05-06-2021, 05:22 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 349,031
|
|
بين ادب الرافعي و ادب شاكر
دائما ما اسال : اي الرجلين اقرب الي ؟؟ و من من الادبين اكثر سلطة على قلبي ؟؟ ، فكان ياتي الجواب : انه الرافعي ، مع انهما ذرية بعضها من بعض ، و علة ذلك انني كنت اجد في نفس معاني كثيرة ، و لا اجد سبيلا الى التعبير عليها و الابانة عنها ، حتى لقيت الرافعي فوجدته يعبر بلسانه عما يتخالج في صدري و يضطرب في نفسي .
و لكثرة ما سئلت عن هذه القضية ، و ايهما اقرب الى قلبي ، فقد رايت ان اكتب هذه المقالة اظهر فيها بعض الذي خلصت اليه ، من الفرق بين ادبيهما ، و ما ميز كل واحد منهما عن صاحبه .
لقد عالجا ، عبر سنوات حياتهما ، المواضيع نفسها ، و عرضا للشبهات ذاتها ، ، و لكن لكل واحد منهما ، في ذلك ، طريقته و منهجه ، فاما شاكر فان اول شيء يلاحظه من يشدو شيئا من ادبه ، او ينظر في كتاب من كتبه ، او يطالع مقالا من مقالاته ، هو ان الرجل ليس عنده الا الجد ، حتى هو يتكلم عن الهزل ، فالحياة كلها عنده جد لا هزل فيه ، حتى انك تقرا له و تسمع انفاسه و تحس تسارع زفراته ، و اما الرافعي فمهما بلغ الموضوع الذي يعرض له من مراتب الجد ، الا انه لا يعرض له الا في صيغة الهزل او ممزوجا به.
و اذا كان الرافعي يفتح لك المجال للنظر، و لاتعاب الفكر ، و اعنات الروية، و توليد المعاني ، و مرد ذلك الى انه لا ياتيك بالفكرة كاملة في الوقت نفسه ، و انما يقدم لك مبتدئها ، ثم يطوف بك في ضروب من الكلام و انواع من اساليب البيان ، قبل ان ياتيك بخبرها ، فيضطرك ذلك الى شحذ عقلك و تركيز ذهنك ، و ارجاع البصر كرتين ، لعلك تظفر بشيء من معانيه ، و لعلك تنفذ الى قرارات نفسه، فتجد نفسك تبني على افكاره ، ليعود هو بعد ذلك و يبني على افكارك ، و هذا يجعلك تنزله منك منزلة الصديق القريب ، الذي يجمعك معه هم الفكر و هم المذاكرة ، و اما شاكر فيأتيك بالفكرة واضحة لا تختلط ، صريحة لا تشتبه ، يعبر عنها بالالفاظ الفخمة ، و الاسلوب العالي ، في هيبة و وقار ، و هذا يجعله عندك بمنزلة الاستاذ ، تجلس اليه ليعلمك و يلقنك.
و من الفروق بين اسلوبيهما ، ان الرافعي يكتب، و يلقي المعاني على عواهنها كما اتفقت له ، دون ان يكون همه ان تعي عنه مراده او ان يقصر ادراكك دون ذلك ، فتحسه يكتب اليك و هو منشغل عنك ، بل هو غير مبال بهذه الدنيا كلها ، لا بهمومها و لا احزانها ، و ليس له غرض منها الا ان يصلي فرضه و يصوم شهره ، و يدفع لك بضع مقالات ، ثم يدبر عنها الى لقاء ربه ، اما شاكر فانه يكتب لك و هو مقبل عليك ، يعيد و يكرر حتى تفهم و تعي ، و هو في كل هذا يحمل همك و هم الدنيا بين منكبيه ، و قد كان هذا مما جناه عن قرائه و محبيه ، فلا تجد احدا ،ممن تعلقوا ببيانه و هاموا في ادبه ، الا و ظهر عليه اثر ذلك الهم، في اسلوب تفكيره و نمط حياته .
و هذه كانت بعض الفروق التي وصلت اليها ، عبر دراستي لادبيهما ، و في ثناياها و ما تنطوي عليه ما يجعلني اميل اكثر الى ادب الرافعي ، و جزى الله خيرا شاكرا على ما حملنيه من هم .
كتب: الاحد 19 رضمان 1443 (2/05/2021)
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|