03-08-2016, 11:25 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,634
|
|
القول بالتفويض..بين النسبة إلى السلف والنسبة إلى الحشوية!
القول بالتفويض
بين النسبة إلى السلف والنسبة إلى الحشوية !
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فمن المعلوم أن متأخري المتكلمين ينسبون إلى السلف القول بتفويض معاني آيات الصفات الخبرية، وأنها مما لا يعلم معناه إلا الله (انظر: حاشية البيجوري على الجوهرة ص156)، وهذه المسألة لها ارتباط بمسألة تحدث عنها جمهور الأصوليين وهي: هل يشتمل القرآن على ما لا نفهم معناه ؟ وبعضهم -كالبيضاوي- ترجمها بـ(الخطاب بالمهمل)، وهذه المسألة هي من المسائل التي يعد تحرير الخلاف فيها مشكلاً، واستشكله بعض الأصوليين الكبار -كما سيأتي-، والتأمل في تقريرات الأصوليين فيها يبرز لنا وجهاً من أوجه الإشكال الواردة على نسبة التفويض للسلف، والواقع أن الإشكالات التي تعارض هذه النسبة كثيرة جداً، لكن الغرض هنا الإشارة إلى أحدها .
وأود ابتداءً التنبيه على أن العلماء لا يختلفون في وقوع التشابه النسبي في القرآن والسنة، أي أن من النصوص ما يخفى معناه على بعض الناس دون بعض، فوقوع مثل هذا أمر متفق عليه (انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام 3/62، 13/285، 17/307)، والكلام هنا هو عن التشابه المطلق، أي خفاء المعنى عن جميع البشر .
هل يشتمل القرآن على ما لا نفهم معناه ؟ نقل الزركشي في (تشنيف المسامع) ثلاثة أقوال :
الأول: أن اشتمال القرآن والسنة على ما لا نفهم معناه ممتنع، ونسبه لأكثر الأصوليين
الثاني: أن ذلك جائز، ونسبه للحشوية
الثالث: التفصيل، فالخطاب الذي تعلق به تكليف لا يجوز أن يكون غير مفهوم المعنى، وما لا يتعلق به تكليف فيجوز، ونسبه لابن برهان (انظر: تشنيف المسامع 1/278)
والسؤال هنا: ما هو محل الخلاف بين الجمهور والحشوية ؟ هل هو :
1-أن يرد في الوحي ما لا معنى له أصلا ؟
2-أم ورود ما له معنىً لكننا لا نفهمه ، ولا يعلم معناه إلا الله ؟
للأصوليين في تحديد محل الخلاف اتجاهان، والذي يشكل على نسبة التفويض إلى السلف هو الاتجاه الثاني :
الاتجاه الأول: من يجعل محل النزاع هو الأول، وعليه يكون قول الحشوية هو تجويز ورود ما لا معنى له في القرآن، ومن أصحاب هذا الاتجاه :
أ-الآمدي ، فإنه قال: (القرآن لا يتصور اشتماله على ما لا معنى له لكونه في نفسه لكونه هذياناً ونقصاً يتعالى كلام الرب عنه، خلافاً لمن لا يؤبه له) (الإحكام 1/244) فيلاحظ أنه ذكر وجود الخلاف في المحل الأول -وإن لم يعتد به-، بل إنه جعل مما يمكن أن يستند عليه الحشوية هو أن في القرآن ما لا يعلم معناه إلا الله فإن جاز ذلك فليجز ورود ما لا معنى له لأنهما بنفس المعنى (انظر: الإحكام 1/245)، وهو وإن كان قد أجاب عن هذا، إلا أن فيه دلالة واضحة على أن ورود ما له معنى لا يعلمه إلا الله هو أمر مُسَلَّم، وأن الخلاف هو فيما لا معنى له.
ب-الرازي، حيث قال: (لا يجوز أن يتكلم الله تعالى بشيء ولا يعني به شيئاً، والخلاف يه مع الحشوية) (المحصول 1/539)
الاتجاه الثاني: من يجعل محل النزاع هو الثاني، وعليه يكون الحشوية قائلين باشتمال الوحي على ما له معنىً لا نفهمه، ولا يعلم معناه إلا الله، وهو عين القول الذي ينسبه المتكلمون للسلف في آيات الصفات الخبرية! وهذا الاتجاه يمثله عدد من متأخري الأصوليين (من المتكلمين)، ومن أقوالهم في ذلك :
أ-قول الزركشي: (خلاف الحشوية فيما له معنىً لكن لم نفهمه، كالحروف المقطعة وآيات الصفات... أما ما لا معنى له أصلاً فاتفاق العقلاء لا يجوز وروده في كلام الله، نعم كلام صاحب "العهد" يوهم أن الخلاف في أنه هل يجوز أن يتكلم الله بشيء ولا يعني به شيئاً؟ وهو بعيد)(تشنيف المسامع 1/278)
ب-ما نقله ابن النجار عن القرافي حيث قال: (قال القرافي في "شرح جمع الجوامع" : والظاهر أن خلافهم فيما له معنىً ولا نفهمه، أما ما لا معنى له أصلاً فمنعه محل وفاق)(شرح الكوكب المنير 2/143)
ج-قول الشيخ حسن العطار: (لا يصح أن يكون محل النزاع : الخطاب بما لا معنى له لأن أحداً ممن يوثق بعلمه لم يقل بذلك)(حاشية العطار على المحلي 1/302)
د-قول العلوي الشنقيطي: (أما ما لا معنى له أصلاً فلا يجوز وقوعه فيهما باتفاق العقلاء)]نشر البنود على مراقي السعود(1/85)
وفي الحقيقة هذا الاتجاه يتعارض بشكل واضح مع نسبة التفويض إلى السلف؛ وهو أمر يدعو -على الأقل- إلى مراجعة هذه النسبة إذا علم المتكلم أن القول الذي ينسبه إلى السلف هو عين القول الذي ينسبه إلى الحشوية!
وقد استشكل تخصيص الخلاف بالحشوية بعض الأصوليين:
1-فظاهر كلام الزركشي في (البحر) أنه ممن يستشكل هل المحل الأول هو مما تنازعوا فيه أم لا؟ ولذا قال: (فمحل النزاع غير منقح) (البحر المحيط 1/457)
2-وقرر العطار أن لا سبيل إلى إثبات النزاع لا في المحل الأول ولا الثاني، أما الأول فهم متفقون على نفي وقوعه، ولا يوجد أحد يوثق بعلمه خالف في هذا، وأما الثاني فهو متفقون على وقوعه كما في فواتح السور والآيات المتشابهات. (حاشية العطار 1/302)
3-وقال العلوي الشنقيطي: (واستُشكِلَ تخصيص الخلاف بالحشوية مع وقوع المتشابه في القرآن) (نشر البنود 1/85)
هذه إحدى الإشكالات الواردة على نسبة التفويض إلى السلف، أحببت الإشارة إليها في هذا المقال بشكل موجز.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|