القاعدة الفقهية: العادة محكَّمة[1]
أبو الكلام شفيق القاسمي المظاهري
معنى القاعدة:
أن العادة تجعل حَكَمًا لإثبات حُكم شرعي إذا لم يرد نص في ذلك الحكم المراد إثباته، فإذا ورد النص عمل بموجبه، ولا يجوز ترك النص والعمل بالعادة؛ لأنه ليس للعادة حق تغيير النصوص، والنص أقوى من العرف؛ لأن العرف قد يكون مستندًا على باطل.
تعريف العادة:
الأمر المتكرر من غير علاقة عقلية، وهذا تعريف الأصوليين.
أما عند الفقهاء:
فهي عبارة عما يستقر في النفوس من الأمور المتكررة المعقولة عند الطبائع السليمة.
محكَّمة:
اسم مفعول من التحكيم، وهو القضاء والفصل بين الناس؛ أي: إن العادة تكون حَكَمًا يرجع إليه عند القضاء والفصل.
تعريف العرف:
الأمر الذي استقر في النفوس بشهادة العقول، وتلقَّتْه الطبائع بالقَبول.
متى تكون العادة والعُرف حجة وحُكمًا؟
إنما يعتبر العادة والعُرف حجة وحُكمًا عند عدم مخالفتهما لنص شرعي، أو عند عدم شرط أحد المتعاقدين.
أدلتهما: من القرآن:
1- قوله تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228].
2- قوله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19].
قال الإمام القرطبي: العُرف والمعروف والعارفة: كلُّ خَصلة حسنة ترتضيها العقول، وتطمئن إليها النفوس[2].
3- قوله تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ﴾ [المائدة: 89].
ينظر في مقدار الطعام إلى الأعراف السائدة والعوائد المتبعة.
4- عن عائشة، أن هند بنت عتبة، قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجلٌ شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذتُ منه وهو لا يعلم، فقال: ((خذي ما يكفيكِ وولدَك بالمعروف))[3]، قال العلامة العَيْني: وهذا يدل على أن العُرفَ عمل جار[4].
وقال ابن بطال: العُرف عند الفقهاء أمرٌ معمول به[5].
5- عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الوزنُ: وزنُ أهل مكة، والمِكيال: مكيالُ أهل المدينة))[6].
فاعتبر الرسولُ صلى الله عليه وسلم عادة أهل المدينة؛ لأن عادتَهم الكيلُ، وأهل مكة كانوا أهل نتاجٍ، فاعتبر عادتهم في الوزن.
6- أن عمرَ بن الخطاب أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ أرضًا بخيبر، لم أُصِبْ مالًا قط أنفَسَ عندي منه، فما تأمر به؟ قال: ((إن شئتَ حبستَ أصلها، وتصدقت به))، قال:... لا جناح على مَن وَلِيَها أن يأكل منها بالمعروف[7].
7- عن عبدالله بن مسعود، قال: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خيرَ قلوب العباد،... فما رأى المسلمون حسنًا، فهو عند الله حسَنٌ"[8].
القواعد المندرجة تحت هذه القاعدة:
1- استعمال الناس حجةٌ يجب العمل بها.
2- إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت.
3- العبرة للغالب الشائع لا للنادر.
4- العُرف الذي تحمل عليه الألفاظ، إنما هو المقارن السابق دون المتأخر.
5- الحقيقة تترك بدلالة العادة.
6- الكتاب كالخطاب.
7- الإشارة المعهودة للأخرس كالبيان باللسان.
8- المعروف عُرفًا كالمشروط شرطًا.
9- التعيين بالعرف كالتعيين بالنص.
10- المعروف بين التجار كالمشروط بينهم.
11- لا ينكر تغير الأحكام الاجتهادية بتغير الأزمان.
الأمثلة:
1- حد الماء الجاري، الأصح أنه: ما يعُدُّه الناس جاريًا.
2- وقوع البعر الكثير في البئر، الأصح أن الكثير ما استكثره الناظر.
3- العمل المفسِد للصلاة مفوَّض إلى العُرف.
4- تناول الثمار الساقطة يعتبر فيه العرف.
5- فيما لا نص فيه من الأموال الربوية يعتبر فيه العرف.
6- ألفاظ الواقفين تعتبر على عرفهم.
7- ذكر ابن نجيم: أن الإمام للمسجد يسامح في كل شهر أسبوعًا للاستراحة، ومثله نص في العادة، انتهى[9]، ولكن العرف اختلف اليوم، فلا يسمح بأسبوع، بل بيوم أو يومين في الشهر، وفي السنة بشهر، وفي المدارس بشهرين، وأثناء الدراسة بشهر، وهذا عندنا في شبه القارة الهندية.
[1] شرح مجلة الأحكام: م: 36 ص: 40، الأشباه للسيوطي: 89، ابن النجيم: 92، الوجيز: 213، القواعد للندوي: 293.
[2] تفسير القرطبي: 7 /346.
[3] صحيح البخاري (7 / 65).
[4] صحيح البخاري بشرح العيني: 12 /16 - 18.
[5] نفس المصدر.
[6] أبو داود: 5 /12 - 13.
[7] البخاري: رقم الحديث: 2565.
[8] مسند أحمد - عالم الكتب (1/ 379).
[9] ابن نجيم: 153 ط هندي.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك