وهو عبارة عن البدلين المتبادلين بعقد الصرف، ويجب أن يكونا من النقدين وهما الذهب والفضة؛ لأن الصرف بيع الثمن بالثمن، ويلحق به أيضا الأوراق النقدية المعاصرة كالدولار والدينار[1]، ويشترط لمحل العقد شروط عامة وشروط خاصة وهو ما سنتكلم عنه لاحقاً، أما الشروط العامة فمنها:
1- أن يكون موجوداً عند العقد: فلا يجوز بيع ما هو معدوم[2]، ودليل ذلك ما روي عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله: يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه، ثم أبتاعه من السوق؟ فقال صلى الله عليه وسلم : "لا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ"[3]، حيث يستدل من هذا الحديث على حرمة بيع ما ليس مملوكا للبائع.
2- أن يكون مقدوراً على تسليمه: فلا يصح صرف عاقد غير قادر على تسليم المبيع أو الثمن وقت العقد، كذهب ضائع، أو مغصوب في يد غاصبه؛ لأن شرط الصرف التقابض في الحال[4].
3- أن يكون معلوماً للعاقدين[5]: فلا يصح الصرف إذا كان المعقود عليه فيه جهالة، كأن يصرف خاتماً من ذهب بأي خاتم آخر موجود مع مجموعة من الخواتم لا يتم تعيينه، فربما وقع الاختيار على خاتم أكثر وزناً، أو أقل منه فكان ربا، ولأن في ذلك غرراً وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ"[6].
أقوال العلماء المعاصرين في النقود الورقية:
وبعدما ذكرنا أن المعقود عليه في الصرف يجب أن يكون من الذهب أو الفضة، فهل تقوم النقود الورقية المعاصرة التي هي:" قطع من ورق خاص، تزين بنقوش خاصة وتحمل أعداداً صحيحة يقابلها في العادة رصيد معدني بنسبة خاصة يحدده القانون، وتصدر إما من الحكومة، أو من هيئة تبيح لها الحكومة إصدارها ليتداولها الناس عملة"[7]، ومن أمثلتها الدولار والدينار الأردني والجنيه المصري مقام الذهب أو الفضة؟، بمعنى هل يجري عليها أحكام الصرف أم لا؟
فقد اختلف العلماء المعاصرون في ذلك إلى قولين هما:
القول الأول: إن النقود الورقية لها حكم الذهب والفضة وتحل محلها في كل شيء وتنطبق عليها أحكامها[8].
وعللوا ذلك بما يلي:
إن الأصل في النقد هو الذهب والفضة وعلة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية[9]، وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة وإن كان معدنهما هو الأصل، وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمناً وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تقوم الأشياء في هذا العصر لاختفاء التعامل بالذهب والفضة، وتطمئن النفوس بتمولها وادخارها، ويحصل الوفاء والإبراء العام بها رغم أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما هو أمر خارج عنها وهو حصول الثقة بها كوسيط في التداول والتبادل وهو سر مناطها بالثمنية، وحيث إن جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية وهو متحقق في الأوراق النقدية، فكل ذلك يؤكد على أن الأوراق النقدية نقد قائم بذاته له حكم النقدين من الذهب والفضة[10].
القول الثاني: إن الأوراق النقدية ما هي إلا عرض من عروض التجارة، فلا ينطبق عليها أحكام الصرف[11].
وعللوا ذلك بما يلي[12]:
♦ إن الأوراق النقدية لا يجوز قياسها على الذهب والفضة، لأنها ورق فلا تدخل في منصوص الذهب والفضة لعدم الجمع بين الورق النقدي والنقد المعدني لا في الجنس ولا في القدر.
♦ إن ما كتب على هذه الأوراق من تقدير قيمتها وتعيين اسمها كالدينار والجنيه هو من قبيل المجاز، فلا تخرج به عن حقيقتها من أنها مال متقوم ليس من جنس الذهب والفضة ولا غيرها من الأموال الربوية.
والذي يراه الباحث راجحاً: أنه وبعد عرض أقوال العلماء المعاصرين يترجح للباحث القول الأول، وذلك لقوة تعليلهم وأن الأوراق النقدية أصبحت اليوم تقوم مقام الذهب والفضة قديما، لذا فإن لها الأحكام الآتية:
♦ إن الأوراق النقدية لها حكم الذهب والفضة وسائر الأثمان في جريان الربا فيها بنوعيه – الفضل والنسيئة- فيشترط فيها أحكام الصرف[13]، فلا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئة أو يداً بيد، ويجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقاً إذا كان يداً بيد[14].
♦ تجب فيها الزكاة إذا بلغت قيمتها النصاب أو أكملت النصاب مع غيرها من الأثمان أو العروض العادية[15].
[1] سيأتي تفصيل الحكم الشرعي لبيع الأوراق النقدية المعاصرة بعضها ببعض في هذا البحث (ص 17).
[2] ابن نجيم: البحر الرائق (5 /279).
[3] أخرجه الترمذي في سننه (كتاب: الحدود، باب: المجنون يسرق أو يصيب حدا 4 /243 ح 4400)، وصححه الإمام الألباني في إرواء الغليل (2 /4ح 279).
[4] ابن نجيم: البحر الرائق (5 /279)، العبدري: التاج والإكليل (4 /268)، النووي: المجموع (9 /149)، البهوتي: الروض المربع (1/209).
[5] النووي: المجموع (9 /149)، البهوتي: الروض المربع (1 /210).
[6] سبق تخريجه (ص 14).
[7] القرضاوي: فقه الزكاة (1 /269).
[8] المرجع السابق (1 /276).
[9] الثمنية في اللغة: هي من الثمن، وثمن الشيء: ما استحق به ذلك الشيء، وجمعها أثمان وأثمن، والثمن في الاصطلاح هو "ما يكون بدلا للمبيع ويتعلق بالذمة"، وقد اختلف الفقهاء في العلة التي حرمت بها الربا في النقدين على ثلاثة أقوال هي: ذهب الحنفية إلى أن علة الربا في النقدين هي الوزن مع اتحاد الجنس.
ذهب المالكية والشافعية أن علة الربا هي غلبة الثمنية، ومعنى قولهم غلبة الثمنية أي ما غلب كونه ثمنا في المبيع وهو الذهب والفضة.
وذهب مالك في رواية عنه، والحنابلة، بأن علة الربا في النقدين هي مطلق الثمنية، و قولهم هذا يعم النقدين والفلوس وكل ما اصطلح عليه الناس على أنه ثمن، وهو الظاهر الذي استند عليه ورجحه أصحاب القول الأول القائلين: بأن النقود الورقية لها حكم الذهب والفضة وتحل محلها في كل شيء وتنطبق عليها أحكامها، حيدر: درر الحكام (1 /123)، الكاساني: بدائع الصنائع (5 /185)، الصاوي: بلغة السالك (3 /40)، النووي: المجموع (11 /240)، البهوتي: كشاف القناع (3 /251)، الزبيدي: تاج العروس (34 /334).
[10] قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، الدورة الخامسة سنة 1402هـ، السالوس:موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة (ص 370).
[11] السالوس: استبدال النقود والعملات (ص 156).
[12] الباز: أحكام صرف النقود والعملات (ص 157).
[13] الباز: أحكام صرف النقود والعملات (ص 161).
[14] قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، الدورة الخامسة سنة 1402هـ، السالوس:موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة (ص 371).
[15] شبير: المعاملات المالية المعاصرة (ص 154).
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك