خلع الولي عن الزوجة
د. سامح عبدالسلام محمد
• إذا كان الخلاف قد ثار بين الفقهاء حول صحة وقوع الخُلْع من وليِّ الصغير أو المجنون، فقد ثار النقاشُ بينهم كذلك عند الحديث عن حُكم مباشرة وليِّ الزَّوجة للخُلْع حال كونها صغيرةً أو سفيهة أو مجنونة، وفي ذلك حالات عدة:
الحالة الأولى:
• أن يكون عِوَض الخُلْع من مال الولي، بأن ضمِنه الوليُّ للزوج، أو التزَم به من ماله الخاص، فهنا يكون الخُلْع صحيحًا، ويلتزم الولي بالعِوَض، وذلك باتفاق جمهور الفقهاء[1]؛ وذلك لِما عندهم من جواز خلع الأجنبي، فإن جاز بذله من غير الولي، فيكون بذله من الولي أَولى، وهو ما نص عليه الفقهاء بقولهم: (وإن خالعها بشيء من ماله، جاز؛ لأنه يجوز من الأجنبي، فمن الولي أَولى)، (ولا يكون له الرجوع على الزَّوجة في مالها، إلا أن تكون محجورًا عليها لإفلاسها، فيرجع عليها إذا أيسرت وفُكَّ الحجر عنها)[2].
وخالف في ذلك الظاهريةُ، فلم يروا جوازَ الخُلْع من الولي مطلقًا[3].
الحالة الثانية:
• أن يخالع الولي على أن يكون عِوَض الخُلْع من مال الزَّوجة، دون التزام من الولي، وقد اختلف الفقهاء في هذه الحالة على مذهبين:
المذهب الأول: أنه يجوزُ للولي أن يخالع من مال الزَّوجة إذا رأى في ذلك مصلحةً لها، وهذا رأي المالكية وبعض الحنابلة[4].
وعلَّة ذلك عندهم أن الوليَّ قد يرى في الخُلْع مصلحة لابنته، أو درءَ مفسدةٍ عنها؛ بتخليصها من زوج يُتلف مالها، أو تخاف منه على نفسها وعقلها، ففي هذه الحالة لا يُعتبَر بذلُ العِوَض تبذيرًا؛ وإنما صيانة لنفسها، وحفظ مالها، كما يجوز للولي بذلُ مالها في مداواتها، وفك أسرها[5].
وقد جاء في جواهر الإكليل: (وجاز الخُلْع من الأب عن بنته المجبَرة بدون إذنها، ولو بجميع مهرِها، حيث اقتضت مصلحتها)[6].
المذهب الثاني: أنه لا يجوز لوليِّ الصغيرة أو المجنونة أو السفيهة أن يخالِعَ عنها من مالها، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة، فضلاً عن الظاهرية؛ لعدم تجويزهم خلعَ الوليِّ[7].
وقد نص أصحاب هذا الرأي على ذلك فقالوا: (ولا يجوز للأب أن يخلع البنت الصغيرة من الزَّوج بشيء من مالها؛ لأنه يسقط بذلك حقَّها)[8]، وفي هذه الحالة لا يلزمها العِوَض؛ إذ إنه كالتبرُّع من ناحيةِ أن فيه بذلاً لبعض مال الصغيرة أو السفيهة أو المجنونة، والوليُّ لا يملِكه.
الرأي الراجح:
• لعل الرَّاجح في هذه المسألة هو رأيُ الجمهور القائل بعدم وقوع الخُلْع من ولي الزَّوجة حال كونها صغيرةً أو سفيهة أو مجنونة.
• فمن ناحيةِ أن مخالَعة الولي من مال الزَّوجة فيه إسقاط لحقها من المهر والاستمتاع، وهو لا يملِك ذلك.
• ومن ناحية أخرى، فإن ما عسى أن يكون سببًا للخُلْع من بُغض المرأة لزوجها وكراهيتها لمعاشرته، هو مما يستلزم لتحقُّقه وجودَ العقل والإدراك من الزَّوجة.
مع وجوب التفرِقة بين الصغيرة والمجنونة من جهة، والسفيهة من جهة أخرى؛ إذ إن الأخيرة يتوقف الأمرُ على قَبولها إن كانت من أهل القَبول بأن كانت مميزة تعرف أن النكاحَ جالب، والخُلْع سالب، فإن قبِلت وقَع الخُلْع؛ لتحقُّق شرطه، وهو القَبول.
ومع مراعاة أنه إذا ظلم الزَّوجُ زوجته الصغيرة أو المجنونة أو السفيهة، ورأى الولي أن خلاصها منه أو أن الحفاظ على أي من المقاصد الخمسة، يتطلَّب تدخُّلَه للاتفاق مع الزَّوج على الخُلْع بعِوَض من مال الزَّوجة، فتكون الفتوى على مذهب المالكية من أنه يجوز للوليِّ أن يخالع عن الزَّوجة إذا رأى في ذلك مصلحةً لها.
[1] حاشية ابن عابدين ج3 ص458، جواهر الإكليل ج1 ص330، مغني المحتاج ج3 ص277، المغني؛ لابن قدامة ج8 ص215.
[2] المغني؛ لابن قدامة ج8 ص216.
[3] المحلى؛ لابن حزم ج10 ص244.
[4] جواهر الإكليل ج1 ص330، المغني؛ لابن قدامة ج8 ص216.
[5] المغني؛ لابن قدامة ج8 ص216.
[6] جواهر الإكليل ج1 ص330.
[7] حاشية ابن عابدين ج3 ص457، 458، المهذب؛ للشيرازي ج2 ص71، مغني المحتاج ج3 ص277، والمغني؛ لابن قدامة ج8 ص215.
[8] المهذب؛ للشيرازي ج2 ص71.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك