تسبيح الكائنات لخالقها سبحانه
الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
قال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [النور: 41].
يقول الإمام ابن كثير- رحمه الله-: "يُخبر الله تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه الذي خضع له كل شيء، ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها؛ جماداتها وحيواناتها ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة، فأخبر أن كل ما له ظلَّ يتفيَّأ ذات اليمين وذات الشمال؛ أي بكرًة وعشيًّا، فإنه ساجد لله تعالى، قال مجاهد: إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله عز وجل"[1].
والكون كله يوحد الله ويسبحه ويمجده؛ كما قال سبحانه تعالى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء:44]، "وَهَذَا عَامٌّ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتِ وَالْجَمَادِ"(13).
وتسبيحها تسبيح حقيقي فطرها وجبَلها عليها خالقُها، لا يعلمُ كيفيته وصفته إلا هو سبحانه؛ كما قال عز وجل: ﴿ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].
ومما ورد في هذا الصدد ما أخرج ابن السُّني في عمل اليوم والليلة وغيره وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة، من حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (ما تَسْتَقِلُّ الشمسُ فيبقَى شيٌء من خلق الله إِلا سَبَّح الله بحمدِه، إلا مَا كان من الشياطين وأغبياء بني آدم)"[2].
ومما يُروى أن ما يصيب بعض المخلوقات من العجماوات والأشجار وغيرها، بسبب ما ضيَّعت من تسبيح الله وتقديسه، وتنزيهه وذكره جل في علاه، وفي ذلك إشارة إلى أن الله قد جعل لها إدراكًا خاصًّا علَّمها إياه بارؤها سبحانه وتعالى، فعن ميمون بن مهران (ت: 117هـ) - رحمه الله - قال: "أُتي أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - بغراب وافر الجناحين، فجعل ينشر جناحه ويقول: ما صيدَ مَن صيد، ولا عُضِدت من شجرة، إلا بما ضيَّعت من التسبيح"[3].
و"لقد تضاءلت لعظمته المخلوقات العظيمة، وصغُرت لدى كبريائه السماوات السبع ومَن فيهنَّ، والأرضون السبع ومن فيهنَّ، وافتقر إليه العالم العلوي والسفلي فقرًا ذاتيًّا لا ينفك عن أحد منهم في وقت من الأوقات"[4].
[1] تفسير ابن كثير: (4/ 575).
[2] أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (146) وعنه الديلمي (4/ 46( وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 111) من طريق بقية بن الوليد حدثني صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن ميسرة أبي سلمة الحضرمي عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات معروفون غير أبي سلمة الحضرمي، وقد روى عنه جمع منهم حريز بن عثمان، وقد قال أبو داود: " شيوخ حريز كلهم ثقات"، وقال العجلي: "شامي تابعي ثقة".
وبقية الكلام فيه معروف، والراجح منه الاحتجاج بحديثه إذا صرح بالتحديث عن شيخه، وقد قال الذهبي في " الكاشف ": "وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات، وقال النسائي: إذا قال: (حدثنا) و (أخبرنا)، فهو ثقة"، ويُنظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها: برقم: (2224).
[3] رواه إسحاق بن راهويه في تفسيره: (ص: ؟؟؟؟)، وذكره الباحث بصيغة التمريض؛ لأنه لم يقف عليه بسند يطمئن إليه، وتبرأ به الذمة، ومثل هذا قد لا يُستبعد حسًّا وعقلًا إذا ثبت ذلك شرعًا، (الباحث).
[4] تفسير ابن سعدي: (1/ 458)، بتصرف.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك