أسباب تأخر ظهور المصارف الإسلامية
جابر شعيب الإسماعيل
تُعَدُّ الصيرفة الإسلامية جزءًا لا يتجزَّأ من النِّظام الاقتصادي الإسلامي، الذي نَما وترعرع تحت كَنَفِ العقيدة الإسلامية السمحاء، ولكن نتيجة لأسباب عديدة لم يكتملْ تطبيقَه بالشكل الذي نلحظه حاليًّا، والتوسع الكبير الذي يشهده النِّظام المصرفي الإسلامي إلاَّ بعد فترة ليست بالقصيرة.
وإذا ما قارنَّا عُمر المصرفية الإسلاميَّة بالتقليديَّة (الرِّبويَّة)، نجدها ما زالت في مقتبل العمر، فلا تتجاوز عمر أقدم تَجارب المصارف الإسلاميَّة خمسين عامًا، وهو عمر المصارف الوطنية في مُعظم الدُّول العربية الإسلاميَّة، بينما يزيد عمر المعاملات المصرفيَّة في أوربا عن أربعمائة عام،[1]
ويرجع أسبابُ تأخُّر ظهور المصارف الإسلاميَّة إلى مجموعة من الأسباب أهمها:
1- الانحراف والبُعد عن الشَّريعة الإسلامية، والفَوضى السياسيَّة في الخلافات الإسلامية المتتابعة.
2- بروز دويلات صغيرة وضعيفة ومُنشقة عن الحكم المركزي الإسلامي، ونشوب الحروب فيما بينها.
3- الحروب المتواصلة مع الصليبيِّين والمغول والتتار، الذين هدموا وأفسدوا البلاد الإسلامية.
4- انتشارُ الجهل والخرافة وانعدام التعليم؛ مما أدَّى للابتعاد عن أمورِ التَّمويل والاستثمار.
5- خضوع غالبية الدُّول الإسلامية للاحتلال لفترات طويلة، وإجبار الدُّول الإسلامية لاتِّباع الأنظمة النَّقدية والاقتصادية للدُّول المحتلة.
6- تقلُّص الزراعة أدَّى إلى جزء ضئيل عما كانت عليه في القرن العاشر الميلادي، كما تقلص عددُ السكان نسبيًّا، فأصبحت الأراضي تؤخذ من أصحابها بأوامر القادة العسكريين، كما بَقِيَت طرق الفلاحة على حالها، وظل الفلاحون هكذا، فنَتَجَ عن ذلك ضعف المحاصيل، وعدم الحاجة إلى التمويل والقيام بعمليات الاستثمار.
7- عدم وجود الوعي المصرفي الإسلامي لدى أغلبيَّة الشعب؛ مما أدَّى إلى الابتعاد عن القيام بعمليات مصرفية إحياءً للنظام المصرفي الإسلامي.
8- ضعف أنشطة الإنتاج من صناعة تَحتاج إلى تمويل بصيغ الاستصناع أو غيرها، أو تِجارة تحتاج لمضاربة أو مرابحة، إضافة إلى غياب كامل للأنشطة الاقتصادية التي نلاحظها اليوم.
9- عدم وجود الكوادر الاقتصادية الإسلامية التي تقوم بهذا الدَّور؛ حيث اقتصر الدور على الداعية الإسلامية فقط.
10- بروز الأحزاب السياسية والشعارات والأهداف والتعصُّب لكل منها، بعيدًا عن الشريعة الإسلامية.
لقد كان لهذه الأسباب دَور كبير في غياب واضح للأنشطة المصرفية الإسلاميَّة لفترات طويلة؛ مما أدَّى إلى ظهور الأزمات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتعددة.
وبَقِيَ الحال هكذا حتى جاءت الدَّعوات الصادقة والجادَّة لإنشاء وإقامة المصارف الإسلامية على أسس النِّظام الاقتصادي الإسلامي في مُنتصف الستينيَّات من القرن العشرين.
وسرعان ما انتشرت حتى لمعت في أرقى البلاد العربية والغربية؛ نتيجة لأهدافها الواضحة ورسالتها الخالدة.
ــــــــــ
[1] شلهوب: علي محمد، "شؤون النقود وأعمال البنوك"، دار شعاع، حلب، سوريا، 2007، ص 404.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك