شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى الفقه
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: الحفلة المشهورة عبد الباسط مصحف قصار السور مع صدى صوت رهيب بجودة رهيبة برابط 1 و مزيد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: برابط واحد او خمسة مصحف عبد الباسط مجود 547 تسجيل خارجي بجودة رهيبة و مزيد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عبد الرحمن العبد الكريم سورة 053 النجم (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عبد الرحمن العبد الكريم سورة 034 سبأ (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عبد الرحمن العبد الكريم سورة 033 الأحزاب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عبد الرحمن العبد الكريم سورة 047 محمد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عبد الرحمن العبد الكريم سورة 046 الأحقاف (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عبد الرحمن العبد الكريم سورة 045 الجاثية (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عبد الرحمن العبد الكريم سورة 044 الدخان (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف عبد الرحمن العبد الكريم سورة 043 الزخرف (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 04-09-2016, 06:54 PM
ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران غير متواجد حالياً
مدير عام
 
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 347,503
افتراضي مسالك الكشف عن مقاصد الشريعة

طُرُق معرفة مقاصد الشريعة بين الشاطبي والكُتَّاب المعاصرين
د. نَعْمان جَغيم
نشر في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الكويت، العدد 104، 2016م


الملخص
ذكر الشاطبي في خاتمة الجزء المتعلق بالمقاصد من كتابه الموافقات أربعا من الجهات التي يُعرف بها ما هو مقصود للشارع مما ليس بمقصود له، وذكر محمد الطاهر بن عاشور ثلاثة من الطرق التي يُتوصَّل بها إلى إثبات المقاصد الشرعية، وهي مختلفة عما ذكره الشاطبي. وقد أورد بعض المعاصرين إشكالات على بعض تلك الجهات، كما استشكلوا الاختلاف الواقع بين الشاطبي وابن عاشور. وقد انعكست تلك الإشكالات على الطرق التي صاغها بعض الكتاب المعاصرين للتعرُّف على مقاصد الشريعة فصارت هي أيضا محلّ استشكال. وهذا البحث يهدف إلى الإجابة عن الإشكالات التي أثيرت حول ما ذكره الشاطبي وابن عاشور، كما يهدف إلى صياغة جديدة للطرق التي تعرف بها المقاصد بناءً على انقسام المقاصد إلى مقاصد الخطاب الشرعي، ومقاصد الأحكام الشرعية. ويقوم منهج البحث على عرض ما ذكره الشاطبي وما أورده عليه المعاصرون من استشكالات مع تحليل ومناقشة تلك الاستشكالات، ثم عرض ما ذكره ابن عاشور وما أورده عليه المعاصرون من استشكالات مع تحليلٍ ونقدٍ لها، ثم عرض أهم الطرق التي ذكرها المعاصرون مع التحليل والنقد، وفي الختام تقديم صياغة جديدة للطرق التي تعرف بها المقاصد. وقد خلص البحث إلى سلامة ما ذكره كل من الشاطبي وابن عاشور وعدم تعارضهما على الرغم مما بينهما من اختلاف، وأن سبب ذلك الاختلاف يرجع إلى اختلاف نوع المقاصد التي يُراد التعرُّف عليها. كما خلص البحث إلى أن سبب نقد المسالك التي ذكرها الشاطبي يعود إلى عدم فهم مراده، وأن الغموض السائد في الكتابات المعاصرة يعود إلى عدم التفريق بين مقاصد الخطاب الشرعي ومقاصد الأحكام الشرعية، وعدم إدراك أنّ لكلِّ واحدٍ منهما مسالكُه التي يُكشف بها عنه.

مقدمة
ذكر الشاطبي في خاتمة الجزء المتعلق بالمقاصد من كتابه الموافقات أربعا من الجهات التي يُعرف بها ما هو مقصود للشارع مما ليس بمقصود له، وذكر محمد الطاهر بن عاشور ثلاثة من الطرق التي يُتوصَّل بها إلى إثبات المقاصد الشرعية، وهي مختلفة عما ذكره الشاطبي. وقد استشكل بعض الكتاب المعاصرين كون الجهات التي ذكرها الشاطبي توصل إلى التعرُّف على الأحكام الشرعية دون أن تكون في ذاتها كاشفة عن المقاصد بمعنى الحِكَم والمصالح المقصودة من الأحكام الشرعية، كما استشكلوا اختلاف تلك الطرق بين الشاطبي وابن عاشور. وقد انعكست تلك الإشكالات على الطرق التي صاغها بعض الكتاب المعاصرين للتعرُّف على مقاصد الشريعة، فحاولوا من جهة التمسُّك بما ذكره الشاطبي وما ذكره ابن عاشور والجمع بينهما، ومن جهة أخرى حاولوا تجاوز الإشكالات الواردة عليهما بإعطاء أبعاد جديدة للطرق التي ذكروها. وقد كانت نتيجة ذلك أن جاءت الطرق التي ذكروها هي أيضا محلّ استشكال. وهذا البحث يهدف إلى الإجابة عن الإشكالات التي أثيرت حول ما ذكره الشاطبي وابن عاشور، كما يهدف إلى صياغة جديدة للطرق التي تعرف بها المقاصد بناءً على انقسام المقاصد إلى مقاصد الخطاب الشرعي، ومقاصد الأحكام الشرعية. ويقوم منهج البحث على عرض ما ذكره الشاطبي وما أورده عليه المعاصرون من استشكالات مع تحليل ومناقشة تلك الاستشكالات، ثم عرض ما ذكره ابن عاشور وما أورده عليه المعاصرون من استشكالات مع تحليلٍ ونقدٍ لها، ثم عرض أهم الطرق التي ذكرها المعاصرون ممن اطلعت على كتاباتهم مع التحليل والنقد، وفي الختام تقديم صياغة جديدة للطرق التي تعرف بها المقاصد.
ولما كان الشاطبي هو المنظِّر الأول لموضوع مقاصد الشريعة؛ حيث إنه أول من أفرد جزءا من كتابه لهذا الموضوع وضع فيه نظرية متكاملة الأركان، فإن الحديث عن مسالك الكشف عن مقاصد الشريعة سيبدأ منه، مع الإقرار بأنه ليس هو أوّل من تحدث عن هذا الموضوع؛ فعلماء أصول الفقه قد وضعوا نظرية متكاملة للكشف عن مقصود الشارع من خطابه؛ إذْ طرق استنباط الحكم التي بيّنها علماء أصول الفقه هي طرق للكشف عن مقصود الشارع من الخطاب الشرعي المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية. كما أن العلماء السابقين للشاطبي تحدثوا عن الطرق التي تُعرف بها مقاصد الأحكام الشرعية. وبهذا يتضح أن البدء من الشاطبي يقوم على اعتباره أوَّل من وضع معالم نظرية متكاملة لموضوع مقاصد الشريعة، وأفردها بدراسة خاصة تتّسم بالشمول والتماسك والإحكام.

طُرُق معرفة المقاصد عند الشاطبي
ذكر الشاطبي أن مقصود الشارع يعرف من أربع جهات:

الجهة الأولى: مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي، وهو يدخل ضمن منطوق النصوص الشرعية وما يُستقى مباشرة من ألفاظها. وقيَّد الأمر والنهي بكونه صريحا ومقصودا بالقصد الأول؛ لأن ذلك النوع من الأمر صريح في الدلالة على المقصود ومحلُّ اتفاق بين أهل العلم. وهذا المسلك هو الأصل في التعرُّف على مقصود الشارع من خطابه، وهو محلّ اتفاق بين الجمهور الآخذين بالقياس والظاهرية الرافضين له. يقول الشاطبي: (إحداها: مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي؛ فإن الأمر معلوم أنه إنما كان أمرًا لاقتضائه الفعل، فوقوع الفعل عند وجود الأمر به مقصود للشارع. وكذلك النهي معلوم أنه مقتض لنفي الفعل أو الكفّ عنه، فعدم وقوعه مقصود له، وإيقاعه مخالف لمقصوده... فهذا وجه ظاهرٌ عامّ لمن اعتبر مجرد الأمر والنهي من غير نظر إلى علة، ولمن اعتبر العلل والمصالح، وهو الأصل الشرعي).

وقد استشكل الدكتور عبد المجيد النجار كيف يكون الأمر والنهي من طرق الكشف عن المقاصد الشرعية التي هي في تصوُّره محصورة في المصالح الحاصلة من الأحكام الشرعية؟ وفي بيان ذلك الاستشكال يقول: "فهل يصحُّ القول بأن كل تطبيق فعلي للأمر هو في ذاته مقصود للشرع؟ والحال أننا نجد أفرادا من تطبيقات الأوامر تكون مناقضة لمقصود الشارع، أو على الأقل غير محققة لها. وذلك كما إذا طُبِّقَ مقتضى الأمر بقطع يد السارق في حالة المجاعة، وهو ما يجعلنا نتساءل: هل وقوع الفعل الذي يقتضيه الأمر مقصدٌ شرعي في ذاته، أو المقصد الشرعي هو ما يُحقِّقُه ذلك الوقوع فلا يكون إذا الوقوع مقصدا إذا لم يؤد إلى ثمرته؟". ثم خلص بعد ذلك إلى تقدير أن الشاطبي قصد "إيقاع المأمور به من جهة الانصياع للأمر الإلهي، والتسليم له، وهو مقصدٌ عامٌّ لا تنقضه جزئيات من التحقُّقات قد لا تكون مؤدية إلى مقصد من المقاصد القريبة." وفي نهاية تحليله لما ذكره الشاطبي صاغ مخرجا لهذا الإشكال بالقول: "فإن فيه تحوُّطًا ظاهرا من أن يقع الإخلال في إيقاع مقتضى الأمر والنهي تعلُّلاً في ذلك بأن المصلحة لا تكون في ذلك الإيقاع، بل تكون في عدمه، وهو مسلك الباطنية قديما، ومسلك الدعاة إلى تعطيل النصوص حديثا، ففي جعل مجرد الإيقاع مقصدا شرعيا قطعٌ لهذه الذريعة."

ونحن إذا تأملنا كلام الشاطبي وجدناه ظاهرا في أنه يتحدث عن مقاصد الخطاب الشرعي، وليس عن مقاصد الأحكام الشرعية التي هي بمعنى الحِكَم والمصالح المرجُوَّة من تطبيق الحكم. فالشارع عندما يأمر بشيء أو ينهى عنه فإنه قاصدٌ إيقاع المأمور به في حال الأمر، واجتناب المنهي عنه في حال النهي، أي أن الأمر بالشروط التي ذكرها يقتضي وجوب الإتيان بالفعل المأمور به، والنهي بالشروط التي ذكرها يقتضي وجوب اجتناب الفعل المنهي عنه. هذا هو المقصد الذي يتحدث عنه الشاطبي. أما مسألة تحقيق الامتثال بالأمر أو النهي للحِكْمَة المقصودة من ذلك الأمر أو النهي، فهو أمرٌ آخر لا يقصدُه الشاطبي في حديثه هذا. كما أنه لا يقصد التحوُّط وقطع الطريق على ذريعة الإخلال بإيقاع الأمر أو النهي بذريعة عدم تحقيقه للمصلحة، كما ظنه الكاتب.

وبهذا يتبيَّن أن الإشكال الذي أورده النجار بأن تطبيق بعض الأوامر أو النواهي في بعض الحالات قد يؤدي إلى ما يخالف المصالح المقصودة من الأحكام الشرعية، لا يرد أصلا على ما ذكره الشاطبي؛ لأن الشاطبي يتحدث عن أن قصد الشارع من أوامره ونواهيه الالتزام بها، وهو لا يتكلم عن تحقُّق المصالح المرادة من الأحكام، فتلك مسألة أخرى لها ما يحكمها من القواعد.

والإشكالات التي أثارها النجار حول الجهة الأولى لمعرفة المقاصد عند الشاطبي ناشئة من اعتقاده أن مقاصد الشريعة محصورة في مقاصد الأحكام الشرعية، أي الحِكَم والمصالح المقصودة من الأحكام الشرعية، وهو التصوُّر السائد بين أغلب الكتاب المعاصرين.

ولما كان الدكتور يوسف حامد العالم ينطلق من المنطلق نفسه الذي ينطلق منه النجار، وهو حصر مقاصد الشريعة في مقاصد الأحكام الشرعية، بمعنى الحِكَم والمصالح المقصودة من الأحكام، فقد أدرك أن الأمر والنهي في ذاتيهما لا يكشفان عن مقاصد الأحكام الشرعية، فجعل بدلا من "مجرد الأمر والنهي" مسلكا سماه "النص الصريح المعلَّل"، ولكنه مع ذلك لم يخرج عمّا ذكره الشاطبي في هذا المسلك الأول؛ فجاء في بيان المسلك الذي سماه "النص الصريح المعلَّل" بكلام يحاول فيه الإبقاء على ما ذكره الشاطبي وإضافة بُعْدٍ آخر يحلُّ له الإشكال الواقع في ذهنه عن كون مجرد الأمر والنهي لا يفيدان في ذاتيهما كشفًا عن المقصد من الحكم الشرعي الناتج عن كل منهما. وفيما يأتي بعض من كلامه الذي يفيد ذلك التردُّد والسعي إلى التوفيق، حيث يقول: "من المعلوم أن الأمر من الشارع إنما يكون لاقتضائه الفعل، فوقوع الفعل عند وجود الأمر مقصود للشارع، وكذلك النهي معلوم أنه مقتضي لنفي الفعل أو الكف عنه، فعدم وقوعه مقصود له، وإيقاعه مخالف لمقصوده، كما أن عدم اتباع المأمور به مخالف لمقصوده. فهذا ظاهر لمن اعتبر مجرد الأمر والنهي من غير نظر إلى علة، ]و [لمن اعتبر العلل والمصالح أيضا. فإذا كان مجرد الأمر والنهي يدل على قصد الشارع، فدلالتهما مع التعليل أولى وأظهر. والمتتبّع لآيات التشريع في الكتاب الحكيم وأحاديث الأحكام يجد معظمها مقرونا بالتعليل وذلك واضح." ثم راح يسرد أمثلة من القرآن الكريم والسنة النبوية لأحكام وردت مقرونة بتعليلها بما هو حِكْمَة مقصودة من تشريعها.

بعد الفراغ من عرض هذه الإشكالات نعود إلى بيان سبب نشوئها في أذهان أولئك الكتاب، وهو التصوُّر الشائع لدى أغلب الكتاب المعاصرين في مقاصد الشريعة، حيث يعتقدون انحصار مقاصد الشريعة في نوع واحد منها، هو الحِكَم والمصالح المقصودة من الأحكام الشرعية، ولما نظروا في الطرق التي ذكرها الشاطبي وجدوا أنها لا تصلح للكشف عن هذا النوع من المقاصد، فأشكل عليهم الأمر. والحقيقة أن مقاصد الشريعة غير مقصورة على هذا النوع، بل تتنوع إلى مقاصد الخطاب الشرعي، وهي المعاني المقصودة من الخطاب الشرعي الذي يُنْشِئُ حُكْمًا من الأحكام الشرعية أو مبدأ من المبادئ أو يُخبر عن حقيقة من الحقائق. وإلى مقاصد الأحكام الشرعية، وهي الحِكَمُ (جمع حِكْمة) والمصالح التي من أجلها شُرعت الأحكام الشرعية. وإلى مقاصد الشريعة في منهج التشريع، وهي المعاني التي راعاها (قصدها) الشارع في منهج تشريع الأحكام، مثل التيسير ورفع الحرج، ومراعاة الفطرة. وتنوُّع المقاصد وعدم انحصارها في مقاصد الأحكام الشرعية ظاهر لمن نظر في التقسيم الرباعي الذي ذكره الشاطبي في مطلع كتاب المقاصد، وهو قصد الشارع في وضع الشريعة، وقصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام، وقصد الشارع في وضع الشريعة للتكليف بمقتضاها، وقصد الشارع في دخول المكلَّف تحت أحكام الشريعة. وظاهر من كلام الشاطبي في الجهات الأربع التي ذكرها أنه يتحدّث عن مقاصد الخطاب الشرعي، وليس عن مقاصد الأحكام الشرعية.

وقد أضاف الدكتور عزالدين بن زغيبة انتقادا آخر لهذا الطريق، وهو عدم شموله للمباح خاصة ما يتعلق منه بالرخص الشرعية، حيث إن الشاطبي جعل حكم الرخصة الإباحة، والإباحة لا تدخل ضمن الأمر والنهي، فلا تكون مشمولة بهذا الطريق، مع أن الرُّخَص، حسب رأي الدكتور عزالدين بن زغيبة، تمثِّل أساسا في المقاصد. وهذا يؤدي حسب رأيه إلى التناقض بين حصر طريق معرفة مقصود الشارع في الأمر والنهي وبين جعل الرخصة من المباح، فلا تكون مشمولة بهذا الطريق في معرفة المقاصد. ومن أجل الخروج من هذا الإشكال اقترح توسيع هذا الطريق من "مجرد الأمر والنهي" إلى "القول باعتبار دلالات النصوص الواضحة، والثابتة قطعا أو ظنا يقرب من القطع." وهذا اعتراض وجيهٌ، وجوابه أن الشاطبي لم يقصد استيعاب جميع الطرق التي تثبت بها مقاصد الخطاب الشرعي، وإنما اقتصر على أهمها.

الجهة الثانية: اعتبار علل الأمر والنهي، وهو الذي يُعبَّر عنه بالقياس أو معقول النصوص. يقول الشاطبي: "والعلة إما أن تكون معلومة أوْ لا. فإن كانت معلومة اتُّبِعت، فحيث وُجِدت وُجِد مقتضى الأمر والنهي من القصد أو عدمه... وتُعرف العلة هنا بمسالكها المعلومة في أصول الفقه، فإذا تعيَّنَت عُلِم أن مقصود الشارع ما اقتضته تلك العلل من الفعل أو عدمه، ومن التسبُّب أو عدمه. وإن كانت غير معلومة فلابد من التوقّف عن القطع على الشارع أنه قصد كذا وكذا...".

وقد استشكل الدكتور عبد المجيد النجار جَعْلَ الشاطبي العلل طريقا إلى معرفة مقصود الشارع وليست هي المقاصد في ذاتها، فيقول: "إلا أنه مما يُلفت الانتباه أن الشاطبي لم يجعل في هذا الصدد علل الأحكام المبحوث عنها مقاصد في ذاتها، والحال أنها في الحقيقة مقاصِدُ وإن تكن مقاصِدُ قريبة، بل جعلها كالعلامة على المقاصد، أما المقاصد في ذاتها فهي مقتضى العلل من إيقاع الفعل أو عدم إيقاعه، وهذا ما يوافق ما جاء في المسلك الأول من اعتبار المقاصد في إيقاع الأفعال أو عدم إيقاعها، وجعل مجرد الأمر والنهي طريقا لمعرفتها."

وهذا الاستشكال ناتج أيضا عن ظن الكاتب انحصار المقاصد في مقاصد الأحكام الشرعية (الحِكَمُ والمصالح) وأن الشاطبي يتحدث عن ذلك النوع من المقاصد، ولذلك استغرب كيف جعل الشاطبي العلل علامة على المقاصد، وليست المقاصد ذاتها. والواقع أن الشاطبي يشير بهذه الجهة إلى ثبوت الأحكام الشرعية بالقياس القائم على معرفة العلل، وليس هو بصدد الإشارة إلى الحِكَم والمصالح المقصودة من الأحكام.

ويبدو أن هذا الإشكال نفسه هو الذي دفع الدكتور يوسف حامد العالم إلى عدم إدراج هذا الطريق ضمن الطرق التي تُعرف بها المقاصد، واكتفى بإضافة التعليل إلى المسلك الأول للشاطبي، وسماه "النص الصريح المعلَّل".

ويرى الدكتور عزالدين بن زغيبة أن هذا الطريق جزء من الطريق الأول وليس طريقا مستقلا، حيث يقول: "وهو قسيم الأول، فهما مسلك واحد عند التدقيق." والواقع أنهما طريقان مستقلان عن بعضيهما؛ فالأول يشير إلى استفادة الحكم من منطوق النص، والثاني يشير إلى استفادة الحكم من معقول النص، وهو المسمى بالقياس بناء على العلة المشتركة بين الأصل والفرع. والتفاصيل التي ذكرها الشاطبي في هذا الطريق عندما قسم الأحكام الشرعية إلى معلومة العلة وغير معلومة العلة، وانقسام الأحكام المعللة إلى ما هو معلل بعلة متعدية وما هو معلل بعلة قاصرة، كلها تفاصيل تؤكِّد حديثه عن القياس بوصفه طريقا من طرق إثبات الأحكام الشرعية.

الجهة الثالثة: اعتبار المقاصد التبعية، حيث إنه لما ثبت أن للشارع في شرع الأحكام العادية والعبادية مقاصد أصلية ومقاصد تابعة، فإنه يُفهم من هذا أن ما كان خادما للمقاصد الأصلية وكانت أسبابُه مشروعة فهو مقصود للشارع فعلُهُ، وما كان هادما للمقاصد الأصلية أو مضعفا لها فهو مقصود للشارع تركُهُ.
ولم أَرَ أحدا استشكل هذا الطريق، مع أنه هو أيضا طريق يُستخدم في الكشف عن مقصود الخطاب الشرعي، بمعنى أنّ ما ثبت من المقاصد التبعيّة كونُه خادما للمقاصد الأصلية يُحْكَم له بالمشروعية، وما كان هادما لتلك المقاصد يُحْكَم له بعدم المشروعية، وليس المراد منه الكشف عن مقاصد الأحكام الشرعية بمعنى الحِكَم والمصالح؛ لأن هذا الطريق يتحدث عن حُكْم تلك المقاصد التابعة بعد ثبوتها ولا يتحدث عن إثباتها، أما إثباتها فيكون بطريق آخر. ويبدو أن عدم استشكال هذا الطريق ناتج عن عدم إدراك هذه النقطة.

الجهة الرابعة: سكوت الشارع عن شرع التسبُّب أو عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضي له، "فهذا السكوت كالنص على أن قصد الشارع أن لا يُزاد فيه ولا يُنقص."
وكذلك الأمر بالنسبة لهذه الجهة لم أطلع على استشكال لها مع أنه يقال فيها ما يقال في الجهة الثالثة.

طُرُق معرفة المقاصد عند ابن عاشور
صرّح محمد الطاهر بن عاشور في مقدمة كتابه أنه يقتصر في بحثه على مقاصد التشريع (مقاصد الأحكام الشرعية) المتعلقة بالمعاملات والآداب. وهو بذلك يستبعد من البحث مقاصد التشريع المتعلقة بالعبادات، ومقاصد الخطاب الشرعي، ومقاصد المكلَّف، حيث يقول: "وإني قصدت في هذا الكتاب خصوص البحث عن مقاصد الإسلام من التشريع في قوانين المعاملات والآداب التي أرى أنها الجديرة بأن تُخَصّ باسم الشريعة، والتي هي مَظْهَرُ ما راعاه الإسلام من تعاريف المصالح والمفاسد وترجيحاتها، مما هو مَظْهَرُ عظمة الشريعة الإسلامية بين بقية الشرائع والقوانين والسياسات الاجتماعية لحفظ نظام العالم وإصلاح المجتمع."

وقد قسّم مباحث مقاصد الشريعة إلى قسمين: أحدهما: مقاصد عامة: وهي "المعاني والحِكَم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع. أو معظمها؛ بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغايتها العامة...". القسم الثاني: مقاصد التشريع الخاصة بأنواع المعاملات بين الناس، تكلم فيه عن مقاصد أحكام العائلة، ومقاصد التصرفات المالية، ومقاصد الشريعة في المعاملات المنعقدة على الأبدان، ومقاصد أحكام التبرعات، ومقاصد أحكام القضاء والشهادة، والمقصد من العقوبات.

وزيادة على اقتصاره على مقاصد الأحكام الشرعية في المعاملات والآداب، فهو كان يسعى إلى بيان المقاصد القطعية أو القريبة من القطع فقط، فجاءت طرق إثبات المقاصد عنده مقتصرة على ما يفيد القطع أو قريب من القطع دون التعرض لما تثبت به المقاصد الظنية.

وبناء على هذين الاعتبارين جاءت طرق إثبات المقاصد عند ابن عاشور متوافقة مع هدفه من التأليف في مقاصد الشريعة، فجعلها ثلاثة:

الطريق الأول: الاستقراء، وهو إما يفيد القطع أو شيئا قريبا من القطع. وهو على نوعين:
النوع الأول: استقراء الأحكام المعروفة عِلَلُها، الآيل إلى استقراء تلك العلل المثْبَتَة بطُرُق مسالك العلة. ومثّل له ابن عاشور بالغرر، ودوام الأخوة بين المسلمين. وهذا النوع هو استقراء للعلل المشتركة في حِكْمَة واحدة، لنخلُص بعد ذلك إلى أن تلك الحكمة مقصدٌ شرعيّ. ويكون هذا الاستقراء في الحال التي لا تكون فيها العلة هي الحِكْمة ذاتها، ولكن تكون وصفا ظاهرا منضبطا مشتملا على حِكْمَة.

النوع الثاني: استقراء أدلة أحكام اشتركت في علة بحيث يحصل لنا اليقين بأن تلك العلة مقصدٌ مرادٌ للشارع. وهذا النوع من الاستقراء يكون في الحال التي تكون فيها العلة هي الحِكْمَة ذاتها، فيكون استقراء تلك العلة التي وردت في أحكام مختلفة دالاًّ على كونها مقصدا للشارع.

والفرق بين النوع الأول والثاني أن النوع الأول استقراءٌ لعللٍ متعددة في أوصافها ولكنها مشتركة في الاشتمال على حكمة واحدة، وتكون تلك الحكمة هي المقصد. أما النوع الثاني فهو استقراء لعلة واحدة وردت في أحكام متعددة وتلك العلة هي الحكمة ذاتها، وتكون تلك العلة هي المقصد. وليس هما مرحلتان لعملية واحدة من الاستقراء كما ظنه الدكتور عبد المجيد النجار.

الطريق الثاني: أدلة القرآن الواضحة الدلالة التي يضعف احتمال أن يكون المراد منها غير ما هو ظاهرها بحسب الاستعمال العربي. وذلك مثل قوله تعالى: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة: 185)، وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78)، فهذه تفيد كون التيسير ورفع الحرج من مقاصد الشريعة. وقوله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الأنعام: 164) وهي تفيد المسؤولية الفردية للجاني.

الطريق الثالث: السنّة المتواترة، ويرى ابن عاشور أن هذا الطريق لا يوجد له مثال إلا في حالين: الحال الأول: المتواتر المعنوي الحاصل من مشاهدة عموم الصحابة عملا من أعمال النبي صلى الله عليه وسلم، فيحصل لهم علم بتشريع في ذلك يستوي فيه جميع المشاهدين. وإلى هذا يرجع قسم المعلوم من الدين بالضرورة، وقسم العمل الشرعي القريب من المعلوم ضرورة. الحال الثاني: تواتر عملي يحصل لآحاد الصحابة من تكرُّر مشاهدة أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحيث يستخلص من مجموعها مقصدا شرعيا.

والواقع أن النوع الثاني من التواتر يمكن إرجاع أصله إلى ما قام به الصحابي من استقراءٍ لأفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وحصل له منه فهمٌ قطعيّ أو قريب من القطع بأن تلك الحِكْمة مقصودة للشارع. فهو راجع إلى الاستقراء، والاستقراء نوع من التواتر المعنوي كما بيَّنه الشاطبي. ويبدو أن ابن عاشور فصله عن الاستقراء لأن الاستقراء يكون لما جاء في الشريعة من نصوص وأحكام وما استنبطه العلماء من علل لتلك الأحكام، وهو ممكن لكل شخص. أما هذا الذي يحصل للصحابي فهو استقراء في صورة تواتر معنوي يحصل للصحابة الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم لمدة طويلة وشاهدوا تصرفاته، فيستخلصوا منها معنى من المعاني التي تمثل مقصدا من مقاصد الشريعة.

وقد استشكل الدكتور عبد المجيد النجار جعل النوع الأول من التواتر طريقا من طرق إثبات المقاصد الشرعية، حيث يقول: "والحقيقة أن الإمام لم يبسط هذا الطريق في معرفة المقاصد بما يوفي بالبيان اللازم، فكيف يُعرف مقصد الشارع من التواتر فيما شاهده عموم الصحابة من أعمال الرسول؟ ذلك ما لم يُبيَّن في هذا الطريق، ولم يُوضَّح بأمثلة، بل الأمثلة التي ذُكرِت في ذلك تهدف فقط إلى ثبوت أحكام تشريعية بهذا التواتر لا إلى بيان الكشف عن المقصد... إن ظاهر هذا الطريق يفيد أنه طريق منوط بمشاهدات الصحابة لما تكرر من أفعال الرسول فتتبيَّن لهم من تلك الأفعال المتكررة مقاصد للشريعة؛ إذ الأعمال النبويّة من صميم الشريعة. ولعل الإمام يقصد من وراء هذا إلى أن تلك المشاهدات التي نُقلت إلى أجيال الأمة بالتواتر تُتَّخذ من قِبَل الناظرين مادة للاستقراء فيُسْفِرُ ذلك الاستقراء عن ملاحظة متكررات من الأفعال النبويّة متحدة في العلة والغاية وإن اختلفت بالنوع فيُتَّخَذ من ذلك شاهدٌ على مقصد معيَّن من مقاصد الشرع، وهذا ما أشار إليه ابن عاشور في موضع آخر من كتاب المقاصد."

والاستشكال الذي أورده النجار على هذا المسلك له شيءٌ من الوجاهة؛ لأن حديث ابن عاشور فيه شيءٌ من الغموض، حيث إن افتتاحه بالحديث عن ثبوت الأحكام بالتواتر عند الصحابة يوهم بأن ذلك طريقٌ من طرق إثبات المقاصد، واستشكال النجار ناتج عن ظنِّه أن ابن عاشور قد جعل السنّة المتواترة طريقا من طرق إثبات المقاصد بمجرد ذكرها ضمن تلك الطرق، والواقع غير ذلك. كما أن تأويله لكلام ابن عاشور بأنه يُراد به أن مشاهدات الصحابة التي نُقلت إلى أجيال الأمة بالتواتر تُتَّخذ مادة للاستقراء تأويل بعيد؛ لأن ابن عاشور من جهة لا يرى وجود سنَّة متواترة الرواية، وإنما الثابت بالتواتر في السنّة هو السنّة العملية الواردة بالتواتر العملي، ومن جهة أخرى فإن ما روي من السنّة عن طريق الرواية القولية، حتى لو كان أصله سنَّة عملية، قد أصبح من المرويات التي يشملها الاستقراء، وهي تدخل عند ابن عاشور في الطريق الأول (الاستقراء) وليس في الطريق الثالث.

ونحن إذا نظرنا فيما كتبه ابن عاشور في الطريق الثالث نجد أنه افتتحه بذكر السنة المتواترة، ثم استدرك على ذلك ببيان أن التواتر في السنّة، حسب رأيه، لا يوجد سوى في حالين، أحدهما: المتواتر المعنوي الحاصل من مشاهدة عموم الصحابة عملا من أعمال النبي صلى الله عليه وسلم، وإليه يرجع قسم المعلوم من الدين بالضرورة، وقسم العمل الشرعي القريب من المعلوم ضرورة. الحال الثاني: تواتر عملي يحصل لآحاد الصحابة من تكرُّر مشاهدة أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يوجد عنده في السنّة المتواترة ما روي لنا بالتواتر اللفظي. وحَصْرُ ابن عاشور السنّة المتواترة في المعلوم من الدين بالضرورة والتواتر الحاصل لآحاد الصحابة قائمٌ على ما يراه من عدم وجود المتواتر اللفظي في السنّة النبوية، حيث يقول في ذلك: "وليس بين أيدينا الآن من المتواتر غير القرآن، وما هو معلوم من الدين بالضرورة. وأما الأحاديث المتواترة فقد قال علماؤنا: ليس في السنة متواتر، لتعذُّر وجود العدد الذي يستحيل تواطؤهم على الكذب في جميع عصور الرواة بيننا وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما أكثر الأحاديث رواة لا يعدو أن يكون من المستفيض كما تقرَّر في أصول الفقه."

والظاهر أن استدراك ابن عاشور على ما ورد في صدر كلامه من التواتر يريد به إثبات ما يراه من عدم وجود التواتر اللفظي في الحديث، وأنه لم يُرِدْ من حديثه عن التواتر القول بأنه طريق من طرق إثبات المقاصد العامة للشريعة. وسبب ذكره للتواتر في الطريق الثالث هو أنه لما كان يهدف إلى إثبات المقاصد القطعية أو القريبة من القطع فإنه ذكر الطرق التي يُستفاد بها القطع عند الأصوليين، وهي: الاستقراء بشروطه، وأدلة القرآن الواضحة الدلالة التي اجتمع فيها قطعية الثبوت والدلالة، والسنّة المتواترة لقطعيّة ثبوتها، ولكنه استدرك على هذا الطريق الأخير بأن التواتر في السنّة لا يوجد سوى في حالين؛ أحدهما: التواتر المعنوي الحاصل للصحابة، وهو الذي نُقل عنهم بعد ذلك بالتواتر العملي من عموم المسلمين في جميع الأجيال، وهو ما يُسمى بالمعلوم من الدين بالضرورة. وهذا الطريق في الحقيقة تثبت به الأحكام الشرعية بالدرجة الأولى؛ لأنه نقلٌ للشعائر العامة للإسلام التي فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم وتوارثها عنه المسلمون، وإن كان قد يتضمن إشارات إلى بعض المقاصد الشرعية للأحكام. والثاني: المتعلق بالتواتر المعنوي الذي فهم منه بعض الصحابة مقصدا من مقاصد الأحكام الشرعية، وهو الذي يصلح لأن يكون طريقا للتعرف على مقاصد الأحكام الشرعية، وهو المقصود في هذا العنصر. ويدل على ذلك الأمثلة التي ذكرها؛ فالأمثلة التي ذكرها للنوع الأول من التواتر الحاصل لعموم الصحابة تتعلق بثبوت الأحكام الشرعية، في حين أن المثال الذي ذكره للنوع الثاني يتعلق بمقاصد الأحكام الشرعية. ويكون حاصل كلام ابن عاشور أن ما يصلح من السنة المتواترة لإثبات مقاصد الأحكام الشرعية ينحصر في النوع الثاني المتعلق بالتواتر العملي الحاصل لآحاد الصحابة من تكرُّر مشاهدة أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحيث يستخلص من مجموعها مقصدا شرعيا.

ولم يتحدث ابن عاشور عن سُنَّة الآحاد لأنها على رأي الأصوليين لا تفيد القطع، وإذا أردنا أن نحصِّل منها مقاصدَ قطعية أو قريبة من القطع فإن ذلك يكون من خلال استقراء ما ورد فيها، ولذلك جعل مادة الاستقراء هي الأحاديث النبوية التي هي، في رأيه، لا تخرج عن الآحاد والمستفيض.

وقد أدرك الدكتور يوسف حامد العالم أن النوع الأول من التواتر الذي ذكره ابن عاشور لا يفيد في الكشف عن مقاصد الأحكام الشرعية، فلم يورده ضمن الطرق التي تثبت بها المقاصد واقتصر على النوع الثاني من التواتر الذي ذكره ابن عاشور، وعبّر عن هذا المسلك بـ "الاهتداء بالصحابة رضوان الله عليهم، والاقتداء بهم في فهم الأحكام من الكتاب والسنّة وتطبيقها على الوقائع"، ثم قال بعد كلام طويل عن فهم الصحابة: "فمعاني الأحكام تُعقل بمثل هذا الطريق المتقدم... ولذا كانوا جديرين بأن نجعلهم قدوة أمينة في فهم الشريعة ومدارك أحكامها وما ترمي إليه من مقاصد."

مقارنة بين الشاطبي وابن عاشور
تعرض الدكتور عبد المجيد النجار في بحثه: مسالك الكشف عن مقاصد الشريعة بين الشاطبي وابن عاشور، للمقارنة بين ما ذكره الشاطبي من مسالك وما ذكره ابن عاشور. ويتضح من مطلع مقال الدكتور النجار أنه يحصر المراد بمقاصد الشريعة في مقاصد الأحكام الشرعية، بمعنى الحِكَم والمصالح المقصودة من شرع الأحكام الشرعية، وهو بذلك لا يُدخل مقاصد الخطاب الشرعي في مفهوم مقاصد الشريعة. ومن هذا المنطلق انتقد المسالك التي ذكرها الشاطبي ورجّح عليها المسالك التي ذكرها ابن عاشور. وقد انعكس هذا المنطلق القاصر على النقد الموجَّه لما كتبه الشاطبي. وقد سبق ذكر ما استشكله على الشاطبي ومناقشته، والحديث هنا عن ما ذكره من مقارنة بين الشاطبي وابن عاشور، حيث لاحظ الاختلاف التام في طرق الكشف عن المقاصد بين الشاطبي وابن عاشور، فقال: "ومن الملفت للانتباه أن لا يتحقق هذا الاشتراك حتى في أوضح الطرق وأكثرها جلاء في استكشاف المقاصد، وهو الفهم المباشر من نصوص القرآن الواضحة الدلالة، حيث لم يدرج ذلك الشاطبي ضمن مسالكه الأربعة." وفي سعيه لحلّ هذا الإشكال، علَّل فعل الشاطبي فيما ذكره من جهات لمعرفة المقاصد بكون عمله في مقاصد الشريعة "كان عملا مُبتكرًا أو يكاد، وهو ما جعله ينحو منحى التجزئة والتفصيل والتدقيق في بسط المقاصد وتحليلها وبيان حقائقها وأوضاعها ... فلما جاء إلى بيان مسالك الكشف عن المقاصد وجعلها كالخاتمة لكل مباحثه في المقاصد، كانت متجانسة في طبيعتها مع ما جُعلت خلاصة له... فاتصفت بالجزئية في الغالب من حيث اتّجهت إلى رسم الطريق في البحث عن المقاصد في نطاق آحاد الأحكام لا في نطاق المقاصد الكلية العامة، وهو ما يظهر بجلاء في المسالك الثلاثة الأخيرة، حيث لم تتميز هذه المسالك تميُّزا نوعيًّا عن بحوث الأصوليين في العلة ومسالكها وما يتعلق بها."

وما أشار إليه النجار من عدم جعل الشاطبي ظواهر النصوص طريقا لمعرفة مقاصد الشارع وجعل بدلا منها الأمر والنهي، فيه دلالة واضحة على أن الشاطبي إنما قصد الحديث عن مقاصد الخطاب الشرعي، أي الأحكام المستنبطة منه، وأهم تلك الأحكام هو ما تدلّ عليه الأوامر والنواهي، ولذلك كان الأصوليون الأوائل يبدأون في مؤلفاتهم بأبواب الأمر والنهي لأهميتها. والشاطبي لم يكن مُرَادُهُ مقاصد الأحكام الشرعية التي كثيرا ما تُستفاد من نصوص الشرع التي تصرّح بتعليل الأحكام وبيان الحِكَم المقصودة منها. وإذا تبيّن أن هذا هو قصدُ الشاطبي فلا غرابة بعد ذلك أن تتشابه الطرق التي ذكرها مع الطرق التي يذكرها الأصوليون في استنباط الأحكام الشرعية، لأن ذاك هو مراد الشاطبي، وإن كان قد عبَّر عنه بعبارات فيها اختلاف عمّا هو في كتب الأصول.

وقد توصل الدكتور عبد المجيد النجار في خلاصة المقارنة إلى أن عملَ ابن عاشور تطوير لعمل الشاطبي، وعمل الشاطبي مقدِّمة لعمل ابن عاشور، حيث يقول: "إن ما رسمه الشاطبي من مسالك ليس مناقضا لما رسمه ابن عاشور، بل هو يُشبه أن يكون مادة له، أو مرحلة أولى في تعيين المقاصد تنحو منحى الجزئية، وما رسمه ابن عاشور يعتبر مرحلة ثانية مبنيّة على الأولى، وهي مرحلة تنحو منحى التنظير والتقنين، وهكذا العلوم فإنها تتجّه من الجزئية إلى الكلية ومن التشتُّت إلى التقنين."

وهذه خلاصة غير مُسَلَّمة؛ لأن النظر في عمل الشاطبي وابن عاشور يدلّ على خلاف ذلك. فالطرق التي ذكرها الشاطبي تختلف تماما عن تلك التي ذكرها ابن عاشور ولا يمكن أن تكون مادة لها، ولم يكن ابن عاشور يبنى على ما وضعه الشاطبي. والواقع أن مسالك الكشف عن مقاصد الشريعة اختلفت بين الشاطبي وابن عاشور تبعا لاختلاف مفردات المقاصد بينهما. فالشاطبي تنوعّت عنده مفردات المقاصد بين مقاصد الخطاب الشرعي، ومقاصد الحكم الشرعي، والمقصد من وضع الشريعة، والمقاصد المتعلقة بمنهج التشريع. كما أن الظاهر أن الشاطبي لم يُرد استقصاء طرق التعرف على جميع أنواع مقاصد الشريعة، وإنما أراد التمثيل بأهم تلك الطرق، وخصَّ منها الطرق المتعلقة بمعرفة مقاصد الخطاب الشرعي، أي الأحكام المستفادة من الخطاب الشرعي. أما ابن عاشور فقد حدد من البداية مجال كتابته في الحديث عن مقاصد المعاملات والآداب الشرعية مع الأوصاف العامة للشريعة، حيث يقول: "وإني قصدت في هذا الكتاب خصوص البحث عن مقاصد الإسلام من التشريع في قوانين المعاملات والآداب التي أرى أنها الجديرة بأن تُخَصّ باسم الشريعة." وقد جاء حديثُه عن طرق إثبات المقاصد الشرعية منسجما مع ذلك الإطار الذي حدده لبحثه.

طُرُق معرفة المقاصد عند الكتاب المعاصرين
الملاحظة العامة على ما اطلعت عليه من كتابات المعاصرين في طرق إثبات المقاصد الشرعية هي أنها تقوم على محاولة الجمع بين ما ذكره الشاطبي وابن عاشور، مع بعض التعديلات للخروج من الإشكالات الواردة على ما ذكراه.

طُرُق معرفة المقاصد عند الدكتور يوسف حامد العالم
ذكر الدكتور يوسف حامد العالم من طرق إثبات المقاصد الشرعية ثلاثة، أولها: النص الصريح المعلَّل. وهو طريق تمتدّ جذوره إلى الطريق الأول عند الشاطبي والطريق الثاني عند ابن عاشور، إلا أنه خالف الشاطبي بالاقتصار على الأوامر والنواهي المعلَّلة، وخالف ابن عاشور بعدم الاقتصار على نصوص القرآن الصريحة، بل أدرج الأحاديث النبوية. وقد جعل العلل المذكورة مع الأوامر والنواهي هي المقاصد الشرعية، وليست الأوامر والنواهي في ذاتها. الثاني: استقراء تصرفات الشارع، ولم يخرج فيه عما ذكره ابن عاشور في طريق الاستقراء. الثالث: الاهتداء بالصحابة رضوان الله عليهم والاقتداء بهم في فهم الأحكام من الكتاب والسنّة، وتطبيقها على الوقائع، وهو قريب مما ذكره ابن عاشور في الجزء الثاني من السنّة المتواترة.

طُرُق معرفة المقاصد عند الدكتور محمد سعد اليوبي
الطرق التي أوردها الدكتور محمد سعد اليوبي قائمة على الجمع بين ما ذكره الشاطبي وابن عاشور مع إضافة طريق آخر يرى أنه لم يتعرض له المتقدمون ممن كتبوا في الموضوع. والطرق التي ذكرها هي:
أولا: الاستقراء، ومضمونه يشبه ما هو عند محمد الطاهر بن عاشور.
ثانيا: معرفة علل الأمر والنهي، وتحدّث فيه عن الطرق التي تعرف بها العلة (مسالك العلة)، وعلّق على تلك الطرق بقوله: "يتوصَّل بها الناظر في نصوص الكتاب والسنة إلى إدراك العلل التي ناط بها الشارع الأحكام، ويُوقَفُ عن طريقها على مقصد الشارع في كل حُكم حتى إذا جمعت تلك المقاصد أمكن التعرف على مقاصد الشريعة الكلية والجزئية."
ثالثا: مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي، وهو تلخيص لما ذكره الشاطبي.
رابعا: "التعبيرات التي يستفاد منها معرفة المقاصد"، وجمعها في عنصرين: أحدهما: التعبير بالإرادة الشرعية ونحوها، وهي "نص في معرفة مقصود الشارع لأن ما أخبر الله عز وجل أنه يريده شرعا، فهو مقصود له قطعا، وذلك لما بين الإرادة والقصد من الترادف في المعنى". وذلك مثل قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ). ويلحق بهذا الألفاظ التي تدل على شرع الله كالقضاء، والحكم، والكتابة، والأمر، والإذن، والجعل، والكلمات، والبعث والإرسال، والتحريم، والإباء. العنصر الثاني: ما ورد التعبير عنه بالخير والنفع ونحوهما فهو مقصود للشارع تحصيله، وما ورد التعبير عنه بالشر والضرر ونحوهما فهو مقصود للشارع اجتنابه.
وعند النظر في تفاصيل هذا الطريق الذي أضافه المؤلف نجد أن منها ما يدخل ضمن الأمر التصريحي الابتدائي مثل الكتابة والأمر والتحريم، ومنها ما يدخل ضمن النص الصريح عند ابن عاشور، ومنها ما يحتاج في معرفة المقصود منه إلى النظر في القرائن. وبذلك يتبيّن أن هذا ليس طريقا مستقلا يضاف إلى الطرق الأخرى، بل هي تعبيرات تندرج ضمن الطرق الأخرى.
خامسا: سكوت الشارع، وذكر فيه ما ذكره الشاطبي في هذا المسلك.

طُرُق معرفة المقاصد عند الدكتور عبد المجيد النجار
نشر الدكتور عبد المجيد النجار بحثا في المقارنة بين مسالك الكشف عن المقاصد عند الشاطبي وابن عاشور في منتصف الثمانينيات، وقد سبق الإشارة إلى بعض ما جاء فيه ومناقشته. ولما وضع كتابه: مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة (طبع سنة 2006م) قام بصياغة مسالك الكشف عن مقاصد الشريعة بطريقة تشمل ما ذكره الشاطبي وابن عاشور وتتجاوز الإشكالات التي أوردها عليهما في بحثه المشار إليه آنفا. وفيما يأتي المسالك التي ذكرها والتعليق عليها:

المسلك الأول: الأمر الإلهي: وهو يُشبه المسلك الأول عند الشاطبي، ولكن بصياغة خاصة تتناسب مع تصوُّره للمقاصد. فهو من جهة تبنَّى ما فعله الشاطبي من جعل الأمر والنهي مسلكا للتعرف على مقاصد الشريعة، ومن جهة أخرى لم يتبع الشاطبي في تفاصيل المسلك، بل أعطاه معنى خاصا به، حيث ربطه بمقاصد الأحكام، أي الحِكَم والمصالح المقصودة من ذلك الأمر أو النهي. ويوضّح ذلك بقوله: "وحينما يثبت أي حكم شرعي بطلب إلهي، فمعنى ذلك أن ذلك الطلب الذي ثبت به الحكم هو طلبٌ وضع لذلك الحكم مقصدا شرعيا من أجله شُرع، فيكون الطلب إذن مقتضيا للحكم، وذلك كطلب الترك للسرقة المتضمن لحكم تحريم السرقة، ومقتضيا في ذات الوقت للمقصد الذي وُضع من أجله ذلك الحكم، وهو في هذا المثال مقصد حفظ المال."

ونلاحظ هنا خلط بين أمرين: أحدهما: كون الحكم الشرعي شُرِع لحِكْمة وتحقيق مصلحة من المصالح، وكون شيءٍ ما طريقا يكشف لنا عن المقصد (أي الحِكْمة) من شرع حُكمٍ من الأحكام. فكون الأحكام وُضِعت لتحقيق حِكَمٍ ومصالح للخلْق أمرٌ ثابتٌ عند القائلين بتعليل الأحكام، ولكن ليس بنصوص الأوامر والنواهي في ذاتها، بل بالنصوص الشرعية التي دلَّت على أن الله تعالى الحكيم الخبير إنما شرع الشرائع وكلّف الناس بها لحِكَمٍ تتحقَّق ومصالح تعود على الخلق. أما الأمر الثاني فهو الحديث عن الوسيلة التي تكشف لنا عن المقصد من حكم من الأحكام وتُعرِّفُنا به. فكون الأوامر والنواهي متضمِّنة لمقاصدَ أمرٌ مفروغٌ منه، ولكن الكلام في مسالك الكشف عن المقاصد، وهي الوسائل التي تكشف عن تلك المقاصد وتُعرِّفُنا بها، وهي ليست الأمر الإلهي في ذاته. ولذلك فإن الكاتب يعترف بعد ذلك أن الأمر الإلهي في حقيقته لا يكشف عن المقصد ولا يعرفنا به، وإنما نعلم من وجود الطلب أن ذلك الطلب وضع لتحقيق مقصدٍ، أما الكشف عن المقصد فلا بد من البحث عنه بطريق من طرق الكشف عن المقاصد. وفي ذلك يقول: "وإذا كان هذا المسلك من مسالك العلم بمقاصد الشريعة ليس من طبيعته أن يُعرِّف بهذه المقاصد على وجه التعيين، فإنه كفيل بأن يُعرِّف بها على وجه الإطلاق، إذ يحصل به لدى الباحث عن المقاصد علم جُمَلِي بأن كل طلب إلهي يتضمن مقصدا شرعيا، وعليه بعد هذا العلم العام بوجود المقصد الشرعي أن يشرع بمسالك أخرى في البحث عن ذلك المقصد على وجه التعيين." وحاصل هذا الكلام إقرار الكاتب بأن الأمر الإلهي ليس طريقا من طرق الكشف عن المقصد من الحكم الشرعي، ولكن الذي حمل الكاتب على إدراجه هو أن الشاطبي جعله المسلك الأول، وعدم إدراكه أن الشاطبي كان يتحدث عن مقاصد الخطاب لا عن مقاصد الأحكام الشرعية. وما يتحدث عنه من حصول العلم الجُملي بكون الأوامر والنواهي الشرعية تتضمن مقاصد (بمعنى الحِكم والمصالح) مستفاد في الحقيقة من النصوص الشرعية التي تتحدث عن تعليل الأحكام قبل أن يكون مستفادا من الأوامر والنواهي نفسها.

المسلك الثاني: مسلك البيان النصي: وهو شبيه بالمسلك الأول عند ابن عاشور، وهو استخلاص المقاصد مما صرحت به النصوص الشرعية. ولا إشكال في هذا المسلك، وهو يصلح للكشف عن مقاصد الخطاب الشرعي كما يصلح للكشف عن مقاصد الأحكام الشرعية.

المسلك الثالث: الاستقراء: وتبع فيه ما ذكره ابن عاشور، وهو مسلك ظاهر، لا خلاف فيه، وإن كان في الواقع ليس مسلكا للكشف عن المقاصد بإطلاق، بل هو مسلك للكشف عن عموم المقصد واطراده في نوع من أنواع الأحكام كالبيوع والأسرة مثلا، أو اطراده في عموم أحكام الشريعة مثل التيسير وتحقيق الصلاح الفردي والاجتماعي. أو قد يكون طريقا لتوكيد المقصد من خلال مشاهدته في جزئيات كثيرة. أما الكشف عن المقصد في الأصل فهو لا يتم بالاستقراء، بل بمسلك آخر؛ لأن الاستقراء في أصله هو تتبع المقصد في الجزئيات، ولا يحصل التتبُّع إلا بعد التعرُّف على المقصد.

المسلك الرابع: العمل النبوي: وقد جمع فيه بين كون الأفعال النبوية المقصود بها التبليغ طريقا من طرق التعرف على المقاصد الشرعية، وبين ما يستخلصه الصحابي من تواتر أفعال النبي صلى الله عليه وسلم أمامه. وجمعه بين الأمرين ناتج عن الاستشكال الذي أثاره حول ذكر ابن عاشور ما تواتر عند الصحابة من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ضمن طرق التعرف على مقاصد الشريعة.

يقول في بيان هذا المسلك: "إن الأفعال النبوية التبليغية يمكن أن تكون بذاتها أو بقرائن ظروفها وأحوالها مسلكا يعرف منه المقصد الشرعي؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما يداوم على إتيان فعل ما في مناسبات متعددة، وفي ظروف مختلفة فإن تلك المداومة يتحصل منها للناظر فيها أن تلك الأفعال إنما كانت لتحقيق هدف من أجله وقعت وتكررت، وذلك هو المقصد الشرعي منها، فيعرف إذن من خلال ذات تلك الأفعال المتكررة... ومثال ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور أصحابه في بيوتهم فيعلم من تلك الزيارات أن المقصد منها تقوية الرابطة الأخوية بين المسلمين، ويتبين أن ذلك مقصد من مقاصد الشريعة ... وقد كان عليه السلام يستشير في أمور كثيرة وفي مناسبات مختلفة، فيعلم من ذلك أن المقصد من ذلك هو التوافق الاجتماعي وحسم أسباب الاختلاف والفرقة، فيتبيّن أنه مقصد شرعي."

وما يتحدث عنه النجار من الأفعال النبوية التبليغية قد أصبح بالنسبة لنا روايات تمثل جزءا من نصوص السنّة، وهي مشمولة بالاستنباط الحاصل مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، يستوي في ذلك الأقوال والأفعال، واستخلاص مقاصد الأحكام منها يكون إما بمسالك العلة أو بالاستقراء. كما أن ما يتحدث عنه من العمل النبوي إنما يدلّ على حُكم من الأحكام، ولا يكشف بذاته عن مقصد الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك الفعل، والمقصد من تلك الأفعال يُؤخذ إما من تصريح النبي صلى الله عليه وسلم به، أو من الاستنباط بناءً على فهمنا لما تؤول إليه تلك الأفعال. فالفعل النبوي في ذاته ليس هو مسلك الكشف عن المقصد، ولكن الكشف يتم بطريق آخر. والأمثلة التي ذكرها مثل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ليس فيها تصريح بالحِكْمة من الزيارة، ولكنها تدل على مشروعية الزيارة وفضلها، أما الحِكْمة منها فهي مأخوذة مما ورد فيه التصريح بأن الزيارة تؤدي إلى التحابب وتقوية رابطة الأخوة، أو بناء على استنباطنا منها. وكذلك فعل الاستشارة إنما يدل على مشروعيتها وفضلها، أما الحِكْمة منها فهي مستنبطة بطرق أخرى. والخلاصة أن الأفعال النبوية في ذاتها ليست مُعَرِّفَة بمقاصد الأحكام الشرعية، وإنما هي مُعَرِّفَة بالحكم الشرعي، أما الحِكْمة منه فتُعرف بطريق آخر من طرق معرفة مقاصد الأحكام.

أما الجزء الثاني المتعلق بالمقصد الذي يستخلصه الصحابي مما تواتر عنده من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، فلا إشكال في كونه طريقا من طرق التعرُّف على مقاصد الأحكام الشرعية، وهو كما ذكره ابن عاشور.

طُرُق معرفة المقاصد عند الدكتور جمال الدين عطية
لم يتحدث الدكتور جمال الدين عطية بالتفصيل عن طرق معرفة المقاصد الشرعية، ولكنه عقد في مطلع كتابه: نحو تفعيل مقاصد الشريعة مبحثا بعنوان: "دور العقل والفطرة والتجربة في تحديد وإثبات المقاصد"، أنكر فيه على من كتبوا في طرق معرفة المقاصد من الشاطبي إلى الكُتَّاب المعاصرين تجاهلهم "ما قرَّره السابقون على الشاطبي من دور العقل والفطرة في معرفة المصالح والمفاسد في حالة غياب النص." ونقل كلاما من كتاب ابن عاشور لابن سينا على الفطرة، ونقل كلاما للجويني في الاستدلال، وكلام عزالدين بن عبد السلام في كون معظم مصالح الدنيا ومفاسدها يمكن إدراكها بالعقل والتجربة، وكلاما في هذا المعنى لابن تيمية والشاطبي وغيرهم.

وخلص إلى القول: "إن المعترضين على من قالوا بالرجوع إلى العقل أو الفطرة أو التجارب في حالة عدم وجود نص أو إجماع لم يكونوا في الحقيقة ضد هذه المصادر، وإنما كانوا يحاربون معركة وهمية هي معركة التحسين والتقبيح العقليين بصورتهما القديمة التي قيل فيها بأن الله تعالى يجب عليه رعاية الصلاح للعباد، وأنه لا يجوز عليه خلاف ذلك. وكانوا يخشون من الانجرار إلى القول بعدم الحاجة إلى الشريعة، لأن العقل يغني عنها."

وما يتحدث عنه الدكتور جمال الدين عطية من الفطرة والعقل والتجربة كلها يجمعها مصطلح "العقل"؛ فمبادئ القوة العاقلة، والقدرة على التمييز بين الخير والشرّ، والاستعدادات النفسية لتفضيل الخير على الشرّ التي تُولَدُ مع الإنسان تشمل الفطرة التي فُطِرَ عليها. والتجارب جزء من المعلومات التي يكتسبها الإنسان في حياته وتشكِّل الجانب الأكبر من العقل. ومجموع الاستعدادات الفطرية والقوة العاقلة التي منحها الله عز وجل للإنسان (ويندرج فيها ما يُعبَّر عنه بالفطرة) مع المعلومات التي يكتسبها الإنسان في حياته، سواء منها المعلومات النظرية أو التجارب العملية، مجتمعة مع بعضها هي التي تشكِّل ما يُصطلح عليه بالعقل.

والواقع أن الذين كتبوا في طرق الكشف عن مقاصد الشريعة لم يهملوا دور العقل (وهو يشمل الفطرة والتجربة) في ذلك، بل هو مذكور في مسلك "المناسبة" ضمن مسالك العلة. فالأصوليون يعرِّفون المناسبة بأنها: "الوصف الذي يحصل عقلا من ترتيب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا من جلب مصلحة أو دفع مضرة". وجميع الذين كتبوا في مسالك الكشف عن المقاصد ذكروا مسالك العلة، والمناسبة جزء منها. وما دام ما يسميه "العقل والفطرة والتجربة" يندرج في مصطلح العقل، وهو الأساس الذي تقوم عليه المناسبة، فإن ذكره بوصفه مسلكا مستقلا عن المناسبة يكون من باب الحشو والتكرار.

طُرُق معرفة المقاصد عند الدكتور نَعْمَان جَغيم
ذكر الدكتور نَعْمَان جَغيم في كتابه طرق الكشف عن مقاصد الشارع مجموعة من الطرق التي يتوصل بها إلى إثبات مقاصد الشريعة، وهي تقوم في جزء منها على الجمع بين ما ذكره الشاطبي وابن عاشور مع إضافات اقتضتها نظرته للمقاصد. والملاحظ أنه لم يفصل بين طرق الكشف عن مقاصد الخطاب الشرعي وطرق الكشف عن مقاصد الأحكام الشرعية؛ لأنه لم يكن يدرك وقت كتابة ذلك البحث الحاجة إلى التفريق بين طرق الكشف عن النوعين من المقاصد. وذكر طرقا تصلح في مجملها للكشف عن النوعين من المقاصد. وقد جاءت كالآتي:

الطريق الأول: هو استفادة المقاصد من ظواهر النصوص الشرعية بشكل مباشر، ويكون ذلك في النصوص التي تستقل بإفادة المعنى. وهذا الطريق يشمل الطريق الأول عن الشاطبي، وهو مجرد الأمر والنهي التصريحي الابتدائي، كما يشمل الطريق الثاني عند ابن عاشور، وهو نصوص القرآن الكريم الواضحة الدلالة، ويزيد عليهما بشمول نصوص السنة النبوية الواضحة الدلالة. وهذا الطريق يصلح لإثبات مقاصد الخطاب الشرعي في الآيات والأحاديث التي ورد فيها التنصيص على الحُكم، كما يصلح لإثبات مقاصد الأحكام الشرعية في الآيات والأحاديث التي ورد فيها التصريح بتعليل الحُكم، والتي ورد فيها الإخبار عن مقصد من مقاصد الشريعة العامة أو الخاصة.

الطريق الثاني: الاستعانة بالقرائن ومنها السياق والمقام لتحديد المقصد الشرعي، ويكون هذا في النصوص الشرعية التي لا تستقلّ بإفادة المعنى. وهذا الطريق يصلح لاستخلاص مقاصد الخطاب الشرعي، كما يصلح لاستخلاص مقاصد الأحكام الشرعية في النصوص التي ورد فيها إيماء وتنبيه إلى العلة، حيث تُستخلص مقاصد الأحكام من تلك التعليلات.

الطريق الثالث: استخلاص المقاصد من خلال معرفة علل الأحكام الشرعية، وهذا الطريق هو الطريق الثاني عند الشاطبي. ومعرفة علل الأحكام الشرعية مفيد في معرفة مقاصد الخطاب الشرعي من خلال تعديّة الحكم بالقياس بناء على تلك العِلَل، كما أن مسلك المناسبة من مسالك العلة يفيد في معرفة مقاصد الأحكام الشرعية.

الطريق الرابع: سكوت الشارع، هو الطريق الرابع عند الشاطبي. وهو يفيد في معرفة مقاصد الخطاب الشرعي، أي معرفة الحكم الشرعي لما سكت عنه الشارع.
الطريق الخامس: الاستقراء، وهو الطريق الأول عند ابن عاشور. ولكن نَعْمَان جَغيم يرى أن الاستقراء ليس طريقا مستقلا لمعرفة المقاصد، بل هو طريق مُكمِّل يُستخدم إما لرفع درجة ثبوت المقصد من الظن إلى القطع أو قريب منه، وإما لإثبات عموم مقصد من مقاصد الأحكام الشرعية.

صياغة مُقتَرَحة لطُرُق معرفة المقاصد
لما كانت مقاصد الشريعة تتنوع إلى أنواع أهمها مقاصد الخطاب الشرعي، ومقاصد الأحكام الشرعية، فإن الحديث عن طرق إثبات المقاصد لا يكون مستقيما إلا بالتفريق بين ما يُستخدم منها في الكشف عن مقاصد الخطاب الشرعي، وما يُستخدم في الكشف عن مقاصد الحكم الشرعي. مع العلم أني لا ألتزم ما التزمه ابن عاشور بالاقتصار على المقاصد القطعية أو القريبة من القطع أو الاقتصار على مقاصد المعاملات، كما لا أقتصر على ما هو محلّ اتفاق بين العلماء، بل أذكر كل ما هو معدود في الطرق الصالحة للكشف عن المقاصد وإن كان محلّ اختلاف بين العلماء.

طُرُق معرفة مقاصد الخطاب الشرعي
سبق بيان أن مقاصد الخطاب الشرعي هي المعاني التي قصد الشارع إيصالها إلى المكلفين من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وأهمها ما يتعلق بإنشاء الأحكام الشرعية من وجوب وحُرمة، وندب وكراهة، وإباحة. وطرق الكشف عن مقاصد الخطاب الشرعي قد تكفَّل علم أصول الفقه ببيانها، فلا داعي لإطالة الكلام فيها، ونلخِّصها في ما يأتي:

أولا: منطوق النص: وهي المعاني المستفادة من نظم النص الشرعي، سواء كان ذلك بطريق العبارة الصريحة، ويدخل فيه ما يسميه الأصوليون بالمفسَّر والنصّ والظاهر، أو كان ذلك بطريق العبارة غير الصريحة، وهو ما يحتاج إلى النظر في القرائن بأنواعها لتحديد المقصود منه، أو كان مستفادا من إشارة النص، وهي الدلالات الناتجة عن النص بطريق اللزوم.

ثانيا: مفهوم النص بشروطه المفصّلة عند القائلين به، ويشمل ما يُسمى عند الأصوليين مفهوم المخالفة ومفهوم الموافقة.

ثالثا: معقول النص: وهو القياس، حيث يرى القائلون بالقياس أن الشارع قاصدٌ إلى تعدية حُكم المنصوص عليه أمرًا أو نهيًا إلى المسكوت عنه الذي يشترك معه في العلة. ومعلوم أن هذا المسلك لا يأخذ به الظاهرية في الجملة، وإن كانوا يأخذون بكثير من مضمونه تحت مسميات أخرى.

رابعا: سكوت الشارع: والمراد به كما بيَّنه الشاطبي: سكوت الشارع عن شرع التسبُّب أو عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضي له، "فهذا السكوت كالنص على أن قصد الشارع أن لا يُزاد فيه ولا يُنقص؛ لأنه لما كان المعنى الموجِب لشرع الحكم العملي موجودا ثُمّ لم يشرع الحكم دلالة عليه، كان ذلك صريحا في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة، ومخالفة لما قصده الشارع، إذْ فُهِم من قصده الوقوف عند ما حدّ هناك، لا الزيادة عليه ولا النقصان منه." فوجود "المعنى المقتضي مع عدم التشريع دليل على قصد الشارع إلى عدم الزيادة على ما كان موجودا قبل؛ فإذا زاد الزائد ظهر أنه مخالف لقصد الشارع فبطل." ومن أراد التفصيل في هذا الطريق فليرجع إلى كتاب طرق الكشف عن مقاصد الشارع (ص187-213)، ففيه البيان الوافي له.

خامسا: مكمِّلات المقاصد الشرعية: وهو اعتبار المقاصد التبعية، حيث إنه لما ثبت أن للشارع في شَرْع الأحكام العادية والعبادية مقاصد أصلية ومقاصد تابعة، فإنه يُفهم من هذا أن ما كان خادما للمقاصد الأصلية وكانت أسبابُه مشروعةً فهو مقصودٌ للشارع فعلُهُ، وما كان هادما للمقاصد الأصلية أو مضعفا لها فهو مقصودٌ للشارع تركُهُ.
وقد لخّص الشاطبي حالات الموافقة والمخالفة للمقاصد الأصلية في ثلاث حالات: أحدها: ما يقتضي تأكيد المقاصد الأصلية، وربطها، والوثوق بها، وحصول الرغبة فيها، فلا شكّ أنه مقصود للشارع، فالقصد إلى التسبُّب إليه بالسبب المشروع موافقٌ لقصد الشارع فيصحُّ.
الثاني: ما يقتضي زوالها عينا، فلا إشكال أيضا في أن القصد إليه مخالف لمقصد الشارع عينا، فلا يصح التسبُّب إليه بإطلاق.
والثالث: ما لا يقتضي تأكيدا ولا ربطا، ولكنه لا يقتضي رفع المقاصد الأصلية عينا، فيصحّ في العادات دون العبادات.

طُرُق معرفة مقاصد الحكم الشرعي:
لما كان البحث عن مقاصد الأحكام الشرعية يعني البحث عن الحِكَم والمصالح التي قصدها الشارع من شرع الأحكام، فإن أهم الطرق الكاشفة عن تلك المقاصد تُشْبِه ما يسميه الأصوليون مسالك العلة؛ لأن العلة إما أن تكون هي الحِكْمَة ذاتها، أو وصفا مشتملا على الحِكْمَة. وما يصلح من مسالك العلة للكشف عن المقاصد ينحصر في ثلاثة، هي: النص الصريح، والإيماء والتنبيه، والمناسبة. أما غيرها مما يرد ذكره في مسالك العلة في كتب أصول الفقه فإما أنه لا يصلح أصلا للكشف عن العلة أو أنه لا يستقلّ بالكشف عنها.

أولا: النص الصريح: وذلك في ما وردت النصوص الشرعية بالتصريح بكونه مقصدا من مقاصد حُكْم من الأحكام الشرعية. ويدخل ضمن هذا الطريق المسلك الثاني عند ابن عاشور، وهو أدلة القرآن الواضحة الدلالة، ولكن هذا الطريق أوسع لأنه يشمل النصوص الصريحة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية. ومعلوم أن ابن عاشور اقتصر على نصوص القرآن الكريم لأنه اشترط في المقاصد التي يبحث فيها أن تكون قطعية أو قريبة من القطع، ونحن لا نلتزم بذلك في بحثنا هذا، وإنما نتحدث عن جميع المقاصد بغض النظر عن كونها قطعية أو غير قطعية الثبوت.

ومن أمثلة ذلك ما ورد من أن مقاصد الشارع في التشريع مراعاة التيسير على المكلَّفين ورفع الحرج عنهم. سواء كان ذلك بأصل الحكم المشروع، حيث إن الله تعالى لم يشرع حكما من أحكامه إلا على وجه اليُسر وعدم المشقة، أو من حيث رفع الحرج عن أصحاب الأعذار الذين تصير الأحكام الشرعية اليسيرة في أصلها شاقّة عليهم بسبب ما يطرأ لهم من أعذار، وهو ما يُسمى بالرخصة الشرعية. ومن النصوص الواردة في ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 77-78)؛ وقوله تعالى: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (البقرة: 185)؛ وقوله تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (المائدة: 6).

ومنها ما جاء في قوله تعالى: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (المائدة: 38) وقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (المائدة: 95). ففي الآيتين تصريح بأن من مقاصد العقوبة إيلام الجاني ليذوق وبال فعله وينزجر عن العود إلى مثله.

ومن أمثلة السنة النبوية قوله صلى الله عليه وسلم في النهي عن نكاح المرأة على عمتها أو خالتها: "إنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم" ففيه تصريح بأن المقصد من النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها هو تجنب قطع الرحم الناتج عما يقع بين الضرات من مشاحنة وخصومة.

ثانيا: الإيماء والتنبيه: وهو ما لم يرد فيه تصريح بالمقصد، ولكن يُستفاد منه المقصد الشرعي بقرينة من القرائن. ومن أمثلة ذلك النهي عن فعل يكون مانعا لما تقدّم وجوبه علينا؛ كالنهي عن البيع وقت صلاة الجمعة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة: 9)، ففي الآية تنبيه على أن المقصد من النهي عن البيع وقت النداء للجمعة هو أداء صلاة الجمعة على تمامها.

ثالثا: المناسبة: ويكون هذا في الأحكام الشرعية التي لم يَرِد التنصيص على المقصد منها بنص صريح، ولم يرد التنبيه عليه بقرائن مصاحبة لنصٍّ غير صريح، وإنما يُستنبط المقصد بناء على فَهْمٍ عقليّ يدلّ على أن تلك الحِكْمَة (من جلب مصلحة أو دفع مفسدة) تصلح أن تكون مقصودة للشارع من ذلك الحكم لكونها مناسبة له بشهادة تصرّفات الشرع والمبادئ المستنبطة منها. والمناسبة ترجع إلى العقل؛ ولكن ليس العقل الذي نشأ في بيئة غير إسلامية أو تشرَّب الأهواء حتى تشبَّع، وإنما هو العقل الْمُسْلم الذي تشبَّع بالتصورات والقيّم الإسلامية فصار عقلا قائما على الفطرة أو قريبا منها، ومع ذلك فهو ليس في مأمن من الخطأ في فهمه واجتهاده. ولا شك أن العقل نعمة من الله تعالى أنعم بها على البشر لتدبير أمور حياتهم وللتمييز بين المنافع والمضار، وبين الحق والباطل. والعقل هو الأداة التي يستخدمها المسلم لفهم نصوص الشرع لاستنباط الأحكام ومعرفة مقاصد تلك الأحكام. ولا شك أن الإنسان بما أودع الله فيه من فطرة وبما يكتسبه في حياته من معارف ناتجة عن التعلُّم والتفكُّر، ومن خِبْرات ناتجة عن التجارب، يمكنه إدراك الكثير مما ينفعه أو يضرُّه، ولكن العقل لا يستقل عن الشرع بالإدراك الكامل لطريق الصلاح وطريق الفساد. فقدرة العقل البشري على معرفة مُطْلَق المنافع والمضار أمرٌ ثابت، ولكن القدرة على الإدراك الكامل للمصالح والمفاسد الشرعية، بمعنى الصلاح الذي يؤدي إلى تحقيق العبودية لله تعالى، التي هي رسالة الإنسان في هذه الحياة، والمفاسد التي تؤدي إلى أن يكون الإنسان عبدا لشهواته وأهوائه بدلا من أن يكون عبدا لله تعالى، أمرٌ غير ممكن، ويدلُّ على ذلك واقع البشر الذين يسير أغلبُهُم في طريق الهوى والضلال. وأسباب عدم قدرة العقل البشري على الاستقلال بمعرفة المصالح والمفاسد بمعناها الشرعي عديدة، منها: أن عقل الإنسان لا يكون مُجرَّدًا خالصا من الشوائب، بل يتشكَّل حسب المعارف التي يتلقاها صاحبُه، ويتأثر بالبيئة التي ينشأ فيها. فالعقل الذي ينشأ في بيئة صالحة مشبَّعة بالأفكار السليمة والقيّم السامية ينشأ في الغالب على ذلك، والعقل الذي ينشأ في بيئة فاسدة مشبّعة بالأفكار الضّالة والقيّم الدنيئة يتأثّر في العادة بذلك. ومنها: أن الإنسان ليس عقلا خالصا، بل فيه جانب الشهوة التي ينشأ عنها الهوى الذي كثيرا ما يطغى على العقل ويسير بصاحبه في طريق الضلال والفساد. وقد قال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216). ومنها: أن عقل الإنسان محدود المدارك، ولا قدرة له على الحسم في ما لا تصل إليه مداركه، مثل أمور الغيب وواجبات الإنسان تجاه خالقه عز وجل. فهذه كلها تجعل العقل تابعا للشرع في أمور الصلاح والفساد ومهتديا به. ولا يعني قولنا بأن العقل تابع للشرع القول بإلغاء دور العقل، بل يعني ذلك الاستغلال الكامل للعقل دون تعسُّف وتخبُّط؛ لأن الاكتفاء بالعقل فيما هو خارج عن نطاق قدرته تعسُّف وتخبُّط، وكثيرا ما يكون ما يدعيه الإنسان إعمالا للعقل مجرد اتباع للهوى وتخبُّط في الشهوات الْمُهْلكة.

رابعا: الاستقراء: الاستقراء يفيد في أمرين: أحدهما: توكيد المقصد الشرعي، فإننا إذا استخلصنا مقصدا لحكم شرعي، وكان ذلك الاستخلاص ظنيًّا، ثم رأينا هذا المقصد نفسه في حُكم آخر، وفي حُكم ثالث، وهكذا، تأكّد لدينا أن هذا مقصد حقيقي للشارع، وقوي الظن بكونه مقصدا، وقد يصل ذلك الظن إلى مرتبة اليقين.
والثاني: استخلاص المقاصد العامة، بمعنى كون مقصد من المقاصد الشرعية مقصدا عامًّا في أحكام الشريعة، وذلك نتيجة الاستقراء، حيث يتبيَّن لنا شُيُوع هذا المقصد في أحكام الشريعة، وذلك مثل مقصد تحقيق العبودية، ومقصد تحقيق العدل، ومقصد تجنُّب النزاع والخصام يبن المسلمين، ومقصد التيسير في التشريع. وهذا في الواقع هو الهدف الأساس من الاستقراء، لأن الاستقراء في أصله لا يهدف إلى الكشف عن حكم جزئي، لأنه هو أصلا تَتَبُّعٌ للأحكام الجزئية، ولن يكون هناك استقراءٌ أصلاً إذا لم تكن الأحكام الجزئية معروفة. فهدفه تكوين القوانين الكلية التي تنتظم فيها الجزئيات؛ وإذا لم نكن نعرف مقاصد الأحكام الجزئية فماذا نستقرئ؟ فالاستقراء لا يحصل أصلا إلاّ بعد معرفة المقاصد الجزئية التي يُكشَف عنها بطريق النص الصريح أو الإيماء والتنبيه أو المناسبة، ثم يأتي بعد ذلك الاستقراء الذي هو تتبُّع الجزئيات لإثبات مقصد كلي أو عام.

وقد أدرج ابن عاشور الاستقراء ضمن طُرق إثبات المقاصد، وجعَلَهُ أعظَمَها، لأنه كان يهدف من عمله إلى إثبات المقاصد العامة للمعاملات والآداب الشرعية، ولذلك جاءت الطرق التي ذكرها متناسبة مع هذا الهدف. فبدأ بالاستقراء وجعله قبل النصوص الشرعية، لأن الاستقراء أقوى من ظواهر النصوص في إفادة العموم؛ لأنه لا يكون إلا بعد تتبُّع جزئيات كثيرة يتوصل منها إلى تكوين القوانين العامة واستخلاص الكليات. أما ما تُصرِّح به النصوص فقد ينصّ على العموم، وقد يكون دالا على المقصد بإطلاق دون تصريح بعمومه. أما الشاطبي فكان يتحدث عن طرق التعرُّف على مقاصد الخطاب الشرعي، وليس الاستقراء منها ، ولذلك لم يذكره ضمن ما ذكره من الجهات التي تعرف بها المقاصد، في حين نجده استعمله كثيرا في كتابه الموافقات لإثبات العمومات والكليات، وللرقي بالاستدلال من مرتبة الظن إلى مرتبة القطع مثل ما فعل مع الاستدلال على حجية الإجماع، حيث بنى ذلك الاستدلال على استقراء الأدلة الظنية الواردة في حجية الإجماع، وسماه التواتر المعنوي.

وبعد بيان هذه الطرق التي يتوصل بها إلى التعرف على مقاصد الشريعة بنوعيها، يتبيّن أن ما عابه بعض المعاصرين على الأصوليين من عدم عنايتهم بالحديث عن طرق الكشف عن المقاصد الشرعية غير صحيح، بل جميع ما يستخدم في الكشف عن المقاصد، سواء مقاصد الخطاب الشرعي أو مقاصد الأحكام الشرعية، يرجع إلى ما هو مذكور عند الأصوليين. والذي دفعهم إلى ذلك الظن هو قصورٌ في إدراك مُراد الأصوليين، حيث إن الأصوليين لم يستعملوا مصطلح المقاصد، واستخدموا بدلا من ذلك مصطلح الحُكْم، والعلة، والحِكْمة.

خاتمة
في ختام هذا البحث نسجل النتائج الآتية:
أولا: اختلفت طرق معرفة المقاصد بين الشاطبي وابن عاشور نتيجة لاختلاف غرض كل منهما؛ فالشاطبي كان يتحدث عن طرق التعرُّف على مقاصد الخطاب الشرعي، أما ابن عاشور فكان يرمي إلى تحديد الطرق التي تُعرف بها المقاصد العامة للأحكام الشرعية. ولذلك لم يذكر الشاطبي الاستقراء ضمن الطرق التي ذكرها لأنه لا يدخل فيها، في حين جعله ابن عاشور أوَّلها وأعظمها، لأنه هو الأقوى في إثبات عموم المقصد.
ثانيا: لقد كان سبب الإشكالات التي أثارها بعض المعاصرين حول الطرق التي ذكرها الشاطبي ناتجا عن تصوُّرهم انحصار مقاصد الشريعة في مقاصد الأحكام الشرعية، بمعنى الحِكَم والمصالح المقصودة من شرع الأحكام. وقد أدى ذلك التصوّر القاصر إلى استشكال ما ليس بمُشْكِل، كما نتج عنه اضطراب في ما صاغوه من طرق للكشف عن المقاصد.
ثالثا: من أجل صياغة سليمة ومتناسقة للطرق التي تُعرف بها مقاصد الشريعة لا بد من التفريق بين مقاصد الخطاب الشرعي ومقاصد الأحكام الشرعية.
رابعا: تقوم طرق التعرُّف على مقاصد الخطاب الشرعي على ما ذكره الأصوليون من طرق لاستنباط الأحكام الشرعية. وتدور طرق معرفة مقاصد الأحكام الشرعية حول مسالك العلة المتمثلة في النص الصريح، والإيماء والتنبيه، والمناسبة.
خامسا: ما عابه بعض المعاصرين على الأصوليين من عدم عنايتهم بالحديث عن طرق التّعرف على المقاصد الشرعية غير صحيح، بل جميع ما يُستخدم في الكشف عن المقاصد، سواء مقاصد الخطاب الشرعي أو مقاصد الأحكام الشرعية، يرجع إلى ما هو مذكور عند الأصوليين.

المراجع
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، الموافقات، تحقيق عبد الله دراز (بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت)
أبو حامد الغزالي، المستصفى من علم الأصول، تحرير نجوى ضو (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د. ت).
بن زغيبة عزالدين، المقاصد العامة للشريعة الإسلامية (القاهرة: مطابع دار الصفوة للطباعة والنشر، ط1، 1417هـ/ 1996م).
جمال الدين الإسنوي، نهاية السول، مطبوع مع شرح البدخشي (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1405هـ/ 1984م).
جمال الدين عطية، نحو تفعيل مقاصد الشريعة (دمشق: دار الفكر، ط1، 1422ه/ 2001م).
عبد المجيد النجار، "مسالك الكشف عن مقاصد الشريعة بين الشاطبي وابن عاشور"، مقال منشور في مجلة: العلوم الإسلامية، دورية تصدر عن جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة، الجزائر، س2، ع2، رمضان 1407هـ/ ماي 1987م. موجود على الرابط: http://www.feqhweb.com/vb/t1937.html
عبد المجيد النجار، مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة (بيروت: دار الغرب الإسلامي، ط1، 2006).
علي بن محمد الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق سيد الجميلي (بيروت: دار الكتاب العربي، ط2، 1406هـ/ 1986م).
محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق ودراسة محمد الطاهر الميساوي (ماليزيا: دار الفجر، عمان: دار النفائس، ط1، 1420هـ/ 1999م).
محمد سعد اليوبي، مقاصد الشريعة وعلاقتها بالأدلة الشرعية (الرياض: دار الهجرة للنشر والتوزيع، ط1، 1418ه/ 1998م).
نعمان جغيم، طرق الكشف عن مقاصد الشارع (الأردن: دار النفائس للنشر والتوزيع، 2002م)
يوسف حامد العالم، المقاصد العامة للشريعة الإسلامية (الرياض: الدار العالمية للكتاب الإسلامي، ط2، 1415هـ/ 1994م).

ملحوظة: لم تظهر الهوامش في هذه النسخة، ولذلك أرفقت نسخة كاملة بالهوامش.

الملفات المرفقة طُرُق معرفة مقاصد الشريعة بين الشاطبي والكُتَّاب المعاصرين.pdf‏ (554.5 كيلوبايت)

المصدر...

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

__________________

تابع كل جديد يوميا على صفحة رفعنا على ارشيف هنا
https://archive.org/details/@rabieaa...B5%D8%AD%D9%81
وهنا اكثر التحميلات في حساباتنا القديمة
https://archive.org/details/@_2018?sort=-week
وهنا
https://archive.org/details/@yolyo20...com?sort=-week
وهنا صفحة البحث في ارشيف عن اي مصحف اكتب ما تريد في الخانة الثانية ثم انتر
https://archive.org/advancedsearch.php


ثانيا


لاي طلب او استفسار
هنا الاميل

alfirdwsiy1433@ymail.com



اقدم لكم هدايا ذهبية


اكسب ملايين الحسنات بسبب التويتر ___اضغط بسرررررعة




____________
___________________

بشرى و مفاجاة ____1


هنا ربع مليون صفحة تقريبا تزيد 100 الف كل عام ان شاء الله تجدهم على حسابين



هنا الحساب الاول

الاحدث

https://archive.org/details/@yolyo20...rt=-publicdate

الاكثر تحميلا

https://archive.org/details/@yolyo20...ort=-downloads
_________________
_____________

هنا الحساب الثاني

الاحدث

https://archive.org/details/@_2018?sort=-publicdate

الاكثر تحميلا

https://archive.org/details/@_2018?sort=-downloads

____________________________
_________________________________________

وهنا الاكثر تحميلا للمصاحف في حساباتنا القديمة

https://archive.org/search.php?query...ort=-downloads

______

________

_____







بشرى و مفاجاة ____2

صدر حديثا على موقع ارشيف تقنية تمكنك عند السماع اونلاين لاي مصحف او اي صوتيات
يمكنك 2 ميزة

الميزة الاولى___ستجد رسمة الساعة اعلى الصفحة على اليمين__هذه الرسمة لتسريع الصوت
فيمكنك تسريع الصوت لاي مصحف بمقايييس مختلفة للسرعة للسماع حدر اونلاين لاي مصحف
وقبل ان اذكر لك الميزة الثانية اليك الرابط
هنا آلاف المصاحف مرفوعة على ارشيف مع الترتيب للاحدث فتابع الجديد يوميا هنا
https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate

____الميزة الثانية ____رسمة البطة___ستجدها اعلى الصفحة على اليمين ايضا بجوار سور المصحف الصوتية في جدول السماع

اذا ضغطت على رسمة البطة ستحول الشكل الى مشغل صوتيات مع خاصية الكوليزر الرهيبة للسماع اونلاين
بجودة صوت خيالية مع تغيير الكوليزر حسب ذوقك في الاستماع للحصول على صدى صوت وتقنيات رهيبة


_________________

_____________________


_______________________


_______________________________________






وهنا سلسلة مصاحف موقع طريق الإسلام



_الان تم رفعها على ارشيف لتكون برابط


واحد فقط صاروخي


هنا تجد كل المصاحف على ارشيف مع الترتيب للاحدث

https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate










عندما تفتح لك نتائج البحث اضغط على عنوان اي مصحف

وبعد ان تفتح لك صفحة المصحف ستجد جدول للسماع اونلاين

وتحت السماع على اليمين ستجد كلمتين

كلمة VBR MP3 __اضغط عليها كليك يمين لتحميل كل المصحف برابط واحد

ستفتح لك اختيارات اختار SAVE LINK AS ____ او ___التحميل بواسطة داونلود مانجر اذا كنت مسطبه





___اما اذا اردت التحميل المنفرد سورة سورة ستجد كلمة اخرى وهي SHOW ALL

اضغط عليها كليك يسار ستفتح لك صفحة فيها كل السور

اضغط على رقم اي سورة لتحميلها واختار صيغة ام بي ثري


وهنا الموقع الاصلي لكل المصاحف ولكن التحميل منه منفرد سورة سورة
https://ar.islamway.net/recitations










___________________________
وهنا لاول مرة____100 مصحف مصور معلم صوت و كتابة___مع الترتيب للاحدث__فتابع كل جديد يوميا هناااااأأأ


https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate
__________________________________________________ ______________
_



وهنا الاف الكتب قراءة اونلاين و تحميل صاروخي مع الترتيب للاحدث ---- تابع كل لحظة

https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate






ونحن نجدد كل الروابط قريبا ان شاء الله نكملها كلها

من وجد اي رابط لا يعمل او اراد اي مادة صوتية او مرئية
فعليه ان يضغط على رابط المزيد ---في اي موضوع من مواضيعي

وووووووووو عليه ان يتعلم كيفية البحث في موقع ارشيف
وهنا الشرح اضغط هنا بسرررررررعة
https://archive.org/details/archive--__search

واليكم المفاجاة الذهبية من اهم الهدايا

هنا برنامج ايات الرهيب مصحف معلم صوت و صورة لكل القراء

مع معظم تفاسير القران مع مصحف مكتوب بجودة خيالية طبعة المدينة بتشكيل حفص و نسخة التجويد و بتشكيل رواية ورش

مع الشرح بالتفصيل

لللبرنامج كل هذا بحجم 120 ميجا اضغط هنا للشرح التفصيلي

وهنا التحميل اضغط بسرررررعة
https://archive.org/details/Ayat--1__2016



واليكم المفاجاة العملاقة الثانية

برنامج كلام الله

اصدار جديد --1--2016

برنامج معلم الكتروني صوت و صورة

فيه مزايا رهيبة خيالية لا تصدق
هنا الشرح التفصيلي الواضح اضغط هنا بسرعة
وهنا التحميل الصاروخي برابط واحد اضغط هنا بسررعة
https://archive.org/details/klam--__allah__1__2016


اليكم ايضا الهدية العملاقة الثالثة

مصاحف القران مكتوبة

يصيغة الباوربوينت الرهيبة

خمس مصاحف هنا
اضغط بسرررررعة
https://archive.org/details/powerpoint--__2016






-------------------------








وهنا البحث في موقع ارشيف العملاق بحث عادي و بحث متقدم عن اي مصحف او عن اي صوتيات و مرئيات سماع اونلاين و تحميل صاروخي هنا

https://archive.org/advancedsearch.php?



وهنا الاف المصاحف متجددة مع الترتيب للاحدث تابعوا هنا

https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate


وهنا الترتيب تبعاا للاكثر تحميلا

https://archive.org/search.php?query...ort=-downloads




____________________________


ملحوظة هامة جداااااااااااااااااا

هذا رابط البحث في موقع ارشيف اذا اردت ان تيحث عن اي شيء

https://archive.org/advancedsearch.php


ستجد الخانة الثانية مكتوب فيها على اليسار كلمة
title
وامامها على اليمين مستطيل خالي

اكتب في المستطيل الخالي امام كلمة تيتل -----اكتب فيه اي شيء
ثم انتر او ثم اضغط على كلمة
search
اسفل الجدول الاول
وكلمة تيتل معناها العنوان --بعكس الخانة الاولى
any field
يعني اي مكان لكن لو كتبت امامها سيظهر لي نتائج كثيرة غير دقيقة
لكن الكتابة بجوار التتل افضل لكي يكون بحث اكثر دقة فانا مثلا ابحث عن مصحف العجمي
اكتب امام التتل كلمة العجمي
واذا اردت الملفات المبرمجة لبرنامج كلام الله
فاكتب في خانة البحث امام التتل كلمة---برنامج كلام الله ---ثم اكتب بجوارها اسم اي قارئ
واذا اردت اي مصحف مقسم صفحات او ايات
فاكتب في خانة البحث اسم اي قارئ و بجواره صفحات او ايات
حسب ما تريد
ولاحظ ان كتابة الكلمة حساسة
فحاول تجرب كل الاقتراحات يعني مثلا
مرة ابحث عن العجمي بالياء ---ومرة ابحث عن العجمى هكذا بدون نقط الياء
لان صاحب المصحف الذي رفعه لو كتبه بالياء اذن انا لازم اكتب في بحثي نقط الياء
لان موقع ارشيف دقيق في كتابة كلمة البحث بعكس جوجل الذي لا يدقق في كتابة كلمة البحث



لمزيد من الشرح العملاق عن موقع ارشيف وكل خصائصه

هنا فيديو و كتابة

هنااااااااااااااااااااااا__________ااااااااااااااا
https://archive.org/details/Arch1251252455415255215



__________________________________________________ _____

هدايا ---اخرى هامة 15 هدية

الاولى كيف تحفظ القران بخاصية التكرار مع برنامج الريال بلاير الرهيب وتوضيح مزاياه الرهيبة مع تحميل القران مقسم ل ايات و سور و ارباع و اجزاء و احزاب و اثمان و صفحات مصحف مرتل و معلم و مجود
مع توضيح كيف تبحث في موقع ارشيف عن كل ذالك


والثانية
خطا شائع عند كثير من الناس في قراءة حفص بل في كل القراءات العشر
تسكين الباء في كلمة السبع في قوله تعالى ( وما اكل السبع ) سورة المائدة الاية 3
والصحيح ضمها لان المراد بها هنا حيوان السيع بخلاف السبع المراد بها العدد سبعة فان الباء تسكن كما في سورة المؤمنون الاية 86
- قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم - ولا تنسى قراءاة كتاب اسمه الاخطاء الشائعة في قراءة حفص وهذا رابطه لتحميله
https://archive.org/download/akhtaaa...ng-of-hafs/pdf



واسمع اليها في تلاوة عندليب الاسكندرية الخاشع الشيخ شعبان محمود عبد الله السورة رقم 5 المائدة في الاية رقم 3 والسورة رقم 23 المؤمنون
حيث يقف الشيخ على كلمة السبع في سورة المائدة لتوضيح ضم الباء

https://archive.org/details/64--kb-s...n--114/005.mp3




والهدية الثالثة

لاول مرة من شرائي ومن رفعي
رابط ل صفحة ارشيف تجد في اعلاها
مصحف الحصري معلم
تسجيلات الاذاعة
نسخة صوت القاهرة
النسخة الاصلية الشرعية
لانا معنا اذن من شركة صوت القاهرة بنشر كل مصاحفها بعد شرائه وتجد في نفس الصفحة كيفية الحصول على مصاحف اخرى نسخة صوت القاهرة



وحين تفتح لك الصفحة اقرا فيها كيفية الحصول على كل مصاحف صوت القاهرةبجودة رهيبة لا تصدق سي دي اوديو معدل الجودة 1411 ك ب
وايضا بجودة رهيبة ام بي ثري معدل الجودة 128 كيلو بايت

ايضا تجد في نفس الصفحة
رابط ل ملف مضغوط zip فيه روابط ل 696 مصحف مقسمين الى روابط تورنت ومباشرة وجودة فلاك مع الشرح كيف تكفر عن ذنوبك وتكسب ملايين الحسنات عن طريق التورنت
مع برنامج تورنت سريع وشرح كيفية عمله
مع هدايا اخرى ومفاجات
والهدية الرابعة

اسطوانة المنشاوي المعلم صوت و صورة نسخة جديدة 2013 نسخة اصلية من شركة رؤية مع مجموعة قيمة جدا من الاسطوانات التي تزيد يوما بعد يوم على نفس الصفحة


والهدية الخامسة

مصحف المنشاوي المعلم فيديو من قناة سمسم الفضائية

والهدية السادسة


مصحف المنشاوي المعلم صوتي النسخة الاصلية بجودة رهيبة 128 ك ب

والهدية السابعة

مصحف القران صوتي لاجمل الاصوات مقسم الى ايات و صفحات و ارباع و اجزاء و اثمان و سور كل مصحف برابط واحد صاروخي يستكمل التحميل



الهدية الثامنة

من باب الدال على الخير كفاعله انشروا الخير في كل مكان وهنا تجد كل روابط ارشيف




هنا البحث في موقع ارشيف العملاق بحث عادي و بحث متقدم عن اي مصحف او عن اي صوتيات و مرئيات سماع اونلاين و تحميل صاروخي هنا

https://archive.org/advancedsearch.php?



وهنا الاف المصاحف متجددة مع الترتيب للاحدث تابعوا هنا

https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate


وهنا الترتيب تبعاا للاكثر تحميلا

https://archive.org/search.php?query...ort=-downloads



والهدية التاسعة


جميع ختمات قناة المجد المرئية بجودة خيالية صوت و كتابة مصحف القران مقسم اجزاء و احزاب اون لاين مباشر


الهدية العاشرة

اون لاين مباشر جميع تلاوات القران الخاشعة المبكية فيديو

الهدية 11

اون لاين مباشر جميع تلاوات القران الخاشعة المبكية اوديو



الهدية 12

جميع مصاحف الموبايل الجوال - القران كاملا بحجم صغير جدا و صوت نقي

الهدية13

برنامج الموبايل و الجوال صوت و كتابة لكل الاجهزة الجيل الثاني و الثالث و الخامس


الهدية14

الموسوعة الصوتية لاجمل السلاسل والاناشيد والدروس و الخطب لمعظم العلماء


الهدية 15

الموسوعة المرئية لاجمل الدروس و الخطب


الهدية 16



____________
نكمل كلامنا عن اهم مواقع المصاحف المنتشرة على النت


____

هنا مصاحف موقع قراء جدة برابط واحد صاروخي



هنا مرفوعة على موقع ارشيف مع الترتيب للاحدث فتابع هنا

https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate





________________________
وهنا الموقع الاصلي كل القراء

http://www.quran-jed.net/index.php









___________________________










___________






وهنا كل مصاحف موقع روائع التلاوات برابط واحد صاروخي



هنا مرفوعة على موقع ارشيف مع الترتيب للاحدث فتابع هنا

https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate




وهنا الموقع الاصلي كل القراء

http://rawae.net/quraa









___________________________




_________________________

وهنا سلسلة مصاحف موقع مداد



هنا على ارشيف مع التريب للاحدث




https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate


__________________________________________________
وهنا الموقع الاصلي موقع مداد

ولكن التحميل منه منفرد سورة سورة

مع الترتيب للاحدث




http://midad.com/recitations/new






_____________________


_____________________________________








___________________

_____________



وهنا كل مصاحف موقع شروق الاسلام برابط واحد صاروخي



هنا مرفوعة على موقع ارشيف مع الترتيب للاحدث فتابع هنا

https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate

وهناااا
https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate



________________________
وهنا الموقع الاصلي مع الترتيب للاحدث


http://islamrise.com/Quranic_Recordings






___________________________




وهنا كل مصاحف موقع نداء الاسلام برابط واحد صاروخي



هنا مرفوعة على موقع ارشيف مع الترتيب للاحدث فتابع هنا

https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate


________________________
وهنا الموقع الاصلي مع الترتيب للاحدث

http://islam-call.com/quran?complete...A8%D8%AD%D8%AB



__________________________________




وهنا كل مصاحف موقع القران ام بي ثري برابط واحد صاروخي



هنا مرفوعة على موقع ارشيف مع الترتيب للاحدث فتابع هنا

https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate


________________________
وهنا الموقع الاصلي مع الترتيب للاحدث

http://www.mp3quran.net/







______________




________________






وهنا كل مصاحف موقع إسلام ويب برابط واحد صاروخي



هنا مرفوعة على موقع ارشيف مع الترتيب للاحدث فتابع هنا

https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate


________________________
وهنا الموقع الاصلي مع الترتيب للاحدث

http://audio.islamweb.net/audio/inde...page=qareelast




____________________



وهنا كل مصاحف موقع دار القران



جميع الاصوات المغربية الخاشعة برابط واحد صاروخي



هنا مرفوعة على موقع ارشيف مع الترتيب للاحدث فتابع هنا

https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate


________________________
وهنا الموقع الاصلي ولكن التحميل منفرد سورة سورة

لكل القراء المغاربة

http://darcoran.net/?taraf=Masmou3a&sinf=1
________________________







___________________________




___________________________-






وهنا كل المصاحف المصورة مع الترتيب للاحدث

https://archive.org/search.php?query...rt=-publicdate





__________________________________








______________________________











ملحوظة هامة جداااااااااااااااااا

هذا رابط البحث في موقع ارشيف اذا اردت ان تيحث عن اي شيء

https://archive.org/advancedsearch.php


ستجد الخانة الثانية مكتوب فيها على اليسار كلمة
title
وامامها على اليمين مستطيل خالي

اكتب في المستطيل الخالي امام كلمة تيتل -----اكتب فيه اي شيء
ثم انتر او ثم اضغط على كلمة
search
اسفل الجدول الاول
وكلمة تيتل معناها العنوان --بعكس الخانة الاولى
any field
يعني اي مكان لكن لو كتبت امامها سيظهر لي نتائج كثيرة غير دقيقة
لكن الكتابة بجوار التتل افضل لكي يكون بحث اكثر دقة فانا مثلا ابحث عن مصحف العجمي
اكتب امام التتل كلمة العجمي
واذا اردت الملفات المبرمجة لبرنامج كلام الله
فاكتب في خانة البحث امام التتل كلمة---برنامج كلام الله ---ثم اكتب بجوارها اسم اي قارئ
واذا اردت اي مصحف مقسم صفحات او ايات
فاكتب في خانة البحث اسم اي قارئ و بجواره صفحات او ايات
حسب ما تريد
ولاحظ ان كتابة الكلمة حساسة
فحاول تجرب كل الاقتراحات يعني مثلا
مرة ابحث عن العجمي بالياء ---ومرة ابحث عن العجمى هكذا بدون نقط الياء
لان صاحب المصحف الذي رفعه لو كتبه بالياء اذن انا لازم اكتب في بحثي نقط الياء
لان موقع ارشيف دقيق في كتابة كلمة البحث بعكس جوجل الذي لا يدقق في كتابة كلمة البحث




لمزيد من الشرح العملاق عن موقع ارشيف وكل خصائصه

هنا فيديو و كتابة

هنااااااااااااااااااااااا__________ااااااااااااااا

https://archive.org/details/Arch1251252455415255215
رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 07:09 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات